لنفكر بالوقاية قبل العلاج، انه مثل قديم ومعروف تتداوله الألسن لمطابقته مع الفطرة والمنطق، ولكن الغريب في الأمر أن هذه القاعدة العقلية يتم تغييبها لتحل محلها قاعدة؛ "اخلق المرض ثم ابتكر العلاج"! وهي قاعدة افتراضية –طبعاً- ولا يفصح عنها اصحابها، إنما الواقع الذي نعيشه ونلمسه بكل حواسنا..
"خيرُ نسائكم العزيزةُ في أهلها الذليلة مع بَعلِها"
رسول الله، صلى الله عليه وآله
ما علاقة الحديث النبوي الشريف حول صفات الزوجة الصالحة بعنوان الموضوع حول طريقة التعامل مع "الرياح الصفراء" التي تعصف ببلادنا وبمجتمعاتنا هذه الايام؟
وهذه الرياح ليست من ظواهر المناخ التي تداهمنا بين فترة و اخرى، وإنما هي كناية عن الترويج والتعبئة الشاملة لما يُسمى بـ "المثلية الجنسية" مع إكسائها رداءً لغوياً يخفي قبح الفعل وهو اللواط عند الرجال والسحاق عند النساء، بهدف إقناع البعض بإعادة النظر في قاعدة الزواج بين الرجل والمرأة، وإحاطة بنود العلاقة بين الزوجين بعلامات استفهام وتشكيك بسلامتها.
أمام هذه الرياح القادمة من "الخارج" نسمع آراء في الداخل بعدم الحاجة للتصدّي للقضية وتضخيم الأمر! ثم إن التنظير والكلام المتواصل عن القيم الاخلاقية والدينية، والنظام الاجتماعي المتكامل في الاسلام، والقرآن الكريم مع تراث أهل البيت، عليهم السلام، كل هذا محصور بين دفتي الكتب المكدسة في المكتبات، ولا تطبيق عملي لها على ارض الواقع لأسباب مختلفة، فلا تعتبوا على الغير لأن ينشروا ويؤثروا، وهذا صحيح في جانب منه، والصحيح ايضاً؛ العوامل السياسية ذات المدخلية في جعل الطريق للثقافات والافكار الدخيلة، سالكاً الى القلوب والعقول، ولسنا هنا بوارد الحديث عنه، بقدر ما يهمنا تسليط الضوء على ما ينبغي فعله في هذه البرهة الزمنية تحديداً.
لنفكر بالوقاية قبل العلاج
انه مثل قديم ومعروف تتداوله الألسن لمطابقته مع الفطرة والمنطق، ولكن الغريب في الأمر أن هذه القاعدة العقلية يتم تغييبها لتحل محلها قاعدة؛ "اخلق المرض ثم ابتكر العلاج"! وهي قاعدة افتراضية –طبعاً- ولا يفصح عنها اصحابها، إنما الواقع الذي نعيشه ونلمسه بكل حواسنا يؤكد هذه الحقيقة المرّة المفروضة علينا وعلى العالم بأسره منذ القرن الماضي، والتي تكشف عن تعامل غير متوازن ومتناقض مع قضايا الانسان في هذه الحياة، مثل؛ الصحة والمرض، والعلاقات الاجتماعية، وقضايا الحرب والسلام، فقد شهدنا كيف أن الأمراض الخطيرة تظهر في البلدان الغربية المتقدمة في مجال الطب؟ وكيف أن الامراض الجنسية مثل "الايدز"، ثم النفسية مثل؛ "الكآبة" تنتشر بموازاة التطور الحاصل في الخدمات الصحية وتشييد المستشفيات الراقية المجهزة بأحدث التقنيات والاجهزة والعقاقير الطبية؟ وبمرور الزمن اتضح لنا أن السبب في النظام الغذائي الخاطئ، والعلاقات الجنسية الخاطئة، بل والحياة الاجتماعية الخاطئة التي سببت كل هذه التصدّع في حياة الانسان الغربي، ثم انتشرت هذه الظواهر السلبية الى معظم دول العالم.
وكذلك الحال في افتعال الحروب والصراعات السياسية بين الدول، مثل؛ مشاكل الحدود، والنزاعات الدموية على السلطة، و اثارة النعرات القومية المسببة لاشعال الحروب، ولا أجدني بحاجة الى أمثلة من بلادنا المسكونة بالحروب والازمات السياسية بعد انكشاف كل الحقائق امام الجميع، وكيف أن الاميركيين والبريطانيين خلقوا بؤر توتر قابلة للانفجار كل لحظة، والحرب بين العراق وايران، ثم غزو الكويت والحرب الاميركية لتحريرها، والحرب المستمرة في جبال و ديان كردستان؛ العراقية والسورية والتركية خير دليل ما نقول، رغم كل ذلك نجد البعض يرى واشنطن ولندن يمثلان المنقذ ومحور الحل، بل وحتى نموذج الحياة السعيدة.
المنظومة الغربية في ورطة كبيرة اليوم أمام جمهورها الغارق في الكآبة والمشاكل الجنسية المعقدة التي تعكّر صفو حياتهم، فبعد عجزهم عن حل هذه المشكلة تحديداً بالسماح، بل والتشجيع على الاجهاض لتتخلص الفتيات والنساء من الحمل ثم متابعة حياتها الجنسية بالحرية الممنوحة لهم، ابتكروا طريقة جديدة للحل –بظنهم- وهي تشريع زواج الرجل من رجل، والمرأة من امرأة للتخلص من الفشل العاطفي المنتشر بشكل فظيع.
ولسنا بوارد التحقق من نجاح او فشل هذه المحاولات، وآثارها الجانبية ومضاعفاتها، إنما نبحث في طريقة التعامل مع الازمات الاجتماعية والنفسية للانسان الغربي، فالشذوذ الجنسي الموجود كظاهرة مرضية تصيب البعض من البشر منذ آلاف السنين، ولا يختلف أحد على قبحها، سارع المعنيون هذه المرة لإزالة هذه القبح من هذه الممارسة، فكانت نتيجة الضغط على منظمة الصحة العالمية صدور قرار عام 1990 بإلغاء كون "المثلية الجنسية نوعاً من الاضطراب النفسي" كما توصل اليه علماء النفس منذ بدايات القرن العشرين، وذلك لئلا يشعر من يمارس الشذوذ الجنسي رجلاً كان او امرأة بالعار والذنب، فهو "يختار نمط الحياة التي يحب، وتناسب الظروف التي صنعتها له المنظومة الغربية.
التبرير؛ هو طوق النجاة الوحيد الذي يراه الغرب للتخلص من المسائلة أمام نتائج الممارسات الخاطئة والحياة الفاشلة التي صنعها المعنيون من الساسة وأصحاب رؤوس الاموال.
هذا الاسلوب والخيار (التبرير) نراه متبعاً في بعض بلادنا التي عصفت بها الرياح الصفراء منذ عقود من الزمن، حتى أصبحنا نسمع ونرى الدعوات بعدم وصف جريمة الزنا بالعار والخطيئة، في جهتيه؛ الرجل والمرأة، بل وحتى نتيجة هذا العمل القبيح، وهو الولد من الزنا، فهؤلاء جميعاً نتاج الظروف الاجتماعية والاقتصادية، بل وحتى السياسية التي تدفع بالانسان الى هذا الطريق، وإذن؛ فلابأس عليهم جميعاً!
لذا لا نستغرب من اذاعة عالمية تنطق بالعربية منذ اكثر من سبعين سنة، وتتحدث الى مستمعين مسلمين يقرأون القرآن ولديهم شريعة وأخلاق وآداب، وتتحدث امرأة من وراء المايكرفون باستغراب عن الرجال الذين يتخذون اكثر من امرأة للزواج، ثم لا يسمحون للمرأة بفعل المثل، "أليس هذا تناقض"؟!
تكريم المرأة
جرى الحديث عن هذا الموضوع بوافر الافكار والنظريات، فمن تحدث في الغرب عن حرية المرأة، وفي الشرق الاسلامي عن حقوق المرأة وكرامتها، والاثنين لا غبار عليهما من حيث المبدأ، إنما المطلوب التطبيق الصحيح الموافق لفطرة الانسان، والمصاديق العملية على ارض الواقع لكل هذه النظريات، وإلا كيف تلامس المرأة العراقية –مثلاً- حقوقها وحريتها في وقت يتم الترويج ايضاً للملابس التي تظهر مفاتن هذه المرأة نفسها لتكون مصدر إثارة جنسية عند الرجال، ثم نسمع مع كثير من الغرابة والتعجب من يتحدث عن "غضّ البصر لدى الرجال"! ولماذا يجب ان يراقب الرجال النساء في الشارع؟! والسؤال الاكثر غرابة؛ "وهل الرجل مجبر على النظر والتورط بالاثارة"؟! وهذا ما سمعناه من أرباب القنوات الفضائية منذ زمن بعيد، ثم من اصحاب مواقع الانترنت في الوقت الحاضر، فهل يعني هذا أننا نخلق الداء ثم نبتكر الدواء؟!
العلماء اكتشفوا منذ زمن بعيد أن أهم عامل لفشل الحياة الزوجية، وهو المثيرات الجنسية في الشارع وفي وسائل الاعلام المختلفة، لاسيما بالنسبة للرجال، فعندما تمتلأ أعينهم بما ليس لهم، ستقل قيمة ما عندهم في أعينهم، لأن النظام الاجتماعي في الاسلام ضمن للزوج وللزوجة أفضل وأجمل علاقة عاطفية عندما تكون الشهوة والاثارة الجنسية منحصرة بينهما فقط لا ينتهكها أحد، ونفس الأمر ينطبق على الفتاة وعلى الشاب ايضاً؛ فالشهوة الجنسية المغروزة من قبل الله –تعالى- في نفس كل انسان، تصاحبه منذ ولادته وحتى مماته، يجب ان تكون محترمة ومحفوظة لحين الاستفادة منها في الزواج وليس في أمر آخر مطلقاً.
ولعل هذا يفسّر للقارئ الكريم سبب اختيارنا للحديث النبوي الشريف ليتصدر المقال، فكرامة بنات حواء وسعادتها مضمونة وهي في كنف الأب، فهي عزيزة كونها بنت، ورقيقة، و رحمة مهداة من السماء، وهي الزوجة المطيعة بحب وإيمان لزوجها بهدف تشكيل أسرة آمنة ومتماسكة، وحتى لايلتبس على أحد مفردة "الذليلة" فهي تنصرف الى الطاعة والتفاعل، مقابل التمرّد والطغيان، ولذا جاء التحذير –وهذا استطراد من السياق- من النبي الأكرم بأن لا يكون العكس، فتكون النتائج كارثية.
إن تكريم المرأة لا ينحصر في مراسيم تكريم الأم المثالية، والموظفة النزيهة، والمعلمة المربية، والطبيبة المخلصة، فكل هذا في محله مطلوب ومحبوب، إنما المطلوب أيضاً توفير كل ما يصون المرأة من الانحراف والشبهات في أي مكان تكون فيه، ولعل أهم وأعظم تكريم للمرأة هو الحثّ على الزواج وتكشيل الأسرة الناجحة، بل وتربية الفتاة من الصغر لتكون الأم في الكِبر، من خلال تعريفها بكامل المنظومة الاخلاقية وبالنظام الاجتماعي المتكامل في الاسلام، وكيف بامكانها تحقيق السعادة لنفسها وللمحيطين بها في ظل هذا النظام، والأهم منه، العيش بأمان من الرياح الصفراء مهما كانت قوتها.
اضف تعليق