بينما ينخرط نشطاء البيئة في مكافحة تغير المناخ، يشتدّ عود التلوث الناجم عن عملية إعادة تدوير البلاستيك، ليشكّل خطرًا لا يقلّ عن ظواهر الفيضانات والأمطار وارتفاع درجات الحرارة وغيرها، بل قد يفوقها في بعض الأحيان، وتكمن معضلة هذه الكارثة في حجم السموم التي تنتج سواء عن استعمال البلاستيك للمرة الأولى...
بقلم: هبة مصطفى
بينما ينخرط نشطاء البيئة في مكافحة تغير المناخ، يشتدّ عود التلوث الناجم عن عملية إعادة تدوير البلاستيك، ليشكّل خطرًا لا يقلّ عن ظواهر الفيضانات والأمطار وارتفاع درجات الحرارة وغيرها، بل قد يفوقها في بعض الأحيان.
وتكمن معضلة هذه الكارثة في حجم السموم التي تنتج سواء عن استعمال البلاستيك للمرة الأولى، أو إعادة تدويره وإنتاج مواد مُركبة قاتلة، من بينها مثبطات اللهب والديوكسينات، وفق ما أوردته مسؤولة حملة البلاستيك لدى منظمة "غرينبيس" بأميركا "كيت ميلغيس" في مقابلة لها مع موقع أزو كلين تك (Azo Clean Tech).
وفي حين أقرّت ميلغيس بأن التوصل لمعاهدة العالمية للبلاستيك يعدّ الحلّ الأمثل لتجنّب تداعيات إعادة التدوير على الهواء وصحة الإنسان والحياة البيئية، تقف صناعة الوقود الأحفوري عائقًا أمام ذلك لاعتمادها المفرط على البلاستيك، بحسب ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
التلوث البلاستيكي
تتسبب إعادة تدوير البلاستيك في نشر التلوث والإضرار بالكوكب من أصعدة عدّة، فمن جهة تزداد المخاطر التي تتعرض لها صحة الإنسان والتنوع البيولوجي، ومن جهة أخرى تعزز أزمة المناخ، ولصناعة البلاستيك تأثير طويل الأمد في صحة الإنسان؛ إذ تأكّد علماء من انتشار جزيئاته في الهواء والطعام ودماء الإنسان وأعضاء جسده، طبقًا لتصريحات كيت ميلغيس خلال المقابلة.
وأوضحت ميلغيس أن غالبية البلاستيك الذي يُجمع بغرض إعادة التدوير لا يجري تدويره فعليًا، لكن الجزء الذي يخضع لهذه العملية يُنتج مواد تشكّل خليطًا من المواد الكيميائية السامّة غير المناسبة للاستعمالات الغذائية والاستهلاكية.
ولا تعدّ إعادة تدوير البلاستيك حلًا آمنًا وفاعلًا لإنهاء حالة التلوث التي يتسبب بها، ومما يزيد الأمر سوءًا أنه يتعين فهم القائمين على الصناعة استحالة تحوّلها إلى صناعة مستدامة، وكشفت المسؤولة عن الحملة لدى منظمة غرينبيس أن 9% فقط من البلاستيك المُنتَج عالميًا يخضع لإعادة التدوير، ويُنتظر أن ترتفع هذه النسبة مستقبلًا إلى 3 أضعاف المعدل الحالي.
خطورة إعادة التدوير
تكمن مخاطر إعادة تدوير البلاستيك في 3 نواحٍ تتباين فيما بينها حول مدى تأثير الملوثات، خاصةً أن ضررها يشمل المستهلكين والعاملين في الصناعة على حدّ سواء، وفق تقرير غرينبيس "فوريفر توكسيك".
1) خطورة التلوث المباشر في البلاستيك الخام:
قد يحتوي البلاستيك لدى تصنيعه للمرة الأولى على مواد سامة، ولدى إعادة تدويره تنتقل هذه السموم إلى الصور الجديدة للمواد البلاستيكية.
2) التعرض للتلوث خلال إعادة التدوير:
قد يتعرض البلاستيك للتلوث بالعناصر السامة خلال مساره من مصادر جمعه -سواء كانت مصادر منزلية أو صناعية أو من مكبّ نفايات وغيره- حتى يصل موقع إعادة تدويره، وفي هذه الحالة تضم عملية إعادة تدوير البلاستيك مواد كيميائية سامة اندمجت فيها.
وضربت كيت ميغليس مثالًا على ذلك بالعبوات البلاستيكية التي تحتوي على المبيدات الحشرية ومواد التنظيف وغيرها من الكيماويات السامة.
3) سُميّات ناتجة عن إعادة التدوير:
قد تكون المواد الخام لتصنيع البلاستيك لا تحتوي على مواد كيميائية سامة، وربما لا يتعرض البلاستيك إلى التلوث خلال رحلته حتى موقع إعادة التدوير، لكن المشكلة قد تنشأ في أعقاب إتمام عملية إعادة تدوير البلاستيك ذاتها.
ولتفسير ذلك، يتعين النظر إلى خطوات عملية إعادة التدوير، وما تطلبه من تعرّض البلاستيك للحرارة وتسخينه إلى قدر تتولد عنده كيماويات سامة تخترق صور البلاستيك الجديدة.
ويثير البلاستيك الذي يضم "مثبطات اللهب" المخاوف بصورة أكبر، إذ ينتج عنه مادة يُطلق عليها "الديوكسينات"، وهي مادة سامة للغاية تنتشر في البلاستيك المعاد تدويره، وتُصيبه بالتسمم.
علاقة صناعة النفط والغاز
تُعرف "مثبطات اللهب" بوصفها مواد كيميائية تُضاف إلى المواد خلال تصنيعها لمنع أو إرجاء اندلاع اللهب إذا ما تعرضت المادة للاحتراق، في حين تُصنّف الـ"ديوكسينات" بصفتها مواد كيميائية خطرة؛ نظرًا لقدرتها العالية على نشر السموم في المواد التي تختلط بها.
وتؤثّر الديوكسينات في أعضاء جسم الإنسان وأجهزته، إذ تستقر لمدد طويلة، ويمكن امتصاصها وتخزينها عبر الأنسجة الدهنية، كما يمتد تأثيرها في البيئة إلى حدّ تلويث السلاسل الغذائية، وعقب عملية إعادة تدوير البلاستيك، تنشر المواد الكيمائية سمومها في جسد الإنسان مُسبّبةً اختلالات في الغدد الصماء ومستويات الهرمونات، وتؤثّر في البيئة المحيطة أيضًا.
ومن زاوية غير بعيدة، يُنظر إلى صناعة النفط والغاز بعين الريبة، لوقوفها وراء استمرار صناعة إعادة تدوير البلاستيك وما ينتج عنها من أضرار صحية وبيئية، إذ يُصنع البلاستيك في صورته الأولية من النفط والغاز عبر ترشيح وعزل الهيدروكربونات واستخلاص مادة الـ"مونومرات" التي تدخل في صناعة البلاستيك والبوليمرات.
وفتحت العلاقة الوثيقة بين الصناعتين باب الجدل، إذ تتدخل أطراف ممثلة لصناعة الوقود الأحفوري في المشاورات العالمية للوصول إلى آلية تتجنّب أضرار البلاستيك، وتبدأ أضرار إعادة تدوير البلاستيك من المراحل الأولى لدورة حياته، بدءًا من استخراج النفط والغاز وإنتاج البلاستيك اعتمادًا على المواد الناجمة من عمليات التكرير والمعالجة، وانتهاءً بجمعه وإعادة تدويره.
ما الحل؟
تشنّ منظمة غرينبيس حربًا على إعادة تدوير البلاستيك وعلى الصناعة بأسرها، وقالت المسؤولة في المنظمة "كيت ميلغيس"، إنه لا بديل عن الاتفاق حول "معاهدة عالمية للبلاستيك" لمعالجة تداعياته على المناخ وجسم الإنسان والتنوع البيولوجي.
وأضافت أن الاتفاق -عبر المعاهدة الدولية- على خفض إنتاج واستهلاك البلاستيك بمعدل كبير لن يقلل تداعياته الكارثية الحالية على الصحة والمناخ وغيرهما، لكن قد يدفع نحو الحدّ من إنتاج البلاستيك واستعماله مستقبلًا.
وأشارت ميلغيس إلى مطالب رئيسة لمنظمة غرينبيس ينبغي أن تُدرج في المعاهدة العالمية، من بينها:
- خفض إنتاج البلاستيك بمعدل كبير وبصورة عاجلة، والتوصل إلى مسار يسمح بإنهاء إنتاج البلاستيك الخام.
- إتاحة انتقال عمّال سلسلة توريد البلاستيك بصورة عادلة، على أن يحلّ عمال جمع النفايات برأس أولوية الانتقال، إذ تتولى هذه الفئة جمع 60% من حجم المواد المستعملة عالميًا في إعادة تدوير البلاستيك.
- نشر تقنيات عدم حرق مخزونات البلاستيك، وتحميل الطرف المُسبِّب للتلوث المدفوعات الصحية والبيئية الناجمة عن الصناعة من مهدها حتى إعادة تدويرها.
- توفير سبل الحماية للعاملين في منشآت إعادة تدوير البلاستيك، وفرض إجراءات الرقابة والسلامة.
- الإفصاح عن المواد الكيميائية ضمن مكونات البلاستيك، ومراعاة التخلّي عن المواد السامة على مدار دورة حياة الصناعة.
اضف تعليق