إن أسعار الطاقة وحدها لن تكون نقطة تحول تجعل المجتمع يتبنى مصادر طاقة أنظف، إذ إن التدخل الحكومي والتعليم على نطاق واسع أمران حاسمان أيضًا، إذا ظلت أسعار الوقود الأحفوري مرتفعة، فقد يؤدي ذلك إلى تشجيع زيادة أعمال الحفر والتنقيب عن النفط في العديد من الدول...
يرى عدد من الخبراء والمحللين أن ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري يمكن أن يسهم في تحول العديد من الدول، خاصة المستهلكة، إلى الطاقة النظيفة، إلّا أن ذلك قد يدفع إلى ضخ استثمارات جديدة في النفط والغاز.
وحذّرت وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر غرانهولم في تصريحات من أن تتسبب قفزات الأسعار في تكوين رد مضاد للتحول إلى الطاقة الخضراء، وقالت، إنه من المهم استمرار إقناع الناس بأن تكلفة الطاقة النظيفة أرخص، وفق البيانات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
التحول الأخضر في أميركا
بدأ المشرّعون في الولايات المتحدة في العمل على بلورة سياسات تهدف إلى تحويل صناعات بأكملها من خلال تعزيز السيارات الكهربائية وإنتاج الهيدروجين وغير ذلك، في الوقت نفسه، دعا عدد من المسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة إلى زيادة أنشطة الحفر، محاولةً لإبطاء التضخم من خلال تخفيض أسعار البنزين وتخفيض فواتير الكهرباء.
قالت غرانهولم، في حين إن "النفط والغاز سيظلان موجودين لبعض الوقت"، فإن فطم الاقتصاد الأميركي عن مثل هذه الأنواع من الوقود الأحفوري سيعتمد جزئيًا على خفض تكلفة تقنيات طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتخزين البطاريات.
يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن لإعادة تشكيل الاقتصاد الأميركي من خلال قانون المناخ والإنفاق الذي يهدف إلى جعل الطاقة النظيفة ذات عائد اقتصادي كبير للشركات وأرخص للمستهلكين.
يهتم قانون خفض الضرائب بتعزيز فوائد إزالة الكربون لجعل الاستثمارات في الطاقة النظيفة جذابة وسيلةً لحماية الاقتصاد الأميركي من تقلبات أسعار الوقود الأحفوري بسبب التغييرات الجيوسياسية.
التزمت حكومة الولايات المتحدة بإنفاق 479 مليار دولار على المناخ الجديد والطاقة في جميع المجالات، وفق البيانات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، سيؤدي هذا إلى تغيير اقتصاديات إزالة الكربون الصناعية، إذ تركّز هذه الاستثمارات على 4 مجالات رئيسة: الطاقة الخالية من الكربون، والتصنيع، والنقل، والتكنولوجيا النظيفة.
تغيير خيارات المستهلكين
ارتفعت أسعار الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) بصفة خاصة، وأسعار الطاقة بصفة عامة، بعد أن غزت روسيا أوكرانيا.
وصلت أسعار النفط الخام الأميركي إلى 130 دولارًا في 6 مارس/آذار (2022)، وهو أعلى مستوى منذ يوليو/تموز 2008، وبعد أسبوع تقريبًا، سجلت أسعار البنزين في أميركا أعلى مستوى قياسي بلغ 4.33 دولارًا للغالون.
في الوقت نفسه تقريبًا، سجلت العقود الآجلة للغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي مستوى قياسيًا بلغ 345 يورو (378.36 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة.
يرى عدد من المراقبين الدوليين أن أسعار الطاقة المرتفعة والمتقلبة تعدّ حافزًا للجهود الفردية والعالمية لإزالة الكربون من شبكات الطاقة، وهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق أهداف تغير المناخ.
وستؤدي أسعار الوقود الأحفوري المرتفعة على المدى المتوسط إلى تسريع الانتقال للطاقة النظيفة، ومع ارتفاع أسعار الغاز، تتحول آفاق الطاقة الشمسية وتخزين البطاريات على نطاق واسع وكهربة الحرارة للمباني والصناعة.
التنقيب عن النفط والغاز
يقول خبراء، إن أسعار الطاقة وحدها لن تكون نقطة تحول تجعل المجتمع يتبنى مصادر طاقة أنظف، إذ إن التدخل الحكومي والتعليم على نطاق واسع أمران حاسمان أيضًا، إذا ظلت أسعار الوقود الأحفوري مرتفعة، فقد يؤدي ذلك إلى تشجيع زيادة أعمال الحفر والتنقيب عن النفط في العديد من الدول، خاصة في البلدان النامية التي ترى فيها الأمل بالتنمية الاقتصادية.
وفي المقابل، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إغراق العرض، وفي النهاية يؤدي إلى انخفاض الأسعار مرة أخرى، وهذا هو ما دعت إليه وزيرة الطاقة جنيفر غرانهولم عندما كان سعر النفط 109 دولارات للبرميل، وكان الغاز يكلف 4.25 دولارًا في المضخة، بكلمتها التي وجهتها لمُنتجي النفط في أسبوع سييرا في هيوسن، داعية إيّاهم لإنتاج المزيد من النفط والغاز.
وفي حين إن بعض المراقبين يرى أن تكثيف إنتاج الوقود الأحفوري يتعارض مع الدعوات العاجلة لإزالة الكربون لإبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري، فهي مؤقتة، ومن ثم آثارها معقولة، ولن تعرّض أهداف المناخ طويلة الأجل لأيّ مخاطر بوجود التزام جادّ مضاعَف لانتقال الطاقة.
يرى عدد من المراقبين الدوليين أن ارتفاع أسعار الطاقة يسهم في تحفيز المستهلكين بالبحث عن مزيد من الكفاءة، وتحديدًا التفكير في البدائل، مثل التحول من السيارات التقليدية إلى أنواع أخرى من وسائل النقل، سواء كانت سيارة موفرة للوقود أو سيارة كهربائية.
مرحلة انتقالية وعرة
يرى متخصصون في شؤون الطاقة الدولية أن سياسات تغير المناخ ليست مسؤولة عن أزمة الطاقة العالمية الحالية، لكنهم يحذّرون من أن "هذا لا يعني أن الطريق إلى تحقيق الحياد الكربوني سيكون سلسًا".
ويبيّن الخبراء إحدى المشكلات بأنه في حين خفْض العديد من الدول استثماراتها في الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز، السنوات الأخيرة، فإن الطلب على الطاقة لا يزال يرتفع، ولم تنفق الدول ما يكفي على مصادر أنظف مثل الرياح أو الطاقة الشمسية أو الطاقة النووية.
إذا كان العالم يريد الحدّ من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة -وهو هدف أقرّه العديد من القادة لتجنّب أسوأ عواقب تغير المناخ-، فإن الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة سيحتاج إلى مضاعفة 3 مرات من المستويات الحالية بحلول عام 2030.
في الوقت نفسه، سيظل عدد من البلدان يعتمد على الوقود الأحفوري لسنوات قادمة، وهو ما قد يدفعها لاتخاذ خطوات للاستعداد لاضطرابات السوق، مثل تحسين تخزين الغاز في أوروبا أو تدابير كفاءة الطاقة التي يمكن أن تخفف الضرر الناجم عن ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري.
اضف تعليق