يشير الانحراف الى السلوكيات والتصرفات والتوجهات والمعتقدات والانماط التي تكسر قواعد واعراف واخلاقيات وتوقعات اي مجتمع.
وفي مقابل التفسيرات البيولوجية والسيكولوجية والفردية الوضعية التي ترى الانحراف باعتباره شيئا متأصلا في انواع معينة من التصرفات او الاشخاص، نجد علماء الاجتماع غيروا هذا التمييز البسيط بين ماهو طبيعي وماهو مرضي، حيث اعتبروا الانحراف خاصية للوضعية الاجتماعية والبنى الاجتماعية، وسلطوا الضوء ليس فقط على عمليات كسر القواعد وانما كذلك على صناعة القواعد وتعزيزها ونقلها. ولا يوجد اتفاق ثابت على جوهر الانحراف.. ففي الواقع يرى علماء الاجتماع الذين بحثوا الانحراف ان تحديد معناه وردة الفعل المجتمعية ازاءه يعتمدان على سياق كلام الشخص وسيرته وهدفه.
احتلت دراسة الانحراف اهمية محورية بالنسبة الى اهتمامات النظرية الاجتماعية. فبالنسبة الى دوركهايم كانت الجريمة (ومن ثم وكامتداد طبيعي لها، الانحراف بصفة عامة) امرا طبيعيا ووظيفيا بالنسبة الى النظام الاجتماعي، حيث تعمل على تعميق المشاعر الجمعية والتضامن وتوضيح وتعزيز قيم ومباديء المجموعة. وكانت فكرته الاصلية عن اللامعيارية او حالة اللاطبيعية كمصدر للسلوك المنحرف قد جرى استعارتها والبناء عليها وتنقيحها من قبل باحثين اخرين.
يعرف الانحراف لغويا:
الخُروجُ عَنْ جادًّةِ الصَّوابِ، الابْتِعادُ عَنْها، وَالانْحِرافُ مُصْطَلَحٌ في عِلْمِ النَّفْسِ الاجْتِماعِيِّ يَعْنِي الخُروجُ عَنْ ما هُوَ مأْلوفٌ وَمُتَعارَفٌ عَلَيْهِ مِنْ عادَاتٍ وَسُلوك.
من حيث المفهوم النفسي فإن المنحرف هو من يعاني اضطرابات و صراعات نفسية يفصح عنها بأشكال من السلوك المنحرف، و بأسلوب يؤذي نفسه أو غيره، و هو بذلك لا يختلف عن المريض نفسيا، و يمثل الانحراف عادة محاولة لحل مشكلة خطيرة أو بعيدة الأثر في نفسية المنحرف، و بعبارة أخرى فإن علماء النفس ينظرون إلى شخصية المنحرف، و ليس إلى الفعل نفسه، ولذلك فهم يفرقون بين المنحرفين المرضى و المنحرفين الأسوياء، على اعتبار أن الانحراف في الحالة الأخيرة مرده إلى المجتمع وظروفه، وليس إلى الفرد نفسه، كالذي يقتل أو يجرح شخصا، مثلا، دفاعا عن عرضه لأن الأعراف أو القيم المحلية تدفعه لذلك الفعل، فالانحراف في مثل هذه الحالة هو من وجهة نظر القانون، أو من وجهة نظر المجتمع العام، وليس من وجهة نظر التكوين النفسي المضطرب أو المختل.
ولهذا نجد علماء النفس لا يهتمون بالمنحرفين أو المجرمين الذين لا تعبر جرائمهم عن هذا الاضطراب أو الخلل أو المرض النفسي، لأنهم مجرمون بدون شخصية إجرامية.
وفي علم الجريمة والعقاب: يعرفه بول ويلبور تابان بأنه (مجموع المخالفات المرتكبة، والمشهر بها، والمتابعة، والمعاقب عليها، ولا يعتبر جانحا أو مجرما إلا من اعترفت له بذلك المحكمة)، كما يرى أيضا أنه (أي فعل أو نوع من السلوك، أو موقف يمكن أن يعرض أمره على المحكمة ويصدر فيه حكم قضائي)، كما يمثل الانحراف (الفعل الذي يضر بمصلحة الجماعة أو المجتمع، ويهدد كيانه، نتيجة عدم التزام من يأتيه بالقيم والمعايير التي تطبق في المجتمع، والتي تقيمها الجماعة وتحرص للحفاظ عليها. ومعنى ذلك أن الانحراف يتضمن أنماط من السلوك المضاد للمجتمع، ويؤدي إلى الإضرار بالتنظيم الاجتماعي"، من كل ذلك يمكن إعطاء تعريف للانحراف على أنه "اعتداء على قوانين المجتمع، ونظمه بسلوك يعبر عن اضطراب الشخصية (اجتماعيا، ونفسيا)، يدفع إلى الفعل اللاسوي، ويقضي بمعاقبة مرتكبه، ليتم إيداعه بفعل سلوكه ذاك داخل مؤسسة إعادة التربية لإعادة تأهيله).
إن الدراسات النظرية الأصلية التي قام بها توماس هوبز وسكموند فرويد حول السلوك المنحرف تؤكد على أن السلوك المنحرف ما هو إلا صراع بين رغبات وطموحات ودوافع الفرد من جهة ووسائل الضبط الاجتماعي والسلوكي التي يعتمدها المجتمع أو الجماعة من جهة أخرى.
وترتفع نسب السلوك المنحرف بين الأفراد الذين لا يعطيهم المجتمع الفرص الكافية والظروف المساعدة على تحقيق أهدافهم وطموحاتهم خصوصاً عندما يطلب منهم الوصول إلى الأهداف الاجتماعية العليا التي يثمنها المجتمع.
نشاهد في جميع المجتمعات وجود نظام معقد ومتدرج من المكافآت والأهداف. فالفرد الذي يناضل من أجل النجاح ونضاله يعتمد على الطرق الشرعية التي يقرها المجتمع يشجع على الاستمرار بهذا العمل طالما ان المجتمع يحترم ويقدر تقدمه هذا. لكن التأكيد المتزايد على تحقيق أهداف معينة كالحصول على الرواتب والأجور العالية بغية الحصول على السمعة والاحترام قد يدفع إلى ظهور حالة لا تستطيع فيها العادات والعرف الاجتماعي ضبط سلوك الفرد. كما هي الحالة في لجوء بعض الأفراد إلى الأساليب اللاأخلاقية للحصول على المادة كقيام بعض الأفراد بالسرقة أو اختلاس الأموال، هذه الأعمال التي تشير إلى السلوك المنحرف الذي لا ينسجم مع أخلاق وعادات المجتمع السوية.
إلا أن النظام الاجتماعي الذي توجد فيه درجة عالية من المنافسة بين الأفراد يقود حتماً إلى ظهور حالات مختلفة من السلوك المنحرف أشهرها حالة الجنوح الاجتماعي. لكن العالم ميرتن يميز ثلاثة حالات يندفع الفرد من خلالها إلى تقليل وتخفيض حدة خيبة أمله التي يسببها له نظامه الاجتماعي خصوصاً إذا كان الفرد مضطهداً اجتماعياً، وهذه الحالات الثلاث هي حالة التمسك بالطقوس أي الالتزام المطلق بالأحكام الاجتماعية والتقيد بأهداف المجتمع، وحالة التراجع أي رفض الأهداف الحضارية وطرق الوصول إليها وأخيراً حالة الثورة أي الردة على المجتمع وتحدي قيمه ومقاييسه.
إن الدراسات التجريبية للانحراف السلوكي والاجتماعي متجهة في الوقت الحاضر نحو دراسة مشاكل اجتماعية معينة مثل الجريمة، الجنوح، تناول المخدرات، الانتحار، الزنا، الطلاق، والصراعات العنصرية.
ويختلف مفهوم الانحراف عن مفهوم الجريمة إلا أن مفهوم الانحراف أوسع وأعم من مفهوم الجريمة؛ فالانحراف هو كل أساليب السلوك التي لا تلتزم بالمعايير، أما الجريمة فهي تشير إلي السلوك الذي يخالف المعايير ويعاقب عليه القانون؛ مثلا القتل جريمة لأن القانون يعاقب عليها، أما عقوق الوالدين فإنه انحراف لأنه سلوك لا يلتزم بالمعايير، ومن هنا يمكن القول بأن كل جريمة هي انحراف ولكن كل انحراف ليس جريمة.
والانحراف أمر نسبي أي يختلف من مجتمع إلي آخر باختلاف قيم الثقافة؛ فالسلوك الذي يعد منحرفًا في مجتمع ما قد لا يعد منحرفًا في مجتمع أخر، والانحراف أمر نسبي أيضًا في ضوء الموقف الذي يحدث فيه؛ فالقاتل يعد منحرفًا ولكن الجندي الذي يقتل في معركة عدوًا دفاعًا عن الوطن لا يعد منحرفًا، وأيضًا مدمن المخدرات يعد منحرفًا ولكن المريض الذي يعالج بعقاقير مخدرة لتخفيف ألامه لا يعد منحرفًا.
أنواع الإنحراف السلوكي ومرئيات المجتمع لها:
حرص علماء الإجرام على التمييز بين أربعة أنواع من الانحرافات التي يقوم بها الأفراد وهي:
1 – الانحراف الأولي: ويقصد به أن الفرد يخرج عن ضبط المعايير الاجتماعية، لكنه يبقى مستمرا في عمله ووظيفته محتفظا بمكانته وممارسة دوره الاجتماعي. أي يبقى انحرافه ضمن حدود وظيفة الدور المقبول اجتماعيا، المحيطون به لا يعتبرونه منحرفا، ولا يتم عزله اجتماعيا مثل: بعض ممارسات العنف على الزوجة، الكذب...
2 – الانحراف الثانوي: خروج الفرض عن ضوابط معيارية مبني على وسائل دفاعية أو هجومية أو تكيفية لمشكلات ظاهرة أو مستترة تفرزها آثار العلاقة الاجتماعية المرتبطة بها، وغالبا ما يتم توقيف هذا المنحرف وتقديمه للعدالة، ويتم عزله اجتماعيا.
3 – الانحراف المتكشف: يقصد به التصرف الخارج عن بعض ضوابط المجتمع ويكشف أمره من طرف رجال الأمن. وعادة ما يبدأ هذا الانحراف بتفكير وتدبير مسبق من قبل المنحرف بعيدا عن أعين الناس، لكن طريقة انحرافه تترك آثار مما يؤدي اكتشاف أمره، مثل: السرقة، القتل الاعتداء الجنسي...
4 – الانحراف المتخفي: فهو يعكس الخروج عن بعض الضوابط العرفية الأخلاقية، ونظرا لدراية المنحرف بان خروجه هذا يخالف معتقدات وقيم المجتمع، فإنه يؤدي خروجه بكل سرية وكتمان عن أعين الناس ورجال الأمن لكي لا يكون معروفا.مثل. الاغتصاب الجنسي، اللواط، السحاق...
ومن أسباب الإنحراف نجد:
- انحراف التربية
- غياب الوازع الديني (لا يعتبر مقياسا عند بعض التوجهات)
- غياب الرقابة الاجتماعية
- دور وسائل الإعلام
- الفراغ والضياع
- عزوف الشباب عن الزواج
- أصدقاء السوء وأسباب أخرى لا يمكن التطرق لها مجتمعة هنا..
أما عن طرق الوقاية والعلاج فنجد:
- التربية الصالحة
- تنمية الوعي
- التدريب على الشعور بالمسؤولية
- ملء الفراغ
- محاولة تغيير أنماط الحياة
اضف تعليق