من اكبر مصائب الأمم أن تكون نخبها المثقفة كاذبة، فهي تكذب عن قصد للوصول لشهواتها ورغباتها، فكيف من الممكن أن نأتمن الأمة من أقلام امتهنت الكذب وسيلة للكسب، وهل من المعقول أن يصدر الحق من قلما تمرس الكذب، الان الساحة الإعلامية تضج بأجيال من الكذابين، ممن تسلقوا الأكتاف بالحيل والكذب والنفاق وأقصى درجات التملق.
أجيال تلو الأجيال تبتعد عن العدل، وتقترب من أصنام الدينار، فجيل تغذى من حليب البعث، تبعه جيل أدمن شرب حليب بريمر، وأجيال أخرى تغذى من فتات موائد الأحزاب، فكيف لنا أن نتعجب بعد الان من شطحات بعض الأقلام، وكفر أسطر البعض، وحقارة كلمات آخرين.
قيل سابقا لا يصدر الحق من حنجرة الباطل، وهذا ميزان للإنسان الواعي كي يعرف أين الحق وأين الباطل في ساحة الأقلام.
نحاول هنا أن نشخص مكامن الخلل، كي يمكن تدارك الخطر قبل أن يستفحل.
● المؤسسات الإعلامية هي السبب
عندما نشخص الخلل فأننا نحدده أولا في إدارات المؤسسات الإعلامية، فعندما تكافئ وتجزل العطاء للكاتب الكاذب، فهي أما أن تكون ممن تمرر الكذب عن قصد، بهدف خلق جيل انتهازي من الكتاب، أو هي غارقة في السذاجة، فتكون السبب في تضييع الحقوق وتسفيه وعي الناس.
نلحظ دوما التكريم والعطاء فقط لمن يجيد فن الكذب، ويجند حروفه للتملق والنفاق، عندها يحصل على كل عبارات التبجيل، فقط لأنه يحسن صنعة الكذب، أتساءل كيف يمكن للمؤسسات الإعلامية أن ترتضي لنفسها أن تكون سلما للكذابين، الا تخاف على المجتمع من أقلام تمرست على الكذب، وهل هذا الإعلامي أو ذلك الكاتب سيكون معطاء مستقبلا من دون غنيمة أو عطاء جديد، فكما فاز بالعطاء مقابل كذبة، فهو حتما سيجتهد في صنع كذبة جديدة كي يصل للعطاء.
هنا الادارات الإعلامية تجعل من الكذابين مثال يقتدى، فعندما يشاهد الكاتب المبتدئ كيف تسير الأمور في المؤسسات الإعلامية، عبر الكذب، فسيلجأ للكذب مقلدا الكتاب الكبار الكذابين، كي يصل لما وصلوا له من مجد حقير، أسس على الكذب والباطل.
في العراق ضاع الحابل بالنابل، بسبب فوضى كبيرة جعلت مقاييس التقييم العادلة تختفي ليحل محلها مبادئ التحايل والغش والكذب والتملق والعلاقات ليحقق الهدف، مع انه لا يستحق، لكن يصل لمبتغاه.
● الكتاب الكذابون هم السبب
عندما يكذب الكاتب ليصل لغاية حقيرة، أو للحصول على العطاء، الا يخجل مستقبلا من أن ينكشف للجمهور، من أن كاتبهم الهمام يستجدي العطاء حتى بالكذب، وكيف سيصدق الناس كاتبا يكذب مقابل شيء بسيط، بل انه ما أن يكذب الكذبة الأولى، ويحقق الهدف منها وإلا وقد تحول لسنخ جديد وحقير، فهو لن يتوقف وسيكون خادما ذليلا لكل من يعطيه درهما، وتموت القيم والمبادئ والمواقف العادلة، فهو عبد للدينار وليس قلما للحقيقة، وهذا الصنف من الكتاب هو أكثر ما نخشاه على مجتمعنا وبلدنا.
● غياب موازين التقييم العادلة هو السبب
ما يحصل سببه غياب القوانين والموازين، التي على أساسها يكون التقييم، مما جعل أشباه الكتاب وقافلة الدجالين يتقدمون، ومن يكتب بضمير ودوافع إنسانية ووطنية يتأخرون، غياب التقييم يفرض الظلم، مما يجعل المؤسسات الإعلامية في مهب الريح، لأنها خضعت لقانون الفوضى الذي لا عدل فيه.
لذلك على المؤسسات أن تتبنى قوانين عادلة للتقييم، كي لا تضيع جهود من يجتهد ولا يصعد أي منافق أو كاذب، وتضمن لنفسها عمرا طويلا، وجمهورا واسعا، وجيل من الكتاب المحترمين، فالفوضى لا تنتج الا قيحا.
اضف تعليق