لم يكد يستبشر العالم خيراً بانطلاق عملية التلقيح ضدّ فيروس «كورونا»، حتى ظهرت أنباء اكتشاف سلالة جديدة من الفيروس، أكثر قدرة على الانتشار من سابقتها، وهو ما يهدّد بتفشٍّ أكبر، إلى أن يتمّ تلقيح عدد كافٍ من السكّان، لا يُصنّف المجتمع الطبّي الفيروسات ككائن أو شكل حياة، وإنما في منطقة رمادية...
لم يكد يستبشر العالم خيراً بانطلاق عملية التلقيح ضدّ فيروس «كورونا»، حتى ظهرت أنباء اكتشاف سلالة جديدة من الفيروس، أكثر قدرة على الانتشار من سابقتها، وهو ما يهدّد بتفشٍّ أكبر، إلى أن يتمّ تلقيح عدد كافٍ من السكّان
لا يُصنّف المجتمع الطبّي الفيروسات ككائن أو شكل حياة، وإنما في منطقة رمادية بين الأشكال الحيّة وغير الحيّة، في ما يشبه «روبوتاً» بيولوجياً من نوعٍ ما. وعلى غرار كلّ أشكال الوجود، تَطوّر فيروس «كورونا» إلى نسخة أكثر قدرة على الانتشار بنسبة تصل إلى 70 في المئة من سابقتها، لكنها ليست أشدّ خطورة لناحية المرض الذي تُسبّبه، وذلك بحسب ما أعلنه رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، فيما وصف وزير الصحة البريطاني السلالة الجديدة بـ«الخارجة عن السيطرة». ويثير ظهور هذه النسخة، المسؤولة عن 60 في المئة من الإصابات في العاصمة لندن وفق المُعلَن رسمياً، القلق لدى السلطات البريطانية. وكجزء من محاولة الأخيرة السيطرة على السلالة الجديدة، خضع أكثر من 16 مليون بريطاني لإجراءات إغلاق جديدة وصارمة من المستوى الرابع، دخلت حيّز التنفيذ يوم أمس في لندن وجنوب شرق إنكلترا.
وقبل التوغّل في المعلومات الآتية من «بلاد الضباب»، تجدر العودة إلى الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. حينها، أعلنت السلطات الدنماركية أنها أعدمت، عبر الحَرق، أكثر من 17 مليون حيوان «مِنك»، وهو من فصيلة «ابن عرس»، وذلك بعد إصابة حوالى 800 شخص بنوع جديد من فيروس «كورونا» كان قد أصاب تلك الحيوانات. وبحسب ما ذكرته صحيفة «ذا غارديان» آنذاك، حظرت بريطانيا القادمين من الدنمارك، في محاولة لاحتواء السلالة الجديدة، وسط مخاوف من أن تؤدي قفزة أخرى في الفيروس من الحيوانات إلى البشر إلى جعله أكثر فتكاً. وبالإضافة الى الدنمارك، أبلغت خمس دول أخرى هي: إسبانيا وإيطاليا وهولندا والسويد والولايات المتحدة عن إصابات بـ«كورونا» في حيوان «المِنك»، وهو تغيّر في الفيروس سُمّي «N501Y».
في دراسة أُجريت بالنيابة عن «اتحاد الجينوم» في المملكة المتحدة، ونُشرت على موقع «virological» يوم أول من أمس، ونَشرت جزءاً من مضمونها شبكة «يورونيوز» الإخبارية، تَبيّن أن السلالة الجديدة من فيروس «كورونا» التي تجتاح لندن تحتوي على متغيّر «N501Y» الموجود في نسخة «كورونا» لدى حيوان «المِنك»، بالإضافة إلى عدّة تغيّرات حصلت أيضاً داخل فيروس «كورونا» البريطاني. وبالنتيجة، أصبحت السلالة الجديدة من الفيروس قادرة على الارتباط بأنزيم «ACE2» البشري بشكل أفضل من قَبل، بعد التحوّر الذي حصل في البروتين المكوّن للتيجان على سطح الفيروس، والذي من خلاله يخترق الفيروس الخلية البشرية، كي يتكاثر داخلها.
بناءً على التطوّرات الأخيرة، دعت «منظّمة الصحة العالمية» الدول الأوروبية إلى «مضاعفة قيودها» في ضوء انتشار السلالة الجديدة في بريطانيا. وفيما فرضت هولندا حظراً على الرحلات من المملكة المتّحدة، أعلنت بلجيكا أنها ستّتخذ خطوةً مشابهة اعتباراً من منتصف ليل أمس، وستحظر الطيران والقطارات القادمة من بريطانيا. كذلك، أفاد متحدّث باسم الحكومة الألمانية، أمس، بأن بلاده ستحدّ من عدد الرحلات مع بريطانيا وجنوب إفريقيا، حيث اكتُشفت سلالة متحوّرة لـ«كورونا» أيضاً. كما ستتخذ إيطاليا والنمسا خطوات مشابهة لحماية مواطنيهما.
السلالة الجديدة واللقاح
أعلنت الحكومة الألمانية، مساء أمس، أن خبراء الاتحاد الأوروبي توصّلوا إلى خلاصة مفادها أن اللقاحات الراهنة المضادة لفيروس «كورونا» تتّصف بالفاعلية لمكافحة السلالة الجديدة من الفيروس، والتي رُصدت خصوصاً في بريطانيا. وقال وزير الصحة الألماني، ينس سبان، لقناة التلفزيون العامة «زد دي إف»، إنه «استناداً إلى كلّ ما نعرفه حتى الساعة، وإثر اجتماعات حصلت بين خبراء السلطات الأوروبية، لا تأثير للسلالة الجديدة على اللقاحات، وهي لا تزال فعّالة».
إذاً، نحن الآن أمام نسخة جديدة من الفيروس، قادرة على الانتشار بشكل أفضل من قَبل، ولكن لم يَحدث أيّ تغيّر فيها لناحية شدّة المرض. غير أن المشكلة حالياً باتت تتمحور حول ضرورة المحافظة على منحنى وبائي منخفض، ريثما يتمّ تلقيح أفراد المجتمع. وكون السلالة الجديدة أسرع قدرةً على الانتشار والانتقال بين الناس، فهذا يعني أن المرافق الطبّية في البلدان التي ستصل إليها هذه السلالة ستكون تحت خطر الاكتظاظ بالمصابين، بشكل لن يجد معه المرضى أسرّة كافية لهم، في سيناريو مشابه لِما حصل في إيطاليا مطلع العام الحالي. لذا، من المتوقع أن تشهد البلدان عودة إلى إجراءات إغلاق أكثر صرامة من ذي قبل، إلى أن يتم تلقيح عدد كافٍ من المواطنين.
اضف تعليق