تقف أسواق الطاقة العالمية -حتى الآن- صامدة في وجه اضطرابات الشحن الحاصلة في البحر الأحمر، والناجمة عن الهجمات التي يشنّها الحوثيون ضد سفن التجارة المارة عبر هذا الممر المائي الحيوي، ودفعت الهجمات العديد من كبريات شركات الشحن العالمية إلى تجنّب المرور عبر البحر الأحمر وقناة السويس...
تقف أسواق الطاقة العالمية -حتى الآن- صامدة في وجه اضطرابات الشحن الحاصلة في البحر الأحمر، والناجمة عن الهجمات التي يشنّها الحوثيون ضد سفن التجارة المارة عبر هذا الممر المائي الحيوي.
ودفعت الهجمات العديد من كبريات شركات الشحن العالمية -مثل شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة (MSC)، وهاباج لويد (Hapag-Lloyd)، وميرسك (Maersk)- إلى تجنّب المرور عبر البحر الأحمر وقناة السويس، إذ أعادت توجيه سفنها حول طريق رأس الرجاء الصالح، وفق تقرير طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وبالنسبة للسفن المتجهة من آسيا إلى أوروبا أو أميركا الشمالية، يضيف هذا المسار نحو 6000 ميل بحري إلى الرحلة، ويمكن أن يؤخّر مواعيد تسليم الشحنات لمدة تصل إلى شهر كامل؛ ما يهدد بإرباك سلسلة إمدادات أسواق الطاقة.
النفط صامد
على عكس المتوقع، لم تتأثر تدفقات الخام والمنتجات المارة عبر البحر الأحمر إلّا بتأثير طفيف بالاضطرابات التي يشعلها المسلحون الحوثيون المدعومون من إيران، وفق ما صرّح به تجّار ومصادر شحن إلى موقع إنرجي إنتلغنس (Energy Intelligence) المتخصص في أبحاث الطاقة.
في المقابل، أُعيد تشكيل تدفقات الحاويات جراء توترات البحر الأحمر، مع تحويل الكثير من التجارة العالمية المارة من الشرق إلى الغرب مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا.
وقال تاجر يركّز نشاطه على منطقة الخليج العربي: "فيما يتعلق بالنفط، فإننا لا نلحظ كثيرًا من آثار تلك الاضطرابات"، مشيرًا إلى أن شركة بي بي (BP) النفطية البريطانية ونظيرتها النرويجية إكوينور (Equinor) قد أوقفتا مرور شحنات النفط عبر البحر الأحمر، أو حوّلتا مسارها.
وأضاف أن صادرات الخام القازاخستاني (سي بي سي) المتجه شرقًا قد "شهدت انخفاضًا كبيرًا، في حين أوقفت كوريا الجنوبية تسلُّم الشحنات النفطية، بسبب أعمال العنف المذكورة".
وأشار إلى أن تلك الأحجام النفطية لامست قرابة مليوني برميل شهريًا، أو ما يعادل 67 ألف برميل يوميًا، في تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
هجمات الحوثيين
شنّ المسلحون الحوثيون المتمركزون في اليمن عشرات الهجمات على سفن التجارة العابرة في مضيق باب المندب، منذ التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني (2023)، في إطار ردود أفعال تجاه الحرب الشرسة التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة المحاصر، وفق ما قالته الجماعة.
لكن لم تُرصد أيّ هجمات -حتى الآن- ضد ناقلات النفط الخام، أو المشتقات النفطية، أو حتى الغاز الطبيعي المسال.
وأشار مصدر منفصل إلى أن هناك تأخيرات تتراوح بين 5 و 6 أيام عبر مسار البحر الأحمر، لكنها ما تزال عقبة صغيرة نسبيًا، مقارنة بالطريق الطويل حول رأس الرجاء الصالح، الذي يربط بين أفريقيا وآسيا، عبر الدوران حول القارة السمراء.
وأضاف أن أسعار التأمين ارتفعت بنسبة 80%، بينما أشار التاجر الذي يركّز على منطقة الخليج العربي إلى زيادة حادة في علاوات المخاطر لقرابة مئتي ألف دولار لكل حاوية، بما يتراوح بين 50 ألفًا و60 ألف دولار أميركي.
تأثير محدود
رغم استثماراتها في أنشطة الاستكشاف والإنتاج في إسرائيل، لم تبدِ عملاقة الطاقة الأميركية "شيفرون" مخاوفها من اضطرابات الشحن في البحر الأحمر، بعلامة قوية على نجاح أسواق الطاقة في امتصاص التداعيات الناتجة عن اضطرابات البحر الأحمر.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة سيفرون مايك ويرث: " لدينا سفن ما تزال تمرّ عبر البحر الأحمر"، خلال تصريحاته إلى شبكة إن بي سي الأميركية الأسبوع الماضي.
وفي 18 ديسمبر/كانون الأول (2023)، أعلنت مشغّلة الناقلات البلجيكية يوروناف (Euronav) وشركة فرانتلايين (Frontline) النرويجية أنهما ستتجنّبان المرور في البحر الأحمر، وفق ما نشرته وكالة رويترز.
هبوط دراماتيكي
أظهرت أحدث البيانات الصادرة عن شركة تحليل البيانات كيبلر (Kpler) هبوطًا دراماتيكيًا في مرور الحاويات المتجهة شمالًا بواقع الثٌلث، وبمعدل يزيد على النصف بالنسبة للحاويات المتجهة جنوبًا، مقارنة بمتوسط عام 2023.
غير أن الأرقام الصادرة عن الشركات العاملة في مجال تتبّع حركة السفن تشير إلى الضغوط الواقعة على أسواق الطاقة نتيجة اضطرابات الشحن في البحر الأحمر؛ إذ تُقدّر فورتيسكا انخفاض مرور الحاويات بنسبة 15%.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة بترو لوجيستيكس (Petro-Logistics) دانيل غربر: "هناك تدفقات متناقصة من روسيا، لكن هذا حدث في الربع الثالث من عام 2023، قبل بدء الحرب في غزة، مع اتجاه نزولي إلى الهند والصين والسعودية والإمارات".
تدابير احترازية
لا يختلف اثنان على أن الهجمات التي يشنّها الحوثيون على سفن الشحن والتجارة في البحر الأحمر تثير مخاوف أسواق الطاقة، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وفي هذا الصدد قال غربر: "حتى بالنسبة لروسيا، تتخذ بعض الناقلات تدابير احترازية إضافية؛ إذ تبعث برسائل عبر نظام تحديد الهوية التلقائي إيه آي إس، مفادها أنه لا تربطها صلة بإسرائيل".
وفي السياق ذاته، قال الرئيس التنفيذي لشركة بترو لوجيستيكس دانيل غربر، إنهم تتبّعوا ناقلة خام كانت آتية من الولايات المتحدة الأميركية عبر قناة السويس، قبل أن تحوّل وجهتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
وتابع: "تقديري، بوجه عام، هو أنه لا توجد اضطرابات خطيرة في أسواق الطاقة".
ورغم ذلك يظل الوضع في البحر الأحمر يشهد المزيد من التطورات، مع إطلاق الحوثيين هجمتين على الأقلّ منذ أن حذّرهم تحالف الازدهار الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، مؤخرًا، من تهديداتهم لحركة الشحن في هذا الممر المائي الحيوي الذي لا يمكن أن تستغني عنه أسواق الطاقة.
اضف تعليق