محمد حامد زمان
بوسطن - تعد اليمن وجنوب السودان عالمان منفصلان من نواح كثيرة. لكن على الرغم من الاختلافات الشاسعة في التاريخ والتقاليد والثقافة، يتقاسم كلا البلدان سمة مؤلمة واحدة: يرزأ شعبهما الآن تحت وطأة اثنين من أكثر الأزمات تدميرا التي خلقها الإنسان: الصراع العنيف وتغير المناخ.
عانى جنوب السودان من الصراع لما يقرب من عقد من الزمان. وفي السنوات الخمس الأخيرة فقط، قُتل عشرات الآلاف، وشُرّد ما يقرب من ربع السكان، ولم يكن لدى الكثيرين خيارا سوى الفرار إلى كينيا أو أوغندا أو السودان المجاورة.
لقد ظهرت اليمن كواجهة رئيسية في الكفاح المستمر من أجل التأثير الإقليمي بين السعودية التي لها علاقات مع الحكومة اليمنية وإيران التي تدعم جماعة الحوثيين المتمردة. وفي السنوات الأخيرة، قامت المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص بتنفيذ غارات جوية مدمرة أدت إلى مقتل عدد لا يحصى من المدنيين وحولت البنية الأساسية في اليمن - بما في ذلك الطرق والمدارس والمستشفيات والمجمعات السكنية والأسواق - إلى أنقاض، مما أدى إلى عدم وصول سكان البلاد إلى الخدمات الضرورية. ومع تسرب المياه ومرافق الصرف الصحي، تواجه البلاد الآن أسوأ تفشي للكوليرا في التاريخ الحديث.
وتتفاقم آثار النزاعات العنيفة بسبب تغير المناخ. ويصنف مؤشر الضعف في تغير المناخ هذا العام جنوب السودان بين البلدان الخمسة الأكثر ضعفا في العالم، مع توقع أن تكون الزيادة في درجات الحرارة أكبر بنحو مرتين ونصف من المتوسط العالمي. وسيؤدي ذلك إلى دمار بلد يائس بالفعل، حيث تعتمد سبل معيشة 95 في المائة من السكان على الخدمات المتصلة بالمناخ، من الزراعة إلى تربية الحيوانات وصيد الأسماك.
تُعد اليمن من أوضح الأمثلة على النتائج الملموسة لتغير المناخ. وفقا للبنك الدولي، ازداد عامل الري في اليمن منذ عام 1970 بنسبة 15٪، حيث انخفضت الزراعة المعتمدة على الأمطار بنسبة 30٪ تقريبا. كما تواجه البلاد أمطارا غزيرة وفيضانات مميتة من جهة - في عام 2008، أدت الفيضانات في جنوب شرق اليمن إلى خسائر تعادل 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي - وموجات جفاف مدمرة من جهة أخرى.
وقد أصبح المجتمع الصحي العالمي يدرك الآن بصورة متزايدة مدى تفاقم الآثار التقليدية للحرب - مثل الإصابات والصدمات النفسية والتشريد - جراء آثار تغير المناخ التي تقوض التغذية والتنمية. فعلى سبيل المثال، يمكن للصراع، كما هو الحال في اليمن، أن يؤدي إلى تلوث موارد المياه التي تُستنفد بالفعل بسبب تغير المناخ.
وبالمثل، فإن سوء التغذية، المتمثل في فقدان المحاصيل وسبل العيش جراء تغير المناخ، يقوض قدرة الناس على التعافي من الإصابات التي تكبدتها الصراعات العنيفة أو تحمل تحديات الهجرة - وهي حالة تفاقمت بسبب تدمير الهياكل الأساسية للرعاية الصحية. والقائمة طويلة.
هذه ليست مجرد صدفة. في الواقع، الباحثين قلقون الآن حيال تعزيز الصراع وتغير المناخ بعضهما البعض، مع الخسائر الاقتصادية والزراعية، فضلا عن النقص في المياه، مما يؤدي إلى نشوب نزاعات من شأنها أن تقوض الصحة وسبل العيش في المستقبل. وفي مثل هذه البيئة، قد يؤدي تفشي مرض قديم (مثل الكوليرا) أو مرض جديد إلى أوبئة إقليمية وعالمية جديدة.
وتزداد الحالة تعقيدا من خلال الحسابات السياسية، بما في ذلك الاعتبارات الجيوستراتيجية، مثل تلك التي تدعم تصرفات المملكة العربية السعودية في اليمن، ورفض الأدلة العلمية من أجل إرضاء الهيئات، كما هو الحال في الولايات المتحدة. والواقع أن انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اتفاق باريس بشأن المناخ من شأنه أن يضعف القدرة الجماعية العالمية على الاستجابة لتغير المناخ. إن التخفيضات في تمويل المساعدات من أجل صحة المرأة - وهي سياسة أخرى لإدارة ترامب - لن تساعد في حل الأمور.
والواقع أن مواجهة التحديات المرتبطة بالصراع وتغير المناخ تتطلب حلولا شاملة. وبطبيعة الحال، تلعب البلدان المؤثرة - بما في ذلك الصين وفرنسا وألمانيا - دورا كبيرا في سد الفجوة التي خلفها تراجع إدارة ترامب عن القيادة العالمية. ولكن يجب على المجتمعات العلمية والصحية العامة أيضا النهوض وإعادة النظر في كيفية مواجهة الأمراض ومعالجة النقص في المياه في البيئات التي تعاني من الصراع.
لقد رأينا ما يحدث بالفعل في غياب الحلول على مستوى النظم. ويجب أخذ تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا في عام 2014 بعين الاعتبار: على الرغم من وجود برامج دعم وبنية تحتية واسعة تركز على مواجهة الملاريا، لم تكن البلدان مستعدة للتعامل مع تحد صحي جديد. وعندما ظهر فيروس إيبولا، انهار النظام ببساطة - مع عواقب إنسانية واقتصادية هائلة.
ولهذا السبب، يجب على المجتمعات العلمية والصحية العامة العمل بشكل عاجل لتعميق فهمها للتحديات المتكاملة للصراع وتغير المناخ، وإيجاد الثغرات في المعرفة وسدها. وتكمن الخطوة الأولى في تقييم واضح للوضع الراهن، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد إلى إجراء فحص واقعي قاس متعلق بمرونة وفعالية الحلول القائمة.
لقد آن الأوان لمعرفة سرعة انتشار التهديد المشترك للصراع وتغير المناخ، وأن التصدي له يتطلب أدوات وحلول جديدة متعددة التخصصات قائمة على الأدلة. نستطيع جماعة السيطرة على آثار العلاقة بين النزاعات المناخية والحد منها وربما عكسها. لكن علينا أن نعمل بجد.
اضف تعليق