ما يزال الوقود الأحفوري يحتفظ بمكانته في مزيج الطاقة العالمي رغم السباق المحموم لتوليد الكهرباء النظيفة من مصادر الطاقة المتجددة، في إطار حرص الدول على تحقيق أهداف الحياد الكربوني اتساقًا مع الأهداف المناخية المُبيّنة في اتفاقية باريس 2023، إلى جانب تعزيز أمن الطاقة...
بقلم: محمد عبد السند
ما يزال الوقود الأحفوري يحتفظ بمكانته في مزيج الطاقة العالمي رغم السباق المحموم لتوليد الكهرباء النظيفة من مصادر الطاقة المتجددة، في إطار حرص الدول على تحقيق أهداف الحياد الكربوني اتساقًا مع الأهداف المناخية المُبيّنة في اتفاقية باريس 2023، إلى جانب تعزيز أمن الطاقة.
ويأتي هذا الإعلان في أعقاب تلاسن بين وكالة الطاقة الدولية ومنتجي النفط، قبل انعقاد قمة المناخ كوب 28 في الإمارات خلال نوفمبر/تشرين الثاني (2023)، إذ ألقت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" باللائمة على الوكالة الدولية في محاولة إذكاء التقلبات وتخويف المستثمرين من القطاع، ما يهدد أمن الطاقة العالمي، وفق معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
ومع ذلك دعت وكالة الطاقة الدولية إلى أهمية مواصلة ضخ الاستثمارات في بعض أصول النفط والغاز القائمة والمشروعات التي جرت الموافقة عليها.
في غضون ذلك طالبت وكالة الطاقة الدولية بتكثيف الاستثمارات في الطاقة النظيفة، لمواكبة التراجع في إمدادات الوقود الأحفوري، ومن ثم تفادي الزيادة الحادة في أسعار الوقود أو حتى تلاشي نقص المعروض.
الأهداف المناخية في خطر
أظهر تقرير حديث صادر عن شركة "دن إن في" DNV العاملة في مجال إدارة المخاطر، أن استعمال الوقود الأحفوري ما يزال يسجل نموًا عالميًا، موضحًا أنه وعلى مدار الأعوام الـ5 الماضية (2017-2022)، لم تغطّ مصادر الطاقة المتجددة سوى 51% من الطلب العالمي الجديد على الكهرباء، رغم البناء المتسارع لسعة تلك الطاقة النظيفة، مقابل 49% للوقود التقليدي، بحسب ما نُشر على الموقع الرسمي للمؤسسة.
ووجد التقرير، الذي يحمل عنوان "إنرجي ترانزيشن أوتلوك 2023"، أن مصادر الطاقة المتجددة ما تزال تغطي الطلب المتزايد، دون أن تحل -بالكلية- محل الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن إمدادات هذا الوقود الحساس بيئيًا ما تزال آخذةً في النمو، بحسب ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وأوضح التقرير، أن خفض الاحتباس الحراري العالمي إلى 1.5 درجة مئوية أضحى احتمالًا غير مرجح، مقارنةً بأي وقت مضى، لافتًا إلى أن تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ 2015 يتطلب خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول نهاية العقد الجاري (2030).
غير أن التقرير لم يتوقع أن يحدث هذا على أرض الواقع حتى بحلول منتصف القرن الحالي (2050).
وعلاوة على ذلك ستقل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 4% فقط عما هي عليه الآن، في عام 2030، وبنسبة 46% بحلول عام 2050، وفق التقرير.
ووجد التقرير أن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن قطاع الطاقة، ما تزال تسجل مستويات مرتفعة قياسية، موضحًا أنها من المرجح أن تصل إلى ذروتها في العام المقبل (2024)، وهي النقطة التي يبدأ من عندها تحول الطاقة العالمي.
تحول الطاقة لم يبدأ
قال الرئيس والرئيس التنفيذي لمجموعة "دي إن في"، ريمي إريكسون، في معرض تعليقه على نتائج التقرير: "عالميًا، لم يبدأ تحول الطاقة بعد، إذا ما كنا نعني بهذا التحول أن الطاقة النظيفة تحل محل نظيرتها المولدة بالوقود الأحفوري".
وأوضح إريكسون: "بوضوح؛ تحول الطاقة قد بدأ على مستوى قطاع أو على مستوى مجتمع أو حتى على المستوى الوطني، لكن عالميًا لم يحدث هذا بعد، إذ إن الانبعاثات الكربونية القياسية المنطلقة من عمليات حرق الوقود الأحفوري تمضي في مسارها الذي يقودها إلى الارتفاع بنسب أعلى في عام 2024".
وبرزت قضية أمن الطاقة محركًا لإستراتيجية الكهرباء، نتيجة التغيرات المتلاحقة في المشهد الجيوسياسي العالمي.
وتبدي الحكومات استعدادًا لدفع علاوة على الكهرباء المُنتجَة محليًا؛ وهو ما كان له آثار ملحوظة على نتائج التوقعات، فعلى سبيل المثال يُتوقع أن تشهد شبه القارة الهندية -الآن- تحولًا بوتيرة أبطأ في الطاقة، مع استعمال المزيد من الفحم في مزيج الطاقة.
وفي أوروبا تتسارع عملية تحول الطاقة مع المواءمة بين أهداف المناخ والصناعة وأمن الطاقة، وحتى إذا لم يكن تحول الطاقة قد بدأ فعليًا، فإن مصادر الطاقة المتجددة ستتخطى الوقود الأحفوري ما إن يبدأ هذا التحول، بحسب "دي إن في".
في سياق متصل، لفت التقرير إلى أن استعمال الفحم سيشهد انخفاضًا دراماتيكيًا في السنوات الثلاثين المقبلة من 26% من مزيج الطاقة الرئيس في الوقت الحالي، إلى 10% في عام 2050.
وبدءًا من عام 2030 فصاعدًا، ستمثّل طاقة الشمس والرياح كل إضافات الكهرباء، التي من المتوقع أن تنمو بواقع 9 أضعاف، و13 ضعفًا على الترتيب خلال المدة من عام 2023 إلى عام 2050.
ويبيّن الإنفوغرافيك التالي -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- حصة الطاقة المتجددة من الاستهلاك العالمي:
27 عامًا فاصلة
أفاد التقرير بأن الأمر سيستغرق 27 عامًا لإضافة مصادر الطاقة المتجددة، وإزالة الوقود الأحفوري من مزيج الطاقة، ما يعني تعزيز حصة الموارد المتجددة من 20% إلى 52% بحلول أواسط القرن الحالي (2050).
ولامست تركيبات الطاقة الشمسية سعةً قياسيةً قدرها 250 غيغاواط في العام الماضي (2022)، علمًا بأن طاقة الرياح ستمثّل 7% من الكهرباء العالمية المتصلة بالشبكة، كما ستتضاعف السعة المركبة بحلول عام 2030 رغم الرياح المعاكسة المتمثلة في الضغوط التضخمية وقيود سلاسل الإمدادات، بحسب التقرير الذي طالعت تفاصيله منصة الطاقة المتخصصة.
ومع ذلك، فإنه على المدى الطويل، تبرز قيود شبكة النقل والتوزيع عائقًا رئيسًا للتوسع في إنتاج الكهرباء النظيفة المولدة بالمصادر المتجددة، وما يرتبط بها من أصول الكهرباء الموزعة مثل التخزين المتصل بالشبكة ونقاط الشحن الخاصة بالسيارات الكهربائية في مناطق عديدة، من بينها أميركا الشمالية وأوروبا.
وأظهر تقرير مؤسسة "دي إن في" أن الشبكة العالمية -خطوط النقل والتوزيع مجتمعةً- ستتضاعف من حيث الطول بدءًا من عام 2050، لتسهيل أسرع تحول للكهرباء وأعلى كفاءة.
انتكاسات قصيرة الأجل
قال الرئيس والرئيس التنفيذي لمجموعة "دي إن في"، ريمي إريكسون: "هناك انتكاسات قصيرة الأجل نتيجة أسعار الفائدة المتزايدة، والتحديات التي تواجه سلاسل الإمدادات، وتحولات تجارة الطاقة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، لكن يبقى التوجه طويل الأجل بالنسبة إلى تحول الطاقة واضحًا.. نظام الطاقة العالمي سيتحول من مزيج الكهرباء القائمة على الوقود الأحفوري بنسبة 80% إلى آخر تُسهم فيه الطاقة المتجددة بنسبة 5% تقريبًا".
ويرى تقرير "دي إن في" أن هذا سريع، لكن ليس بالوتيرة الكافية للوفاء بأهداف اتفاقية باريس.
وفي هذا الخصوص، سبق أن طالبت وكالة الطاقة الدولية بتعزيز الإنفاق العالمي على الطاقة النظيفة من 1.8 تريليون دولار في العام الحالي (2023)، إلى 4.5 تريليون دولار سنويًا بحلول أوائل العقد المقبل.
وحذّرت الوكالة الدولية من أن التباطؤ في تسريع وتيرة تبني التقنيات النظيفة وخفض الطلب على الوقود الأحفوري، قائلة إنه قد يقود إلى تكاليف باهظة، تلامس 1.3 تريليون دولار سنويًا لإزالة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الهواء بعد عام 2050.
اضف تعليق