في اللحظة الأخيرة من الدورة التاسعة والعشرين من مؤتمر قمة أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب-29»، التي عُقدت في مدينة باكو في أذربيجان، أُبرمتْ صفقة أنقذتْ محادثات المناخ، وصفها باحثون في شؤون تمويل العمل المناخي في معرض حديثهم إلى دورية Nature بأنها ليست سوى "إجماع واهٍ"...

في اللحظة الأخيرة من الدورة التاسعة والعشرين من مؤتمر قمة أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب-29»، التي عُقدت في مدينة باكو في أذربيجان، أُبرمتْ صفقة أنقذتْ محادثات المناخ، وصفها باحثون في شؤون تمويل العمل المناخي في معرض حديثهم إلى دورية Nature بأنها ليست سوى "إجماع واهٍ".

ففي الساعات الأولى من صبيحة الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، طفق ممثلو الدول الغنية بالتصفيق في القمة، وقد انفرجتْ أسارير وجوههم، بعدما تعهدت الدول الغنية في اللحظة الأخيرة "بأخذ زمام المبادرة" في زيادة تمويلات التصدي للتغير المناخي الموجهة إلى الدول الفقيرة سنويًا، لتصل قيمة هذه التمويلات إلى 300 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2035. ولأول مرة في اتفاقية لمؤتمر الأطراف، من المتوقع أيضًا أن تسهم الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وعلى رأسها الصين، في تمويل العمل المناخي الدولي.

فما كان من مندوبي بعض كبرى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، مثل الهند وإندونيسيا ونيجيريا، إلا أن استشاطوا غضبًا؛ زاعمين تعرضهم للضغط من أجل الوصول إلى اتفاق، ومن ثم لا ينتهي اجتماع القمة بالفشل. أضِف إلى ذلك اختلاف مندوبي الدول فيما بينهم حول حجم المنح والقروض في مبلغ الثلاثمئة مليار دولار، وحول مقدار التمويلات التي من شأنها أن تصدر من القطاعين العام والخاص.

وفي الوقت الحالي، يتخطى تمويل العمل المناخي الموجه من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة مئة مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى قرابة مئتي مليار دولار بحلول عام 2030، في ظل سيناريو العمل كالمعتاد، حسبما أشار تحليل أجراه مركز بحوث «أو دي آي جلوبال» ODI Global، الكائن في مدينة لندن.

كشف النقاب عن جروح قديمة

"جاءت حصيلة التمويل التي تمخضتْ عنها قمة باكو مخيّبةً للآمال بشدة". هكذا صرح ديباك داسجوبتا، اختصاصي علم الاقتصاد بمركز بحوث الطاقة والموارد، الكائن في مدينة نيودلهي الهندية، والمعنيّ بتأليف الموضوعات المتعلقة بتمويل العمل المناخي في التقارير التي تباشر تجميعها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

وفي تصريح لها أشارت كلير شاكيا، رئيسة المناخ في «ذا نيتشر كونسيرفانسي» the Nature Conservancy – وهي منظمة دولية معنية بالحفاظ على الطبيعة، مقرها أرلينجتون بولاية فيرجينيا الأمريكية - إلى أنه: "مع أن إنقاذ هذه القمة من براثن الفشل يستحق أن نحتفي به لحظيًا، فإن الوصول إلى هذه المرحلة كشف النقاب عن جروح قديمة في العلاقة بين الدول الغنية والفقيرة".

فاتحت الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، فيما خلا الصين، الدول الغنية باحتياجها إلى حوالي 2.4 تريليون دولار سنويًا حتى عام 2030، لمساعدتها في الاستغناء تدريجيًّا عن الوقود الحفري، وحمايتها من آثار الاحترار العالمي. يتسق هذا المبلغ مع توصيات تقرير واسع التأثير، كتبه بعض العلماء واختصاصيو علم الاقتصاد، وطُرح في القمة. كما اقترحت أكثر من ثمانين دولة مبلغ 1.3 تريليون دولار، بغرض الاقتراب من الوصول إلى اتفاق خلال القمة.

إضافة إلى ذلك، صرحتْ سارة كولينبراندر، مديرة المناخ والاستدامة بمركز «أو دي آي جلوبال» قائلة: "تَعَهُد ضخ 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2035 لن يقنع أي شخص بإمكانية الوصول إلى مبلغ الـ1.3 تريليون دولار المطلوبة سنويًا لتلبية احتياجات الدول النامية للتصدي للطوارئ المناخية".

مُختار بابايف (يمين الصورة إلى الأمام)، رئيس قمة الأطراف «كوب-29»، وهو يصفق في ختام فعاليات مؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، في الساعات الأولى من صبيحة الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، عقب إبرام صفقة لتمويل العمل المناخي.

مُختار بابايف (يمين الصورة إلى الأمام)، رئيس قمة الأطراف «كوب-29»، وهو يصفق في ختام فعاليات مؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، في الساعات الأولى من صبيحة الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، عقب إبرام صفقة لتمويل العمل المناخي.

عُنصُر إدارة الرئيس الأمريكي ترامب

يُضاف إلى ذلك أيضًا أن المبلغ المتفق عليه لا يعكس سيناريو فيه تتراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن تمويلها للعمل المناخي عالميًا، إذا ما قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب القادمة الانسحاب من اتفاقيات المناخ الدولية.

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد تعهدتْ قبل مؤتمر «كوب-29» بتوفير مبلغ 11.4 مليار دولار من تمويل العمل المناخي سنويًا بدءًا من عام 2024، والذي يمثل نحو 10% من إجمالي التمويل السنوي العالمي الحالي. "لا شك في أننا سنستشعر فجوةً هائلةً في تمويل العمل المناخي العالمي يخلفها انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقيات القمة، في الوقت الذي تتفاقم فيه آثار التغير المناخي وتتراكم"، بتعبير شاكيا التي أضافتْ قائلة: إن الصين توفر، في المقابل، حوالي 4 مليارات دولار سنويًا في تمويل العمل المناخي منذ عام 2013.

ومن جانبه يرى رومان وايكمانز، الباحث في شوؤن تمويل العمل المناخي بالجامعة الحرة في العاصمة البلجيكية بروكسل، أن هنالك بَصيصَ أمَلٍ في التوصل إلى اتفاق في هذه القمة لا سيما في ضوء اقتراب صعود إدارة الرئيس ترامب إلى السلطة، فيقول: "بوجه عام، مستوى الطموح إزاء تمويل العمل المناخي في الوقت الراهن لم يختلف عما كان عليه. ورغم أنه وُجدت احتمالية قوية لتراجعه، لم يفتر". ويضيف قائلًا: "فيما راح البعض إلىأن عدم الوصول إلى اتفاق من الأصل أفضل من إبرام تعهد مبهم، لا أستطيع أن أرى كيف يمكن للانتظار للعام القادم – أو حتى الذي يليه – أن يتمخض عن نتيجة أكثر تشجيعًا".

كذلك اتفق مندوبو القمة على إعداد مستند خارطة طريق مالي قبل الدورة الثلاثين من مؤتمر قمة الأطراف «كوب-30» المقرر انعقادها في مدينة بليم بالبرازيل؛ والذي من شأنه أن يوضح كيف يمكن لتلك الدول الوصول إلى الهدف الأعلى إزاء تمويل العمل المناخي، يقول داسجوبتا: "أُنشئتْ خارطة الطريق التي تمهد الانتقال من باكو إلى بليم لسبب وجيه، فما أحوجنا إلى العلوم التطبيقية الجيدة. وهذه الخارطة في حاجة إلى إدارة متأنية لا تدخلات عنيفة".

اضف تعليق