التنافس له مصاديق كثيرة في مجال التجارة والانتاج، بينما يمكن وجوده في ميادين عمل أخرى ذات صلة بالثقافة و العلم، وحتى الأعمال الخيرية والانسانية، و أراها أكثر تأثيراً في الحياة الاجتماعية قبل الاقتصادية والسياسية، مثالاً لا حصراً؛ التنافس على تقديم الأفضل في طرائق التدريس في الجامعات، او البحث عن أقصر الطرق للوصول الى الشريحة المستحقة...
"فلما رأي الله منّا الصدق أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر".
أمير المؤمنين، عليه السلام.
أروع إطار للعمل الجماعي المثمر؛ التنافس الايجابي بين الافراد على تقديم الأفضل في ميادين عمل مختلفة.
في عالم التجارة والاقتصاد بالعالم، نشهد سباقاً وتنافساً شديدا بين الشركات والمؤسسات لكسب الزبائن وتحقيق المزيد من الارباح، والتفوق في كل شيء، والناجح في هذا المضمار هو من يمتلك وسائل هذا النوع من التنافس، وفي المقدمة؛ المال، ثم العلم والمعرفة، لذا نلاحظ الاحتكار، والتضليل، والتشويه، والخداع –في معظم الاحيان حتى لا نُعمم- هي أدوات النجاح والتفوق على الصعيد المحلي والعالمي، أما من يفتقد لهذا العنصر الحيوي الهام –المال- فلا فرصة له من هذا القبيل.
في حين إن مفهوم التنافس الذي بشّر به القرآن الكريم لأول مرة منذ اربعة عشر قرناً يفتح الأبواب أمام أبسط عامل، وأكبر مهندس أو صاحب اختصاص لأن يكونوا في مضمار السباق لتحقيق الأفضل، وهو ما أدركه في الوقت الحاضر بعض اصحاب الرساميل الضخمة في العالم، و راحوا يستجلون الرؤى والافكار من جميع الافراد بغض النظر عن مستوياتهم العلمية والمهنية للحصول على الجديد لكسب التفوق في الاسواق العالمية.
استثمار تعدد وجهات النظر
التنافس له مصاديق كثيرة في مجال التجارة والانتاج، بينما يمكن وجوده في ميادين عمل أخرى ذات صلة بالثقافة و العلم، وحتى الأعمال الخيرية والانسانية، و أراها أكثر تأثيراً في الحياة الاجتماعية قبل الاقتصادية والسياسية، مثالاً لا حصراً؛ التنافس على تقديم الأفضل في طرائق التدريس في الجامعات، او البحث عن أقصر الطرق للوصول الى الشريحة المستحقة لما تقدمه المؤسسات الخيرية من دعم مالي وعيني، ثم ابتكار اساليب جديدة للمساعدة من خلال برامج تنموية للايتام والفقراء ترفع من مستوى ثقافتهم وعلميتهم ومهاراتهم.
هذا المسعى من شأنه تأسيس لبنية تحتية تقام عليها مشاريع اقتصادية وخطط تنموية واسعة الابعاد، و برامج سياسية ذات مصداقية على ارض الواقع، مثل؛ المشاركة السياسية، والوصول الى فهم مشترك للحرية الفردية والجماعية في ظل القانون، فعندما يكون التماسك بين الافراد سيد الموقف، فان نسبة نجاح تلكم المشاريع ستكون مرتفعة، وقطعاً؛ يكون العكس هو العكس في النتائج عندما يكون التسقيط سيد الموقف في المجتمع.
معالجة حمّى التنافس
ما دام الانسان يحمل معه نوازع وغرائز من يوم ولادته وحتى مماته، علينا التعامل مع ظواهر سلبية تظهر هنا وهناك كإفراز لحالات نفسية يكون استفحالها في الوسط الاجتماعي نابعاً من أرضية مساعدة لها، ومن هذه الحالات؛ حب التفوق على الآخرين بلا حدود او قيود، فهو تنافس بين هذا العالم و ذاك، او بين هذا الطبيب و ذاك، او بين هذا التاجر و ذاك، بيد أنه تنافس محموم و سقيم تستخدم فيه كل الوسائل المشروعة والمحرمة، وفي هذا المضمار تقفز حالات نفسية اخرى تزيد من هذه الحمّى، مثل؛ الحسد، والحقد، والكراهية، وحتى التآمر بأشكال مختلفة.
قبل التفكير "بالتنافس الشريف" لابد من معالجة هذه الحالة المرضية لنكون على الطريق الصحيح بخطى ثابتة، مركزين الجهود الذهنية والعضلية صوب الهدف السامي، والخطوة الاولى؛ بتوطين النفس على وجود العقبات في الطريق يزرعها الفاشلون، أما ان يتصور الانسان طريقاً على جانبيه الورود والمصفقين ليشعر بالثقة والارتياح خلال عمله، فهذا يُعد جزءاً من الاحلام الوردية، فكل واحد منّا "يعيش في الدنيا وليس في الآخرة، و الدنيا ليست جنة الله –عزوجل- انما الراحة المطلقة للمؤمنين في الآخرة بالجنة". (بحوث أخلاقية- السيد جعفر الشيرازي).
نجل السيد المرجع الراحل، ينقل في كتابه المشار اليه، ينقل عن والده؛ المرجع الديني السيد محمد الشيرازي، طريقة رده على الحاسدين والحاقدين عليه طيلة حوالي اربعين سنة من عمله الرسالي الجبار في تشييد المؤسسات العلمية والخيرية والثقافية، وتأليف عشرات الكتب في موضوعات مختلفة، وإقامة أرقى العلاقات مع افراد المجتمع في عديد البلاد الاسلامية، والسعي الجاد لرفع مستوى الوعي والثقافة بين أفراد الأمة، كان يقول؛ رحمه الله: "ليس لدينا وقتان؛ وقتٌ ندافع فيه عن أنفسنا وننشغل بالنزاع مع الآخرين، ووقتٌ نخدم فيه الاسلام والمسلمين، إننا نريد أن نوظف وقتنا كله لخدمة الاسلام والمسلمين، فاذا اتهمني فلان، فاني أوكله الى الله –تعالى-".
كما نعالج حمى البدن بالماء البارد وليس الساخن، فان الرد على المحمومين في ميادين العمل هو العمل غير المحموم وفق المعايير الاخلاقية والمهنية الصحيحة، وهذا ليس بالأمر الهيّن قطعاً، ربما يكون جهداً مضاعفاً، يفوق في ثقله على النفس من الرد بالمثل كما نلاحظه في كثير من الحالات، حيث تكون النفس في راحة واسترخاء بعد جولة من تفريغ شحنات الغضب أمام الطرف المقابل، ثم يتكرر الأمر مع استمرار العمل فنكون ضمن دوامة عنف لفظي وشدّ عصبي مع غياب الاهداف السامية وحاجة المجتمع والأمة الى ما هو مفيد ومنقذ من واقعها المرير.
لكن النتائج العظيمة لثقافة التنافس الايجابي تستحق تحمّل عناء الضغوطات النفسية التي جربها العظماء والعباقرة والقادة المصلحين.
اضف تعليق