يجمع علماء المناخ على الدور المهم الذي يلعبه غاز الميثان في التغيرات المناخية التي يشهدها الكوكب، فهذا الغاز الذي تضاعف تركيزه في الجو 2.5 مرة تقريبا منذ بداية العصر الصناعي، يعتبر مسؤولا عن 30% من ظاهرة الاحتباس الحراري، كما أورد تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة...
من أجل الحد من الاحتباس الحراري بسرعة، يجب تقليل انبعاثات غاز الميثان الذي يسبب الاحتباس الحراري. ما مدى ضرر الميثان؟ وأين يتم إطلاقه وكيف يمكن تجنبه؟
يتكون الغاز الطبيعي من غاز الميثان (CH4) بنسبة 100 في المائة تقريباً، وهو غاز عديم اللون والرائحة ينتج في الطبيعة. وبالمقارنة بغاز ثاني أكسيد الكربون (CO2)، فإن الميثان أكثر ضرراً على المناخ.
فعلى مدى 20 عامًا، يؤدي طن واحد من الميثان في الغلاف الجوي إلى ارتفاع حرارة كوكبنا 84 مرة أكثر من طن واحد من ثاني أكسيد الكربون.
يتحلل الميثان في الغلاف الجوي على المدى الطويل. وهذا يقلل أيضًا من التأثير على المناخ على المدى الطويل. وعلى مدى فترة مراقبة مدتها 100 عام، لا يزال الميثان المنبعث أكثر ضرراً على المناخ بـ 30 مرة من ثاني أكسيد الكربون.
وبشكل عام كان الميثان مسؤولاً عن حوالي ثلث الارتفاع العالمي في درجة الحرارة منذ عام 1850. وهو يأتي في المرتبة الثانية بعد غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري، والذي ينبعث بكميات أكبر بكثير من خلال احتراق الفحم والنفط والغاز الطبيعي.
أين ينتج الميثان؟
من ناحية ينتج الميثان في الطبيعة، على سبيل المثال عندما تتحلل النباتات في الأراضي الرطبة مثل المستنقعات. ومن ناحية أخرى، ينتج الميثان أيضًا من بقايا النباتات القديمة عندما تذوب التربة الصقيعية بسبب الاحتباس الحراري.
وتنجم حوالي 60 في المائة من انبعاثات الميثان العالمية عن الأنشطة البشرية. ومن بين هذه الانبعاثات، تُعد الزراعة أكبر مساهم في هذه الانبعاثات - حيث تبلغ حصتها حوالي 40 في المائة. وينتج غاز الميثان بشكل رئيسي في تربية الماشية، لا سيما في معدة الأبقار وعند تسميد الحقول بالسماد الحيواني.
ويحتل استخراج الوقود الأحفوري، أي الغاز الطبيعي والنفط والفحم، وكذلك نقلها المرتبة الثانية من حيث التسبب في انبعاثات الميثان بنسبة 35 في المائة. ويأتي في المرتبة الثالثة تحلل النفايات في مواقع طمر النفايات ومياه الصرف الصحي، والتي تمثل حوالي 20 في المائة.
أين يتسرب الميثان في قطاع الطاقة؟
يتم إطلاق الميثان أثناء استخراج الفحم، ولكن قبل كل شيء أثناء استخراج النفط والغاز. يتسرب جزء منه مباشرة إلى الغلاف الجوي. وأثناء إنتاج النفط، يتم حرق جزء آخر منه أثناء إنتاج النفط، وبالتالي يتحول إلى ثاني أكسيد الكربون - والذي يتسرب بعد ذلك أيضًا إلى الغلاف الجوي.
كما يتسرب الميثان أيضًا عندما يتم نقل الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب - من خلال التسريبات، وعندما يتم تحويل الغاز الطبيعي إلى غاز طبيعي مسال (LNG) وعندما يتم حرق الغاز الطبيعي في المحركات وأنظمة التدفئة.
كيف يمكن لشركات الطاقة منع إطلاق غاز الميثان؟
في بعض الأحيان قد يكون الأمر بسيطًا بشكل مدهش - حتى عندما يتعلق الأمر بغاز الميثان. فوفقاً للوكالة الدولية للطاقة (IEA)، يمكن لشركات النفط والغاز أن تقلل من انبعاثات الميثان بنسبة هائلة تبلغ 75 في المائة إذا ما قامت باكتشاف التسريبات وإصلاحها. ويتضمن ذلك بالمعنى الحقيقي للكلمة أعمال السباكة واستبدال الأنظمة المعيبة.
لهذا السبب أقر الاتحاد الأوروبي لائحة جديدة في مايو/أيار تتطلب من الشركات العاملة في صناعة الوقود الأحفوري قياس انبعاثات الميثان والإبلاغ عنها وخفضها بشكل روتيني. وإذا تم اكتشاف تسرب، يجب إغلاقه مرة أخرى في غضون 15 يوم عمل.
كما تحظر اللائحة الجديدة الآن أيضًا التنفيس البسيط لغاز الميثان أثناء إنتاج النفط والغاز، وفي معظم الحالات، يحظر حرق الغاز. ولا يُسمح بالتنفيس إلا في حالة وجود حالة طوارئ تتعلق بالسلامة. ولا يُسمح بالحرق إلا إذا كان لا يمكن إعادة الميثان إلى الأرض وتخزينه ولا يمكن نقله بعيدًا. بحسب موقع “DW”.
انبعاثات غاز الميثان
تتسبب آبار النفط والغاز الطبيعي وخطوط الأنابيب وأجهزة ضغط الغاز الأمريكية في انبعاث ثلاثة أضعاف كمية غاز الميثان الذي يحبس الحرارة مسببا أضرارا بيئية ومناخية.
وتشير تقديرات توصلت إليها دراسة شاملة جديدة، أن كميات غاز الميثان الإضافية المنبعثة تتسبب بأضرار بيئية ومناخية بقيمة 9.3 مليار دولار سنويا.
وتبين الدراسة أن أكثر من نصف انبعاثات غاز الميثان تأتي من عدد صغير من مواقع النفط والغاز، تبلغ 1% أو أقل، وهذا يعني أن المشكلة أسوأ مما تعتقد الحكومة، ولكنها أيضا قابلة للحل.
وتحدث المشكلة ذاتها على مستوى العالم، حيث ذكرت الوكالة الدولية للطاقة يوم الأربعاء في تقريرها العالمي لعام 2024 الخاص بتتبع غاز الميثان، أن انبعاثات الميثان الكبيرة التي رصدتها الأقمار الصناعية حول العالم زادت بنسبة 50& في عام 2023 مقارنة بعام 2022 مع رصد أكثر من 5 ملايين طن متري في تسربات كبيرة للوقود الأحفوري.
ويرى الباحث الرئيسي إيفان شيروين، في مختبر لورانس بيركلي التابع لوزارة الطاقة الأمريكية أن "هذه بالفعل فرصة لخفض الانبعاث بسرعة من خلال تركيز الجهود على المواقع الأعلى انبعاثا".
ويحدث ذلك عندما تطلق الشركات الغاز الطبيعي في الهواء أو تحرقه بدلا من احتجاز الغاز الناتج عن استخراج الطاقة.
وقال إن هناك أيضا تسريبات كبيرة في بقية النظام، مثل الخزانات والضواغط وخطوط الأنابيب. وفق ما نقله موقع “RT”.
دور غاز الميثان في الاحترار العالمي
لطالما اعتبر علماء المناخ غاز الميثان من بين غازات الاحتباس الحراري الرئيسية التي يتعين على البشرية الحد من انبعاثاتها. لكن وبشكل مفاجئ، أظهرت نتائج دراسة علمية جديدة أن لهذا الغاز تأثير تبريد للجو أيضا، وأن مساهمته في الاحتباس قد تكون أقل من المتوقع.
وتوصلت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة "كاليفورنيا ريفرسايد" (UC Riverside) نشرت مؤخرا في دورية "نيتشر جيوساينس" (Nature Geoscience) العلمية، إلى أن غاز الميثان الموجود في الغلاف الجوي يخفض كذلك من كميات الأمطار نتيجة امتصاصه لأشعة الشمس الواصلة للأرض.
يجمع علماء المناخ على الدور المهم الذي يلعبه غاز الميثان في التغيرات المناخية التي يشهدها الكوكب. فهذا الغاز الذي تضاعف تركيزه في الجو 2.5 مرة تقريبا منذ بداية العصر الصناعي، يعتبر مسؤولا عن 30% من ظاهرة الاحتباس الحراري، كما أورد تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
ويقوم الميثان المنبعث في الجو بلعب دور الغطاء الذي يمنع الحرارة المنبعثة من الأرض نحو الفضاء من الخروج من الغلاف الجوي. وعندما تمتص الأرض أشعة الشمس ثم تعيد إطلاقها لاحقا في شكل موجات طويلة نحو الفضاء يقوم الميثان وبقية الغازات المسببة للاحترار المنتشرة في الجو بمنع هذه الموجات من الخروج من الغلاف الجوي، مما يزيد في حرارته.
وقد قدرت بعض الدراسات العلمية السابقة أن الميثان، وبسبب تركيبته الكيميائية، يمتلك قدرة أقوى بحوالي 80 مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون على إحداث الاحترار على المدى القصير.
لكن الدراسة الجديدة وجدت نتائج غير متوقعة للدور الحقيقي لغاز الميثان في الجو. فبالإضافة إلى امتصاص طاقة الموجات الطويلة، اتضح أن الميثان يمتص كذلك الطاقة الواردة من الشمس، والمعروفة باسم طاقة الموجات القصيرة، بحسب بيان نشرته جامعة كاليفورنيا ريفرسايد على موقعها.
وينتج عن هذا الامتصاص، إضافة إلى خفض كمية الأشعة الشمسية الواصلة إلى سطح الأرض، تحفيز تشكل سحب لها مفعول تبريد للغلاف الجوي مما يؤدي إلى إلغاء ما يصل إلى 30% من الحرارة التي يولدها من خلال تأثير الاحتباس الحراري.
يخفض كميات الأمطار كذلك
لكن في المقابل، وجد الباحثون كذلك أن الميثان يخفض من مستويات هطول الأمطار المتوقعة في ظل نماذج الاحتباس الحراري الحالية بحوالي 60%، ويحدث ذلك نتيجة قيام الميثان بتوفير طاقة إضافية داخل الغلاف الجوي، كان هذا الأخير يحصل عليها من عمليات تكثف الماء المتبخر في الجو.
فمن المعروف أن كميات إشعاع الموجات الطويلة المنبعثة من الأرض وإشعاع الموجات القصيرة من الشمس المنفلتة من الغلاف الجوي في الفضاء، تكون عادة أكبر من تلك التي يتم امتصاصها بداخله. وللحفاظ على التوازن الحراري يقوم الغلاف الجوي بتعويض الطاقة الضائعة من خلال التزود بالحرارة الناجمة عن عمليات تكثف بخار الماء التي تؤدي إلى هطول الأمطار أو تشكل الثلج أو البَرَد. وبوجود الميثان لم تعد هناك حاجة للحرارة الناجمة عن تكثف الماء.
بالإضافة إلى ذلك أظهرت نتائج الدراسة، وفق البيان، أن انخفاض كمية الإشعاع الشمسي التي تصل إلى سطح الأرض عن طريق امتصاص الميثان للموجات القصيرة، يقلل من كمية الماء المتبخر. وبما أن كميات المياه المتبخرة والمتكثفة متساوية فإن انخفاض التبخر يؤدي بدوره إلى انخفاض هطول الأمطار.
وبحسب الباحثين الذين يأملون في أن تؤخذ نتائج الدراسة في الاعتبار لتطوير نماذج محاكاة التغيرات المناخية، فإن هذا الاكتشاف الجديد سوف يساعد في فهم المزيد من التفاصيل حول كيفية تأثير غاز الميثان وربما غازات الدفيئة الأخرى على نظام المناخ. بحسب موقع “الجزيرة نت”.
التربة تمتص غاز الميثان
قام العلماء من معهد الجغرافيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية وكلية علوم التربة بجامعة موسكو الحكومية بدراسة معدلات امتصاص التربة للميثان من الغلاف الجوي، وذلك باستخدام نماذج رياضية مستقلة. فاتضح أن تغير المناخ سيؤدي إلى زيادة امتصاص غاز الدفيئة المهم هذا.
وقد أعلن الباحث في معهد الجغرافيا دميتري كاريلين: "أن القيمة المتوسطة الحسابية التي استخدمتها مجموعة من النماذج الرياضية تصف بشكل مقبول معدلات امتصاص الميثان، وبالتالي يمكن استخدامها بنجاح للتنبؤ. وعلى سبيل المثال، من الواضح أنه إذا تابعنا التغيرات المناخية المرصودة حاليا، فمع ارتفاع درجة الحرارة وزيادة جفاف التربة، وكذلك مع الزيادة العامة في نسبة تركيز غاز الميثان في الغلاف الجوي، يجب علينا أن نتوقع زيادة في امتصاصه، وهو تأثير إشعاعي إيجابي بالنسبة لنا في ظروف الاحتباس الحراري".
وأعاد الباحث إلى الأذهان أن الميثان هو أحد أهم غازات الدفيئة الذي يتشكل في المحيط الحيوي الذي يواجه نقصا في الأكسجين. وتقّدر مساهمة الميثان في ظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة 19٪. وهو ثاني غازات الدفيئة بعد ثاني أكسيد الكربون الذي تُقدر مساهمته بنسبة 64%.
ومن المعروف أن الميثان يتحلل أساسا في أثناء التفاعلات الكيميائية الضوئية في الغلاف الجوي، ولا يتجاوز امتصاصه البيولوجي نسبة 5%. وقد أصبحت الغابات من أهم المصادر لغاز الميثان بين النظم البيئية. أما الحرث المستمر لتربة تشيرنوزيم (التربة السوداء)، مع الاستخدام المنتظم للأسمدة النيتروجينية، فيؤدي إلى انخفاض نسبة الامتصاص بمقدار 2-3 أضعاف.
ومضى الباحث قائلا:" لقد أجرينا الحسابات باستخدام عدد من النماذج الرياضية المعروفة. وعند ذلك كان من المهم اختيار النماذج التي يسهل حسابها باستخدام البيانات الميدانية. وعلى سبيل المثال، استخدام مؤشرات مهمة لسرعة امتصاص الميثان بواسطة البكتيريا ونسبة تركيزه في الجو، ودرجة حرارة ورطوبة التربة، وتركيبها الميكانيكي وكثافتها، وهطول الأمطار، وما إلى ذلك.
وتستخدم النماذج الرياضية المختلفة مجموعات مختلفة من المؤشرات. ومع ذلك، فإن جميعها تحدد بطريقة أو بأخرى معدل تسلل جزيئات الغاز عبر طبقة التربة، ولكن ليس من التربة إلى الغلاف الجوي، بل على العكس من ذلك، من الغلاف الجوي إلى التربة. وبما أن غاز الميثان لا يتكون في أعماق التربة فإن وجوده في طبقة الهواء القريبة من الأرض أكثر منه في التربة، وغالبا ما يكون انتشار أي مادة موجها من المنطقة ذات مستوى تركيزه الأعلى نحو المنطقة ذات مستوى التركيز الأسفل".
ومن أجل التحقق من القيم المحسوبة التي تم الحصول عليها باستخدام النماذج الرياضية، استخدم العلماء قياساتهم الخاصة لمعدل امتصاص الميثان في الظروف الميدانية. وأجريت مثل هذه القياسات في منطقة كورسك الروسية التي تتميز بتربتها السوداء ( تشيرنوزيوم) وفي النظم البيئية الأكثر تميزا بالنسبة لهذه التضاريس، مثل الغابات والسهوب والأراضي الصالحة للزراعة المستصلحة وغير المستصلحة. وفق ما نقله موقع “آر تي”.
اضف تعليق