من الفيضانات المدمرة في ليبيا وباكستان إلى الجفاف الذي يضرب الصومال، باتت آثار تغير المناخ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى واضحة تمامًا، وتحتاج إلى تحرك سريع من الحكومات لمنع تفاقم الأضرار مستقبلًا، وارتفعت درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بمعدل ضعف المتوسط العالمي وتراجع معدل هطول الأمطار وأصبح أقلّ قابلية للتنبؤ به...
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي
من الفيضانات المدمرة في ليبيا وباكستان إلى الجفاف الذي يضرب الصومال، باتت آثار تغير المناخ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى واضحة تمامًا، وتحتاج إلى تحرك سريع من الحكومات لمنع تفاقم الأضرار مستقبلًا، وارتفعت درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بمعدل ضعف المتوسط العالمي وتراجع معدل هطول الأمطار وأصبح أقلّ قابلية للتنبؤ به، وفق تقرير حديث اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.
ونتيجة لذلك، فإن تغير المناخ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أصبح واقعًا مثيرًا للقلق، خاصة في الدول الهشة، التي تضربها الصراعات، وفق التقرير، الذي نشره صندوق النقد الدولي، مع انطلاق قمة المناخ كوب 28 في الإمارات اليوم الخميس 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وتستمر حتى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023.
ويؤكد صندوق النقد أن كوب 28 يوفر منتدى لمناقشة السياسات اللازمة لدرء المزيد من آثار تغير المناخ المدمرة، خاصة أن الالتزامات العالمية الحالية ستخفض الانبعاثات بنسبة 11% فقط بحلول نهاية هذا العقد، وهو أقلّ بكثير من نسبة 25% إلى 50% المطلوبة لتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ.
مخاطر تغير المناخ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى
أصبحت درجات الحرارة القياسية وسط موجات الحر الحارقة أمرًا طبيعيًا جديدًا في دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، كما يؤثّر الجفاف في الأراضي الزراعية ونضوب الأنهار، وتتزايد العواصف العنيفة بالمناطق الساحلية.
وفضلًا عن الخسائر البشرية، فإن لتغير المناخ في الشرق الأوسط وآسيا والوسطى -بصفة خاصة عن بقية العالم- تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة؛ فعلى مدى العقود الـ3 الماضية، أدى تغير أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار إلى تآكل دخل الفرد وتغيير كبير في التكوين القطاعي للناتج المحلي والوظائف.
وأدت الكوارث المناخية السابقة إلى خسائر دائمة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5% في آسيا الوسطى و1.1% في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفق تقرير صندوق النقد، الذي رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وتظهر التأثيرات المناخية بصفة خاصة في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات؛ فهي تعاني من خسائر في الإنتاج أكثر 4 مرات من غيرها، بعد الصدمات المرتبطة بالمناخ، ما يؤدي إلى تفاقم هشاشتها الحالية.
آثار تغير المناخ في الشرق الأوسط
وتبيّن أزمات النزوح بسبب المناخ، كما هو الحال في الصومال، العواقب المدمرة والخسائر الإنسانية التي يسبّبها تغير المناخ، لا سيما في البلدان والمناطق الضعيفة.
وفي ظل هذه الخسائر الكبيرة، يوضح صندوق النقد الدولي 3 عوامل ضرورية للتصدي لتغير المناخ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: تحديد أولويات السياسة واتخاذ إجراءات مبكرة، إدارة الأولويات، تعزيز التمويل والدعم متعدد الأطراف.
1- أولويات السياسات الحكومية
لا مفر من اتخاذ الحكومات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى إجراءات مبكرة تعزز أهدافها للتكيف مع تغير المناخ، والحدّ من تداعياته السلبية في زيادة الاحتباس الحراري العالمي.
ويرى صندوق النقد الدولي ضرورة استثمار ما يصل إلى 4% من إجمالي الناتج المحلي سنويًا، لتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وتحقيق أهداف خفض الانبعاثات بحلول 2030.
ومن أولويات السياسات -أيضًا-، يدعو صندوق النقد إلى التعجيل بإصلاح دعم الوقود وفرض ضرائب على الكربون، وغير ذلك من القواعد التنظيمية المتعلقة بالمناخ، التي تسهم في تخفيف أعباء التمويل وإعطاء المستثمرين إشارات أكثر وضوحًا.
ويتخذ العديد من الحكومات خطوات جادة لمواجهة تغير المناخ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إذ أقبلت دول المغرب والأردن وتونس على تحسين ممارسات إدارة المياه، ما ساعد على تعزيز قدرتها على الصمود وسط أوقات الجفاف الطويلة.
وتستعد البلدان -أيضًا- لاحتواء بصمتها الكربونية، بدءًا من إصلاحات دعم الوقود الأحفوري في الأردن إلى مشروعات الطاقة الشمسية الرائدة عالميًا في الإمارات وقطر، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ومع ذلك، هناك حاجة إلى إجراء مناخي أكثر طموحًا بكثير في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ويجب أن تمنح البلدان الأولوية للإستراتيجيات الشاملة التي لا تقتصر على معالجة الأزمات المباشرة، بل تتصدى للعواقب طويلة الأجل جراء تغير المناخ، مثل الاستثمار مثل البنية التحتية والزراعة القادرتين على تحمّل التداعيات المناخية.
2- إدارة الأولويات الاقتصادية
رغم كل الإجراءات العاجلة الضرورية لمواجهة تغير المناخ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فإن خيارات السياسات الحكومية تنطوي على مفاضلة صعبة للأولويات الاقتصادية.
وعلى سبيل المثال، يُبشّر تخفيض دعم الوقود أو وضع سعر لانبعاثات الكربون بتحقيق مكاسب على المدى الطويل، لكنه قد يرفع التكاليف على المدى القصير نتيجة للتحولات الكبيرة في السلوك الاقتصادي.
كما أن تعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة من خلال الإنفاق الحكومي الإضافي والإعانات، قد يبدو أسهل على المدى القريب، ومع ذلك، فإنه سيجعل تحول الطاقة أكثر تكلفة بصورة عامة، لأنه لن يحقق الكفاءة الاقتصادية الناتجة عن تسعير الكربون.
ولهذه الأسباب، ينبغي لصنّاع السياسات الرامية لمواجهة تغير المناخ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى إيجاد مزيج من السياسات لتحقيق التوازن والمفاضلة الحكيمة بين هذه الإجراءات الاقتصادية.
3- تعزيز التمويل متعدد الأطراف
يقتضي اتخاذ المزيد من الإجراءات لمواجهة تغير المناخ في الشرق الأوسط وآسيا والوسطى الحصول على مزيد من الدعم متعدد الأطراف، وفق رؤية صندوق النقد.
ويمكن أن يساعد ذلك في تحفيز العمل المناخي، ونقل المعرفة الفنية القيّمة، وتبادل الخبرات في مجال السياسات، وتشجيع مصادر التمويل الأخرى.
وهذا من شأنه أن يُلبي الاحتياجات التمويلية الكبيرة في المنطقة بغرض التكيف وتخفيف آثار تغير المناخ، خاصة في البلدان منخفضة الدخل، والدول التي في الشريحة الأدنى من فئة الدخل المتوسط.
ودعا صندوق النقد الدولي إلى تشجيع المبادرات العالمية والإقليمية في قمة المناخ كوب 28 لتكون أداة فعالة في تعزيز التعاون عبر الحدود، وتشجيع تمويل القطاع الخاص للعمل المناخي.
ويُعدّ جذب المزيد من التمويل الخاص أمرًا بالغ الأهمية لسدّ فجوات الاستثمار، في ظل ارتفاع تكاليف الاقتراض وإمكانات الإنفاق الحكومية المحدودة.
اضف تعليق