العالم استفاد من استخدام البلاستيك، الذي أحدث طفرة في الحياة اليومية للناس إلا أنه لا يمكن التغاضي عن الآثار الإيكولوجية السلبية والأضرار الصحية الناجمة عن إساءة استخدام البلاستيك والإفراط في استعماله، حيث يظل موجوداً في البيئة لفترة طويلة إذ أنه لا يتحلل حيوياً، ولكن يتكسر إلى أجزاء أصغر وأدق...
يصادف الخامس من يونيو/حزيران اليوم العالمي للبيئة، وتحتفل الأمم المتحدة هذا العام بالدعوة إلى القضاء على التلوث البلاستيكي، في ظل إنتاج 400 مليون طن من المواد البلاستيكية كل عام، يُستخدم ثلثها مرة واحدة فقط.
وبالرغم من أن العالم قد استفاد استفادة قيمة من استخدام البلاستيك، الذي أحدث طفرة في الحياة اليومية للناس إلا أنه لا يمكن التغاضي عن الآثار الإيكولوجية السلبية والأضرار الصحية الناجمة عن إساءة استخدام البلاستيك والإفراط في استعماله، حيث يظل موجوداً في البيئة لفترة طويلة إذ أنه لا يتحلل حيوياً، ولكن يتكسر إلى أجزاء أصغر وأدق.
وعندما يتحلل البلاستيك، تنبعث منه مواد كيميائية خطيرة على الصحة، والبيئة والحياة البرية. ويؤدي حرق النفايات التي تحتوي على بلاستيك إلى انبعاث بعض المواد الكيميائية المسرطنة مثل الديوكسين - وهو الاسم الشائع لهذه المجموعة من المواد الكيميائية السامة. والديوكسين مادة سامة للبشر، حيث تتراكم في جسم الإنسان عند استنشاقها من خلال التعرض لأبخرتها، ويمكن أن تنتقل من الأم إلى الجنين عبر المَشيمة. كما تتساقط مادة الديوكسين في المجاري المائية وعلى المحاصيل عندما تلتصق بذرات الغبار.
ويدخل البلاستيك المشتق من النفط في تركيبة كل ما يحيط بنا كالأغلفة وألياف الملابس ومواد البناء والأدوات الطبية وغيرها. وازداد إنتاجه السنوي بأكثر من الضعف خلال عشرين عاما ليصل إلى 460 مليون طن، وقد يزداد ثلاثة أضعاف بحلول 2060 إذا لم يتخذ العالم تدابير حيال ذلك. ورصدت لدائن بلاستيكية دقيقة في الدم وفي حليب الأم وحتى في المشيمة.
وما يزيد الوضع خطورة أن ثلثي هذا الإنتاج يرمى في النفايات بعد استخدامه لمرة أو أكثر، وأن أقل من 10 % من المخلفات البلاستيكية تخضع لإعادة التدوير.
ويشكل البلاستيك 10% من إجمالي حجم النفايات التي ننتجها، الأمر الذي لا يعَد مستغرباً إذا أخذنا في الحسبان:
ويستخدم العالم 500 مليار كيس بلاستيك سنوياً؛ نحن نشتري مليون زجاجة بلاستيكية في كل دقيقة.
وينتهي المطاف بما لا يقل عن 8 ملايين طن من البلاستيك سنوياً في المحيطات، أي ما يوازي حمل شاحنة ممتلئة بالمخلفات في كل دقيقة؛
وفي العقد الماضي، أنتجنا بلاستيك أكثر مما أُنتج على مدار القرن الماضي بأكمله؛ 50% من البلاستيك الذي نستخدمه من النوع الذي يُستخدم لمرة واحدة أو غير القابل للاستعمال مرة أخرى؛
وفي عام 2015، بلغت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من البلاستيك 1.7 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون؛ بحلول عام 2050، من المتوقع أن تزيد إلى 6.5 غيغا طن تقريبا.
يمثل هذا الرقم نسبة 15 في المائة من إجمالي ميزانية الكربون العالمية - كمية غازات الاحتباس الحراري التي يمكن انبعاثها، مع الحفاظ على الاحترار ضمن أهداف اتـفاق باريس.
البلدان (المتقدمة) هي الأكثر استهلاكا (للبلاستيك) والأكثر تلويثا، وهي أيضا تلك التي تنتج في بلدان أخرى وترسل نفاياتها إلى بلدان أخرى.
خارطة طريق للحد من التلوث البلاستيكي
وفي رسالته بمناسبة اليوم العالمي أشار أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى أن ما يعادل حمولة 2000 شاحنة قمامة مملوءة بالمواد البلاسيتيكية تُلقى كل يوم في المحيطات والأنهار والبحيرات.
وحذر من العواقب الجسيمة للوضع الراهن، وقال: "الجسيمات البلاستيكية الدقيقة ينتهي بها الأمر في الطعام الذي نأكله، والماء الذي نشربه، والهواء الذي نستنشقه. ويُصنع البلاستيك من الوقود الأحفوري - فكلما ازداد إنتاجنا من البلاستيك كلما ازدادت كميات ما نحرقه من وقود أحفوري وما نتسبّب فيه من تفاقم لأزمة المناخ".
وأكد الأمين العام وجود حلول لذلك الوضع، وأشار إلى أن المجتمع الدولي بدأ – العام الماضي – عملية تفاوض على اتفاق ملزم قانونا لإنهاء التلوث البلاستيكي. وقال إنها خطوة أولى مبشرة، ولكنه دعا إلى اصطفاف الجميع خلف هذا المسعى.
وأشار غوتيريش إلى التقرير الصادر حديثا عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي يظهر إمكانية تقليل التلوث البلاستيكي بنسبة 80 في المائة بحلول عام 2040 - شريطة التحرك الآن في اتجاه إعادة استخدام البلاستيك وإعادة تدويره.
وأنهى الأمين العام رسالته بالقول: "يجب أن نقف جميعا صفا واحدا - الحكومات والشركات والمستهلكون على حد سواء - لكي نتخلص من إدماننا لاستخدام البلاستيك، وندفع بقوة في اتجاه تحقيق هدف النفايات الصفرية، ونبني اقتصادا دائريا بحق. يداً بيد، دعونا نشكل مستقبلا أنظف وأصح وأكثر استدامة للجميع".
ثلاثة تحولات مطلوبة
وحسبما أفاد تقرير جديد صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة فانه يمكن تقليل التلوث بالمواد البلاستيكية بنسبة 80 في المائة بحلول عام 2040 إذا أدخلت البلدان والشركات التجارية تحولات عميقة في السياسات والأسواق باستخدام التقنيات الحالية.
صدر التقرير قبل الجولة الثانية من المفاوضات التي ستُعقد في باريس آخر الشهر الحالي بشأن التوصل إلى اتفاق عالمي للحد من التلوث بالمواد البلاستيكية.
ويحدد التقرير أيضاً حجم وطبيعة التغييرات اللازمة لإنهاء التلوث بالمواد البلاستيكية وتحقيق عملية اقتصاد دائرية.
ويركز التقرير الذي حمل عنوان: "وقف مصادر التلوث: كيف يستطيع العالم إنهاء التلوث بالمواد البلاستيكية وتحقيق عملية اقتصاد دائرية"، على إيجاد حلول للتلوث بالمواد البلاستيكية، ويقدم ممارسات ملموسة ويوضح التحولات التي تحدث في الأسواق، والسياسات.
من أجل خفض التلوث بالمواد البلاستيكية بنسبة 80 في المائة على مستوى العالم بحلول عام 2040، يقترح التقرير أولاً القضاء على المواد البلاستيكية التي ينطوي استخدامها على مشاكل وغير الضرورية لتقليل حجم المشكلة. وبالتالي، يدعو التقرير إلى إحداث ثلاثة تحولات في السوق:
أولا، إعادة الاستخدام: إن تعزيز خيارات إعادة الاستخدام، بما في ذلك الزجاجات القابلة لإعادة التعبئة، والموزعات السائبة، وبرامج رد المبالغ المدفوعة نظير الودائع، وبرامج استرجاع العبوات، وما إلى ذلك، يمكن أن يقلل بنسبة 30 في المائة من التلوث بالمواد البلاستيكية بحلول عام 2040.
ثانيا، إعادة التدوير: يمكن الحد من التلوث بالمواد البلاستيكية بنسبة 20 في المائة إضافية بحلول عام 2040 إذا أصبحت عملية إعادة التدوير مشروعا أكثر استقراراً وربحاً.
ثالثا، إعادة التوجيه والتنويع: يمكن أن تؤدي الاستعاضة المتأنية للمنتجات مثل الأغلفة البلاستيكية والأكياس والمنتجات الجاهزة بمنتجات مصنوعة من مواد بديلة (مثل الورق أو المواد القابلة للتسميد) إلى انخفاض إضافي بنسبة 17 في المائة في التلوث بالمواد البلاستيكية.
وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة "إن الطريقة التي ننتج بها المواد البلاستيكية ونستخدمها ونتخلص منها تلوث النظم البيئية وتُسبب مخاطر على صحة الإنسان وتزعزع استقرار المناخ".
معاهدة دولية لمكافحة التلوث البلاستيكي
وسابقا على اليوم العالمي للبيئة افتُتحت جولة من جديدة من المفاوضات الحساسة في باريس في محاولة للتوصل إلى معاهدة تساهم في وضع حد لتلوث البلاستيكي.
واجتمع ممثلون لـ175 دولة ذات طموحات متباينة في مقر اليونسكو في الدورة الثانية للجنة التفاوض الدولية على مدى خمسة أيام في محاولة للتوصل إلى اتفاق تاريخي يغطي دورة الحياة البلاستيكية برمّتها.
وافتتح الجولة الجديدة من هذه المفاوضات رئيس اللجنة البيروفي غوستافو ميسا-كوادرا فيلاسكيش قائلا "أنظار العالم تتجه إلينا. التحدي هائل، جميعنا هنا ندرك ذلك، لكنه ليس منيعا".
كذلك، تحضر المناقشات المنظمات غير الحكومية، فضلا عن ممثلي شركات في قطاع البلاستيك، وهو أمر تأسف له ناشطون في الدفاع عن البيئة.
وقبل أكثر من عام بقليل، تم التوصل في نيروبي (كينيا) إلى اتفاق مبدئي لوضع حد للتلوث البلاستيكي في العالم، مع طموح بإبرام معاهدة ملزمة قانونا بحلول نهاية 2024 تحت رعاية الأمم المتحدة.
في هذا السياق، نظّمت فرنسا السبت اجتماعا مع وزراء وممثلي حوالى 60 بلدا في باريس من أجل إعطاء دفعة للمفاوضات.
ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقطع فيديو بث خلال الافتتاح الاثنين إلى "إنهاء نموذج معولم وغير قابل للاستمرار لإنتاج البلاستيك واستهلاكه"، محذرا من "قنبلة موقوتة".
وأضاف ماكرون "يجب أن يكون الهدف الأساسي خفض إنتاج مواد بلاستيكية جديدة وحظر المنتجات الأكثر تلويثا في أسرع وقت ممكن، مثل المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، والأكثر خطورة على الصحة".
وينتهي الأمر بكمية كبيرة من هذه المخلفات من كل الأحجام في قعر البحار أو في الكتل الجليدية وصولا إلى قمم الجبال وحتى في أحشاء الطيور.
وحذّر وزير التحول البيئي كريستوف بيشو من أنه "يجب أن نكون حريصين على ألا تحل مسألة إعادة التدوير مكان الجدل حول الحد من إنتاج البلاستيك".
وصرّحت المسؤولة في منظمة "سورفرايدر فاونديشن" غير الحكومية ديان بوميناي-جوانيه لوكالة فرانس برس "هناك إجماع حول التحديات ورغبة في التحرك".
وأضافت أنها "متفائلة بشأن حقيقة أننا نمضي قدما باتجاه مسودة معاهدة" لكنها اعتبرت أن "المحتوى المحدّد للالتزامات سيكون معقدا، خصوصا في ما يتعلّق بخفض الإنتاج".
والهدف من خفض الإنتاج، وهو مطلب مدعوم من "ائتلاف الطموح الكبير" بقيادة رواندا والنروج والذي يشمل حوالى 50 بلدا، بما فيها الاتحاد الأوروبي وكندا وتشيلي واليابان، "إنهاء التلوث البلاستيكي بحلول العام 2040".
لكن هناك دول أخرى أكثر ترددا، وتصر على إعادة التدوير وإدارة النفايات بشكل أفضل، ومن بينها الصين والولايات المتحدة والسعودية ودول تحالف أوبك عموما التي تريد حماية صناعة البتروكيميائيات.
وستتطرّق المناقشات أيضا إلى العلاقات بين الشمال والجنوب، مع تحديات مثل "مساعدات التنمية وتشارك التكنولوجيا والتمويل" على ما أكدت ديان بوميناي-جوانيه.
وأوضحت "البلدان (المتقدمة) هي الأكثر استهلاكا (للبلاستيك) والأكثر تلويثا، وهي أيضا تلك التي تنتج في بلدان أخرى وترسل نفاياتها إلى بلدان أخرى".
ويطرح البلاستيك أيضا مشكلة لدوره في ظاهرة احترار المناخ، فقد مثّل 1,8 مليار طن من غازات الدفيئة في العام 2019، أي 3,3 % من الانبعاثات العالمية، وهو رقم يمكن أن يزيد عن الضعف بحلول العام 2060 وفقا لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
هل تكون إعادة التدوير هي الحل؟
غالبا ما تم الترويج لمفهوم إعادة التدوير كحل للتعامل مع النفايات البلاستيكية، لكن الدراسات الحديثة أظهرت أن هذه العملية تنطوي على مخاطر جمة، من ضمنها رفع مستويات التلوث، كما أنها لا تتناسب مع مستويات ارتفاع إنتاج تلك المادة.
وقد وردت في تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أرقام مخيفة حول إنتاج واستهلاك مادة البلاستيك حول العالم. إنتاج هذه المادة المشتقة من النفط تزايد بشكل مهول خلال العقدين الماضيين، وأدى إلى ارتفاع كبير بنسب التلوث العالمية لتصل إلى 353 مليون طن خلال عام 2019 وحده.
بالإجمال، هناك محاولات للتعامل مع النفايات البلاستيكية حول العالم، لكنها حتى الآن غير كافية، إذ وفق التقديرات العلمية تتم إعادة تدوير 9% فقط من النفايات البلاستيكية، في حين تقبع الكميات الأكبر في مكبات النفايات أو يتم حرقها (ما يؤدي إلى تضاعف نسب التلوث).
قد تبدو عملية إعادة تدوير البلاستيك الحل المنطقي للتعامل مع هذه الأزمة، فهي تحول النفايات إلى موارد. لكن عددا من الدراسات الحديثة أشارت إلى أن تلك العملية تنطوي على مخاطر بيئية وصحية جمة، فإعادة التدوير تنتج مستويات عالية من الحبيبات البلاستيكية الدقيقة والغازات السامة، التي بدورها تعود لتختلط بالبيئة المحيطة لتشكل خطرا على صحة الإنسان والحيوانات والنبتات.
اللدائن الدقيقة
في ورقة بحثية حول الانبعاثات الميكرو-بلاستيكية الناتجة عن عمليات إعادة التدوير نشرتها في أيار/مايو الماضي، أعلنت إيرينا براون العالمة المتخصصة بالبلاستيك "لقد وجدنا كميات مخيفة جدا".
واستندت براون في دراستها على مركز لإعادة تدوير البلاستيك في المملكة المتحدة، يستخدم كميات كبيرة من المياه لفرز المواد البلاستيكية وفصلها قبل أن تتم عملية إعادة تصنيعها من جديد.
الدراسة ركزت على معدلات اللدائن الدقيقة، أي جزيئيات البلاستيك التي لا يتخطى حجمها 5ملم، الموجودة في المياه، حيث سعت براون لتحديد نسبة تركزها في مياه المركز.
وفقا لما قالته "وجدنا 75 مليار جسيم في المتر المكعب الواحد من الماء المستخدم لغسل البلاستيك. حوالي 6% من المواد البلاستيكية التي كانت تدخل المنشأة يتم إطلاقها بعد ذلك في الماء على شكل جزيئات بلاستيكية دقيقة، حتى مع [نظام] التصفية".
ولاتزال الأبحاث العلمية تختبر المخاطر المحتملة للجسيمات البلاستيكية الدقيقة على صحة الإنسان، حيث يعتقد أنها قد تشكل أجساما حاملة للأمراض أو قد تتسبب هي بحد ذاتها بالأمراض، في البيئة التي يتم إعادة إطلاقها فيها بعد عملية إعادة التدوير.
وتضيف براون: "غالبا ما تمر المياه المستخدمة في مراكز إعادة التدوير (البلاستيك) حول العالم عبر مرافق معالجة مياه الصرف الصحي، وهي ليست مصممة لتصفية مواد بحجم الجسيمات البلاستيكية الدقيقة".
نتيجة لذلك، تجد تلك الجسيمات السامة طريقها إلى عدد من البيئات المحيطة بالبشركالحقول الزراعية، وحتى أبعد من ذلك. وكانت دراسة علمية نشرت في آذار/مارس الماضي قد أظهرت تواجد جزيئات بلاستيكية دقيقة في بحار القطب الشمالي، مصدرها الأنهار الأوروبية.
بعض المجموعات البيئية شككت بما سبق، معتبرة أن مجالات العمل الثلاثة المحددة، أي إعادة الاستخدام وإعادة التدوير وإعادة التوجيه نحو المواد البديلة، تعتبر مجالات امتياز لصناعة البلاستيك والبتروكيماويات العالمية، بحيث أنها تقلل من أهمية الحاجة إلى الحد من استخدام البلاستيك.
مخاطر المواد البلاستيكية المعاد تدويرها
إعادة تدوير البلاستيك تستوجب استخدام مواد كيميائية سامة، ما يوضح أن إطلاق الجسيمات البلاستيكية في المياه ليس العيب الوحيد في هذا النظام.
وتدخل نحو 13 ألف مادة كيميائية في صناعة البلاستيك، 3,200 منها "ذات خصائص خطيرة" تؤثر على صحة الإنسان والبيئة، دون إغفال أن هناك مواد أخرى لم يتم تقييمها بعد. هذا وفقا لتقرير صادر عن منظمة "غرين بيس" غير الحكومية الأسبوع الماضي.
تيريز كارلسون، المستشارة العلمية والتقنية في الشبكة الدولية للقضاء على الملوثات (IPEN)، أوردت أنه "يتم تنظيم جزء صغير جدا جدا من هذه المواد الكيميائية على مستوى العالم. ونظرا لانعدام الشفافية [في السوق]، لا توجد طريقة لمعرفة أي من المواد البلاستيكية تحتوي على مواد كيميائية سامة وأيها لا".
يذكر أن مخاطر تلك المواد الكيميائية تتضاعف أثناء عملية إعادة التدوير، نتيجة تسخين البلاستيك وبالتالي ما يحتويه من مركبات كيميائية، وإعادة خلط المكونات من جديد. وفقا لكارلسون "النتيجة النهائية هي منتج غير معروف تماما أعيد طرحه في السوق".
تقرير "غرين بيس" قدم تفصيل دقيقة حول المخاطر المتزايدة على صحة عمال مراكز إعادة تدوير البلاستيك المعرضين لتلك المواد الكيميائية، وارتفاع نسب إصابتهم بأمراض السرطان والجهاز التنفسي وصحتهم الإنجابية.
كما وجدت المنظمة مستويات أعلى من تلك المواد السامة في البلاستيك المعاد تدويره، والذي يصل في النهاية إلى منازلنا كألعاب للأطفال وأوان مطبخية وأغشية تغليف.
تتفق كارلسون مع هذه الاستنتاجات وتضيف: "أجرينا دراسات على البيض القريب من الأماكن التي تعيد تدوير البلاستيك ووجدنا أن هذه المواد الكيميائية تشق طريقها إلى السلسلة الغذائية. يمكن للبلاستيك أن يعمل كناقل لهذه المواد الكيميائية حتى في الأماكن النائية".
من المتوقع أن ترتفع نسبة النفايات البلاستيكية التي يتم إعادة تدويرها على مستوى العالم إلى 17% بحلول عام 2060، وفقا لأرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
يذكر أن إعادة التدوير لن تعالج المشكلة الأكبر، فبعد خضوع البلاستيك لتلك العملية مرة أو مرتين، ستصل في النهاية إلى طريق مسدود. هذا ما تحاول ناتالي في، من مؤسسة "City to Sea" الخيرية البيئية في بريطانيا. "هناك خرافة فيما يتعلق بإعادة تدوير البلاستيك، إذا كانت جودة المواد جيدة بما يكفي، فيمكن إعادة تدويرها مرة أخرى في زجاجات بلاستيكية. ولكن مع مرورها عبر النظام، تفقد تلك المواد من جودتها. قد يعاد تدويرها في منتجات مثل أنابيب الصرف أو الملابس الصوفية، لكن هذه المنتجات لا يمكن إعادة تدويرها بعد ذلك".
غراهام فوربس، قائد الحملة العالمية للبلاستيك في منظمة "غرين بيس" بالولايات المتحدة الأمريكية، قال في بيان هذا الأسبوع إنه من الصعب إثبات أن البلاستيك المعاد تدويره مادة مستدامة، "لا مكان للبلاستيك في الاقتصاد الدائري. من الواضح أن الحل الحقيقي الوحيد لإنهاء التلوث البلاستيكي هو تقليل إنتاجه بشكل كبير".
قد يقول البعض إن الحل يكمن في زيادة عدد منشآت إعادة التدوير، ولكن هذا ليس حلا خاصة وأنه من المتوقع أن يتضاعف حجم النفايات البلاستيكية ثلاث مرات تقريبا بحلول عام 2060.
قبيل دخولهم إلى قاعة المحادثات في باريس، دعا تحالف من 55 دولة إلى فرض قيود على بعض المواد الكيميائية الخطرة وحظر المنتجات البلاستيكية التي يصعب إعادة تدويرها والتي غالبا ما ينتهي بها الأمر في الطبيعة.
تحضر كارلسون المحادثات وتجد أسبابا للتفاؤل، "تعد معاهدة البلاستيك فرصة رائعة لحماية صحة الإنسان والبيئة من التلوث البلاستيكي. القيام بذلك يعني التخلص التدريجي من المواد الكيميائية السامة من البلاستيك، وضمان الشفافية عبر دورة حياة البلاستيك وتقليل إنتاجه".
القمامة البحرية
يمثل البلاستيك، حاليا، 85 في المائة من جميع القمامة البحرية.
وبحلول عام 2040، سيتضاعف ثلاث مرات تقريبا، مضيفا 23-37 مليون طن متري من النفايات في المحيط سنويا. وهذا يعني حوالي 50 كيلوغراما من البلاستيك لكل متر من الخط الساحلي.
ويعني ذلك أن كل الحياة البحرية- من العوالق والمحار، للطيور والسلاحف والثدييات- ستواجه خطر التسمم والاضطراب السلوكي والمجاعة والاختناق.
جسم الإنسان عرضة لهذا الخطر أيضا، إذ يتم تناول مخلفات البلاستيك من خلال المأكولات البحرية والمشروبات وحتى الملح الشائع. كما أن هذه المخلفات تخترق الجلد ويتم استنشاقها عندما تكون عالقة في الهواء.
في مصادر المياه، يمكن أن يتسبب هذا النوع من التلوث في حدوث تغيرات هرمونية واضطرابات في النمو وتشوهات في الإنجاب وحتى السرطان.
هناك أيضا عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.
على الصعيد العالمي، عند حساب التأثيرات على السياحة ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، جنبا إلى جنب مع أسعار المشاريع مثل عمليات التنظيف، قدرت التكاليف بما يتراوح بين ستة إلى 19 مليار دولار سنويا، خلال عام 2018.
بحلول عام 2040، قد تعاني الشركات من مخاطر مالية سنوية تقدر بنحو 100 مليار دولار، إذا طلبت منها الحكومات تغطية تكاليف إدارة النفايات. كما يمكن أن يؤدي إلى زيادة في التخلص غير القانوني من النفايات المحلية والدولية.
سيوفر التقرير معلومات للمناقشات في جمعية الأمم المتحدة للبيئة في عام 2022، حيث ستجتمع البلدان لتحديد سبيل للمضي قدما بشأن المزيد من التعاون العالمي.
البلاستيك في التربة
أفاد تقرير جديد صدر يوم الثلاثاء عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة بأن التلوث البلاستيكي أصبح منتشرا بصورة واسعة في التربة الزراعية، مما يشكل تهديدا للأمن الغذائي وصحة الناس والبيئة.
تجذب قضية النفايات البلاستيكية المتناثرة على الشواطئ والمحيطات الانتباه بشكل كبير، إلا أن دعوة العمل التي أصدرتها منظمة الفاو بشأن البلاستيك في الأراضي الزراعية تشير إلى أن الأرض التي نستخدمها لزراعة طعامنا ملوثة بكميات أكبر من ملوثات بلاستيكية.
وقالت ماريا هيلينا سيميدو، نائبة المدير العام لمنظمة الفاو، في مقدمة التقرير:
"التربة هي أحد المستقبلات الرئيسية للبلاستيك الناجم عن المعاملات الزراعية ومن المعروف أنها (التربة) تحتوي على كميات أكبر من المواد البلاستيكية الدقيقة مقارنة بالمحيطات".
وفقا للبيانات التي جمعها خبراء منظمة الفاو، تستخدم سلاسل القيمة الزراعية كل عام 12.5 مليون طن من المنتجات البلاستيكية بينما تستخدم 37.3 مليون طن أخرى في تغليف المواد الغذائية.
يساهم قطاعي إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية في 10.2 مليون طن من البلاستيك سنويا، تليها مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية بـ 2.1 مليون، والغابات بـ 0.2 مليون طن من البلاستيك.
تشير التقديرات إلى أن آسيا هي أكبر مستخدم للبلاستيك في الإنتاج الزراعي، حيث تشكل ما يقرب من نصف الاستخدام العالمي. علاوة على ذلك، بدون بدائل قابلة للتطبيق، من المتوقع أن يزداد الطلب على البلاستيك في الزراعة.
مع استمرار الطلب على البلاستيك للاستخدام الزراعي، شددت السيدة سيميدو على الحاجة إلى مراقبة الكميات التي "تتسرب إلى البيئة من الزراعة" بشكل أفضل.
أصبحت المواد البلاستيكية، منذ طرحها على نطاق واسع في الخمسينيات من القرن الماضي، موجودة في كل مكان.
في الزراعة، تساعد المنتجات البلاستيكية بشكل كبير في الإنتاجية، مثل تغطية التربة لتقليل الأعشاب الضارة؛ واستخدامها كشباك لحماية وتعزيز نمو النباتات وإطالة مواسم الزراعة وزيادة الغلة؛ وحماية الأشجار والشتلات من الحيوانات والمساعدة في توفير مناخ محلي يعزز النمو.
ولكن مع ذلك، فمن بين 6.3 مليار طن من البلاستيك تم إنتاجها قبل عام 2015، لم يتم التخلص من 80 في المائة من تلك تقريبا بشكل صحيح.
في حين أن تأثيرات المواد البلاستيكية الكبيرة على عالم الحيوانات البحرية قد تم توثيقها جيدا، إلا أن التأثيرات الناجمة أثناء تحللها قد تؤثر على النظم البيئية بأكملها.
وقد تم العثور على مواد بلاستيكية دقيقة - أقل من 5 مم - في براز الإنسان والمشيمة، وكذلك تم نقلها إلى الأجنة عن طريق الأمهات الحوامل.
في حين أن معظم الأبحاث العلمية حول التلوث البلاستيكي موجهة إلى النظم البيئية المائية، يقول خبراء منظمة الأغذية والزراعة إن التربة الزراعية يعتقد أنها تتلقى كميات أكبر بكثير من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة.
ودعت الوكالة الأممية إلى الحاجة إلى مزيد من التحقيق في هذا المجال، نظرا لأن 93 في المائة من الأنشطة الزراعية العالمية تحدث على الأرض.
وقالت ماريا هيلينا سيميدو، نائبة المدير العام لمنظمة الفاو: "هذا التقرير بمثابة دعوة صاخبة لاتخاذ إجراءات منسقة وحاسمة لتسهيل ممارسات الإدارة الجيدة والحد من الاستخدام الكارثي للمواد البلاستيكية عبر القطاعات الزراعية".
اضف تعليق