أن التغيرات في سبل هذا الإنتاج الاقتصادي تعتبر بمثابة عامل حيوي في تكوين هذا التغير في جميع الأنماط الاجتماعية الأخرى التي نعرفها؛ إذ إن التغيرات في تلك السبل ستحدد تغيرات العلاقات الاجتماعية، وهذه بدورها قد تُدمج في العادات الثقافية للأفراد. وإننا لا نستطيع كتابة تاريخ القانون دون...
بقلم: هارولد ج. لاسكي

لقد دللت على أن دعوى الدولة في الطاعة تقوم على إرادتها وقدرتها على ضمان إشباع ما يحتاجه المواطنون إشباعًا تامًّا. ولكي أتمكن من عرض هذه الدعوى عرضًا يثبت صحتها، ينبغي أن ينعدم وجود التحيز في أدائها لهذه الوظيفة وهذا الاختصاص، فحينما انحرف المجهود الذي تبذله الدولة نحو خدمة مصلحة تخص جماعة تدخل في نطاق المجتمع، نجد أنه يكون من المحتمل قيام ثورة إن آجلًا أو عاجلًا. ويمكننا تعريف كلمة الثورة على أنها محاولة، عن طريق استخدام القوة ضد الحكومة التي بيدها مقاليد الحكم قانونًا؛ لفرض تغيير على ما ينظر إليه هؤلاء الذين يقومون باستخدام هذه القوة، على أن هذا التغيير هو الأهداف الحقيقية للدولة.

هذا، وإن الفرد الذي يقوم بدارسة الشواهد التاريخية لن ينكر وجود أي تحيز فيما تقوم به الدولة من أعمال، فلقد تحيزت دولة المدينة الإغريقية ضد العبيد وتحيزت الإمبراطورية الرومانية ضد العبيد والفقراء، كما أن الدول في العصور الوسطى كانت تتحيز لأصحاب الأراضي. ونجد أنه منذ الانقلاب الصناعي تحيزت الدولة لملاك أدوات الإنتاج ضد أولئك الذين لا يملكون شيئًا يبيعونه غير قواهم.

وطبيعي أن هذا يعتبر تبسيطًا مُغالًى فيه لعملية معقدة في تفصيلاتها حتى يكاد مؤرخان يجتمعان على روايتها في عبارة واحدة، بيد أن هذه المعاني واحدة. ففروض الولاء التي تُقدَّم للدولة دائمًا ما تنتقض قيمتها جماعة معينة تذهب إلى أن الدولة تتحيز ضد مصالحها. ولا داعي الآن إلى أن نثير موضوع هذه الجماعة التي تؤمن بهذه الفكرة، إلا أن ما يعنينا في هذا المجال هو وجود الصراع الدائم -سواء أكان كامنًا أم علنيًّا- في الدولة حيث اتخذ مظهرًا جديدًا ليخول لها الحق في استخدام السلطة ذات السيادة.

وأهداف هذا الصراع مختلفة في مظهرها، ومتنوعة في معالمها، مثلها في ذلك مثل الجماعات التي نواجهها في المجتمع. ويشن هذا الصراع في بعض الأحيان على أسس دينية، فقد أعلنت فرنسا الكفاح في الحروب الأهلية التي قامت في القرن السادس عشر لضمان التسامح الديني من أجل الهيجونوت، كما أن الثوار في الحرب الأهلية الإنجليزية في القرن السابع عشر قد أعلنوا هدفهم، وكان يرمي إلى وضع نظام دستوري؛ ليحل محل الاستبداد الملكي الذي قاوموه. أما الثورة البلشفية التي قامت عام ١٩١٧م فكانت ترمي إلى إقامة مجتمع اشتراكي، وقد سعى هتلر عام ١٩٣٣م إلى إنعاش الدولة الألمانية بأن يجرد من السلطة في المجتمع الذي تهيمن عليه الدولة جميع الرجال والنساء الذين من أصل يهودي، ويضيق الخناق على الأفكار الماركسية.

ومهما يكن من أمر التصريحات التي تنطوي على نوايا ثورية -ومن النادر تمشِّي هذه التصريحات مع ما يحققه الثوار- ينبغي على الفلسفة السياسية أن تستمد من التاريخ نتائج النواحي الحقيقية التي عرفت هناك. وليس ما يعنينا في هذا الصدد هو ما يراه الأفراد، على أن الأعمال التي يقومون بها، ولكن ما يقومون بعمله فعلًا؛ إذ إن سبل حياة الدولة يطرأ عليها التغيير باستمرار. ويوجد النمط الجديد للسلوك، وهو فترة من الطرب في المجتمع لا تلبث أن تزول، كما أننا نجد اتحادًا جديدًا قد قام على أساس هذا النمط الجديد الذي يبقى حتى يسترعي انتباهنا ظهور دلائل التأفف التي تعني في الواقع حلول مزاج ثوري جديد، ولكن هل نستطيع إدراك أية مبادئ عامة تفسر هذه الظاهرة؟

فمنذ قرنين استرعى انتباه مونتسكيو وروسو اتجاه الحكومات نحو التدهور والانحلال، كما اعتقد توماس جيفرسن (الذي لاحظ بنفسه ثورتين من الطراز الأول) أننا في حاجة إلى مثل ذلك في كل جيل، حتى تجعل الحكومات تتذكر الأهداف التي من أجلها تكونت وشُكلت. وأصبحت ممارسة السلطة وهي ذات أثر فتاك بالنسبة لممارسيها، أصبحت موضوعًا عامًّا يتناوله الفلاسفة السياسيون. كما أنها دفعت مل الكبير إلى ملاحظة أن كل الأسباب التي تبرر فرض السلطة هي الأسباب التي تدعو إلى إيجاد الضمانات وخلقها ضد إساءة استخدام السلطة. ومثل هذه الضمانات كثيرة، فالدساتير المكتوبة وقوانين الحقوق وفصل السلطات والقوانين الأساسية لم تؤدِّ أية منها عملها خير الأداء لتقنع الأفراد بأن أهدافهم في الإمكان تحقيقها دون استخدام العنف. وجذور مشكلاتنا أعمق بكثير مما تظهره النواحي الدستورية. فإذا كان مونتسكيو وروسو على صواب؛ فما زلنا نريد معرفة تلك النواحي التي تدفع بالحكومات إلى طريق التدهور والانحلال، وإذا اتسم حرص مل بالحكمة، فما زلنا نحتاج إلى معرفة الأسباب التي تجعل الحكومات تسيء استخدام سلطتها.

أما الأساس الصحيح للفلسفة السياسية فهو فلسفة التاريخ، فعندما نستطيع تفسير أسباب الأحداث التاريخية تتكون لدينا المواد التي نستطيع أن نضع عليها فروضًا قانونية لنظرية عن الدولة تبعث على الرضا. ولا شك في عدم وجود مثل هذه الفلسفات، فالتاريخ سِجل يكشف الستار عن إرادة الله، أو كما قال هيجل: إنه بداية السير نحو النواحي المطلقة، أو إنه في الإمكان تفسير التغيير الاجتماعي بأنه تغيير في الجو، فيجب علينا أن نتوقع ظهور النواحي الديمقراطية في المناطق المعتدلة، أما ظهور الطغيان والاستبداد فيكون في المناطق الجافة، أو إنه ينبغي أن ننظر إلى التاريخ على أنه سيرة لحياة مشاهير الرجال، وأن نجد في إرادة البطل مثل (قيصر ولوثر ونابليون ولينين) ذلك التتابع السببي للأحداث.

هذا وبيان ما تثيره هذه النظريات من متاعب ومضايقات بسيطة للغاية؛ فهي لا تمكننا من التنبؤ بمستقبل الأحداث المحتملة الوقوع، وهي تتركنا معصوبي الأعين أمام ضربات القدر، فإذا قمنا بتفسير التاريخ على أنه إظهار لإرادة الله فمعناه أننا نُترَك دون معرفة المرحلة التالية لهذه الإرادة. وإذا تمشينا مع القول بأنه بداية السير نحو النواحي المطلقة فسنُترَك ولسنا على يقين من اتجاه هذا المطلق الذي يسير فيه هذا الإطلاق. وإذا جارينا قول هيجل بأنه اتجاه نحو تحقيق أفضل للحرية، فعندئذ يجب علينا أن نفسر كيف أن هذه الفكرة تتمشى مع الإخلال بالأمن (وهو ضرورة من ضروريات الحرية) أي الذي يجعل الفترة التي نعيش فيها عهدًا أو مرتعًا للدكتاتوريات التي لا تجلب لنا نوازع الخير. أما نظرية الجو واعتباره سبب ذلك التغير، فإنها لا تنطوي على أية حقيقة، ولكن ليست هناك تغيرات أساسية في الأحوال الجوية الأوربية في الفترات التاريخية المعروفة، بينما تتغير أشكال الحكومة والحضارة تغيرًا كبيرًا في نفس الفترة، وما من شك في أن مشاهير الرجال قد خلصوا آثارهم مطبوعة على صفحات التاريخ، إلا أن الأسباب التي أدت إلى إمكان انطباع ذلك الأثر لا نجد لها تفسيرًا إذا نظرنا إليها على أنها بداية التغييرات الاجتماعية. ولم يكن واشنطن السبب في قيام الثورة الأمريكية بالرغم من أنه كان عاملًا رئيسيًّا هامًّا في نجاحها، كما أن تسخير القوى الكهربائية لاستخدامها في النواحي الصناعية -هذه القوى التي غيرت من معالم حضارتنا- لا يرجع الفضل فيها إلى فرد أو جماعة من مشاهير الرجال؛ ولهذا ينبغي علينا أن نبحث عن اتجاهات أخرى تختلف عن هذه الاتجاهات.

إن العامل الأساسي في أي مجتمع هو السبيل الوحيد الذي يرجع إليه وجوده، وإن العلاقات الاجتماعية قد قامت على تزويد تلك النواحي المادية الأولى التي لا تستمر الحياة بدون إشباعها، وإن أي تحليل لأي مجتمع سيُميط لنا اللثام دائمًا عن اتصال هيئاتها المقررة وثقافتها وطريقة إشباع هذه النواحي المادية. وطالما طرأ التغيير على هذه الطرق وتلك السبل، طرأ أيضًا على مقومات المجتمع وثقافته، وإن المجتمع الذي نجد فيه أن العمل الرئيسي لتحقيق ذلك الإشباع هو العمل الذي يقوم به العبيد، سيكون ثمرة لأفكار مختلفة عن تلك الأفكار التي تكون لدى مجتمع آخر يقوم فيه بذلك العمل أناس أحرار، وستحدد موقفه بالنسبة للنساء والقانون والتعليم والدين طبيعة تقسيمه إلى طبقة العبيد وطبقة الأحرار. ومما هو جدير بالملاحظة أن قوانينه من الضروري أن توجه لإبقاء إلزام العبيد بأن يقوموا بالعمل، وسيكفل الدين للسلطة أن تقوم بتنفيذ هذا الإلزام.

ويبدو أن التغيرات في سبل هذا الإنتاج الاقتصادي تعتبر بمثابة عامل حيوي في تكوين هذا التغير في جميع الأنماط الاجتماعية الأخرى التي نعرفها؛ إذ إن التغيرات في تلك السبل ستحدد تغيرات العلاقات الاجتماعية، وهذه بدورها قد تُدمج في العادات الثقافية للأفراد. وإننا لا نستطيع كتابة تاريخ القانون دون النظر إلى جذوره المتأصلة في سبل الإنتاج الاقتصادي، كما أننا لا نستطيع تفسير تاريخ المذاهب الدينية دون أن نقرنها بالإطار الاجتماعي. والسبيل إلى تعيين الإطار الاجتماعي يكمن دائمًا في العلاقات التي تتوقف على وسائل هذا الإنتاج، وتسعى نظمنا التعليمية والتربوية إلى إعداد الطفل للحياة، بيد أن نوع هذه الحياة يعتبر من نتائج العلاقات المادية للنظام الإنتاجي الذي له جدواه في أي مجتمع بالذات، وإن الأسلوب الذي نتبعه في الهندسة المعمارية ونواحي الأدب والشكل العام للعلوم والإطار الأساسي لكل شيء هو ما نطلق عليه اسم «الحضارة» وتحدده هذه العلاقات الإنتاجية.

وإننا نحيل على القول بأن البنيان الاجتماعي الأعظم يتأصل في الأسس الاقتصادية، ومن ثم فإن تغيير العلاقات الاقتصادية هو تغيير علاقات ذلك البنيان الاجتماعي الأعظم، وبالتالي يحق لنا القول بأن أي نظام يدور حول العلاقات الاقتصادية سيتطلب نواحي سياسية ونواحي اجتماعية لتطور ما ينطوي عليها. ونحن نرى مثلًا أن القانون سيقوم بتعريف علاقات الملكية التي ستطابق تضميناته، وستنظم النواحي التعليمية تنظيمًا يكفل للأفراد التدريب لتحقيق الوظائف التي يتضمنها النظام في تلك النواحي. وسيعبر القانون في عهد إقطاعي عن خصائص المجتمع حيث يحدد الاتصال بملكية الأرض علاقات الأفراد الاقتصادية. والتعليم في مثل هذا المجتمع هو الذي يكيف وسائلهم حتى تتمشى مع الاحتياجات التي تضمنها العلاقات التي يريد المجتمع أن يحتفظ بها. فمن الواضح أنه إذا عجز المجتمع عن التأثير بسلطته على هذا التكيف الذي يوجده، فإن مقدرته على إشباع الاحتياجات ذات الأثر الفعال ستواجه بل ستعاني من الضرر الذي ربما يتغلغل حتى يعرض وجوده للخطر.

وينبغي على أي مجتمع أن يوقف من حدة بعض علاقات الإنتاج التي تتصف بالاستقرار لكي يُنظر إليه دائمًا على أنه مجتمع. ويجب عليه أن يضع وراء هذه العلاقات، فوق القانون، وهي في حاجة إلى أداة إلزامية لضمان استمرار هذه العلاقات؛ لأنه بدونها لن يستمر لها العيش والبقاء. وينظر إليها في الواقع على أنها علاقات مستقلة عن إرادات من يشتركون في ذلك، ونحن نلاحظ في المجتمعات التي نعرفها أن التغيرات لا تطرأ غالبًا على تلك العلاقات؛ إذ إنها علاقات فردية أكثر من كونها نواحي عامة في شكلها. 

ولقد أوضحت دراسات حركة المجتمع أن العبيد يبقون عبيدًا والمأجورين يظلون مأجورين عندما يُنظر إلى كل منها كمجموعة واحدة، وليس في الإمكان إدخال تغيرات شاملة في أي مجتمع وفي أية فترة دون حدوث أي تفكك في نواحي الحياة. وطالما أن هذا التفكك سيعرض أسس النظام القائم للخطر، فإن المجتمع في حاجة إلى أداة للحيلولة دون ظهور مثل هذا الخطر، ولو عن طريق القوة إذا دعت الضرورة؛ حتى تخفف من خطورة هذا التفكك. والدولة من الناحية التاريخية ما هي إلا أداة، أما وظيفتها الأولى فهي ضمان الإنتاج في المجتمع بالطرق السلمية، وهي بهذا تقوم بحماية العلاقات الإنتاجية التي تحتاجها هذه العملية، وهي تقوم كذلك بإقرار العلاقات القانونية في ظل النواحي الإلزامية التي تتمسك الدولة بوجودها.

ولقد رأينا أن الدولة لا تعمل إلا عن طريق الأشخاص الذين يشكلون الهيئة التي تضم أفرادًا، ونطلق عليها اسم الحكومة، ومن ثم فإن التحكم في العلاقات القانونية في أي مجتمع في أيدي هؤلاء الأفراد الذين لهم الحق الرسمي في ممارسة هذه السلطة ذات السيادة. وإن قيامنا بتحديد الوسيلة التي ستخضع لها معناه تحديد كيفية توزيع الفوائد التي ستجنى من وراء العملية الإنتاجية، ومن المستحيل أن نقوم بهذا التحديد إلا عن طريق تخويلنا الحق في ممارسة السيادة؛ ولذلك فإن هؤلاء الذين يسعون إلى تغيير وجه العملية الإنتاجية، أي هؤلاء الذين يهدفون إلى تغيير العلاقات الإنتاجية للنظام الذي يعيشون في ظله، يجب عليهم القيام بذلك عن طريق تغيير الأسس القانونية للمجتمع. ويمكن تحقيق ذلك بامتلاكهم سلطة الدولة سواء أكان ذلك عن طريق سلمي أم باستخدام العنف؛ إذ إن الاستيلاء على الحكم هو الأداة التي يمكن عن طريقها وحدها تغيير هذه العلاقات القانونية.

وقد أصبحت النواحي التي أمكن استخلاصها من هذا كله أمرًا هامًّا بالنسبة لأية نظرية سياسية. وأية جماعة بيدها السلطة ذات السيادة في المجتمع ستسترشد بالطريقة التي تضمن بها أعلى مراتب الإشباع لتلك الاحتياجات، وذلك عن طريق ممارستها. إلا أن فكرتها عن هذه الطريقة من الضروري دفعها بطابع العلاقة الخاصة بالنسبة لعملية الإنتاج. ففي المجتمع الذي تنتشر فيه طبقة العبيد نجد أن ملاك العبيد سيعتقدون أن العبودية هي لخير المجتمع، كما أنهم سيسخرون نظم الدولة كي تحقق العلاقات التي تعتبر من مستلزمات نظام العبيد، غير أنه من الواضح أن فكرتهم عن الخير لن تطابق فكرة العبيد في الخير أيضًا، وأن مواقف الأفراد بالنسبة للخير تصدر عن الخبرة الطويلة التي يمرون بها، وعندما تختلف المصلحة في الدولة نجد أن الخبرة المختلفة تؤدي إلى إيجاد أفكار مختلفة، وأن استخدامها هو الذي يحدد وضع سلطة الدولة، ولا بد أن تتصارع هذه الأفكار كل منها مع الأخرى من أجل البقاء، ومعنى هذا البقاء (في هذا الإطار) هو الحق في تحديد الفوائد التي ستكرس الدولة نفسها لتحقيقها، ومن ثم نجد أنه في أي مجتمع توجد فيه جماعات عديدة تختلف عن علاقتها مع العملية الإنتاجية، نجد أن الصراع يكمن في الأسس التي يقوم عليها المجتمع.

وهذا الصراع صراع من نوعين، فهو صراع بين الجماعات نفسها، وهو صراع بين الأفكار التي تضعها كل جماعة نُصبَ أعينها كتعبير عن فكرتها في الخير الذي يصدر عن الخبرة التي تستخلص من وضعها. وقصارى القول أن الجماعات تضع نظمًا عن القيمة، وأن هذه النظم تعتبر وظيفة من وظائف العلاقات الاجتماعية، كما أن هذه النظم تطالب دائمًا بأن تكون شاملة. وستكون هذه النظم صحيحة عندما ينظر إليها الأفراد خارج نطاق الجماعة، كما نجد مثلًا أن ملاك العبيد في الولايات المتحدة ينادون بأن العبودية هي لخير العبيد أنفسهم، ولكننا في الحقيقة نجد أن القيم سيحددها اتساع نطاق الخبرة التي تصدر عنها هذه القيم، كما أن القيم التي تدخل في حيز التنفيذ ستكون دائمًا القيم التي تتخذها الجماعة التي يُوكل إليها في وقت ما جهاز الدولة.

ويجب أن نلاحظ أن هذا الموقف لا يُتخذ بالنسبة للجماعة الحاكمة أية مطابقة للمصلحة الخاصة، سواء أكان ذلك عن وعي (عن قصد) مع سلامة المجتمع، ولا يثبت ذلك أن أعمالهم لا تتسم بالإخلاص في سعيهم وراء وضع فكرتهم عما يجب أن تسعى إليه الدولة في صيغة شاملة، وأن عمليات المجتمع الأيديولوجية (المذهبية) لأكثر تعقيدًا وتشابكًا مما تكشف عنه أية نظرية تدور حول الحوافز والدوافع. ومن الطبيعي أن يصطبغ الفرد بصبغة بيئته، فهذه هي الخبرة التي يعرفها، وإن هذه القيم التي تثيرها تلونها مشاعره وآماله ومخاوفه التي تحثه دون أن يدري - على النظر إليها باعتبارها عناصر ضرورية للخير الاجتماعي. فالطفل الذي ولد وتربى في ظل التقاليد الكاثوليكية يتقبل قيم كنيسة روما على أنها جزء من النظام الكائن، ونجد أن أي مسلم يؤمن بقيم القرآن، كما أن الطفل في روسيا السوفيتية يعتبر النظرة الشيوعية موجودة في طبيعة العلاقات الاجتماعية الحقة، ولنلاحظ أن الذين يسيطرون على إحدى البيئات يرسمون، على وجهٍ ما، الصفات المذهبية لحياة تلك البيئة بطريقة معينة وبدرجة معينة، لا تكاد أن تؤثر على أولئك الذين تحت حكمهم بأقل مما تؤثر فيهم أنفسهم، كما أن أندر شيء يوجد في المجتمع هو الإنسان الذي يستطيع أن يتخطى هذه العادات المألوفة.

ولكن هناك من تخطى هذه العادات، وسبب هذا التخطي هو جوهر هذه النظرية التي أقوم بتوضيح معالمها، فنحن نعلم أن العبودية يُنظر إليها في فترة من الفترات على أنها أمر طبيعي، بينما نجد في فترة أخرى أنه لا يمكن تبريرها، ولم يظهر دفاع أفلاطون عن منح المرأة حق المساواة، لم يظهر في مستهل القرن التاسع عشر أكثر من مجرد شذوذ طريف من فيلسوف عظيم، كما تبدو لنا الآن من الأمور الأولية. ولقد كان في استطاعة وليم وندهام أن يحذر مجلس العموم من الأخطار التي تكمن في النظام القومي للتعليم، ولكن بعد مرور نصف قرن نادى روبرت لو بوجوب تعليم أصحاب السلطة، ثم صار تدخل الدولة في الشئون الإنتاجية يبدو في القرن السابع عشر أمرًا طبيعيًّا، ولكن لم يأخذ بهذه الفكرة جماعة قليلة من المفكرين، غير أنه في نهاية القرن الثامن عشر كانت الفكرة السائدة هي أن الحكومة أحسن ما تكون عندما تحكم قليلًا، فالسعر المعقول بالنسبة لأي مفكر في العصور الوسطى هو فكرة شبه دينية مستمدة من بعض فروض القانون الطبيعي، بينما ينظر رجل الاقتصاد الحديث إلى السعر المعقول باعتباره وظيفة لمطلب دنيوي في سوق تتأثر تأثرًا تامًّا بأفكار دينية متحيزة. ولا يوجد إلا عدد قليل من المنشورات في كل ما ظهر من كتب سياسية في القرن الثامن عشر في إنجلترا، يتشكك في حق مجلس اللوردات في أن يحتل مكانه في نظام الحكم. أما في القرن العشرين فلا يوجد إلا عدد قليل يدافع عن مجلس اللوردات، أما الغالبية فتطالب بإلغاء هذا المجلس، أو إجراء تغييرات جوهرية في أسس تكوينه. أما منذ خمسين عامًا فلم تكن لتستطيع غير أقلية من الإنجليز الذين لهم مكان في الحياة السياسية أن يتجرءوا على إعلان عدم إيمانهم بالمسائل الدينية. أما اليوم فمن المشكوك فيه - على الأقل - إذا كان مثل هذا الإعلان يمكن أن يكون له أي أثر خارج عن عدد قليل من المدن التي تحتوي على كاتدرائيات، فكيف نستطيع أن نشرح التطورات التي من هذا النوع؟

وأريد أن أدلل هنا على أن هذه التطورات إنما ترجع إلى تغييرات في العلاقات الاجتماعية التي ترجع بدورها إلى تغييرات في القوى المادية في الإنتاج، فالناس أصبحوا لا ينظرون إلى العبودية باعتبارها «أمرًا طبيعيًّا»؛ لأنه أصبح من العسير استغلال هذه القوى عن طريق العبودية، وتحولت حقوق النساء، فبعد أن كانت تعتبر من شذوذ الفلاسفة أصبحت مطالب يعترف بها المجتمع قانونًا عندما قضت علاقات الإنتاج بهذا الاعتراف، وأصبح التعليم من اختصاص الدولة بعد أن كان أمرًا أهليًّا خاصًّا، وذلك عندما تطلبت الصناعة عمالًا يستطيعون القراءة والكتابة، ويتوقف مدى تدخل الدولة في الصناعة على مدى ما يحدثه هذا التدخل من زيادة الإنتاج الذي يعتمد عليه المجتمع، كما يتحدد موقفنا بالنسبة لمجلس العموم على وجهة النظر التي نراها عن علاقته بالتشريع الذي نعتقد أنه مرغوب فيه؛ وهذا بدوره يتضمنه مفهومنا عن الخير الاجتماعي الذي ينشأ عن مكاننا في نظام العلاقات الاجتماعية. ولكن نظام العلاقات الاجتماعية هو الآخر يقوم على استغلال القوى المادية للإنتاج إلى أقصى حد ممكن.

نستخلص مما سبق أن الفترات التي تتسم بالتغيير السريع هي الفترات التي تتغير فيها وسائل الإنتاج. أما فترات الاستقرار النسبي فهي الفترات التي تتميز باتباع وسائل الإنتاج القديمة دون النظر إلى أية اختلافات. وعندئذ نتوقع حلول فترة تسود فيها الاكتشافات الجغرافية كعصر النهضة، أو عصر يتميز بالتغيرات العلمية. أما القرن التاسع عشر والقرن العشرون فقد اتسما بالإبداع الفكري والاجتماعي، إلا أنهما ولَّدا لنا زعزعة في أركان الدولة؛ إذ أصبح من الضروري انطباع تغييرات النظام الإنتاجي على البناء الأعظم الذي أقيمت دعائمه على العلاقات الضرورية التي أوجدها هذا النظام.

هذا بينما تنقص وسائل الإنتاج التي تغيرت في مثل هذه الفترات من قيمة نظام علاقات الملكية الراهنة، فإن المبادئ القانونية التي تتمسك بها الدولة لا تتيح للمجتمع الحصول على نتائج مرضية من جراء وسائل الإنتاج هذه. وتذهب إحدى الجماعات في المجتمع إلى أن العلاقات التي كانت تعتبرها طبيعية تعمل الآن لتحول دون إرضاء مطالبها إرضاءً تامًّا، فهي تسعى إلى تغيير هذه العلاقات، ولكن ما لم تتأهب هذه الجماعة التي تهيمن على سلطة السيادة لكي ترضى بتلك العلاقات الهادفة، فإن تلك الجماعة التي تطلب علاقات جديدة لا بد أن تستخدم السلطة الإلزامية للمجتمع لإعادة تحديدها، وإن أية جماعة تعتقد في أنها ستجني الثمار من جراء التغيرات التي تطرأ على العلاقات الاجتماعية، ستصبح جماعة ثورية بإجراء هذه التغيرات - إذا استطاعت - عندما يعارضها النظام القائم.

والتاريخ سجل حافل يفصل بين الجماعة التي ترى أنها كفيلة بالدفاع عن المطالب التي نعتبرها ضرورية لتحسين النواحي الإنتاجية، وسيؤدي حرمانها من مثل هذا الحق إلى القيام بحركة ثورية، ويخلع الأفراد على مثل هذه المطالب ثوبًا من السحر الذي يجتذب إليها الجميع. ولقد أعلنت الثورة الإنجليزية أنها قامت للدفاع عن المبدأ الدستوري والدين البرستانتي، وقامت لكي تدافع عن هذه النواحي، غير أنه كان يخفى وراءها حقيقة جوهرية هي أن الدولة شبه الإقطاعية التي أقامت أسسها - مثلها في ذلك مثل أسرة ستيوارت - على الحق الإلهي للملوك لم تصبح متمشية مع مطالب الطبقات التجارية، وكانت هذه هي الحال بالنسبة للثورة التي قامت عام ١٧٨٩م. وكان القتال فيها باسم مبادئ الحق، إلا أن ما تمخض عنها هو تحرير أصحاب الأملاك من إخضاع الدولة لسلطة حفنة مميزة من أرستقراطية أصحاب الأراضي. وليس من الضروري أن نذهب إلى أن الجماعة الثورية لا تخلص فيما تنادي به من أهداف، فما زلنا نستشف من معارضة كرومويل واريتن للمذاهب التي يعتنقها الكولونيل رينسبورو شعورًا أصيلًا يشبه ذلك الشعور الذي أدمجهم في ميدان آخر ضد شارلس الأول. وتكمن أهمية أية أيديولوجية في تعديل العلاقات الاجتماعية لا فيما تنادي به في حد ذاته.

وإن هذه الجماعات التي تصارع الامتلاك سلطة الدولة تعبر دائمًا عن المتناقضات الموجودة في كل مجتمع بين علاقات الملكية وإمكانيات نظام الإنتاج فيه. وإن الكفاح الأساسي هو الكفاح الموجود بين الطبقات الاقتصادية لضمان السيطرة على سلطة السيادة. ويمكن تحديد معالم الطبقة الاقتصادية بأنها جماعة من الناس تتميز عن غيرها من الجماعات في النواحي الإنتاجية، ويحدد هذا الوضع نظام العلاقات الاقتصادية التي تتمسك به الدولة؛ إذ إنها تضع تلك السلطة الإلزامية العظمى تحت تصرف أية طبقة تتحكم في المجتمع، فإذا لم يتوافر هذا نجد أنه ليس في إمكان أية طبقة أن تغير من وضعها تغييرًا جوهريًّا؛ ولذلك يتحتم على الدولة التي تسعى إلى إجراء مثل هذا التغيير أن تقوم بالقبض على زمام السلطة.

ونستخلص من هذا أن الدولة لا تتخذ مطلقًا موقفًا حياديًّا في مثل هذا النضال السياسي؛ إذ إنها لا تستطيع السيطرة على مثل هذه الجماعات المتصارعة، وأن تقوم بإصدار الحكم بينها على أساس موضوعي، غير أننا إذا نظرنا إلى طبيعتها نجد أنها عبارة عن سلطة إلزامية تستخدم للدفاع عن نظام الحقوق والواجبات التي تتطلبه العلاقات الاقتصادية مخافة أن تمسها طبقة أخرى تحاول جاهدة أن تغير هذه العلاقات من أجل نظام آخر. فإذا قمنا بتحليل الدولة نجد أنها عبارة عن هيئة من الأفراد يقومون بإصدار الأوامر لتحقيق الأهداف التي يعتبرونها أهدافًا أخيرة. أما فكرتهم عن الخير فهي نتيجة وضعهم في هذا النظام الذي ربما يتعرض للمقاومة، ولكن إذا غُيِّر هذا النظام فمعنى ذلك تخليهم عن وضعهم، وفي الإمكان حدوث هذا، إلا أنه ظاهرة نادرة في التاريخ.

وسأتناول في غير هذا المكان ما تتضمنه الناحية التاريخية، كما أني سأوضح الأسس التي قامت عليها، أما الآن فيجدر بي أن أوضح النواحي التي لم أدخلها في نطاق بحثي، ومعنى أن التطور التكنولوجي هو الطريق المؤدي إلى التغير الاجتماعي لا يقدم أو يؤخر شيئًا، فطبيعي أن التطور التكنولوجي له أهميته، وهو بالأحرى يصدر عن المطالب الاجتماعية، ولا يقوم بتحديدها، ويشاهد في النظام الذي نعيش فيه أن المخترعات التي وقع عليها الاختيار للاستغلال تدر مكاسب أكثر. ويعتبر ذلك الباعث الذي أظهرت أهميته العلاقات الاقتصادية التي يتميز بها المجتمع الذي نعيش فيه، ولكن إذا سادت الاعتبارات التكنولوجية وحدها، لوجدنا أن «مل» لم يكن في حاجة إلى أن يكتب مرئيته المشهورة عن الفشل الذريع الذي منيت به الأنظمة التي وضعت لتحسين مصير الإنسان الاجتماعي.

وإني لا أجادل أيضًا في أن الدولة تخضع دائمًا للمصلحة الخاصة لطبقة ما تسيطر عليها، كما أني لا أدلل على أن الرغبة في الحصول على مكاسب ذاتية هي سر سياستها، ولكني أدرك تمامًا أنه في بعض الأوقات يخلص رجال الحكم بالقدر الذي يخلص فيه النقاد معتقدين أنهم يكرسون جهاز الدولة لتحقيق الأهداف التي يرونها فاضلة. أما النقطة التي أتناولها، فهي مختلفة للغاية، إذ إن العلاقات الاقتصادية هي التي تحدد ما يستطيعون قوله، وتوجد الدولة لكي تساند هذه العلاقات التي تولد في كل فترة من الفترات التاريخية مجموعة من المثل العليا التي يرون فيها القدرة على رفع الإمكانيات الإنتاجية، وليس للتاريخ أي معنى عندما ننظر إليه على أنه صراع بين المصالح الذاتية، ومعنى ذلك هو النزول بالطبيعة البشرية إلى الحضيض، أو أن هذه المثل العليا تتصارع من أجل البقاء، وأن قوى الإمكانيات الإنتاجية هي التي تحدد معالم هذه المثل العليا، ويرجع هذا الصراع إلى أن علاقة الطبقات بالإمكانيات الإنتاجية كانت تخلق مطالب كثيرة لتقوم بتحقيقها، وتضمنت العلاقة بين الطبقات هذه الدعاوى والمطالب، فعندما تتعرض هذه المطالب لأي حرمان نجد أن الأفراد يهبُّون لنجدتها، ويتسنى لهم ذلك عن طريق التغلب على الدولة والاستيلاء على سلطتها الإلزامية حتى تتمكن من تعديل العلاقات بين الطبقات، فإن قيام علاقات جديدة بين الطبقات في أي مجتمع من المجتمعات يعني انتصار مُثل جديدة، وتختلف أيديولوجية فرنسا في القرن التاسع عشر عنها في القرن الثامن عشر؛ لقيام الثورة الفرنسية التي غيرت من معالم العلاقات الطبقية في المجتمع، كما أن طريق هذا التغيير قد اجتاز أول ما اجتاز طريق استيلاء الطبقة المتوسطة على الحكم، وذلك من الطبقة الأرستقراطية التي كانت تمتلكها من ذي قبل.

وليس هذا هو مجال التدليل على أن العامل الاقتصادي هو الذي يحدد التغير التاريخي، ولكن ما ينبغي أن أدلل عليه هو أن العامل الاقتصادي هو العنصر الأساسي في هذا التجديد، وإني أدرك تمامًا مدى تأثير الشخصية والتقاليد والمنطق كعوامل في تكوين هذا التغيير، ونجد مثلًا أن العادات التي يؤمن بها الإنجليز عن الحرية تجعلهم يقاومون النظم الديكتاتورية، وتختلف هذه الحالة عنها في روسيا حيث يعدم وجود مثل هذه العادات، وما من شك في أن الحياة التي نحياها كانت ستختلف حتمًا إذا لم يوجد رجال أمثال لوثر أو نابليون أو لينين، ويمكن القول أنه لولا لينين لأخذت الثورة الروسية التي قامت عام ١٩١٧م طابعًا آخر، كما أنه من الواضح أن المجهود الذي تبذله هيئة القضاة المحترمة عندما تقوم بتنفيذ القانون قد يوجه نحو الثبات الصوري من أجل هذا الثبات نفسه الذي يحرره من الاعتماد على العامل الاقتصادي، ويحق لنا أن نقول: إن التقاليد والشخصية والمنطق بينما يحددها العامل الاقتصادي نجد أنها تشكلها بدورها. وهناك تأثير متبادل بين العوامل التي تطرأ على التغيير الاجتماعي الذي لا ينكره أي مراقب عاقل.

غير أن الاعتراف بالجماعية في الأسباب التاريخية لا يعني أننا ننكر وضع العامل الاقتصادي في المرتبة الأولى، وإن ما أوليه اهتمامي الآن هو الإصرار على القول بأي عامل يقوم بدوره سيعتمد على البيئة التي يحدد نظام العلاقات الاقتصادية معالم طبيعتها، وأن هذه العلاقات التي تطبع المجتمع، ستندمج في جميع المظاهر الثقافية وتشكلها حتى إذا كان ذلك عن طريق غير مباشر، وتتكيف التقاليد وتعدل من نفسها حتى تتمشى مع مقتضيات الحال، وستثبت شخصيات عديدة وجودها في نطاق الفرص التي تتيحها تلك العلاقات، وإن مطالب أي نظام قانوني تحدد الأسس التي يقوم عليها هذا النظام، وعندما توضع مثل هذه النواحي عندئذ يشرع المحامي في البحث عن هذا الثبات الصوري، ويمكن لأي فرد أن يدرك كيف أن مطالب العلاقات الاقتصادية الجديدة في روسيا قد شلت من تقاليد الرجل السلافي الذي يميل إلى التصوف والتشاؤم، وهو يعتبر الطراز المعهود «الذي ساد القرن السابق»، كما أننا نلاحظ أيضًا أن الفن والأدب والفلسفة كانت تتعدل تعديلًا بطيئًا حتى تتمشى مع ما يتضمنه الرابط الاقتصادي، وإننا نوافق على أن لينين قد غير وجه التاريخ، غير أن انهيار العلاقات الموجودة بين الطبقات، والتي أقيمت عليها روسيا القيصرية هي التي أتاحت له هذه الفرصة، ونجد أن القواعد التي تفسر بمقتضاها اللوائح، وقد تم تطويرها بواسطة تشريعات القانون العام التي سنتها المحاكم تصدر عن الموضوع الرئيسي وهو القانون العام، كما أننا نجد أن حماية المصالح المتعلقة بالملكية الخاصة في الافتراض الأساسي يقوم عليه، فإذا أصبحت بريطانيا والولايات المتحدة كومنولث ذا نظام اشتراكي فإن المحاكم ستتطلب تشريعات مختلفة عن التشريعات الموجودة لكي تؤكد هذا الثبات الذي يعتبر مثلًا أعلى قانونيًّا له أهميته، أما الفروض القانونية فهي التي تحدد طبيعة هذا الثبات، ومرة أخرى نقول: إن العلاقات الاقتصادية هي التي تحدد هذه الفروض، إذ إن الغرض من وجودها هو حمايتها.

* مقتطف بتصرف من كتاب (الدولة نظريًّا وعمليًّا) لمؤلفه هارولد ج. لاسكي

اضف تعليق