أضحت البصمة الكربونية لكرة القدم مثار اهتمام القائمين على تلك اللعبة الجماهيرية التي سرعان ما تحولت إلى اقتصاد قائم بذاته، وهو ما قد يُسهم في تحقيق الأهداف المناخية، وتُعد كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى عالميًا، بقاعدة جماهيرية ضخمة يصل قوامها إلى 3.5 مليار شخص ما يعادل نحو نصف سكان الكوكب...
أضحت البصمة الكربونية لكرة القدم مثار اهتمام القائمين على تلك اللعبة الجماهيرية التي سرعان ما تحولت إلى اقتصاد قائم بذاته، وهو ما قد يُسهم في تحقيق الأهداف المناخية، وتُعد كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى عالميًا، بقاعدة جماهيرية ضخمة يصل قوامها إلى 3.5 مليار شخص (ما يعادل نحو نصف سكان الكوكب) تمامًا مثل بصمتها الكربونية المرتفعة جدًا.
لكن هل من الممكن أن تٌسهم كرة القدم في خفض الانبعاثات الكربونية بما يُحقق أهداف الاستدامة والتحول الأخضر؟ هذا التقرير من منصة الطاقة المتخصصة يجيب عن هذا التساؤل.
ما هي البصمة الكربونية؟
تؤثر البصمة الكربونية لكرة القدم سلبًا في المناخ، عبر الانبعاثات الناتجة عن استعمال الطاقة في الملاعب، والسفر من قبل الجماهير والفرق، والبث التلفزيوني للمباريات، وسوق الأدوات الرياضية التي تُقدر بمليارات الدولارات، بل وحتى الوجبات التي تُوزع خلال المباريات.
ومع كبر حجم نطاق المنافسات والمسابقات الدولية واتساعها، مثل بطولتي كأس العالم 2026 و2030، اللتين من المقرر أن تستضيفهما قارات عدة بمشاركة عدد أكبر من المنتخبات، يتبادر هذا السؤال إلى الذهن: هل تتقلص البصمة الكربونية لكرة القدم عبر خفض انبعاثاتها الكربونية؟
البصمة الكربونية للعبة كرة القدم
غالبًا ما تقل التقديرات الخاصة بآثار الانبعاثات الإجمالية ذات الصلة بأنشطة كرة القدم كثيرًا، إذ إنها تميل إلى تجاهل أنشطة ذات صلة مثل بناء الملاعب، وفق ما أورده موقع كونتكست (Context).
في غضون ذلك يكون من الصعب حساب الانبعاثات الناتجة عن أندية كرة القدم، التي تتفاوت اعتمادًا على حجم النادي وموقعه.
غير أن الشيء الوحيد الذي يحظى بتوافق الخبراء هو أن السفر من قبل المشجعين والفرق هو أكبر مساهم في البصمة الكربونية لكرة القدم.
فخلال موسم 2016-2017 استأثرت أنشطة السفر بما نسبته 61% من البصمة الكربونية للدوري الإنجليزي لكرة القدم "البريميرليغ"، وفق دراسة نُشرت نتائجها في عام 2019.
وُيظهر تحليل إنتاج الكربون لفريق كرة القدم الألماني فولفسبورغ، أن 60% من انبعاثاته تأتي من أنشطة سفر المشجعين، فيما يُعد 20% فقط من تلك الانبعاثات "مباشرة"، وتأتي من أنشطة مثل مرافق التدفئة.
تعويضات الكربون
حتى عندما تتوافر البيانات، يقول الخبراء إن الأندية ومنظمي الفعاليات الرياضية غالبًا ما يفشلون في إنتاج تقديرات دقيقية، في حين تأخذ جهودهم لخفض الانبعاثات صورة التعويض.
ويشير التعويض إلى ممارسة مثيرة للجدل تتيح لدولة أو شركة شراء ائتمانات الكربون للدفع نظير الإجراءات الرامية لخفض الانبعاثات في أماكن أخرى، مثل شراء غابة أو صيانتها أو زراعة أشجار.
ويقول محللو المناخ، إن تعويضات الكربون يجري الإفراط في استعمالها بصفتها أساسًا جوهريًا لاستحقاقات الحياد الكربوني بالنسبة إلى البطولات الرياضية.
فعلى سبيل المثال، قدّر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أن الانبعاثات الناجمة عن مونديال كأس العالم 2022 الذي استضافته قطر ستلامس قرابة 3.6 مليون طن، غير أنه ما يزال يروّج للبطولة على أنها أول مونديال خالٍ تمامًا من الكربون بسبب التعويضات المذكورة.
جهود الأندية
تتفاوت الجهود العالمية من نادٍ إلى آخر، غير أن فريق الكرة بنادي فورست غرين روفرز الذي يلعب في دوري الدرجة الرابعة الإنجليزي، يوصف من قبل "فيفا" بأنه "الفريق الأكثر اخضرارًا في العالم".
ومنذ عام 2010، يتطلع الفريق إلى أن يصبح أول ناد حيادي الكربون في العالم، إذ إنه تحول إلى استعمال الطاقة المتجددة بنسبة 100%، كما أنه طرح قائمة نباتية بالكامل للموظفين والمشجعين، ونجح في إعادة تدوير مياه الأمطار، وطرح نقاط شحن للمركبات الكهربائية، وبنى ملعبًا خاليًا من المواد الكيميائية.
وعلى خطى فورست غرين روفرز، سارت الأندية الأوروبية التي سارعت إلى ضح استثمارات في مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل الملاعب، واستعملت الوقود الحيوي في الحافلات، كما أنها عقدت دورات تدريبية للاعبيها حول أفضل الممارسات البيئية، في مسعى منها لخفض البصمة الكربونية لكرة القدم.
وتمتلك الفرق من ميلان الإيطالي إلى ليفربول الإنجليزي -حاليًا- أدوات رياضية تتضمن عناصر مصنوعة من البلاستيك المعاد تدويره.
إطار أممي
أطلقت الأمم المتحدة إطار عمل الرياضة من أجل المناخ في عام 2016، الذي يتطلب من الموقعين عليه خفض انبعاثاتهم، والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2040، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وفي عام 2021، وقّع البريميرليغ على هذ الإطار، لينضم إليه أيضًا كل من أندية توتنهام وأرسنال وليفربول وساوثامبتون، إلى جانب عدد قليل من الفرق الأوروبية وغير المنتمية إلى أي من الدوريات في القارة.
وبينما لم يوقع الدوري الألماني "البوندسليغا" على الإطار المذكور، يتوجب على الأندية استيفاء الحد الأدنى من معايير الاستدامة، كي يحق لها الحصول على ترخيص للعب في الدوري.
وفي إطار إستراتيجيته المناخية، قال "فيفا" إنه يستهدف تقليص حجم الانبعاثات في الفعاليات التي ينظمها، ويخطط لأن يصبح الاتحاد الدولي حيادي الكربون بوصفه منظمة بحلول عام 2040، ما يخدم أهداف خفض البصمة الكربونية لكرة القدم.
ومع ذلك قال مؤسس المنظمة الاستشارية لكرة القدم المستدامة توم روسون، إنه في حين شرعت الأندية الفردية في إدخال تغييرات، لا يوجد زخم كبير لخفض البصمة الكربونية لكرة القدم، مضيفًا أنه يرغب في أن توحد الهيئات التنظيمية تقارير الكربون وتضع الحد الأدنى للمعايير التي يجري بموجبها محاسبة الأندية، وانضم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يويفا (UEFA) إلى حملة الأمم المتحدة "سباق إلى الصفر" في عام 2022، متعهدًا بتقليص الانبعاثات إلى النصف عبر فعالياته بحلول نهاية العقد الجاري (2030).
اضف تعليق