زيادة الاعمال الاقتصادية يعني زيادة التلوث وتغير المناخ ومن ثم تأثر البيئة بشكل سلبي، لان التلوث مرافق للعمليات الاقتصادية (الانتاج والنقل والاستهلاك والتصدير والاستيراد). تلوث البيئة لا ينسجم ومبادئ حقوق الانسان، لان البيئة السليمة حق للإنسان وليس لاحد الحق في حرمانه منه، وكما هي حق للأجيال...
لم يكُن الاهتمام واضحاً بالبيئة كما هو في الوقت الحاضر، وذلك لزيادة التلوث وتفاقم تغير المناخ حالياً.
يعود التلوث وتغير المناخ لعوامل بشرية بالدرجة الاولى، تمثلت في سعي الانسان لتحقيق اهدافه المادية دون الاهتمام بالآثار الجانبية التي يتركها على البيئة.
ما زاد الأمر سوءً هو انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية تسعينيات القرن الماضي، وانفراد الرأسمالية بالاقتصاد العالمي.
حيث تقوم الرأسمالية على الملكية الخاصة والحرية الاقتصادية والحافز المادي، مما فتح الباب بشكل أوسع أمام الافراد وشركاتهم لزيادة سعيهم وتنمية ثرواتهم بشكل أكبر دون قيود.
وما عزز من ذلك هو ثورة المعلومات والاتصالات التي عملت على كسر الحدود واختصار الزمن وسرعة الانجاز وزيادة الاعمال الاقتصادية.
ان زيادة الاعمال الاقتصادية يعني زيادة التلوث وتغير المناخ ومن ثم تأثر البيئة بشكل سلبي، لان التلوث مرافق للعمليات الاقتصادية (الانتاج والنقل والاستهلاك والتصدير والاستيراد).
تلوث البيئة لا ينسجم ومبادئ حقوق الانسان، لان البيئة السليمة حق للإنسان وليس لاحد الحق في حرمانه منه، وكما هي حق للأجيال الحالية هي حق للأجيال للاحقة، هذا ما دفع الجهات المعنية رفع راية الدفاع عن البيئة.
حيث أخذت الدول والمؤسسات الدولية بعقد الاتفاقيات ووضع الاستراتيجيات وأخذ التدابير اللازمة للحد من التلوث وتغير المناخ لأجل تحسين البيئة وحمايتها.
المؤشر ودرجته وعدد الدول
وبهذا الصدد، يأتي دور مؤشر الاداء البيئي ليوضح مدى قدرة الدول على تحسين البيئة وحمايتها من التلوث وتغير المناخ.
حيث يتناول هذا المؤشر ثلاثة قضايا وهي الادارة البيئية، الصحة البيئة وتغير المناخ، وتشمل كل قضية مجموعة عناصر وكل عنصر يحتوي على مجموعة مؤشرات.
وبعيداً عن تفاصيل المؤشر الذاتية، يمكن الاختصار على الامور ذات العلاقة بالموضوع، وهي الدرجة والمرتبة.
حيث يتم قياس البيئة وفق الدرجة المعيارية للمؤشر والتي تتراوح بين صفر للبيئة الأسوء و 100 للبيئة الأفضل.
وعلى ضوء هذه الدرجة يتم ترتيب الدول التي يتناولها المؤشر البالغ عددها 180 دولة، من الأفضل للأسوء، اي كلما تحصد الدولة درجة جيدة من 100 كلما تحصل على مرتبة أفضل دولياً.
درجة العراق ومرتبته
وبحكم حصول العراق على درجة منخفضة وهي 30.4 من 100، أصبحت مرتبته 172 من أصل 180 دولة شملها المؤشر عام 2024 (بيانات تتعلق بالسنوات السابقة) وهي مرتبة منخفضة بين الدول من حيث الاداء البيئي.
تغير المناخ يمثل الجزء الاكبر في تدهور الاداء البيئي في العراق، حيث احتل المرتبة 169 من بين 180 دولة في تغير المناخ بحكم ضعف معالجة الانبعاثات الملوثة.
كما ان ضعف التنوع البيولوجي وضعف حمايته وتلوث الهواء وٍزيادة التصحر وغيرها، اسهمت في تدهور البيئة، حيث احتل العراق المرتبة 166 من أصل 180 دولة في الادارة البيئية الحيوية التي تشمل تلك العناصر.
إضافة الى سوء الصحة البيئة من حيث ادارة المخلفات ومياه الشرب والصرف الصحي وغيرها، حيث احتل العراق المرتبة 128 من أصل 180 دولة في الصحة البيئية مما يعني كان لسوء الصحة البيئية دور في التدهور البيئي.
الاسوء من ذلك، ان الاتجاه الاتجاه العام للأداء البيئي في العراق نحو الانحدار، حيث انخفضت درجته من 43 عام 2018 الى 27 من 100 عام 2022، وعلى هذا الاساس أصبح ترتيب العراق دولياً أكثر تراجعاً حيث انخفض بحدود 17 مرتبة.
عموماً، يمكن القول حسب الدرجة والمؤشر أعلاه، ان العراق يقع في الربع الاخير بين الدول على مستوى الاداء البيئي، وهذه نتيجة منسجمة مع عدم ايلاء البيئة المزيد من الاهتمام في وقت أخذ العالم يضع البيئة في سلم أولوياته!
الاسباب
يعود انخفاض الاداء البيئي في العرق لأسباب عديدة داخلية وخارجية يمكن الاشارة لأهمها أدناه.
اولاً: ضعف الاستقرار السياسي، حيث ان الاستقرار السياسي يسهم ويساعد على صنع القرارات البيئية وتنفيذها، وبحكم ضعف الاستقرار السياسي أصبح الاداء البيئي سيئاً.
ثانياً: ضعف الاقتصاد العراقي، حيث يعتمد من جانب بشكل كبير على الريع الملوث بالأساس للبيئة ومن جانب آخر اهمل الزراعة التي تمثل عنصر مهم للبيئة.
ثالثاً: التمويل المحدود وسوء الادارة، حيث شكلت نسبة تخصيصات وزارة البيئة التشغيلية والاستثمارية 0.03 في المائة من الموازنة (198 تريليون دينار) عام 2023، وهو تمويل محدود جداً، تزامن مع ذلك سوء الادارة حيث لم تأخذ الوزارة دورها في تحقيق اهدافها، حيث لم تنشر على موقعها الالكتروني سوى ثلاثة اصدارات لحد عام 2017 عن الواقع البيئي في العراق!
رابعاً: انخفاض الوعي البيئي، الذي تسبب في زيادة تلوث الماء والهواء والتربة وتردي البيئة.
خامساً: ضعف الجانب الاعلامي، حيث ان الاعلام له دور كبير في زيادة الوعي البيئي من خلال توضيح الاثار السلبية للتلوث على الكائنات الحية بما فيها الانسان.
سادساً: ضعف التعاون الدولي، إذ أن تغير المناخ لايعد مشكلة محلية بل عالمية، حيث اسهمت جميع الدول في انتاجه وكل دولة حسب مشاركتها في العمل الاقتصادي.
سابعاً: ضعف التعاون الاقليمي، حيث لم تتشكل تحالفات اقليمية لوضع الاستراتيجيات الكفيلة لمواجهة مشكلة التلوث وتغير المناخ.
المقترحات
ولأجل تحسين البيئة وحمايتها من التلوث والتخفيف من اثار تغير المناخ لابد من تكاتف الجهات المعنية لوضع الاستراتيجية اللازمة لتحقيق ذلك الهدف ويمكن ذكر بعض المقترحات التي يمكن أن تساهم في تحسين الاداء البيئي ومنها:
اولاً: تأسيس مجلس أعلى للبيئة، يأخذ على عاتقه وضع رؤية واضحة لتحسين البيئة وحمايتها من التلوث وتخفيف اثار تغير المناخ.
ثانياً: تأسيس صندوق البيئة، تكون مهمته الاساسية في تدبير الموارد المالية لأجل تأمين الجانب التمويلي لتنفيذ استراتيجية البيئة ومكافحة التلوث والتخفيف من اثار تغير المناخ.
ثالثاً: تخضير الاقتصاد، وذلك من خلال جعل كل العمليات الاقتصادية، من انتاج ونقل واستهلاك وتصدير واستيراد؛ عمليات خضراء وتحسين كفاءة استخدام الوقود وتقليل الانبعاثات والاهتمام بالزراعة باعتبارها المعادل الموضوعي للتلوث البيئي.
رابعاً: تفعيل وزارة البيئة، أي أن تأخذ الوزارة دورها في تنفيذ مهامها وتحقيق اهدافها بشكل جدي بعيداً عن أي ما من شأنه يحول دون فاعليتها.
خامساً: زيادة الوعي البيئي، وذلك من خلال جميع الفعاليات التي تسهم في رفع الوعي البيئي سواء الرسمية أو غير الرسمية.
سادساً: التعاون الدولي والاقليمي، أي العمل على عقد الاتفاقيات والشراكات الاقليمية والدولية التي من شأنها تحسين البيئة وحمايتها والتخفيف من آثار تغير المناخ.
سابعاً: تقوية الاعلامي البيئي، والعمل على انشاء برامج ومنصات واذاعة وصفحات تهتم في بيان أهمية محاربة التلوث وتحسين البيئة.
اضف تعليق