الاخلاق ان فقدها المجتمع يتحول الى مجتمع مريض لا يمكن العيش او التعايش فيه، فالأخلاق هي العمود الفقري لجميع التعاملات الإنسانية ولا يمكن ان نستثني القطاع التربوي منها، وما يحصل اليوم هو إشارة خطيرة على تنامي ظاهرة عدم احترام المعلم والمربي الفاضل، وبذلك يلتحق التعليم بركب القطاعات المهددة بالانهيار على جميع المستويات...
دخل يحمل عصاه وكأنه يريد ان ينال من عدوه، امام انظار الجميع بدأ بالسب والقذف بينما هو سائر بتجاه الرسول التربوي الذي يحمل رسالة علمية وإنسانية قبل كل شيء، هذا المشهد ليس مشهدا دراميا او من وحي الخيال، بل هو حقيقة صادمة حدثت في احدى المدارس في كربلاء، شاهده وسمع بأصدائه ملايين العراقيين وغيرهم.
لم تكن حوادث الاعتداء على الملاكات امر مستحيل الحصول او يحدث نادرا، بل صار يتكرر في اليوم الواحد مرات عدة، فكلنا رأينا ولي امر الطالب الذي دخل على الطاقم التربوي دون أي رادع قانوني او مانع أخلاقي، ولا يمكن ان تفصل هذه الحادثة عن مئات الحالات المشابهة.
لشيوع هذه الظاهرة او تفشيها في السنوات الأخيرة، العديد من الأسباب، لكن يبقى أهمها هو ضعف سلطة الدولة وعدم احترامها لنظامها التربوي، ويأتي عدم الاحترام للمدرس او المعلم من منعه تأدية واجبه بالصورة الصحيحة، وتقديم التربية على مرحلة التعليم او جعلهما يتماشيان معا، حفظا على التكامل العلمي.
تكلمنا عن هذه النقطة بالتحديد عشرات المرات في مقالات سابقة، الدولة لديها فلسفة خاصة بالتعليم وربما تكون مخطئة في ذلك، اذ تحاول ان تدعم اتباع مبادئ حقوق الانسان المزعومة، بغض النظر عن الجانب العلمي ومخرجات العملية التربوية، فهي من سنت قوانين تمنع المدرس من تأديب الطالب المسيء بحق نفسه والآخرين، مما جعله يتمادى في الخطأ ويكرره مرارا.
هل يظن احدكم ان القانون يقلل من حقوق الافراد او يشعرهم بالإهانة؟
كلا مطلقا، لكن القوانين الوضعية الأخيرة قللت من كرامة المعلم وهدمت كبرياءه ومكانته الجليلة، لذا فمن الخطأ ان نعد القانون خطا احمر لا يجوز عبوره بشتى الحالات، وفي النهاية نشاهد سلسلة الاعتداءات متواصلة ولا يمكن ان تقف عند الأخير الذي يعبر عن حالة همجية تقتحم القيم الاجتماعية.
ولو أردنا اشراك أولياء الأمور عبر طرح السؤال التالي على اغلبهم، إذا كان القانون يمنع المعلم من التأديب والتربية الصحيحة للطالب، فماذا تعني لكم التربية والتعليم؟
وان كانت القوانين الحالية لا تحترم المعلم وتصون كرامته، اين ذهبت الاخلاق التي حثت عليها التعاليم الإسلامية، وأكدت عليها في أكثر من موقف؟
القرآن الكريم وصف نبي الرحمة بأنه على خلق عظيم، وانه بُعث ليتمم مكارم الاخلاق، ولم يقل انه صاحب أموال او سلطة او سلطان تخضع له أجزاء كبيرة من المعمورة، بل أكد على ما يتمتع به من اخلاق حميدة ودماثة يشهد له العدو قبل القريب.
الاخلاق ان فقدها المجتمع يتحول الى مجتمع مريض لا يمكن العيش او التعايش فيه، فالأخلاق هي العمود الفقري لجميع التعاملات الإنسانية ولا يمكن ان نستثني القطاع التربوي منها، وما يحصل اليوم هو إشارة خطيرة على تنامي ظاهرة عدم احترام المعلم والمربي الفاضل، وبذلك يلتحق التعليم بركب القطاعات المهددة بالانهيار على جميع المستويات.
وكانت هذه النتائج الظاهرة للعيان نتيجة ما يعانيه أبناء المجتمع من امية أخلاقية، لا يفقهون أهمية تقديس المعلم واعطاءه مكانة الصدارة في الاحترام والتكريم، فهو يستحق كل ذلك لأنه يمنح الأجيال الجديدة من خزينه الأخلاقي وتراكماته العلمية والمعرفية، وهو بذلك أصبح الهادي والمرشد نحو إصلاح الفرد، ومتى صلح الفرد، اكتمل بناء المجتمع وارتقى على أسس متينة لا يمكن ان تتداعى او تنهار.
الاعتداء الأخير وطريقة التعامل مع الطاقم التربوي، لا يمكن ان نضعها بغير التصحر الأخلاقي الذي عليه المجتمع، ويؤكد أيضا ان المجتمعات تقف على شفاء حفرة، يمكن ان تنهار بأي لحظة، وهنا تأتي الحاجة الى التفكير الجاد والمنطقي لضخ جرعات أخلاقية في الكيان المجتمعي لكي نضمن العيش ببيئة تساعد على التطور والرقي.
من يعتدي على المعلم مهما كان السبب يعني ذلك انه اعتدى على قدسية العلم، ومتى يصل الحال بالتعليم الى هذه الدرجة من عدم التقدير، فهو يوضح حقيقة مرة، مفادها ان الجهل والتخلف والتراجع هو من سيتصدر المشهد في السنوات القادمة، وليس ذلك ببعيد طالما المعلم المخلص يتعرض الى الاعتداء والضرب، فان ذلك سيولد ردة فعل عكسية تجاه العملية التربوية، ويتحول الى شبيه بالصراف الآلي يعطي ما لديه بقدر ولا يهمه حدوث المنفعة او لا.
اضف تعليق