عندما استلم السيد حيدر العبادي، رئاسة الوزراء، أواخر العام الماضي، لم تكن الدولة أفضل حالا من الان... فالصراعات السياسية وخطر الإرهاب وضعف الاقتصاد والفساد وتردي الخدمات، كانت هي العناوين الأبرز والشغل الشاغل لعموم المواطنين في العراق.
لكن الجميع كان ينظر الى المشهد في اطاره الأكبر... ان التغيير حدث والديمقراطية العراقية استطاعت تغيير الوجوه بطريقة سلمية وحضارية، وهم يعلمون ان مهمة رئيس الوزراء القادم، ستكون مهمة شاقة وعسيرة... لذلك تأملوا خيرا.
في مقال نشر العام الماضي، بعد مدة من تولي السيد العبادي مهام منصبة الجديد، ويحمل عنوان (الآفات الاربعة... اخطار ينبغي على حكومة العبادي مكافحتها)، تم تحديد أربع افات ستلعب دور بارز في عرقلة أي جهد وطني لتعديل مسار الإخفاقات المتكررة لمسيرة الحكومات الماضية... والتي ستليها، او محاولة النهوض بواقع الدولة ومؤسساتها.
كانت من بين أبرز هذه الآفات... افة الفساد، والتي أشرنا اليها باعتبار انها "تهدد وجود الدولة العراقية بالكامل، بعد ان اصبحت من الظواهر المتجذرة في اغلب مفاصل الدولة العراقية، ويمارسها اغلب السياسيين والقادة الامنيين واصحاب المناصب المهمة، اضافة الى صغار الموظفين وغيرهم".
وتحدثنا أيضا في وقتها عن ضعف الأداء الحكومي في معالجة هذه المشكلة الخطيرة، على الرغم من شعورها بحجم الخطر الذي يتهددها بالقول "ويبدو ان الحكومة الحالية تدرك حجم الاخطار التي تحيط بها، وربما تكون لديها النية للقضاء على هذه الآفات الاربعة، الا ان افتقارها الى التخطيط الاستراتيجي الواقعي، والخطوات العملية لتنفيذها، من اجل الشروع بمكافحة هذه الاخطار، هو ما ينقصها".
اليوم، وبعد ان خرجت التظاهرات الغاضبة في عدة محافظات عراقية، فضلا عن العاصمة بغداد، أصبح السيد العبادي على المحك، اما الجمهور العراقي الغاضب من انتشار الفساد الذي يتهمه المواطن بانه السبب الرئيسي وراء حرمانه من ابسط حقوقه، ولم يعد امام السيد العبادي سوى خيارين... كلاهما صعب
- المضي بشجاعة وجرأة (كما طالبت المرجعية في النجف من العبادي ان يكون في خطبة الجمعة)، في تحديد الفاسدين واقالتهم ومحاسبتهم، وضرب جميع الفاسدين، سيما الدولة العميقة ومافيات الفساد داخل مؤسسات الدولة، والتعويل على وقوف الشعب الى جانب هكذا تحركات.
- البقاء على نفس المنوال السابق، في اتباع استراتيجية كلاسيكية وضعيفة في مكافحة الفساد، خصوصا الحلول الترقيعية التي لا تكافح اس الفساد او المسبب له بل على نتائجه الظاهرية...في هذه الحالة لا أحد سيضمن الى اين سيمضي البلد؟، وكيف ستكون عواقب الصمت عن مطالب الشعب؟.
طبعا الجميع يتأمل بالسيد العبادي خيرا... وانه سيتخذ المواقف الشجاعة التي تطلبها المعركة ضد الفساد والمفسدين، مثلما اتخذ أبنائنا موقفهم الشجاع، من أبناء الحشد الشعبي، في محاربة داعش وآفة الإرهاب، وما يثبت ذلك، رده السريع على خطبة المرجعية الأخيرة، والتي طالبت فيها بالتحرك والضرب بيد من حديد كل الفاسدين، حيث أكد ان لديه خطة شاملة لمكافحة الفساد، وقد يعلن عنها من خلال قرارات سريعة لمحاسبة بعض المقصرين والمتنفذين، لتهدئة الشارع العراقي الغاضب.
لكن هذا ليس كل التمني بل بعضه... فالمهم ان يؤسس لنظام جديد داخل مؤسسات الدولة، وبين الكتل السياسية... نظام يمنع المطامع في الدولة ومؤسساتها واقتصادها... نظام يمنع الفاسدين من سرقة المال العام... نظام يعطي للمواطن المزيد من الكرامة والحقوق وهو يعيش في بلده... نظام يغير وجه العراق نحو خدمة المواطن لا خدمة المسؤول.
وحتى ذلك الحين... الكثير من المخاطر والعقبات ستعترض طريق السيد العبادي... لكنه ان كان جادا... فسوف ينتصر في نهاية المطاف.
اضف تعليق