q
أن معظم الناس يركزون على رفاهيتهم، ولا يرون أن كونهم أفضل من الناحية الأخلاقية يصب في مصلحتهم الخاصة. وأكثر هذه التفسيرات ليونة هو أن العديد من الناس يرون أن الأخلاق هي مسألة امتثال لمجموعة من القواعد التي تحدد الأشياء التي لا ينبغي علينا القيام بها...
بقلم: بيتر سنجر/أجاتا ساجان

ملبورن/ وارسو- يتخذ العديد من الأشخاص قرارات بمناسبة العام الجديد. وأكثرها شيوعًا، على الأقل في الولايات المتحدة، هي ممارسة المزيد من التمارين الرياضية، أو تناول الأطعمة الصحية، أو توفير المال، أو إنقاص الوزن، أو التقليل من الإجهاد. وقد يقرر البعض تحسين علاقتهم مع شخص معين–عدم انتقاد شريكهم، أو تكثيف زياراتهم لجدتهم التي تتقدم في العمر، أو أن يحسنوا من صداقتهم مع شخص قريب منهم. ومع ذلك، فإن دراسة أمريكية تقول أن قلة من الناس- 12٪ فقط في الإجمال- مصممون على أن يحسنوا من شخصيتهم، بمعنى أن يحسنوا من أخلاقهم.

إن أحد التفسيرات المحتملة لمثل هذه القرارات هو أن معظم الناس يركزون على رفاهيتهم، ولا يرون أن كونهم أفضل من الناحية الأخلاقية يصب في مصلحتهم الخاصة. وأكثر هذه التفسيرات ليونة هو أن العديد من الناس يرون أن الأخلاق هي مسألة امتثال لمجموعة من القواعد التي تحدد الأشياء التي لا ينبغي علينا القيام بها.

وهذا ليس مفاجئًا في المجتمعات المبنية على التقاليد اليهودية والمسيحية، حيث تعتبر الوصايا العشر جوهر الأخلاق. ولكن القواعد الأخلاقية التقليدية، اليوم، لها صلة محدودة بالحياة العادية. فبالكاد خطر على بال أحدنا، في يوم من الأيام، قتل شخص ما. كما أن معظمنا ليس في حاجة إلى السرقة، والقيام بذلك لا يغري إلى حد كبير- فمعظم الناس يعيدون محفظة مفقودة تحوي نقودا إلى صاحبها.

ويقول من يأخذون بهذا الرأي الأخلاقي، ويمكنهم أن يجنوا بشرفهم ما يكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية، أن كونهم أشخاصًا صالحين لا يستدعي اتخاذ قرار خاص. وهذا ما تقوله دراسة استقصائية أجريت على البالغين في الولايات المتحدة، والتي خلصت إلى أن 23٪ فقط قالوا بأنهم غالبًا ما يفكرون أو يبحثون في الجانب الأخلاقي لاختيار ما في حياتهم.

ويمكن لمعظم الناس أن يبقوا على أسلوب حياتهم كما كان دائما، وأن يعيشوا كما يعيش أصدقاؤهم وزملائهم في العمل. وفي نفس الاستطلاع، قال 31٪ آخرون أنهم يفكرون أحيانًا في الجوانب الأخلاقية للاختيارات في حياتهم، مما يشير إلى أن الاختيارات الأخلاقية لا تنشأ إلا في ظروف غير عادية، وهكذا، فإن العديد من الناس يتجاوزون هذه العقبات بمجرد مواجهتها. فماذا عن الـ46٪ المتبقية؟ يبدو أنهم لا يفكرون في الأخلاق على الإطلاق!

ويمكن تفسير هذه النتائج على أنها تشير إلى أن ما يقرب من نصف الأمريكيين لا يعتبرون الأخلاق مهمة. ولكن في نفس الاستطلاع، قال 87٪ أنه من المهم تعليم الأخلاق للأطفال، من مستوى روضة الأطفال حتى المدرسة الثانوية. لذلك، يبدو أن التفسير الصحيح هو أنه ما لا يقل عن ثلاثة أرباع الأمريكيين يعتقدون أن الأخلاق مهمة، لكنهم لا يعتقدون أنها تتطلب الكثير من التفكير أو البحث.

ونحن نرفض هذا الرأي. أن تكون شخصًا صالحًا اليوم يتطلب التفكير والعمل. فالحدس الأخلاقي الذي نشأ خلال آلاف السنين من العيش في مجتمعات صغيرة يرى الناس فيها بعضهم البعض، لم يعد كافياً. إذ تؤثر أفعالنا الآن -أو فشلنا في التصرف- على الناس في جميع أنحاء العالم، والأشخاص الذين سيعيشون على هذا الكوكب لقرون عديدة قادمة.

وهذا يعني أننا نواجه اختيارات أخلاقية طوال الوقت. وتثير المشاكل العالمية مثل تغير المناخ، والفقر المدقع، والحبس القاسي لمليارات الحيوانات في مزارع المصانع، والصيد الجائر في المحيطات، وبالطبع الوباء، أسئلة معقدة حول كيفية إنفاق أموالنا، وكم يجب أن نقدم منها لمساعدة الآخرين، والطعام الذي ينبغي علينا تناوله، وكيف يجب أن نستخدم قدراتنا للتأثير على الآخرين، وحكوماتنا. إن القواعد الأخلاقية التي كتبت منذ آلاف السنين لا تتحدث بشأن تغير المناخ، وبالكاد تقول شيئا بشأن حماية البيئة، ومعاملة الحيوانات، وكيف يجب أن نمارس مسؤولياتنا كمواطنين في نظام ديمقراطي.

ولا توجد مجموعة صغيرة من القواعد يمكن أن تتعامل مع مجموعة متنوعة من الظروف التي يجد الأفراد أنفسهم فيها اليوم. وأن تكون شخصًا جيدًا اليوم يتطلب وقتًا وتفكيرًا. ونحن بحاجة إلى أن نخبر أنفسنا بمشكلات مثل تلك التي ذكرناها للتو، وتحديد أولوياتنا، والنظر في المكان الذي يمكننا فيه إحداث أكبر قدر من الاختلاف. وهذا هو السبب في كون هذا هو المجال المناسب لنوع الالتزام الذي ينطوي عليه اتخاذ القرار.

ويجب أن نوجه انتباهنا بوعي إلى العيش بمعايير أخلاقية. إذ من الخطأ الاعتقاد أنه يمكننا الانتظار حتى تضعنا الحياة في موقف يتطلب منا اتخاذ خيار أخلاقي صعب. وأي شخص غني بما يكفي ليكون لديه خيارات حول طريقة عيشه، وكيف يستغل وقته وأمواله، يعيش ذلك الموقف بالفعل.

ولهذه الأسباب، فإن القرار بأن تكون شخصًا أفضل من الناحية الأخلاقية لن يكون مسألة التزام بالقواعد، مثل عدم التدخين أو تناول الحلوى. فنادرا ما يتم الالتزام بمثل هذه القرارات على أي حال.

إن تحديد الأهداف يعطي نتيجة أفضل، خاصةً إذا كانت الأهداف تدريجية، وخطوات على طول الطريق. لذا ضع خطة أخلاقية. فكر في قيمك، واختر واحدة أو اثنتين من القضايا التي تهمك. وعندها، يمكنك تأكيد هذه القيم من خلال العيش بطريقة تعالج القضايا التي تهتم بها، سواء كان ذلك عن طريق الحد من مساهمتك الشخصية في تغير المناخ، أو معاناة الحيوانات، أو إيجاد أكثر المنظمات نجاعة في مساعدة الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، وادعم بوقتك أو بمالك.

وعندما تفعل هذا، قم بتدوين ما قمت به والتقدم الذي أحرزته. ولن تكون كاملًا. فبالكاد هناك قديسون، ويرى معظم الناس أن التطلع إلى القداسة هزيمة للذات لا محالة. ولكن افتخر بإنجازاتك، واستهدف البناء عليها في الأشهر والسنوات القادمة.

* بيتر سنجر، أستاذ أخلاق الطب الحيوي بجامعة برينستون من مؤلفاته كتاب تحرير الحيوان، أخلاق عملية، انتخبه معهد جوتليب دوتويلر كثالث مفكر معاصر من الأكثر تأثيرا في العالم/ أجاتا ساجان، باحثة مستقلة
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق