الأَمانَةُ في اللغةً هي الأمن والأمان والوفاء، والأَمانَةُ هي الوديعة ايضا، وفلان أمين أي وفيّ لا يتعدى على حق الغير كما ورد في المعجم الوسيط، أما الأمانة اصطلاحاً فهي كلُّ حقٍّ لزمك أداؤه وحفظه، والأَمانَةُ هي أداء الحقوق، والمحافظة عليها، فعلى الانسان والمسلم أن يعطي كل ذي حق حقه، فالامانة خلق جليل من أخلاق الإسلام، وأساس من أسسه، وهي فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضت السماوات و الأرض والجبال أن يحملنها لعظمها وثقلها، يقول تعالى في سورة الاحزاب: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
أما الخيانة فهي انتهاك أو خرق لعهد مفترض أو الأمانة أو الثقة التي تنتج عن الصراع الأخلاقي والنفسي في العلاقات التي بين الأفراد أو بين المنظمات أو بين الأفراد والمنظمات. في كثير من الأحيان، تحدث الخيانة عند دعم أحد المنافسين أو نقض ما تم الاتفاق عليه مسبقا أو القواعد المفترضة بين الطرفين. ويشتهر الشخص الذي يخون الآخرين بالغادر أو الخائن. ويشتهر استخدام الخيانة أيضا في المجال الأدبي وفي كثير من الأحيان يقترن بالتغير المفاجئ في أحداث القصة أو يكون السبب فيها، من هنا يتضح لنا التناقض الواضح والكبير بين الأمانة والخيانة، لكننا في هذا المقال لا نهدف البحث في الجوهر الاخلاقي لهما.
هناك بعد أخلاقي اجتماعي معروف لهذين المفردتين، ونعني بهما الأمانة والخيانة، فالجميع يفهم ويعرف ماذا تعني الأمانة ونقيضها الأمانة، ونحن نعرف ما هي الانعكاسات الجيدة للأمانة على الفرد والمجتمع من الناحيتين الاخلاقية والاجتماعية، كذلك نعرف ماذا ينتج عن الخيانة في هذا المجال، ولكننا في هذا المقال لسنا بصدد (الاخلاقي الاجتماعي) كونه أُشبِعَ بحثا ودراسة منذ ازمنة غابرة والى يومنا هذا، فضلا عن أننا نرغب أن نبحث في مجالات اخرى تؤثر فيها الأمانة والخيانة من الناحيتين الايجابية والسلبية، لاسيما فيما يتعلق بالربحية المادية والخسائر التي يتعرض لها من يضع الامانة خلف ظهره، خاصة اننا نعيش عالما ماديا، ربما لا يفكر بدور الامانة في تحقيق الربحية بقدر ما يفكر بأساليب أخرى قد تكون أقرب الى الخداع والنفاق والخيانة، واحيانا يسميها البعض (الشطارة) وما شابه، كونها تحقق ربحية سريعة لمن يعتمدها في حياته، لكنها على المدى البعيد سوف تكون سببا جوهريا في فشل الانسان بحياته ومشاريعه كافة، لأن الخيانة تعد بحسب المعنيين والعارفين، بؤرة النفاق والاخير يعد السبب الاول لتراجع الانسان على المستويين المادي والمعنوي.
يقول الامام علي عليه السلام في هذا المجال: (الخيانة رأس النفاق). وهي مقدّمة في السوء على كلّ نفاق أو على سائر أركان النفاق. والنفاق هو عدم مطابقة ظاهر الشخص لباطنه، وهكذا يكون الانسان في حالة وضعه الامانة خلف ظهره، بحجة ان العصر والتعاملات الاقتصادية والتجارية والانتاجية على وجه العموم، لا يصح أن تتدخل فيها الضوابط الاخلاقية وما قارب ذلك؟!، ويروّج لهذا المنطق المجافي للحقائق، عدد ممن دخل التعاملات الاقتصادية من (النافذة وليس من البوابة الصحيحة)، وهذا ما يدل على خطأ هذا المنهج كما أثبتت التجارب العملية بخصوص تحقيق الربحية في المشروع الانتاجي او التجاري.
فقد أكد خبراء اقتصاديون، بعد البحث والاستقصاء المتعمق، أن اعتماد الامانة في التعاملات الاقتصادية، لا علاقة له بالجانب الاخلاقي، انما هو جزء اساس من عناصر النجاح في المشاريع الاقتصادية والانتاجية عموما، واثبتت التجارب ان المنتَج الذي تقف وراؤه الامانة والاتقان والتعاملات السليمة، هو الاكثر رواجا وتحقيقا للربحية، كما هو الحال على سبيل المثال مع شركات انتاج السيارات اليابانية، او الصناعة اليابانية على وجه العموم مع تصاعد اسعارها قياسا الى المنتج نفسه من مصادر اخرى، فالامانة اليابانية في الانتاج فرضت نفسها على الزبائن، من عموم العالم.
على العكس تماما من جهات ودول ايضا، بمجرد أن يسمع المشتري بأنها تقف وراء هذه السلعة او تلك فيولّي هاربا منها، ويدير لها ظهره، تماما كما يدير اصحاب هذه المنتجات ظهورهم للأمانة في الصناعة والانتاج، وهذا يدخل بصورة مباشرة في مجال الربحية والخسارة في وقت واحد، فمع ارتفاع اسعار السلع المنتَجة بأمانة، نلاحظ إقبالا واسعا عليها، ومع هبوط اسعار السلع نفسها لكنها غير مدعومة بالامانة والجودة، نلاحظ هروب المشتري منها واعطائها ظهره، لسبب واضح أن هذه المنتجات وضعت الامانة خلف ظهرها، واعتمد مصنّعوها النفاق وفضلوه في التعاملات الاقتصادية الانتاجية على الامانة.
ولكنهم تلقّوا النتائج التي يستحقونها فعلا، وهي تتمثل بالفشل الذريع لجميع المشاريع التي لا تعتمد الامانة في أعمالها كافة، لأن الناس الذين يشرفون عليها ويديرونها، لا يؤمنون بمبدأ الامانة، ولا يعتمدونها أساسا لأعمالهم، بل يعدّونها معرقلا للربحية ومعيقا لها، لكن ما يحدث على الارض بصورة فعلية هو العكس تماما، فمن يربح دائما هو المنتِج الأمين، ومن يخسر هو نقيضه، لسبب بسيط أن الاخير لم يضع في حسبانه مجالا للأمانة وأهمية الوفاء للمستهلِك، انما هدفه تحقيق الربحية الاكبر والاسرع، وفق مبدأ الخيانة والنفاق و(الشطارة) التي باتت تشكل جانبا من المشهد الاقتصادي العالمي، على الرغم من ان الجميع يعي تماما ان النفاق في الانتاج لا يمكن أن يقود الى الربحية المطلوبة، بسبب غياب الامانة عن المنتِج.
وهذا في الحقيقة نوع من انواع الخيانة، و(الْخائِنُ لا وَفاءَ لَهُ) كما يقول الامام علي عليه السلام.
وعلى العموم لا يمكن النظر في عالم اليوم الى الامانة من منظور اخلاقي صرف، كونها باتت تشكل عنصرا اساسيا من العناصر السلوكية في تحقيق الربحية المادية، بالإضافة الى الخسائر التي يمكن أن تطال الافراد والشركات والمؤسسات الاقتصادية في حالة اهمال الامانة في الانتاج والتعاملات الاقتصادية كافة.
اضف تعليق