لوسي بي. ماركوس
برلين – تجري دورة الألعاب الأولمبية الصيفية على قدم وساق في ريو. وبهذه المناسبة، يجتمع كبار الرياضيين في العالم، ويغتنم الناس هذه الدورة في كل مكان فرصة ليس فقط لتمثيل بلدانهم، ولكن أيضا ليصبحوا منهمكين في نماذج التضحية والنجاح، من كسور في العظام وتحطيم الأرقام القياسية. ومن آثار الألعاب الرياضية والانتصارات ملامح قوة الروح، مثل قصة السباحة اللاجئة السورية يسرى مارديني، التي قبل أقل من سنة مضت قفزت إلى البحر الأبيض المتوسط لمساعدة قارب كان يحتوي على 19 لاجئا، للوصول إلى بر الأمان في اليونان.
بهذا المعنى، توحي دورة الألعاب الاولمبية بالكثير من الإلهام والمنافسة. ولكن، بفضل اللجنة الأولمبية الدولية، أضحت دورة هذه الألعاب حدثا أكثر قتامة. في الواقع، تجسد اللجنة الأولمبية الدولية -جنبا إلى جنب مع فروعها الوطنية، وكذلك الجمعيات التي تمثل رياضات معينة- بعض أبرز المشاكل التي يواجهها العالم اليوم، من عدم المساواة إلى الاستغلال والنفاق الهائل بين قادتنا.
على مر السنين، اتهمت اللجنة الأولمبية الدولية وفروعها الوطنية بكل شيء من سوء الإدارة إلى الفساد. وفي الآونة الأخيرة، صور تحليل لجريدة الواشنطن بوست الهوة بين أرباح المديرين التنفيذيين والرياضيين.
ويحصل الكثير من الرياضيين على أموال قليلة أو يسيرة جدا. ويمكن للمدعمين توفير الأموال، لكنها تخضع لقواعد مقيدة تحد من قدرة الرياضيين على جمع المزيد من المال لتدريباتهم. كما لاحظ البحار الاولمبي بن بارجر، فإن المال الذي تحصل عليه "الحركة الأولمبية" "يذهب إلى المديرين التنفيذيين أولا، ثم الإداريين، ثم المدربين، وأخيرا الرياضيين."
لذلك، على سبيل المثال، في حين يتقاضى رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ أجرة خالية ويقيم بجناح فندق فخم في سويسرا، فإن البطلة الأولمبية في التجديف ميغان كالموي تعيش على خط الفقر. ويلقي مثل هذا التناقض نظرة على الاستغلال الذي يميز هذه الألعاب برمتها.
وليس الاستغلال ماليا فقط. فاللجنة الأولمبية الدولية وشركائها لديهم تاريخ من تجاهل المخاطر التي تنشأ عن العلاقة بين المدربين والرياضيين الشباب المتدربين - وهي العلاقة التي وفرت أرضا خصبة للتلاعب وسوء المعاملة. ويمكن للمدربين استخدام سلطتهم لدفع الرياضيين الشباب نحو أخذ المنشطات أو لاستغلالهم جنسيا. كما كشف تقرير "انديانابوليسستار" الأخير حول رياضة النساء في الولايات المتحدة أن مثل هذه السلوكات متفشية، وقد فشل الاتحاد الوطني المشرف على الرياضة –وهي منظمة أولمبية- في التصدي لها باستمرار.
ولكن ليس الرياضيون وحدهم من تتجاهلهم اللجنة الأولمبية الدولية. على ما يبدو اللجنة أيضا غير مبالية بالكيفية التي تختار بها المدن والبلدان المضيفة. وبالضبط ما يتطلبه الأمر للفوز الأولمبي غير واضح، على الرغم من أن الهدايا، والحلويات، واحتساء النبيذ وتناول الطعام تعد عاملا في هذا الاختيار. ويوجد حاليا قيد التحقيق حالة ما إذا كان فوز طوكيو بفرصة استضافة دورة الألعاب الاولمبية لعام 2020 راجع إلى مدفوعات لشركة مرتبطة بنجل الرئيس العالمي السابق لألعاب القوى امين دياك .
وقد تكون العملية غامضة، ولكن النتائج واضحة. في ريو، فسح عشرات الآلاف من البرازيليين المجال للبنية التحتية الأولمبية، وبعضها تعرضت لانتقادات لأنها تشكل خطرا على السلامة. وهناك تنافر بالغ إزاء المشاريع الجديدة البراقة التي تقع جنبا إلى جنب مع الفقر في الأحياء الفقيرة، وتعانق حفلات الإسراف الأزمات السياسية والاقتصادية العميقة التي تواجه البرازيل. ويستمر الحفل في وقت توجد فيه البلاد على شفى حفرة.
ومن الواضح أن أولويات اللجنة الأولمبية الدولية هي منحرفة بشدة. فهل يمكن استبدال الحركة الأولمبية؟
للإجابة على هذا السؤال، ينبغي النظر إلى تجربة كرة القدم، منظمة أخرى رياضية غير ربحية تعاني من الفساد. في العامين الماضيين خرجت الحقيقة حول كرة القدم إلى النور، وبدأ التذمر وصوت التغيير يُسمع، وبدأ نظام منيع ينهار تحت ضغط الناشطين، والجهات الراعية، وجمعيات كرة القدم. وهذا يشير إلى أن التغيير ممكن.
الخطوة الأولى هي الفضح. والخبر السار هو أنه، في الوقت الحاضر، يصعب الحفاظ على مخالفات واسعة النطاق في طي الكتمان، بفضل جهود الصحافيين الملتزمين والمخبرين الشجعان. وكانت شهادة عداء يوليا ستيبانوفا المفتاح لفضح برنامج المنشطات التي تديرها الدولة الروسية. الأخبار السيئة هي أن اللجنة الأولمبية الدولية ببساطة تجاهلت تقرير الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات حول المخطط الرسمي الروسي ولم تصل إلى حد منع فريقها الوطني.
كما أظهرت تجربة كرة القدم أنه حين يهتم الشركاء المعنيون بسمعتهم، فإن مصالحهم تتحول. الآن بعد انكشاف مخططات التخصيب المضرة للأرباح - التي يستفيد منها، قبل كل شيء، المدعمون والمديرون التنفيذيون، واثنين من النجوم الرياضيين. وهكذا يستمر غض الطرف عن جهود الدول القوية للغش. على المدعمين التصرف بكل مسؤولية، وحفظ ماء الوجه بالتذكير بالروح الاولمبية. ويجب الآن أن تتحلى الألعاب بالحكم الرشيد، وأن تأخذ سيادة القانون والأخلاق مركز الصدارة.
وتعكس دورة الألعاب الاولمبية ليس فقط ما نحن عليه، ولكن أيضا ما نطمح إليه. لكن النظام ساهم في اتساع الفجوة بين الاتجاهين. وأصبحت اللجنة الأولمبية الدولية شاهدا على أحد أسوأ النزعات الإنسانية -الجشع والنفاق والاستغلال- التي دفعت الكثيرين إلى فقد الثقة بالمؤسسات. ويأمل المرء أن يساعد نموذج الفيفا على وضع اللجنة الأولمبية الدولية على طريق الخلاص، وأن تشرع الهيئة الحاكمة للحركة الأولمبية في القيام بذلك قبل إخماد شعلة ما هو جدير وملهم في الألعاب.
اضف تعليق