من المؤكد أن تغير المناخ والضغوط السياسية والاقتصادية يؤثّران سلبيًا في الحياة اليومية للمزارعين وسبل عيشهم؛ فقد انتشرت تداعيات هذه الظاهرة في كل مكان حسبما تفيد التقارير الواردة عن درجات حرارة شديدة، أو الأمطار، أو الجفاف، وتقلّب الأسواق وارتفاع معدلات التضخم...
بقلم: نوار صبح
من المؤكد أن تغير المناخ والضغوط السياسية والاقتصادية يؤثّران سلبيًا في الحياة اليومية للمزارعين وسبل عيشهم؛ فقد انتشرت تداعيات هذه الظاهرة في كل مكان حسبما تفيد التقارير الواردة عن درجات حرارة شديدة، أو الأمطار، أو الجفاف، وتقلّب الأسواق وارتفاع معدلات التضخم.
جاء ذلك في استطلاع "صوت المزارعين"، الذي أجرته شركة باير الألمانية المعنية بصناعة الدواء والصناعات الكيميائية، ونشرته في 21 سبتمبر/أيلول الجاري.
وأبرزَ الاستطلاع التحديات التي تواجه المزارعين في جميع أنحاء العالم في أثناء محاولتهم التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف مع المستقبل، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
لإجراء استطلاع "صوت المزارعين"، كلّفت شركة باير الألمانية إحدى الوكالات بإجراء مقابلات مستقلة مع 800 مزارع على مستوى العالم، يمثلون المزارع الكبيرة والصغيرة من أستراليا والبرازيل والصين وألمانيا والهند وكينيا وأوكرانيا والولايات المتحدة بأعداد متساوية.
أبرز نتائج الاستطلاع
يقول 71% من المزارعين المستطلَعين إن تغير المناخ تسبب في ضرر كبير على مزارعهم، وأكثر من ذلك يشعرون بالقلق بشأن التأثير الذي سيحدثه ذلك في المستقبل. وتعرّض 73% منهم لضغوط متزايدة من الآفات والأمراض.
وفي المتوسط، يقدّر المزارعون أن دخلهم انخفض بنسبة 15.7% بسبب تغير المناخ في العامين الماضيين. ويحدد واحد من كل 6 مزارعين خسائر في الدخل تزيد على 25% خلال هذه الفترة، بحسب ما نشره موقع أغري بزنس غلوبال (agribusinessglobal).
ويتوقع المزارعون أن تستمر تداعيات التغير المناخي. ويشعر 3 أرباعهم على مستوى العالم (76%) بالقلق إزاء تأثير تغير المناخ على مزارعهم، وكان المزارعون في كينيا والهند الأكثر قلقًا، وقال عضو مجلس الإدارة رئيس قسم علوم المحاصيل لدى شركة باير الألمانية رودريغو سانتوس: "يعاني المزارعون، حاليًا، الآثار السلبية لتغير المناخ في حقولهم، وفي الوقت نفسه يؤدون دورًا رئيسا في معالجة هذا التحدي الكبير"، وأضاف: "لهذا السبب من المهم جدًا وضع صوتهم ضمن أهم الأولويات. إن الخسائر المعلنة في هذا الاستطلاع تجعل التهديد المباشر الذي يشكّله تغير المناخ على الأمن الغذائي العالمي واضحًا تمامًا. وفي مواجهة تزايد عدد سكان العالم، يجب أن تكون النتائج حافزًا للجهود المبذولة لجعل الزراعة متجددة".
التحديات الاقتصادية تفاقم الضغوط
بالنظر إلى أن تغير المناخ يُعَد الموضوع الرئيس المهيمن؛ فإن التحديات الاقتصادية هي الأولوية الكبرى على مدى السنوات الـ3 المقبلة، ووضع أكثر من نصف المزارعين المستطلَعين (55%) تكاليف الأسمدة ضمن التحديات الـ3 الأولى، تليها تكاليف الطاقة (47%)، وتقلّب الأسعار والدخل (37%)، وتكلفة حماية المحاصيل (36%). وتصبح أهمية تكاليف الأسمدة أكثر وضوحًا في كينيا والهند وأوكرانيا، وفي أوكرانيا، رأى 70% من المزارعين تكاليف الأسمدة أحد أكبر 3 تحديات؛ ما يدل على أن العواقب الملموسة للحرب تشكل ضغوطًا كبيرة على المزارعين في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، رأى 40% من المشاركين أن الاضطراب العام الناجم عن الحرب هو التحدي الأكبر. وبصرف النظر عن ذلك، يتشارك المزارعون الأوكرانيون في العديد من الخصائص نفسها التي يتمتع بها أقرانهم العالميون، على سبيل المثال، ذكر أكثر من 3 أرباعهم (77%) أن تغير المناخ قد أثر إلى حد كبير في مزرعتهم.
التخفيف من تداعيات تغير المناخ
يتخذ أكثر من 80% من المزارعين الذين شملهم الاستطلاع أو يخططون لاتخاذ خطوات لتطبيق التدابير التي تسهم في الحد من غازات الدفيئة، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتتمثل مجالات التركيز الرئيسة في استعمال محاصيل تغطية التربة (43% من المزارعين يفعلون ذلك حاليًا أو يعتزمون القيام بذلك)، واستعمال الطاقة المتجددة أو الوقود الحيوي (37%)، واستعمال البذور المبتكرة لتقليل استعمال الأسمدة أو حماية المحاصيل (33%).
في المقابل، يدّعي كل مزارع شمله الاستطلاع أنه يطبق أو يخطط لتطبيق تدابير لمساعدة التنوع البيولوجي. ويقول أكثر من النصف (54%) إنهم يطبقون تدابير لحماية الحشرات، مثل فنادق الحشرات، أو يخططون للقيام بذلك في السنوات الـ3 المقبلة.
واستعدادًا للمستقبل، يقدر المزارعون الابتكار. ويقول أكثر من النصف (53%) منهم إن الوصول إلى البذور والسمات المصممة للتعامل بشكل أفضل مع أحوال الطقس القاسية من شأنها أن تفيد مزارعهم، بحسب ما نشره موقع أغري بزنس غلوبال (agribusinessglobal).
ودعا عدد مماثل (50%) إلى تحسين تكنولوجيا حماية المحاصيل. وقال 42% إن تحسين الوصول إلى تكنولوجيا الري سيفيد مزرعتهم، وصنّف استطلاع "صوت المزارعين" ممارساتهم، وتحسين كفاءة استعمال الأراضي، وتنويع المحاصيل، وتحسين صحة التربة، على أنها أهم طرق النجاح.
أصحاب الأراضي الصغيرة
بالإضافة إلى الاستطلاع العالمي الذي تم فيه إجراء مقابلات مع المزارعين بشكل مستقل، أجرت شركة باير الألمانية مقابلات مع 2056 مزارعًا هنديًا من أصحاب الأراضي الصغيرة من قاعدة عملائها.
وتقدم المقابلات لمحة فريدة من نوعها عن وجهات نظر أصحاب الأراضي الصغيرة الذين يؤدون دورًا أساسيًا في تأمين الإمدادات الغذائية بالعالم.
في الوقت الحالي، تتمثل أكبر التحديات التي يواجهونها في ارتفاع تكاليف العمالة والأسمدة. ومع ذلك، فهم يتأثرون أيضًا بتغير المناخ، ويتوقع الكثير منهم انخفاض إنتاجية المحاصيل (42%) وزيادة ضغوط الآفات بسبب تغير الطقس (31%).
وخلافًا للمزارعين على نطاق واسع، يركز أصحاب الأراضي الصغيرة الذين تمت مقابلتهم في الهند على تخفيف المخاطر، مع إعطاء الأولوية للأمن المالي من خلال التأمين (26%) والبنية التحتية (21%).
وعندما سُئلوا عن المستقبل، قال 60% إنهم سيستفيدون أكثر من غيرهم من الوصول إلى التقنيات الرقمية وحماية المحاصيل الحديثة، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وعلى الرغم من كل التحديات؛ فما زال أصحاب الأراضي الصغيرة في الهند متفائلين: 8 من كل 10 مزارعين يشعرون بالإيجابية بشأن مستقبل الزراعة.
وتُعَد نتائج الاستطلاع مؤشرًا قيّمًا لأولويات واحتياجات أصحاب الحيازات الصغيرة في الهند، ما يُسهِم في إستراتيجية شركة باير الألمانية لزراعة أصحاب الأراضي الصغيرة بهدف دعم 100 مليون من أصحاب الأراضي الصغيرة بحلول عام 2030. وفي عام 2022، وصلت الشركة إلى 52 مليونًا بمنتجاتها وخدماتها.
إجماع المزارعين بشأن التحديات العالمية
يُظهر استطلاع "صوت المزارعين" أن المزارعين في جميع أنحاء العالم يُجمِعون بشكل كبير على وجهة نظر مشتركة بشأن التحديات الراهنة وآفاق المستقبل. ورغم وجود اختلافات طفيفة بين البلدان؛ فإن القضايا الشاملة المتعلقة بتغير المناخ والضغوط الاقتصادية تشكل مصدر قلق للجميع.
وقال عضو مجلس الإدارة رئيس قسم علوم المحاصيل لدى شركة باير الألمانية رودريغو سانتوس: "يواجه المزارعون تحديات متعددة ومترابطة. ولكن على الرغم من ذلك؛ فقد وجدنا أنهم متفائلون؛ حيث يقول ما يقرب من 3 أرباعهم إنهم متفائلون بشأن مستقبل الزراعة في بلادهم".
اضف تعليق