تيمنا بالذكري السنوي لولادة الرسول الاعظم محمد عليه افضل الصلاة والسلام، عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقته النقاشية الشهرية تحت عنوان (اخلاق القوة ام قوة الاخلاق.. دولة المدينة المنورة نموذجاً)، على قاعة جمعية المؤدة والازدهار النسوية في كربلاء المقدسة، بحضور جمع من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين.
ادار الحلقة النقاشية الاستاذ حيدر الجراح مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث، بادئا حديثة بمقدمة قال فيها "
عانت المجتمعات البشرية ولا زالت تعاني من سيادة الأخلاق النفعية المكيافيلية مقترنة بالاخلاق الذئبية لتوماس هوبز، واخلاق القوة لنيتشة..
واذا كانت الفلسفات الوضعية ومصالح واهواء الجماعات المتنفذة والمتسلطة في كل المجتمعات قد سخرت من الضعفاء والفقراء الذين يحسبون أنهم صالحون ، لأنهم لا يملكون مخالب لينشبوها في أعناق الآخرين ، وحاربت الاديان لأنها تحض على ما اعتبرته أخلاق الرقيق وأخلاق العبيد كالحب والتسامح والغفران والتواضع ، وكان مثلها الأعلى في الحياة الإنسان المتحجر القلب ، المتجرد من العواطف ، الذي لا يعرف الشفقة أو الرحمة .
وإن القوة هي الفضيلة الأساسية ، والضعف هو النقيصة الوحيدة ، وإن الحكم الفصل في جميع الخلافات ومصائر الأمور هو القوة لا العدالة.
إن غياب البوصلة الاخلاقية عن المجتمعات اليوم، حكاما ومحكومين، لا تبالي بملايين الناس الذين يموتون في سبيل تحقيق العظمة ، وفي سبيل نشوة القوة ، والشعور بالمجد . وإن أخلاق المنفعة والقوة والعنصرية هي التي دفعت الاستعمار في القرون الماضية إلى شتى البلدان لنهب خيراتها وثرواتها ، وجعلته يبنى أمجاده وثراءه ورفاهيته وحضارته على حساب فقرها وامتصاص دمائها .
المسلمون وجميع المجتمعات البشرية يمكن لها ان تحل معظم مشاكلها لو انها استلهمت في حياتها قول الله عز وجل (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) الأحزاب: 21
وقد كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) اسوة حسنة للمسلمين في حياته المباركة.. وهو ايضا اسوة وقدوة حسنة في حاضرنا ومستقبلنا..
فهو (صلى الله عليه واله وسلم) قد رعى وصان وعزز حقوق الانسان نبيا وحاكما، انسانا ورسولا، بين كافة طبقات المجتمع دون تمييز على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق أو الجنس وكان شعاره (صلى الله عليه واله وسلم) دائماً قوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات (13).
لذا فان جهود النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) تركزت على الدفاع عن تلك الحقوق من عدة محاور منها:
1- حلف الفضول
2- من خلال الوثائق والمعاهدات والاتفاقيات التي ابرمها الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) مع المشركين واليهود.
صلح الحديبية
3- إقامة دولة على أساس مبدأ المساواة بين الجميع
واضاف الجراح: تتزامن ولادة النبي الاكرم مع هذا الكم الهائل من المشاكل والظواهر التي تحدث في المجتمعات، وهي في اغلبها بسبب من غياب الحس او الرادع الاخلاقي على مستوى السياسة او الاقتصاد او التفاعل الاجتماعي بين الناس على سطح المعمورة.
ولأن السيرة النبوية الذاتية والأخلاقية والعامة قد احتلت المَقام الثاني بعد القرآن الكريم، فإن من الضروري وعي سيرة النبي (ص) والتعرفَ عليها لأن وعيها إنما هو وعي للإسلام وللرسالة بوجهها الحقيقي.
ما الذي يمكن تقديمه من توصيات تندرج ضمن هذا الوعي المطلوب؟
محاربة التطرف: من خلال الاسترشاد بالسيرة النبوية والتموقع ضمن الوسطية الخاتمة.. فلا افراط ولا تفريط..
مقاومة العنف: من خلال الاسوة الحسنة في لين التعامل مع المختلف والحسنى في الجدال بين المختلفين.
تحقيق العدالة: من خلال الاسترشاد بظواهرها في سيرة النبي – الحاكم، فلا فرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى..
الانصاف: من خلال الحياد الايجابي بين المتنازعين في مختلف القضايا، والوقوف بينهم ضمن مسافة واحدة.
وثيقة المدينة المنورة وبناء دولة المواطنة
من جانبه أوضح الدكتور حيدر الوزان التدريسي في كلية القانون جامعة الكوفة "إلى أن ورقته التي اعدها تنقسم إلى ثلاثة محاور رئيسية:
المحور الاول: يتعلق بالدولة ونظرة المفكرين والمفسرين إلى هذه الدولة، وكيف هي علاقة هذه الدولة بالأخلاق؟
فرغم اختلاف رؤى المفكرين والمفسرين حول ظاهرة الدولة، الا ان اغلب طروحاتهم كانت تجمع على أن الدولة، هي سلطة ارغام أو اجبار المحكومين على القيام بعمل ما أو الامتناع عن القيام بعمل ما، أو بتعبير أخر هي نظام قائم على سلطة القهر او سلطة الجبر او سلطة القوة بالتحديد، ففي ضوء هذه المسلمة التي اجمع عليها اغلب المفكرين والفسرين ظهرت عدة تساؤلات، فاذا ما كانت الدولة هي سلطة ارغام واجبار فهل هذه السلطة قادرة على ضبط العلاقات الاجتماعية بين الافراد دون الحاجة إلى اخلاق؟ بتعبير آخر هل أن الدولة لا تحتاج إلى الاخلاق في نظام حكمها؟ بمعنى آخر هل يكفيها عند ممارسة العمل السياسي الاعتماد على سلطة القوة دون الاخلاق؟ واذا كان الامر كذلك الا يتنافى ذلك مع الغاية من وجود الدولة والتي تتلخص بخدمة الفرد ومساعدته وتقديم العون له، واحاطته بقدر من الاحترام بوصفة الغاية المطلقة لوجود الدولة".
"كل هذه التساؤلات سنحاول عرضها على الوثيقة التي اعتبرها اغلب المفكرين بمثابة العقد الاجتماعي لأول تجربة سياسية لبناء الدولة في تاريخ البشرية وهي وثيقة المدينة المنورة، هذه الوثيقة جسدت بحق اول دستور مدني ضمن الحقوق والحريات لا للمتوافقين بل للمختلفين في الدين والاعتقاد الفكري والمستوى المعاشي والاقتصادي، هذه الوثيقة التي عبر عنها بعض المفكرين بالقول انها تمثل الصورة المثلى والنموذجية للحكمة الربانية في بناء الانسان والمجتمع والدولة، وليس على اساس الفلسفة السياسية بل على اساس الاستراتيجية والاهداف والنظم والقوانين والتطبيقات الاجرائية، كما واعتبرها البعض الاخر من الفقهاء على انها بمثابة العقد الاجتماعي الذي انشأ الدولة الاسلامية، وهي ترقى أن تكون هذه الوثيقة من اهم الوثائق الدستورية في تاريخ الدولة الاسلامية.
بل بتعبير ادق هي اهم دستور انشأ هذه الدولة وبما تضمنته من بنود سامية، وذلك كون السلطة السياسية النبوية التي قامت بوضع اسس هذا الدستور، قامت على اساس مخاطبة الكل بما فيهم المختلفين وضمان حقوق الكل تحت مسمى الدولة.
المحور الثاني: المناهج الفكرية التي تتعلق بعلاقة الاخلاق بالدولة وهي تتركز بثلاثة مناهج رئيسية:
المنهج الاول: "لا ينظر إلى المنهج الخلقي في تعاملات الدولة مع الافراد المكونين لها، وكذلك لا يعطي اية اهمية للأخلاق في وجود الدولة، وبالتالي استبعد الاخلاق نهائيا عن اطار علاقة الفرد بالدولة، وقد مثل هذا الاتجاه ممثلي النظم الفردية من قبيل (توماس هوز)، عندما ذهب هذا المفكر إلى استبعاد كل القيم الخلقية من منظومة الدولة، وهو يرى أن السبب الرئيسي لوجود الدولة هو المصلحة الخاصة، كذلك هناك مفكر اخر وهو (بودان) الذي يطرح نظرية القوة المادية وهي الاساس لوجود الدولة، وبالتالي ان وجود الدولة يعني حكم الاقوى، وبطبيعة الحال هذا المنهج عليه الكثير من المآخذ".
المنهج الثاني: "هو المنهج الوسطي وهذا المنهج يركز على أن الاخلاق هي ضرورة ولكن بقدر متساوي مع القوة، بمعنى ان للأخلاق ضرورة كما للقوة ضرورة بوجود الدولة، لذلك هذا المنهج قد ساوى من حيث الاهمية في وجود الدولة وعلاقة الفرد بالدولة بين الاخلاق وبين القوة، لأنه اعتبر القوة شرطاً مهما لكي يتمتع الفرد بقدر معين من الاخلاق".
المنهج الثالث: " تشكل على اساس علو الاخلاق على القوة، لذلك جاء الرسول الاكرم محمد(ص) ليجسد لنا كل المعاني السامية، وليس على اساس علاقة المسلم بأخيه المسلم، بل الاهم من ذلك علاقة المسلم بأخيه الاخر المختلف عنه دينياً وعقائدياً وفكرياً واجتماعياً، بنى كل ذلك على اساس قاعدة مهمة وهي المساواة في الحقوق، لذلك قدم لنا الرسول الاكرم(ص) صورة ناصعة، وذلك الذي اسهم من حيث المبدأ في بناء اول تجربة سياسية لبناء الدولة، عندما صاغ الرسول الاكرم(ص) دعائم تلك الدولة، في اول دستور تكون من(55) بنداً، تضمن هذا الدستور قواعد سامية في تكوين فكرة الامة، وبعد ان كان المجتمع الانساني آنذاك لم يعرف شيئا عن هذه الفكرة، وكانت العلاقة والروابط تقوم على اساس الدم والقرابة والعشيرة".
"لذلك كانت وثيقة المدينة المنورة هي من اهم الوثائق الدستورية في تاريخ الدولة الاسلامية، بل تعتبر هي الدستور الاول لبناء الدولة، وهذه العظمة جاءت من خلال ما تضمنته من مبادئ وقيم وحقوق انسانية على درجة عالية من التنظيم، وهذا ما يمكن ملاحظته عند قراءة بنود هذه الوثيقة المهمة، لذلك أن استجلاء هذه البنود وتحليلها يمكن أن يستوضح منه بشكل جلي وواضح علو الخلق الكريم الذي تجسده تلك النصوص".
المحور الثالث: يتضمن البنود التي حوتها وثيقة دولة المدينة المنورة والتي مثلت بحق المبادئ والقيم الانسانية السامية، التي استطاعت ان تعلو بشأن الفرد في أطار علاقته بأخيه الفرد الاخر، في مجتمع يجب ان يعترف كل فرد من افراده باحترامه لخصوصية الآخر، هذا الاحترام الذي يجب ان يقوم على اساس قاعدة المساوات بالحقوق والواجبات، ويمكن تحديد ذلك من خلال جملة من النقاط:
النقطة الاولى "رغم أن الرسول الاكرم محمد (ص) هو الرسول المرسل وكان يحمل دينا يعتبر خاتم الاديان، الا انه لم يمض وثيقة المدينة الا بعد ستة اشهر حتى تمكن من إعادة الاندماج بين المهاجرين والانصار، ومن ثم ترتيب صفوفهم والاعداد إلى سرايا عسكرية، وحتى لاح للآخر المختلف بأن الاسلام قادم، وبالتالي هو لا يريد أن يفرض على الآخر المختلف فرضاً، وانما كانت الوثيقة نتاج لاتفاق كل الطوائف الموجودة في المدينة، وهم عبارة عن المسلمين واليهود والمشركين وقام كل فرد منهم بالتحاور والتشاور، وكل منهم قدم اولوياته واحتياجاته وضرورياته في التفاوض، إلى أن وصلوا إلى نقاط مشتركة وهذا بطبيعة الحال يدلل على ان وثيقة المدينة كانت تسير وفق حوار بناء، سعت اليه كل الاطراف المختلفة والمتوافقة ووصولا الى اعتراف كل طرف من هذه الاطراف بالأخر".
النقطة الثانية "هذا يدلل على أن الرسول الاكرم(ص) اراد أن يعلي حرية الرأي وتبادل الحوار والمشورة بين كل الاطراف، وهذه رسالة واضحة وركن متين من اركان بناء الدولة الحديثة، كما اراد الرسول الاعظم(ص) ان يقدم صورة واضحة لمبدأ التشارك في السلطة، وذلك عندما اعطى الحق للأخر ان يبدي رأيه ويعترض على اراء الاخرين، وهذا من شانه ان يقدم صورة جلية لمبدأ بناء الدولة الحديثة".
النقطة الثالثة "اعلت وثيقة المدينة المنورة مفهوم الامة، وبعد ان كانت البنية الاجتماعية الموجودة في المدينة لا تعترف بشيء اسمه الامة، وكانت كل الروابط في المدينة لا تحتكم الا الى رابطة الدم والقرابة، وكانت غير مستعدة الى ان تتنازل في سبيل مصلحة الاخر، بل والاكثر من ذلك ذهب بعض الفقهاء إلى تصنيف وثيقة المدينة، بانها قدمت معنيين للامة، الصورة الاولى هي الصورة الضيقة خاصة على مستوى الانتماء الديني، والصورة الاخرى هي الصورة الواسعة والتي تحددت بالانتماء السياسي، وبالتالي تم تقديم نموذج جلي لمفهوم الامة".
النقطة الرابعة "انها اسست لمفهوم وجود الدولة بعد ان اجتمعت العناصر الثلاثة وهي الشعب والسلطة والاقليم، وذلك لان الرسول الاكرم (ص) خصص تحديد حدود دولة المدينة وانه رتب حقوق وواجبات على القاطنين فيها، فضلا عن علاقاتهم بالأخر خارج حدود المدينة المنورة".
النقطة الخامسة "ايضا الرسول الأعظم (ص) هو من وضع اللبنة الاولى لوجود قانون اساسي يحكم علاقة الافراد بعضهم بالبعض الاخر من خلال وثيقة المدينة المنورة، بل الاكثر من ذلك كله جاء بحزمة من النصوص التي تضم حقوق الانسان وحرياته، خاصة وان في مقدمة هذه الحقوق هي حق الانسان بالمواطنة، على امل ان يشعر جميع سكان المدينة المنورة بانهم منتمين إلى هذه الرقعة الجغرافية، لاسيما وان اغلب الدراسات تشير الى ان الاعتراف القانوني الاول بالأقليات كان اساسه وثيقة المدينة المنورة، وهو لم يجبر احد على اعتناق الدين الاسلامي، كما ان هذه الوثيقة اسست لمبدأ مهم من مبادئ المجتمعات الحديثة، الا وهو مبدأ التعايش السلمي بين جميع الافراد المكونين لمجتمع المدينة، ورفض أي صراع على اساس المعتقد، وجعل من المعتقد وسيلة لإثراء وانماء المجتمع، وايضا هذه الوثيقة اقرت للأفراد حق التنقل".
"لذلك فان وثيقة دولة المدينة المنورة كانت بحق تمثل عقدا اجتماعيا لوضع الاسس الاولى لأول دولة في تاريخ البشرية، كما مثلت بحق دستوراً انشئ على القواعد القانونية لصيانة الحقوق والواجبات، لذا استثمر هذه الخصوصية لدعوة كل الناس المهتمين بالصلاح والاصلاح وكل المهتمين ببناء الانسان، إلى ضرورة استحضار بنود هذه الوثيقة على طاولات الحوار والنقاش، عندما يشرعون في بناء السياسات العامة لدولهم، لان بنود هذه الوثيقة بحق ممكن ان تكون المنهاج المستنير لبناء مجتمع سليم".
المداخلات
الشيخ مرتضى معاش: قوة الرحمة
الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام "يهنئ العالم الاسلامي والبشرية جمعاء بميلاد الرسول الاكرم عليه افضل الصلاة والسلام، هذا الميلاد العظيم الذي نحتاج للكثير من الوقت للوقوف عنده ودراسته دراسة متأنية للاستثمار والاستفادة من هذا المنهل العظيم، إلى جانب ذلك فإن الورقة استعرضت شيئين مهمين وهما العقد الاجتماعي والمواطنة.
اما بالنسبة لمفهوم القوة فنحن نحتاج إلى معرفة ما معنى القوة، خصوصا وان علماء الفقه السياسي يتحدثون عن القوة الصلبة والناعمة والذكية، خاصة وان مفهوم القوة يعني اكراه الاخرين من خلال السلاح أو السجن أو القمع او التهديد".
أضاف معاش "النقطة الاخرى التي نحتاج ان نمر عليها هي قراءة التاريخ وفهم الجدوى من القوة، خصوصا وان بعض السياسيين اليوم وفي السابق لديهم منهج ورؤية يؤمنون من خلالها بثقافة واخلاق الغابة، وهناك ايضا فلاسفة يؤمنون بذات الاسلوب وذات الفكرة الوحشية والغرائزية، والحرب العالمية هي نتيجة لهذا الفكر العنصري، بالتالي لابد ان نقرأ جدوائية القوة وإلى أين تصل".
يكمل معاش "النقطة الاخرى ان اعظم نص تعرض لقوة الاخلاق هو عهد الامام علي عليه السلام لمالك الاشتر، حيث ورد في هذا النص (وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً)، وهو تعبير عن نبذ لأخلاق القوة وتحريض على قوة الرحمة.
ايضا اعظم شهادة اعطيت لأعظم شخصية في التاريخ، هي تلك الآية القرآنية (وانك لعلى خلق عظيم) وهنا عدة توكيدات يفهمها المتبحرون في علوم اللغة العربية، وهذا ليس مدحا لشخص الرسول الكريم فحسب الذي هو اعظم شخصية في التاريخ بل هو مدح للمنهج ايضا، وبالتالي ان الانتصار الحقيقي يأتي من خلال الاخلاق، والغريب ان البعض يعتقد ان الاخلاق ضعف، من هنا لابد ان يكون الجوهر مرتبط بحقيقة الانسان وكرامته وحريته واحترامه على اعتبار انه هو محور الكون".
محمد الصافي: الصورة النمطية والتطرف
الباحث محمد الصافي في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث "يعتقد أن وثيقة المدينة كانت تحتاج إلى قوة لتطبيقها، وهذه القوة في عهد الرسول الاكرم(ص) اجتمعت فيه من خلال كاريزما القيادة، وبالتالي هي التي اوجدت روح التطبيق الفعلي لتلك البنود التي نصت عليها وثيقة المدينة، والدليل على ذلك بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام الكثير من المبادئ لم يعد لها تطبيق على ارض الواقع، سؤالي هنا هل نظرة الشريعة الاسلامية اتجاه الاديان الاخرى تتفق مع القوانين الحديثة؟ وهل تتفق مع وثيقة المدينة المنورة؟ كيف نواجه تلك الاشكالية في فهمنا للشريعة الاسلامية؟ كذلك المسلمون اليوم مشتتين في فهم هذه النصوص، الشيء الاخر ان الصورة النمطية للإسلام توحي للأخر بان الاسلام متطرف، بالتالي كيف يتم تسويق صورة الاسلام بوجهه المشرق؟".
امام قاسم: الوسطية بين الاخلاق والقوة
المهندس امام قاسم من وكالة النبأ للأخبار "يرى أن الوسطية بين الاخلاق والقوة هي الافضل، رغم اننا في واقع الحال نحتاج إلى القوة ونحتاج ايضا إلى الاخلاق، الغريب في الامر هنا أن الواقع العربي اليوم هو دائما ما ينحاز نحو القوة في حكم الشعب وتغيب الاخلاق".
حيدر الاجودي: الفجوة بين الاقوال والافعال
حيدر الاجودي باحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية "يرى وجود ترابط قوي بين السياسة والاخلاق، فغاية وجود الدولة على اغلب الظن هي توفير العيش الكريم للإنسان، الا ان ذلك لم يتم لان اغلب الدول ذهبت نحو السياسة وابتعدت عن الاخلاق، وبالتالي حصل هناك ثمة خرق وعدم توازن لما يطلبه الانسان، لذا تتشكل من خلال ذلك مجموعة تساؤلات هل تتأثر نهضة الامم والشعوب بقوة الاخلاق؟، الامر الاخر كثيرا ما نجد المتحدثين بالأخلاق هم لا يهتمون بتطبيق ما يتحدثون عنه، وهذا عكس ما جاء به الائمة الاطهار والرسول الكريم فهم يقولون ما يفعلون ولن تجد هناك فجوة بين الاقوال والافعال، سؤالي هنا: من يملك حق سلطة الرقابة على الاخلاق الدولة ام المجتمع؟، الشيء الاخر قوة الاخلاق هي الحكمة ووضع الشيء في موضعه، فإيهما يغلب الاخر قوة الاخلاق ام اخلاق القوة؟".
باسم الزيدي: المقارنة بين وثيقة المدينة والنظم الدكتاتورية
الباحث باسم الزيدي في مركز الامام الشيرازي "يوصي بإعادة قراءة هذه الوثيقة من جديد بطريقة عصرية، الشيء الآخر ان المقارنة دارت بين وثيقة المدينة والنظم الدكتاتورية وهذا من الظلم والاجحاف، وبالتالي هناك ثمة سؤال هو هل استمرت هذه الوثيقة بنفس الروحية على طول الخط ام تغير نهجها بعد رحيل القائد او المؤسس، فما هو السبب لعدم استمرار تلك الوثيقة ولماذا لم يستشعروا عظمتها، الشيء الاخر هل القوة مطلوبة وما هي المعايير التي تحددها؟".
التعليق على المداخلات
اخيرا يرد الدكتور حيدر الوزان على جميع الاسئلة والاستفسارات خصوصا وهو يصنف تلك التساؤلات إلى مسلمتين الاولى عامة، حيث يسأل الكثير هل الاسلام دين ودولة وبالتالي هل يصلح كمنهاج لبناء الدول؟، وهنا يجب التمييز بين نقطتين جوهريتين النقطة الاولى هي التمييز بين الاصول النظرية للإسلام وبعض التطبيقات الايجابية المحدودة، ثانيا يجب تمييز التطبيقات البشرية السلبية عن المعنى النظري للإسلام، لذلك فالإسلام هو دين ودولة وهو يحتاج إلى رؤية بشرية مطبقة بشكل سليم".
"اما بالنسبة لفلسفة الوجود الانساني فهي قائمة على اساس قاعدة المساواة بالحقوق، وبالتالي نحن نحتاج إلى القوة هنا كي نضمن تطبيق الجزاء في حالة مخالفة اي حق من الحقوق، وهذه هي فلسفة العقوبة في القانون وايضا هي فلسفة العقوبة في الاسلام، وعند ذاك يمسي وجود القاعدة القانونية هنا هو رضا الاطراف، وبالتالي نحن نحتاج إلى القوة ولكن بمنظار الجزاء وضمن القاعدة المتوافق عليها بين الاطراف، ايضا فيما يتعلق بنظرة الشريعة وعلاقتها بالأديان الاخرى، هنا يمكن القول بان الاسلام لم يخاطب المسلمين فقط، ايضا ان القوانين الحديثة هي تستند الى نوعية الحكم والى الثوابت التي تعتمدها الدول، وهذه تختلف نسبيا مع ما جاءت به وثيقة المدينة المنورة".
"اما موضوعة مدى حاجتنا للأخلاق وللقوة فكلا العنصرين مهمين بقدر ما، خصوصا وأننا ننظر الى العقوبة على انها الجزاء المتوافق عليه بين افراد المجموعة البشرية، وبالتالي نحن نحتاج إلى القوة ولكن بصورة مقننة، الشيء الآخر ان القواعد القانونية لا تتحرك ما لم يكون هناك مساس بتلك القواعد، وهنا لا يمكن تجريم من اقوالهم لا تتوافق مع افعالهم، ايضا النصوص القانونية لا تنسجم مع الواقع من حيث تطبيق وتفعيل تلك النصوص قولا وفعلا".
اضف تعليق