يبرز الهيدروجين الأبيض فرس الرهان الجديد في معركة الحياد الكربوني، لكونه وقودًا نظيفًا لا يصدر عنه سوى انبعاثات منخفضة جدًا، مقارنةً بأنواع الهيدروجين الأخرى المُنتجَة بالطرق الأكثر شيوعًا - الهيدروجين الأزرق من الغاز الطبيعي- التي ترتفع تكاليف إنتاجها وتوزيعها، وتتوالى الرهانات على الهيدروجين بصفته وسيلة للمساعدة...
بقلم: محمد عبد السند
يبرز الهيدروجين الأبيض فرس الرهان الجديد في معركة الحياد الكربوني، لكونه وقودًا نظيفًا لا يصدر عنه سوى انبعاثات منخفضة جدًا، مقارنةً بأنواع الهيدروجين الأخرى المُنتجَة بالطرق الأكثر شيوعًا - الهيدروجين الأزرق من الغاز الطبيعي- التي ترتفع تكاليف إنتاجها وتوزيعها.
وتتوالى الرهانات على الهيدروجين بصفته وسيلة للمساعدة على تسريع وتيرة جهود إزالة الكربون من قطاعات الصلب والألمنيوم والأسمدة، من بين صناعات أخرى عديدة، عبر استبدال الكهرباء النظيفة بنظيرتها المولدة بالوقود الأحفوري اتّساقًا مع الأهداف المناخية، إلى جانب تعزيز أمن الطاقة، وفق تقارير طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ومن الممكن أن يوفر الهيدروجين الأبيض (يُطلق عليه أحيانًا "الهيدروجين الطبيعي أو الجيولوجي") فائدة كبيرة للإستراتيجيات الفاعلة في تحول الطاقة، وعلى عكس الهيدروجين الذي يُنتَج باستعمال الوقود الأحفوري أو الطاقة النووية أو الطاقة المتجددة والتحليل الكهربائي، فإن الهيدروجين الطبيعي لا يحتاج إلى ماء، ولكنه يحتاج إلى القليل من الكهرباء لاستخراجه، كما أن عملية إنتاجه لا تتطلب مساحات واسعة من الأراضي.
ما هو الهيدروجين الأبيض؟
يُطلق على الهيدروجين الذي يُستخرج من التكوينات الجيولوجية الموجودة في باطن الأرض، اسم الهيدروجين الأبيض، ويجذب هذا الوقود اهتمامًا متزايدًا لدوره المتنامي في جهود التحول الأخضر؛ إذ من الممكن أن يصير واحدًا من أنظف مصادر الكهرباء المتجددة في العالم، وفق ما أورده موقع بلقان غرين إنرجي نيوز Balkan Green Energy News المتخصص.
ومع ذلك لم تتطور عملية استخراج الهيدروجين الأبيض بعد؛ إذ يتطلب الاستعمال الواسع لهذا الوقود المهم بنية تحتية إضافية.
ويمكن أن يصبح الهيدروجين الأبيض مصدرًا واعدًا للكهرباء النظيفة؛ إذ لا تستلزم عملية استخراجه استعمالًا مباشرًا للوقود الأحفوري أو الكهرباء، كما لا ينطلق عند احتراقه سوى بخار الماء، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويُستخرَج الهيدروجين الأبيض عبر عملية التكسير التي تشتمل على الحفر في الطبقات الجيولوجية، وحقن مزيج من المياه والرمال والمواد الكيميائية، في ضغط مرتفع بهدف إطلاق الغاز من الصخور.
ومع ذلك، فإن استغلال الهيدروجين الأبيض ما يزال يفرض تحديات للصناعة بوجه عام؛ فالخيارات المتاحة لإنتاج هذا الوقود النظيف تكون باهظة التكلفة، أو حتى غير آمنة بالنسبة للبيئة، أو غير مستدامة.
كما يتّسم هذا الوقود بندرته النسبية؛ إذ يُستخرج بكميات لا تكفي للاستعمال للأغراض المختلفة، كما أنه بمجرد إطلاقه في الهواء، فإنه يطفو إلى أعلى بسبب خفّته، حتى يتسلل إلى الفضاء، وعلاوة على ذلك، يمكن تطبيق استعمالات هذا الوقود في قطاع النقل، لا سيما المركبات العاملة بخلايا الوقود، التي تعتمد على تحويل الهيدروجين إلى كهرباء.
أنواع الهيدروجين
لا يوجد الهيدروجين بشكل طبيعي في حالته الصلبة النقية على كوكب الأرض، غير أنه يوجد في مركبات كيميائية.
ويُعرف الهيدروجين المُستخرج من الفحم بالهيدروجين الأسود، في حين يُنتَج كل من الهيدروجين الرمادي والهيدروجين الأزرق من الغاز الطبيعي.
ولعل الفرق يكمن في أنه بعملية إنتاج الهيدروجين الأزرق، تُستعمل تقنية احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، ومن ثم منعه من الوصول إلى الغلاف الجوي.
ويُعدّ الهيدروجين الرمادي هو النوع الأكثر شيوعًا في قطاع الطاقة، لكن هذا الحل يَنتُج عنه مستويات مرتفعة من الانبعاثات الكربونية الضارة؛ إذ يمثّل 900 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهو ما يزيد عن الانبعاثات الناجمة عن صناعة الطيران العالمية، ويُنتَج الهيدروجين الأخضر عبر تقنية التحليل الكهربائي للمياه، باستعمال الكهرباء المولدة من المصادر المتجددة.
وإذا استُعملت الكهرباء المولدة بالطاقة النووية، يُشار إلى هذا الوقود بـ"الهيدروجين الوردي"، الذي يصنّفه الاتحاد الأوروبي -جزئيًا- مصدرًا مستدامًا- للكهرباء، إلى جانب الهيدروجين الأخضر، ولعل ميزة الهيدروجين الأبيض تكمن في كونه متاحًا بشكل طبيعي؛ إذ يأتي من الرواسب الطبيعية في حالتها الغازية، والتي تشكلت خلال العمليات الحيوية والجيولوجية.
أكبر الرواسب في فرنسا
اكتشف علماء الجيولوجيا رواسب الهيدروجين الأبيض بالصدفة خلال البحث عن مصادر الوقود الأحفوري، وجذب اكتشاف احتياطات الهيدروجين الأبيض الضخمة في منطقة لورين شمال شرق فرنسا الاهتمام مؤخرًا، ومن الممكن أن تكون تلك هي أكبر رواسب اكتُشفت حتى الآن.
فعلى عمق 1250 مترًا، وصل تركيز الهيدروجين الأخضر إلى ما نسبته 20%، وأوضح المحللون أن تلك النسبة تزداد كلما زاد العمق.
وقد توصّل فريق البحث الفرنسي إلى هذا الاكتشاف خلال بحثهم عن غاز الميثان، ويتوقع علماء الجيولوجيا أن الرواسب المكتشفة في لورين قد تحتوي على 46 مليون طن من الهيدروجين الأبيض، ما يزيد على نصف الإنتاج العالمي السنوي الحالي للهيدروجين الرمادي.
الإمكانات العالمية
إلى جانب فرنسا، تجري أبحاث الهيدروجين الأبيض على قدم وساق في أماكن أخرى من العالم، خاصة سلطنة عمان، التي أعنت مؤخرًا أنها تدرس فرص استخراجه، ويقول الباحثون المتخصصون، إن هناك -أيضًا- احتياطات محتملة في صربيا.
ووفق توقعات الجمعية الجيولوجية الأميركية، سيشهد الطلب العالمي على الهيدروجين نموًا بواقع 5 مرات سنويًا، بحلول منتصف القرن الحالي (2050).
وفي الوقت الراهن، تستهلك العمليات الصناعية قرابة 100 ميغاطن من الهيدروجين سنويًا.
(1 ميغا طن =مليون طن).
ومن الممكن أن يغطي الهيدروجين الأبيض ما لا يقلّ عن نصف الطلب العالمي على الهيدروجين النظيف المستدام بحلول عام 2100.
تكاليف استخراج ونقل الهيدروجين الأبيض
تقود التطبيقات الجديدة للهيدروجين الطلب العالمي، من بينها وقود الطائرات، وتوليد الكهرباء، ومع ذلك تقع رواسب عديدة عند أعماق بعيدة جدًا في باطن الأرض، أو حتى في مناطق أخرى يتعذر الوصول إليها؛ ما يفرض بطبيعة الحال تحديات للجدوى الاقتصادية لهذا الوقود النظيف، وفق تقارير رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويستلزم الحصول على الهيدروجين من الخزانات الجوفية، تنفيذ حلول تقنية ملائمة للبيئة، ونظرًا لقابليته الكبيرة للاشتعال، من الضروري اتخاذ إجراءات فاعلة لتجنّب حصول أيّ تفاعل بين الهيدروجين والأكسجين في الغلاف الجوي، من بين ذلك تنفيذ قوانين حماية متخصصة في هذا الخصوص.
ومن النادر العثور على الهيدروجين بشكل طبيعي بأيّ كمية يمكن عَدُّها قابلة للاستعمال، أو حتى عملية في صناعة الطاقة، ورغم أن الهيدروجين هو العنصر الأكثر شيوعًا في الكون، فإنه الأخفّ أيضًا، ومن ثم فإنه بمجرد إطلاقه في الهواء، فإنه يطفو إلى الأعلى حتى يهرب إلى الفضاء، وهو ما يتطلب جهودًا كبيرة لتخزينه في باطن الأرض.
تبرز قضايا التخزين والافتقار لخطوط الأنابيب ونظم التوزيع أسبابًا رئيسة لتفوّق البطاريات على خلايا الوقود في سباق كهربة قطاع النقل، بحسب دراسة نُشرت في دورية سايس العلمية، ورغم أن كيلوغرامًا واحدًا من الهيدروجين يُنتِج كمية الكهرباء المولدة باستعمال غالون من البنزين نفسها، فإن حجم الأول أكبر أضعافًا مضاعفة.
ومع ذلك، تشير الدراسة إلى أن الهيدروجين لديه القدرة على أن يحلّ محلّ الوقود الأحفوري في المركبات التي لا يتناسب معها استعمال البطاريات، مثل الشاحنات والسفن والطائرات التي تتحمل نقل خزانات كبيرة، يُشار إلى أن التخزين عند ضغط عالٍ يصل إلى 700 بار، من الممكن أن يواجه القيود التي تفرضها المساحات، لكنه يأتي مقترنًا بتكاليف مرتفعة، علاوة على ذلك، يحتاج الهيدروجين إلى التبريد في درجات حرارة منخفضة، تصل إلى سالب 253 درجة مئوية، كي يتسنى له التحول إلى الحالة السائلة.
اضف تعليق