عندما نتصالح مع انفسنا ونعترف بهذه الحقيقة فإن العديد من الاشياء تصبح أكثر وضوحا بما في ذلك كيفية الدفاع في وجه الهجمة الحالية وكيف نحصّن انفسنا ضد الأيام المظلمة التي تنتظرنا وكيف نستأنف انشطتنا الاقتصادية بشكل مسؤول علما انه مع الفهم الصحيح فإن بإمكاننا اعادة البناء...
بقلم: سيمون جونسون
واشنطن العاصمة – نحن نعيش الان في عالم ما بعد الفيروس وبالنسبة للولايات المتحدة الامريكية فإن العبور لهذا العالم جاء على نحو مفاجىء أي قبل اقل من شهر. ان العالم كما عرفناه قبل وصول فيروس كورونا المستجد قد انتهى ولن يرجع مرة اخرى.
عندما نتصالح مع انفسنا ونعترف بهذه الحقيقة فإن العديد من الاشياء تصبح أكثر وضوحا بما في ذلك كيفية الدفاع في وجه الهجمة الحالية وكيف نحصّن انفسنا ضد الأيام المظلمة التي تنتظرنا وكيف نستأنف انشطتنا الاقتصادية بشكل مسؤول علما انه مع الفهم الصحيح فإن بإمكاننا اعادة البناء بشكل مناسب بمزيد من الصلابة والمرونة والعدالة.
لقد كنا نعتقد في بداية 2020 ان الموت الجماعي العشوائي لم يكن يطارد كوكب الأرض. لقد شكلت الأمراض المعدية تهديدا دائما في معظم فترات التاريخ البشري وكان الصراع ضدها عنصرا ضروريا من الحضارة البشرية وبحلول منتصف القرن التاسع عشر أصبح للعلم اليد الطولى ضد الأمراض المعدية مثل مرض الكوليرا.
لقد تعلم الأوروبيون في بداية القرن العشرين كيفية الحد من الضرر الذي كانت تتسبب به الملاريا والحمى الصفراء أو على الاقل الحد من الضرر الواقع عليهم كما تم استخدام البنسلين والستربتوميسين بشكل كبير خلال الأربعينيات من القرن الماضي وسرعان ما تبع ذلك تطعيمات الجدري والحصبة والنكاف والحصبة الالمانية في مرحلة الطفولة.
خلال قرنين من الزمان أي منذ اختراع التطعيم ضد الجدري وحتى القضاء عليه تقدم العلم ليتمكن من الهيمنة على البيئة. في واقع الأمر ظهرت امراض جديدة بداية من ثمانينات القرن الماضي على سبيل المثال وذلك عندما دمّر مرض نقص المناعة المكتسبة/الايدز بعض المجتمعات والبدان ولكن وجهة النظر السائدة آنذاك ان مثل تلك الحالات الطارئة الصحية-وان كانت تتطلب موارد واهتمام – لم تكن حيوية لكيفية تنظيم اقتصاداتنا ومجتمعاتنا وحياتنا.
ان التأثير العالمي لفيروس كورونا المستجد يجعل هذه التصور تصورا عفا عليه الزمن فلقد عاد الموت الجماعي العشوائي وهذه الحقيقة سوف تهيمن على كل شيء لسببين.
أولا وبشكل عام فإن هذا ليس اول فيروس كورونا فهو واحد من عدة متغيرات قاتلة ظهرت منذ بداية الالفية بما في ذلك متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) ولا يوجد سبب يدعونا للتفكير ان هذا الفيروس سيكون الاخير.
ثانيا ان فيروس كورونا الحالي على وجه التحديد يستمد قوته المميتة من الخطوط العريضة التي تحدد طبيعته فهو معدي جدا ويمكن نقله حتى من قبل اشخاص لا تبدو عليهم أي اعراض وبينما العديد من الناس الذين اصيبوا بفيروس كورونا المستجد عانوا فقط من اعراض بسيطة، يبدو على الارجح انه اكثر فتكا بالأشخاص الاكبر سنا والذين لديهم ظروف صحية مصاحبة مثل ضغط الدم والسكري والسمنة.
لكن لماذا يجب ان يكون لأي فيروس كورونا قادم نفس الخطوط العريضة للفيروس الحالي؟ ان فيروسات كورونا الاخرى – وذلك من تلك التي تسبب بنزلة البرد العادية الى الانواع المميتة التي تتسبب بسارس وميرس- ليس لديها نفس الخطوط العريضة ومن المعقول تماما نظرا للطبيعة الضعيفة لفهمنا العلمي أن فيروس كورونا المستقبلي قد يظهر بطريقة اخرى، على سبيل المثال ان يكون اكثر فتكا بالشباب من كبار السن او ربما سوف يستهدف الاطفال.
عندما تتكون لديك هذه الفكرة فإن من غير الممكن ان تعتقد ان بإمكاننا ان نرجع الى عالم ما قبل الفيروس. ان كل شيء نعمله وجميع استثماراتنا والطريقة التي ننظم انفسنا بموجبها ستتأثر بعامل ما اذا كان لدينا حماية من فيروس كورونا المستجد ومن سيأتي بعده من الفيروسات او سنكون اكثر عرضة لها.
اذا اخذنا هذا الفهم بعين الاعتبار فإن عدة نقاط تصبح واضحة أو حتى –في وقت صعب ومأساوي-مطمئنة.
لقد كان من الواضح ان استثمارات الولايات المتحدة الامريكية واوروبا في الاستعدادات كانت اقل بكثير من الاستثمارات المطلوبة -بما في ذلك العلوم ذات العلاقة وكيفية تطبيقها- ومن المرجح ان تكون آثار فيروس كورونا المستجد مدمرة في الغرب ولكن السبب هو ليس عدم توفر التقنية فالصين على سبيل المثال تمكنت من احتواء تفشي المرض في نهاية المطاف – بعد شهرين من الحجر- بينما تايوان وسنغافورة لم تتأخرا مطلقا كما تمكنت كوريا الجنوبية من النجاة بشكل مذهل في لحظة كان يبدو انها خطرة جدا.
ان نقص التقنية لم يكن السبب وراء جعل الغرب اكثر عرضة للمخاطر بل هو التفاعل بين فيروس كورونا المستجد مع تركيبتنا الاجتماعية وتوفير الرعاية الصحية وفي الولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص فإن الفيروس يستغل وجود مجتمع غير متكافىء ونظام صحي مفكك.
نحن لدينا اكثر مما يكفينا من الاسلحة للدفاع عن انفسنا ولكن العديد من تلك الاسلحة موجهة الى الجهة الخطأ-مصممة بدقة لازمات سابقة واصغر كثيرا مثل الاعاصير. ان المنظمات القوية والتي لديها امكانيات كبيرة تشعر بالعجز ولا تستطيع التصرف بسبب قادة فشلوا في جمع البيانات اللازمة والتنسيق بشكل كاف او حتى استخدام البيانات بشكل متجانس لاتخاذ القرارات.
ان هذه المرحلة لن تستمر طويلا فقريبا سنتعلم كيف ندافع عن أنفسنا بكامل قوتنا وسنتجاوز فيروس كورونا المستجد وبعد ذلك يمكننا البدء في اعادة بناء مجموعة اكثر مرونة وصلابة من المعلومات وعملية اتخاذ القرار وانظمة الرعاية الصحية وكجزء من ذلك يتوجب علينا ان نتقدم بالتزام غير مسبوق لتطوير ونشر كل فكرة علمية وتنظيمية يمكن ان تزيد من فرص البقاء لأطفالنا واطفال جيراننا.
في نهاية المطاف سوف ننتصر في عالم ما بعد الفيروس ولكن المعركة ستكون طويلة وافضل طريقة لتقصيرها هو الاقرار بإن العودة "لما كان عليه الوضع سابقا" ليس خيارا.
اضف تعليق