كل شيء في العراق فورة تنتفض بسرعة ثم تخمد بنفس السرعة التي هبت بها.. تكشف الصحف الأجنبية اكبر فضيحة للرشى تتعلق بالثروة النفطية العراقية، وبدأت تتشكل تنطلق الدعوات للمحاكمة والمساءلة وتشكيل اللجان و.... ، ولا شيء اكثر من ذلك حتى الان.. فلا زال المتهمين يمارسون وظائفهم الحكومية، وهم الذين يفترض ان تصدر قرارات إيقاف بحقهم ريثما تنتهي التحقيقات بهذه الاتهامات، والاغرب من ذلك ان بعض اللجان يترأسها شخص متهم كما حدث في احدى الاختلاسات في محافظة عراقية وسطى.. لم يستفق العراقيون من صفعة هذه الفضيحة، حتى ظهرت أوراق بنما وفيها اسم اياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الاسبق، وأرقام عن حجم ممتلكاته وشركاته.
حتى الان لم تثر تلك الأوراق الضجة المرجوة منها، كما حدث مع فضيحة الرشى رغم ان مبالغها اقل مما موجود في أوراق بنما بالنسبة للسيد علاوي، وقد يكون سبب ذلك، طبيعة المكون السياسي الذي يرأسه، او ربما عدم احتلاله لمنصب حساس مثل وزارة النفط العراقية.
الوثائق التي كشف عنها والتي عرفت باوراق بنما تعود إلى مكتب المحاماة البنمي "موساك فونسيكا" الذي يعمل في مجال الخدمات القانونية منذ 40 عاماً. وتشمل الوثائق معاملات جرت على مدى أكثر من أربعة عقود (1977-2005) لشركات تولى تسجيلها مكتب المحاماة البنمي.
قدر "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين"، عدد هذه الوثائق بنحو 11.5 مليون وثيقة، تحتوي على بيانات تتعلق بعمليات مالية لأكثر من 214 ألف شركة عابرة للبحار في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم، وأضاف الاتحاد أن هذه الوثائق حصلت عليها أولا صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية قبل أن يتولى هو توزيعها على 370 صحافيا من أكثر من 70 بلدا من أجل التحقيق فيها في عمل مضن استمر حوالى عام كامل.
وكان تحقيق صحافي ضخم نشره "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" على موقعه الإلكتروني، قد كشف أن 140 زعيما سياسيا عبر العالم، إضافة إلى أسماء بارزة في كرة القدم بينها ليونيل ميسي، هربوا أموالا من بلدانهم إلى ملاذات ضريبية.، وضمت الوثائق أسماء شخصيات مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما نسبت الوثائق الاتهام نفسه إلى شركات مرتبطة بأفراد من عائلة الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو.
من ابرز ما كشفته وثائق بنما:
* امتلك رئيس وزراء ايسلندا سيغموندور ديفيد غونلوغسون سندات بنوك بملايين الدولارات خلال الازمة المالية التي كانت تعاني منها بلاده، عندما انهار النظام المالي للبلاد واضطرت البنوك الى طلب مساعدة انقاذ مالية. واشار التقرير كذلك الى ان رئيس الوزراء وزوجته امتلكا شركة اوفشور "وينتريس انك" لاخفاء استثمارات بملايين الدولارات في ثلاثة بنوك كبرى خلال الازمة المالية. ونفى غونلوغسون ذلك، الا انه يواجه تصويتا بعدم الثقة هذا الاسبوع.
* كان لعائلتي زعيمين عالميين تعهدا بالمزيد من الشفافية هما الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، علاقات بشركات اوفشور.
* يسيطر عدد من الزعماء ومن بينهم رئيس وزراء باكستان، وابناء رئيس اذربيجان، على شركات اوفشور.
* ثلاثة من ابناء رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الاربعة -- مريم التي يعتقد انها ستكون خليفته السياسية، وحسن وحسين اللذان تظهر السجلات انهما تملكا شركة عقارية في لندن من خلال شركات اوفشور ادارها مكتب المحاماة.
* عمل مكتب "موساك فونسيكا" مع 33 شخصا وشركة على الاقل تدرجها واشنطن على القائمة السوداء بسبب علاقاتها بتجار مخدرات مكسيكيين ومنظمات ارهابية او دول خارجة عن القانون الدولي ومن بينها كوريا الشمالية. وقامت احداها بتزويد الوقود لمقاتلات تقول الولايات المتحدة ان النظام السوري استخدمها لقصف مواطنيه.
* اشار التحقيق الى ان شركة بنمية وهمية ربما ساعدت في اخفاء ملايين الدولارات من سرقة "رينكس-مات" التي سرقت فيها سبائك ذهب بقيمة 40 مليون دولار من مطار هيثرو في لندن في تشرين الثاني/نوفمبر 1983 اصبحت من كلاسيكيات السرقات العالمية. وينفي مكتب "موساك فونسيكا" هذه المزاعم.
* من بين عملاء الشركة محتالون وزعماء عصابات تهريب مخدرات، واشخاص متهربون من الضرائب، ورجال اعمال اميركيون مدانون بالتوجه الى روسيا لممارسة الجنس مع ايتام قاصرين وقعوا اوراقا لشركة اوفشور بينما كانوا في السجن.
* كما كشفت الملفات عن شخص مدان بتبييض الاموال زعم انه رتب لحملة جمع اموال غير قانونية لجمع 50 الف دولار استخدمت لدفع اموال للاشخاص الذين قاموا بالسرقة في فضيحة ووترغيت في الولايات المتحدة، و29 ملياردير من قائمة فوربس للاغنياء، وبطل افلام الحركة جاكي تشان.
* خوان بيدرو دامياني العضو في لجنة الاخلاق في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) له ارتباطات اعمال بثلاثة رجال متهمين في فضيحة الفساد التي تحيط بمجلس الفيفا وهم اوجينو فيغيريدو نائب رئيس الفيفا اضافة الى هوغو جينكيز وابنه المتهمان بدفع رشاوى تتعلق بحقوق بث في اميركا اللاتينية، الا انه نفى ارتكاب اي خطأ في بيان لوكالة فرانس برس.
* الارجنتيني ليونيل ميسي، افضل لاعب كرة قدم في العالم الحائز مرات عديدة على "كرة الفيفا الذهبية"، شريك مع والده في ملكية شركة وهمية مقرها في بنما تدعى "ميغا ستار انتربرايزز" لم تكن معروفة في السابق لدى المحققين الاسبان الذي يحققون في مخالفات ضريبية للاعب برشلونة.
* ميشال بلاتيني الموقوف عن العمل بسبب دفعة مالية بمليوني دولار من رئيس الفيفا سيب بلاتر، طلب خدمات مكتب "موساك فونسيكا" لمساعدته في ادارة شركة اوفشور اسسها في بنما في 2007.
* عمل اكثر من 500 بنك والفروع والشركات التابعة لها مع مكتب "موساك فونسيكا" منذ السبعينات لمساعدة العملاء على ادارة شركات اوفشور. وساعد بنك يو.اس.بي في تاسيس اكثر من 1100 شركة بينما اسس بنك اتش.اس.بي.سي وفروعه اكثر من 2300 شركة.
عراقيا يمكن القول ان هذه الكمية من الأوراق التي كشف النقاب عنها، سوف لن يكون لها أي تأثير دراماتيكي على مسيرة أي شخصية يرد اسمه فيها، فهي لن تكون اقوى من اعترافات النائب في البرلمان العراقي مشعان الجبوري التي وزعها على الطبقة السياسية في العراق، وقدم وثائقه التي تدينهم الى هيئة النزاهة، وحتى الان لم نشاهد واحدا من الرؤوس الكبيرة يقاد الى المحكمة مقبوضا عليه تحت عدسات المصورين..
أوراق بنما او أوراق لوكسمبورغ او أي أوراق واعترافات أخرى لن تستطيع ان تنال من تلك الشبكة المتينة من علاقات المصالح والفساد المستشرية في العراق بعد العام 2003، وربما فضيلة تلك الأوراق والفضائح اننا نحن معشر الكتاب توفر لنا تلك الاوراق مواضيعا للكتابة والتعليق عليها لا اكثر من ذلك، وتوفر ولو بعض حين لأصوات المتظاهرين ان ترتفع منددة بالفساد والفاسدين، ثم تعود الحياة الى مجاريها.. المزيد من الفساد، ثم المزيد من الوثائق، ثم المزيد من الفورات ولا اكثر من ذلك..
اضف تعليق