قدم مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث وضمن نشاطه الشهري ورقة في ملتقى النبأ الاسبوعي، تحمل عنوان (الخطاب الشيعي من تخوم الانفعال الى افق الفعل)، تم من خلالها مناقشة مجموعة من الافكار الواردة فيها، من خلال مشاركة مجموعة من الباحثين الأكاديميين والقانونيين.
أدار الحلقة النقاشية الاستاذ حيدر الجراح مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، حيث قدم ورقة المركز، ومما ورد فيها:
ليس المقصود بهذا الخطاب لغة القرآن والحديث، فهذا خطاب ليس من اختيار البشر.
هو في الحقيقة ليس خطابا واحدا، انه جملة من الخطابات تبعا لمرجعياته المذهبية والسياسية والثقافية..
وهو خطاب المنبر الحسيني في الوعظ والإرشاد، وخطاب الكتيبات والملصقات والإعلانات التي تستعمل لغة الدين للترويج للمنتجات. وهو أيضا خطاب الجماعات الشيعية المتعددة.
ويضم الخطاب جانبان: الأول لمخاطبة الأنا، والثاني لمخاطبة الآخر، الأول يغلب عليه حشد الجماهير ورفض الواقع الاجتماعي والسياسي. والثاني يغلب عليه الدفاع عن الأنا والهجوم على الآخر.
واقصد بالتخوم: الحدود الفاصِلة بين الأراضي، أو هي معالم يُهتدى بها في الطريق.
في حين اقصد بالأفق، ما ظَهَر من نَواحي السَّماء مَاسًّا الأَرْضَ.
طرحت الورقة سؤالان برسم النقاش حولهما من قبل الحضور:
السؤال الأول: ماهي محددات الخطاب الشيعي على تعدده؟
احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات اوضح (ان لغة الخطاب لغة مؤثرة وهي تكاد ان تستوعب كافة الثقافات وعلى اختلافها، والامر هنا لا يستثني الخطاب الشيعي فهو متعدد ومتنوع، لكن ما يؤسف له ان الخطاب الشيعي لم تحدد له اولويات ولم ترسم له اهداف، وهذا مما يعقد المسألة فالبعض ينحاز تلقائيا للخوض في تخصصات بعيدة عن مداركه ووعيه الثقافي وبالتالي يترتب على ذلك الخروج ويتحقق من وراء ذلك اثار سلبية ومضرة".
فيما قال الدكتور علاء الحسيني:" الخطاب الديني حقق نوعا من انواع التوازن المقبول في مراحل ما، الا ان الخطاب الشيعي غير متجانس وغير منسجم في بعض الاحيان خصوصا وان ابعاد ذلك الخلاف والتناقض اصبحت مكشوفة، وهذا ما تم رصده اثناء الانتخابات وما بعدها وخير دليل على ذلك ما صدر عن السيد مقتدى الصدر في التظاهرات الاخيرة، حينما سحب البساط من تحت اقدام المنحرفين والفاسدين لاسيما اولئك الذين ينتمون الى تياره، وقبل ذلك سبقه السيد السيستاني حينما عرى التحالف الشيعي ووصفهم بانهم لا يفهمون لغة الخطاب وقد بحت اصوات المرجعية وهي تطالب بالإصلاح".
الاستاذ باسم عبد عون تدريسي وباحث في مركز الفرات اشار الى (ان كل شخص له لغة خطاب الا ان وسيلة الخطاب تختلف، حيث تفرضها الظروف الزمانية والمكانية والتطور فهناك الخطاب الشفوي أو عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي أوعن طريق الفضائيات، وان محددات الخطاب الشيعي تتركز حول ثلاثة اجزاء، الخطاب الديني المتمثل بخطب الائمة المعصومين والمرجعيات الدينية، والخطاب السياسي الذي تعمل به الاحزاب السياسية اليوم، والخطاب السياسي غير المرتبط بأحزاب دينية".
الباحث حمد جاسم التدريسي في جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات قال خلال مداخلته "الخطاب الشيعي بدأ محافظا على ذاته حتى جاءت الثورة الايرانية لتتشكل حينذاك رؤية جديدة للانطلاق نحو الشعوب الاخرى، وقد تركز في بداية الامر على النخب الدينية اي اعتمد على الشخصيات والرموز الدينية فقط، والمحددات تكاد تكون كثيرة سيما وان الخطاب لا ينجح ما لم يجد له قاعدة".
من جهته قال الاستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية:" الخطاب الشيعي والخطاب الديني يكاد يكون واحدا، وهو مرتبط ارتباطا مباشرا بخطبة الجمعة التي ظهرت حديثا في نهاية تسعينيات القرن الماضي ايام الجمع وعلى يد الشهيد الثاني محمد صادق الصدر (قدس سره) في جامع الكوفة، هذا مما يدعم حقيقة عدم وجود استراتيجية للخطاب الشيعي ولا يوجد اتفاق على هوية ذلك الخطاب".
الدكتور احمد المسعودي، تدريسي في جامعة كربلاء، وباحث في مركز الفرات:" يرى بالخطاب الشيعي الصادر من تخوم الانفعال هو نفسه سر تراجع الشيعة وعلى المستوى الفكري، وان تخوم الانفعال لا تنتج واقعا معاشا واساس ذلك يمكن ربطه بمعركة الخندق وكيف تعامل الامام علي(ع) وهو يواجه عمرو ابن عبد ود العامري، فبفعل تلك المضامين الانسانية التي تنطلق منها الثقافية الشيعية هي تستطيع ان تنتج مشتركات مع الاخر".
الدكتور قحطان الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية: قال" اذا سلمنا جدلا بوجود خطاب شيعي فهذا الخطاب هو غير مكتمل الجوانب وغير واضح المعالم، اضف الى ذلك محدودية ذلك الخطاب من حيث النوع والجمهور وهو يكاد لا يستوعب غير الشيعي فقط وهذه سمة وثغرة تسجل على الخطاب الشيعي".
الشيخ مرتضى معاش المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام قال (اذا ما اردنا ان نناقش الخطاب بصورة عامة فهو منفعل ولا يمتلك بنية اساسية يعمل من خلالها، وهذا نتاج للواقع المعاش وهو سمه من سمات هذا العصر حيث وجود نزعة التصادم مع الاخر وغياب العقلانية".
السؤال الثاني: كيف يمكن لهذا الخطاب ان ينتقل من خانة الانفعال الى خانة الفعل؟
اشار الحقوقي الباحث القانوني الدكتور علاء الحسيني الى (ضرورة تبويب وتنظيم ذلك الخطاب وان نوجد مشتركات جامعة لهذا الخطاب).
الدكتور حيدر حسين آل طعمة التدريسي في جامعة كربلاء، والباحث في مركز الفرات: قال" الخطاب على مستوى ثقافتنا الشرق اوسطية يمتاز بنبرة الانفعال وهو بعيد كل البعد عن الواقع ودائما ما يثيرون المشاعر بأحداث قديمة، في حين نجد خطابات ساسة العالم الاخر مدروسة ومتجانسة، وهذا مرهون بعامل النضج السياسي وهو الذي يرسخ الانتقال من حالة الانفعال الى حالة الفعل،.
الاستاذ باسم عبد عون يرى (وجود مبررات للخطاب الانفعالي كونه دائما ما يصدر عن شخصيات دينية وبحكم التحديات التي تواجه الامة نجد تلك الشخصيات امام مسؤولية تحشيد الطاقات، وفي سياق هذا المعنى لابد ان تتوفر شخصيات الخط الثاني كالنخب والكفاءات لأجل الاستفادة الى اقصى مدى ممكن وهذا ما لمسناه من خلال التجربة اللبنانية والايرانية ".
فيما اشار الدكتور حمد جاسم " ان الخطاب الانفعالي الى الان موجود في جميع دول الشرق الاوسط وهو ليس حكرا على الشيعة فقط، وان سمة ذلك الخطاب لابد ان تتطور وان تتسع للجميع ولا تكون مقيدة بعنوان واحد وهو الشيعة".
من جهته الاستاذ عدنان الصالحي قال: (هناك تحول كبير بمستوى الخطاب الشيعي خصوصا على مستوى المرجعية ففي السنوات السابقة كان هناك غموض في الخطاب اما الان فالخطاب واضح ودقيق، القيادات السياسية هي الاخرى سجلت تحولا في الخطاب لاسيما خطابات مقتدى الصدر، حيث كانت متشنجة في بداية التغيير لكن الان تغيرت والامر هنا ربما ينسحب على خطاب السيد حسن نصر الله".
الدكتور احمد المسعودي، لا يؤيد فكرة الدعوة للتحشيد لانها صدرت من تخوم الانفعال وهي حتما سوف تحجم الفكر الشيعي وتضر به، الى جانب ذلك هو يستعين ببعض ما جاء به السيد الشيرازي في كتابه السبيل الى انهاض المسلمين حيث يقول (ليس من مصلحة المسلمين ان يتشكل مجتمع ديني لكن من مصلحة المسلمين ان يتشكل مجتمع مدني متدين)".
الدكتور قحطان الحسيني يعتقد (ان الخطاب كلما ابتعد عن المصلحة الشخصية وحمل هموم الجماهير كان قابلا للتلقي وللاستجابة، اما قضية الخطاب الانفعالي فالخطب البارزة والمميز هي انفعالية وهذا ليس ذنب الخطيب، بل مزاج الشارع هو الذي يحبذ هذا النوع من الخطابات وسواء في الوسط الديني وحتى المدني، المرشح الامريكي ترامب على سبيل المثال استطاع ان يحرك الناخب الامريكي من خلال اثارة الحساسية حول الاسلام والهجرة واللاجئين والتفجيرات وما الى ذلك من المشاكل الملحة".
الشيخ مرتضى معاش من جانبه رد على التساؤل المطروح من الذي يحدد الخطاب مزاج الشارع ام مزاج الخطيب، (الخطيب هو الذي يحدد مزاج الشارع من وجهة نظره، هذا من جهة اما من جهة اخرى المشكلة الاساسية التي نعاني منها هي الشخصنة والفئوية التي ينتمي اليها ذلك الخطاب وقد يفتقد للأبعاد الانسانية والاجتماعية، ولابد هنا من التركيز على المعايير التي يتضمنها خطاب الامام علي (ع) ودراستها وهي تتسم بالإنسانية والانصاف والعدالة والقبول بالآخر، والخطاب الاخر لمعاوية وهو مشحون بالبغضاء والحقد والكراهية والتعسف لحقوق الناس.
التوصيات والمقترحات
في ختام الملتقى، تبلورت مجموعة من المقترحات حول الخطاب الشيعي وتطويره:
- الحفاظ على الوسطية
- توحيد الخطاب الشيعي
- ان لا يتم التجاوز على التخصصات الاخرى
- تعديل الخطاب بما ينسجم مع وجهة نظر المرجعيات الدينية
- خطاب شيعي معتدل مدني
- ايجاد بنى تحتية للخطاب الناجع والفاعل
- الخطابة يجب ان ترفق بالدراسة
- وجود وسائل اعلام معتدلة تروج لخطاب معتدل
اضف تعليق