q
إن وجود الضمير في المجتمع وفي روح الفرد سيشهد حقيقة على الحجم النهائي الذي تقترب وتتحدد به الابعاد المتغيرة للتنمية البشرية التي قد تثمر عن ابراز قوى التفاعل المجتمعي الموقدة للبروز كقوة اجتماعية قادرة على التصرف والافصاح عن الامكانات الابداعية للأمم التي تحقق فيها قيم النهضة...

لا يحق لنا كتم الضمير الحي عند الضرورة، ولا يحق لنا اصماته عن كبرياء، ولا عن جبانة، ولا حتى عند الخوف والهم والوجع... الكلمة الوجدانية تمد جسرا وثيقا بيننا وبين الآخرين، فهل يحق لنا إن ننكب ذاتنا ونهرب عنها ؟!.

للإجابة عن ذلك وعن طريق "الحكمة الطبية" اقر واعترف إني وجدت "الضمير" ما زال على قيد الحياة, ولا يزال يسود مفاهيمنا الكونية، وهو قادر على الصمود لان الشخص الذي يتمتع بوجدان سيعكسه على حياته العامة والعملية بصور ثابتة أو متنوعة فيحددها لحياته بسمات روحية واخلاقية لتبرز تلقائيا صفات جوهره الصادقة.

إن نقد الوعي الاخلاقي يجعلنا نتمكن من رؤية الاشياء بأفاق اوسع لذا نلحظ إن الضمير الإنساني هو فكرة روحية تنبع من داخل قوى الانسان وتوجهه ليكون على قدم المساواة في الطهارة مع بقية الناس المجتهدين في الوصول إلى مراتب متقدمة على مستويات درجات الفضيلة، والضمير هو الذي يمنح الانسان حياة انسانية كاملة بتوفيره الحياة الروحية المخترقة للحاضر وللمستقبل نتيجة لهيمنته على النوعية الفريدة من العلاقات الاجتماعية وذلك لترابط التشكيلات المثالية مع العلاقات الاجتماعية لدرجة إننا نكاد إن نحكم على محتوى وطابع الحياة الفكرية والوجدانية في العالم من مستوى تطور المجتمع نفسه بشرط إن يكون تطورا جدليا وحقيقيا.

إن وجود الضمير في المجتمع وفي روح الفرد سيشهد حقيقة على الحجم النهائي الذي تقترب وتتحدد به الابعاد المتغيرة للتنمية البشرية التي قد تثمر عن ابراز قوى التفاعل المجتمعي الموقدة للبروز كقوة اجتماعية قادرة على التصرف والافصاح عن الامكانات الابداعية للامم، ونحن لسنا نبالغ إن ذكرنا بأن الضمير هو الذي يحدد التاريخ الكامل لتطور الحضارة والثقافة ولتطور المجتمع لأنه فعليا هو الذي يحافظ على قيمتها وهو الذي يتتبع مسارات التطور المستقبلية ولولاه لكان فقد المجتمع نقاط ومقاييس الخطة الروحية واصولها التاريخية، فلذا يمثل احتجاجا صارخا ضد تحويل المجتمعات إلى وسائل للتلاعب الفكري والمنهجي, كما انه حقيقة يمثل المانع الرئيس لعدم حدوث انفجار اخلاقي يؤدي بالبشرية إلى نكبات وازمات اخلاقية واجتماعية وشيكة وكبيرة مما ستعني انتهاك شديد الخطورة وانهاك حاد لفرص الحوار البشري القائم على التنبوء وافتراض العواقب الاجتماعية والاخلاقية للقرارات الكونية.

حينما تتبادر إلى أذهاننا عبارة الضمير "الوجدان" فعلى الفور وتلقائيا ومن دون تحضير نستشعر بمثالية فكرية وروحية متسامية الحدود, وان أردنا ترجمتها أو تفسيرها بشكلها التقليدي فسنترجمها عبر مجموعة متعددة من السلوكيات المثالية والفضائل الأخلاقية والتقليدية, وهذه الصيغة تكاد إن تكون هي الطريقة المتبعة في كثير من الأحيان, لكن هل هذا صحيحا؟ هل صحيحا لنا إن نترجم ونفسر الضمير بمجاميع تلقائية بسيطة وعادية وسهلة من التقاليد والأصول والطقوس والميثولوجيا وبأدنى القدرات العقلية والإستراتيجية؟ وإن الضمير هو مفهوم يتمركز في قلب روح الامم وفي وجدانها وتقاليدها ومعتقداتها؟ ولذا يتمتع بأسلوب وطريقة تفكير خاصة تنتظم عبرها أفكار الشعوب, فيكاد إن يكون هو المبقي والمحافظ والمتمكن في ارساء المجتمع ككتلة رئيسة واحدة حين مواجهته للاخطار الكبرى, وعبره ايضا تكيفت الامم مع الظروف الصعبة والعصيبة, وبه انفرزت قوى المعارضة ككل الصادقة وحتى المزيفة من اجل الوجود ومن اجل حاجة الامم لوضع مبادئ توجهها وتوضح عالمها وتبعدها عن الشك وعدم اليقين وعن كل ما يهدد مجتمعاتها.

مع تمعننا في كل الذي ذكرناه نجد إننا ملزمون بطرح تساؤلا عن امكانية إيجاد ومنح دور كبير للفكرة الضميرية للتمكين في عالمنا؟ غير إننا سنلمس سريعا إن الفكرة الضميرية لا تتشابه مع الصيغ التطبيقة المطبقة في العصر الحديث, ومن ابرز واوضح الامثلة على ذلك اليابان التي عملت على شد وتوثيق ضمير امتها بجدولة عمليات التطور الصناعي محققة بذلك نجاحا اقتصاديا هائلا, لكن هل بكل ذلك أصبحت الامة اليابانية أكثر راحة واكثر حرية واكثر سعادة واكثر ضميرية؟ إن الامة اليابانية التي تضاعفت فيها مرات عدة معدلات الانتحار اصبحت بذلك الشد والتوثيق وكأنها امة موثقة برباط حزام نقال مع عمليات التطور الصناعي مما اظهرها وكأنها طفلة صغيرة مرتدية ثوبا عريضا ومتهدلا ومتلون بألوان غريبة المضمون!! وان تساؤلنا في هل من الممكن ازاء كل ما تقدم إن ننجح بتطبيق الضمير الحديث لبناء مجتمعاتنا في عالمنا الراهن؟ ارى إن الجواب عن ذلك يتوفر في تسامي مفهوم النموذج الصيني الذي اجتاز الاذلال والتبعية التي كانت ملازمة له بالسير طويلا خلف اعداءه, ومن ثم القفز بالنجاح في تسامي التطبيق الضميري على واقع امته فسارت به التجربة ببطء لكن بثبات نحو نجاحات شاملة، لذا فـأن اردنا إن نطبقه فيجب علينا إن لا نرتكن لايحاءات غربية أو مفاهيم بلا أصول أو عمامات فارغة ترتسم الفراغ الثرثري العديم المضمون لان الطريق كثيرا طويل في سبيل الوصول إلى نجاح النموذج الوجداني، لذلك يجدر بمفكرينا تطوير أفكار ضميرية وجدانية جديدة وطرق جديدة لتطبيقها بنماذج وصور وإشكال نكسب عبرها احترامنا لانفسنا ولوجودنا أولا وذلك كله قبيل إن نفكر بكسبنا احترام العالم، وإن الامة التي لها ضمير هي التي تتمتع بمعرفة مشتركة... بأخلاق رفيعة... وبعدم الرضا عن حالها.. وتمتاز بالرغبة في تحسين مستواها وذاتها... وتشعر بأنها عليها مسؤولية كبيرة في معالجة حالات اضطراب العالم... وبالمسؤولية في المشاركة الفعالة في تحسين حاله... إضافة إلى اعترافها بمسؤوليتها تجاه الامم الأخرى.

وان قضية الضمير للامم برزت بدءا من الازمنة القديمة في إن لها دور كبير في أسلوب الحياة المثالية والثقافية والمعرفية والاجتماعية للمجتمع البشري التي كانت به سائدة المعرفة الوجدانية على أنها مصدر الاحكام الأخلاقية، وبدءا من مراحل الاديان التوحيدية الثلاث ساد الضمير من باب توثيقه للروح مع الاوامر والشرائع اللاهية وفهمها وتطبيقها, ثم سرعان ما تعزز كعقيدة نتيجة لارتباطه بفكر وعمل رجال الذين وجد فلاسفته إن قوانين الضمير الإنساني هي موجودة ومنقوشة في قلوب وافكار الجميع, لدرجة إننا ألان نؤمن إن الضمير ما هو إلا أمر قاطع كقانون لا يرتضي الحوار ولا يقبل التشكك والتقلب أو التغير فهو إما نعم أو لا, وهو إما ابيض أو اسود, ولا يلجأ ولا يفسر بمفهوم اللون الرمادي مطلقا بل وينفيه تماما، ونؤمن بأنه حر بما يكفيه عدم الرضوخ للانتساب أو حتى تمثيل التلاؤم النقيض مع أية مدرسة من مدارس فكر العصر القديم ولا حتى الحديث ولا مع أية نظريات فلسفية أو سياسية أو اجتماعية أو حتى النفسية أو الانثربولوجية, وهنا نميل لايضاح إنه وبقانونيته وحريته فقد كان عليه إن يمر بمراحل تطورية عديدة ولذلك فأن قانونه الحديث يدرك إن الكثير مما نقبله احيانا على انه كيانات حقيقية هي ليست أكثر من لبنات أفكار قد لا يكون لها وجوديا حقيقيا وليس أكثر من رمزيا.

نوقن إن صرخة الضمير قد أكدت وتؤكد على ضرورة الاعتراف بطبيعته الاجتماعية وفي ارتكازها على ظروف الحياة الغير ثابتة وكذلك على المواقف الايدولوجية والاجتماعية للمجتمعات وإفرازاتها, وان القضاء على الطبقات والتناقضات واعتماد نظام موحد لقيم المجتمع بأكمله بفهم مشترك للخير والشر ومعنى وفحوى وسببية الحياة يمكنها إن تؤدي إلى فهم مشترك للضمير في امكانية التخلي عن مجمل الحياة القانونية التنظيمية للمجتمعات لان الضمير بحريته وروحه وفحواه ومفهومه وحسن إدراك تطبيقه، هو الأصل والخلاص والمنبع القانوني لكل قوانين الحياة, وبالطبع يبدو للكثيرين إن هذا حلما مثالي غير إن المثالي هو أمر.. ما دوما نسعى لتحقيقه... ولربما سيأتي يوما ما : "ينضج فيه الناس، فيرتكنوا ويرتكزوا على الضمير الحي فقط، للخلاص" !!!

اضف تعليق