تستعد تقنيات الطاقة النووية المتقدمة لتأدية دور حاسم في التحول العالمي نحو الاستدامة والحياد الكربوني، إذ تقدم حلولًا واعدة لبعض المخاوف المتعلقة بالسلامة والتكلفة والنفايات، وستعمل هذه التقنيات، إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة، مثل الشمس والرياح؛ لمواجهة ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء وتكثيف الحاجة الملحة إلى مكافحة تغير المناخ...

تستعد تقنيات الطاقة النووية المتقدمة لتأدية دور حاسم في التحول العالمي نحو الاستدامة والحياد الكربوني، إذ تقدم حلولًا واعدة لبعض المخاوف المتعلقة بالسلامة والتكلفة والنفايات، وستعمل هذه التقنيات، إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة، مثل الشمس والرياح؛ لمواجهة ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء وتكثيف الحاجة الملحة إلى مكافحة تغير المناخ.

وبحسب تقرير حديث -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- تتسم تقنيات الطاقة النووية المتقدمة بالتنوع، وتقود المفاعلات المعيارية الصغيرة المسيرة، إلى جانب الاندماج النووي، وإدارة النفايات التي عاقت تاريخيًا اعتماد الطاقة النووية على نطاق أوسع.

إلا أن الانتقال إلى هذه التقنيات المتقدمة يتطلّب جهدًا متضافرًا من صناع السياسات وأصحاب المصلحة في الصناعة والجماهير لبناء الثقة وخلق أطر تنظيمية داعمة.

أهمية تقنيات الطاقة النووية المتقدمة

تكتسب الطاقة النووية زخمًا مع تزايد إدراك الدول والصناعات أن مصادر الطاقة المتجددة وحدها غير كافية لتلبية ارتفاع الطلب على الكهرباء.

ورغم أنها مسؤولة عن توليد 10% من الكهرباء على مستوى العالم، وتنتج كهرباء خالية من الكربون تتجاوز الرياح والطاقة الشمسية مجتمعين، فإنه ما تزال ثمة مخاوف إزاء السلامة والتكلفة وإدارة النفايات المشعة.

وكشف تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أن تقنيات الطاقة النووية المتقدمة تقدم حلولًا لهذه المخاوف.

وأوضح أنه رغم الآمال المنصبة على الاندماج النووي، فإنه ما يزال في مراحله المبكرة؛ لذا ينصب الاهتمام بالمفاعلات النووية المعيارية الصغيرة، وسط تقدمها نحو بلوغ مرحلة التطبيق التجاري.

كما أن ارتفاع الطلب على الكهرباء النظيفة، مدفوعًا بالتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الأخرى، يزيد من الاهتمام بالطاقة النووية.

الاندماج النووي

استحوذ الاندماج النووي على اهتمام كبير بسبب إمكاناته الهائلة بصفته مصدرًا للطاقة النظيفة وغير المحدودة، وبمحاكاة التفاعلات داخل الشمس لإنتاج الطاقة، يُبشّر الاندماج النووي بإنتاج كميات لا تنضب من الكهرباء دون انبعاثات كربونية أو نفايات مشعة، بحسب ما ذكرته الجمعية النووية العالمية.

وعلى عكس الانشطار النووي، تنطوي عملية الاندماج على الدمج بين الذرات الخفيفة، مثل الهيدروجين، لتكوين ذرات أثقل، مثل الهيليوم، ما يؤدي إلى إنتاج كميات هائلة من الطاقة.

إلا أن العقبة الرئيسة تكمن في تجاوز الطاقة المنتجة نظيرتها المستهلكة في أثناء عملية الاندماج، إذ تشير وزارة الطاقة الأميركية إلى أن الحفاظ على تفاعلات الاندماج مهمة صعبة، لأنها تتطلب حرارة وضغطًا شديدين لدمج الذرات؛ لذا تركز جهود الأبحاث الحالية على خلق الظروف التي تسمح بحدوث تفاعلات الاندماج بكفاءة واستدامة.

ورغم أن عملية الاندماج النووي ما تزال في مرحلة التجربة، ويقدّر العديد من الخبراء أن الجدوى التجارية قد تكون على بعد عقدين أو 3 عقود، فإن بعض الشركات الناشئة تستهدف تطوير المحطات وتشغيلها بحلول العقد المقبل، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

الجدير بالذكر أن التطورات التي يشهدها مجال الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد العلماء في نمذجة الأنظمة المعقدة وتحليلها وتعزيز وتيرة التقدم في أبحاث الاندماج.

المفاعلات المعيارية الصغيرة

تمثّل المفاعلات المعيارية الصغيرة واحدة من أهم تقنيات الطاقة النووية المتقدمة، فهي حلٌّ قابل للتطبيق وأكثر جدوى مقارنة بالاندماج النووي.

ويعتقد العديد من الخبراء والمستثمرين أن هذه المفاعلات قد تكون جاهزة للعمل بحلول عام 2030.

وتسلط الوكالة الدولية للطاقة الذرية الضوء على وجود أكثر من 80 تصميمًا للمفاعلات المعيارية الصغيرة قيد التطوير -حاليًا- في جميع أنحاء العالم، وتستهدف تطبيقات مختلفة، مثل توليد الكهرباء والتدفئة وتحلية المياه.

وإحدى السمات البارزة للمفاعلات المعيارية الصغيرة هي الاعتماد على تقنيات البناء المعيارية، والتي تسمح ببنائها في وحدات أصغر وعلى نحو أسرع، مما يقلّل من الوقت والتكلفة.

بالإضافة إلى ذلك، تتمتع المفاعلات المعيارية الصغيرة بمزايا السلامة والحد من مشكلة النفايات، فضلًا عن قدرتها على إزالة الكربون من الصناعات الثقيلة من خلال تطويرها بالقرب من مصادر الطلب، لا سيما في المناطق النائية التي تفتقر إلى البنية التحتية للشبكة.

إدارة النفايات النووية

اكتسبت إدارة النفايات النووية أهمية بالغة مع استمرار العالم في استكشاف تقنيات الطاقة النووية المتقدمة، وسلّط التقرير الضوء على أن الوقود النووي يتمتع بكفاءة عالية، وينتج كميات محدودة نسبيًا من النفايات، فالنفايات الناتجة عن مفاعل نووي يوفر كهرباء تكفي شخصًا وحدًا لمدة عام بحجم قالب طوب تقريبًا، ومن بين هذه النفايات، لا يُصنف سوى جزء صغير -قرابة 5 غرامات، أي ما يعادل وزن ورقة- على أنه نفايات عالية الإشعاع.

وعلى الرغم من ذلك، تثير هذه النفايات مخاوف كبيرة بسبب الوقت الطويل الذي تستغرقه للتحلل، الذي يمتد غالبًا إلى آلاف السنين، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وتدفع هذه التحديات الشركات الناشئة والباحثين إلى إيجاد حلول مبتكرة وتقنيات متقدمة للحد من حجم النفايات النووية وسُميتها، ما يجعل إدارتها وتخزينها آمنَين.

ومن اللافت للنظر أن بعض الشركات الناشئة وجدت أساليب يمكنها تسريع عملية تحلل النفايات النووية، وتقليص الوقت من نصف مليون عام إلى أقل من 500 عام.

تعزيز انتقال الطاقة

يمكن أن يُسهم تطوير تقنيات الطاقة النووية المتقدمة في تعزيز التحول العالمي للطاقة النظيفة؛ فمع الحاجة الملحة إلى تطوير مصادر مستدامة، يسارع المستثمرون لضخ الأموال في هذه التقنيات، ويساعد ذلك في تسريع البحث والتطوير.

لكن طرح تقنيات الطاقة النووية المتقدمة في السوق يتطلّب سياسات ولوائح جديدة وكسب ثقة المستهلكين من خلال الحد من المخاوف المتعلقة بالتكلفة والسلامة والنفايات.

ولتسهيل هذا التحول، يتعاون المنتدى الاقتصادي العالمي مع مختلف الأطراف المعنية في قطاع الطاقة النووية، ومن المقرر إصدار إطار عمل لتسريع نشر التقنيات النووية المتقدمة، وسيكون بمثابة أداة تنسيق للقادة لمواءمة إستراتيجيتهم وإجراءاتهم عبر 9 مجالات رئيسة.

كما يدعم المنتدى تبني نهج شامل يضم تقنيات الطاقة النووية المتقدمة، إلى جانب حلول الطاقة الأخرى، مثل الهيدروجين وإزالة الكربون والوقود النظيف.

اضف تعليق