فتح الاتحاد الأوروبي باب إنتاج الهيدروجين الأصفر المعتمد على الطاقة النووية، لأول مرة، بعد أشهر من الجدل والخلافات بين فرنسا وألمانيا، أكبر اقتصادات القارة العجوز، وأعلنت المفوضية الأوروبية نشر قواعد جديدة تسمح للشركات الأوروبية بإنتاج الهيدروجين من أنظمة الطاقة النووية في إطار أهداف الاتحاد للطاقة المتجددة...
بقلم: رجب عز الدين
فتح الاتحاد الأوروبي باب إنتاج الهيدروجين الأصفر المعتمد على الطاقة النووية، لأول مرة، بعد أشهر من الجدل والخلافات بين فرنسا وألمانيا، أكبر اقتصادات القارة العجوز، وأعلنت المفوضية الأوروبية نشر قواعد جديدة تسمح للشركات الأوروبية بإنتاج الهيدروجين من أنظمة الطاقة النووية في إطار أهداف الاتحاد للطاقة المتجددة، وفقًا لوكالة رويترز.
ويأتي نشر هذه القواعد بعد أشهر من الجدل بين فرنسا المؤيدة للطاقة النووية بشدة، وألمانيا الرافضة لإدراج الوقود النووي ومشتقاته ضمن مصادر الطاقة المتجددة، وتعتمد فرنسا على الطاقة النووية في توليد الكهرباء بنسبة 75% من إجمالي احتياجاتها المحلية، وهي أعلى نسبة في أوروبا رغم مخاطرها الإشعاعية المعروفة في الأوساط العلمية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ما الهيدروجين الأصفر؟
الهيدروجين الأصفر مصطلح مجازي مثل الهيدروجين الأخضر، إلّا أنه يعتمد في إنتاجه على الطاقة النووية، ويختلف عن الهيدروجين الأخضر في بعض الصفات، لكن أغراض استعمالهما مشتركة في قطاعات الصناعة والنقل والمنازل.
ويُنتَج الهيدروجين في الغالب عبر 3 طرق، الأولى تعتمد على حرق الوقود الأحفوري وهي محلّ خلاف بيئي، والثانية تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة، لا سيما طاقة الشمس والرياح عبر نظام التحليل الكهربائي، وهي محلّ اتفاق بيئي.
كما يُستخرَج في الطريقة الثالثة من مصادر الطاقة النووية، لكن هذه الطريقة مازالت محلّ خلاف بين دول الاتحاد الأوروبي الكبرى، لا سيما ألمانيا التي ترفض تصنيف هذا النوع من الهيدروجين ضمن مصادر الوقود المتجدد.
لماذا تعترض برلين؟
لم تنجح اعتراضات برلين في شطب اقتراحات فرنسا المؤيدة لإنتاج الهيدروجين الأصفر من الطاقة النووية، إلّا أنها أخّرت المفوضية الأوروبية عدّة أشهر حتى إصدار القواعد الجديدة، وحددت المفوضية الأوربية 3 أنواع من الهيدروجين يمكن إنتاجها على مستوى الاتحاد، وستُدرَج ضمن أهداف الطاقة المتجددة طويلة الأمد.
ويدخل في هذه الأنواع منشآت إنتاج الهيدروجين المتصلة مباشرة بمولد كهربائي نظيف وحديث (طاقة شمسية أو طاقة رياح)، كما تشمل المنشآت المتصلة بالشبكة الكهربائية في مناطق محلية تزيد حصتها من الطاقة المتجددة عن 90%، وفقًا لبيانات عام 2022، كما تشمل المنشآت المنتجة للهيدروجين الحصول على الكهرباء من الشبكة في المناطق التي تقلّ فيها كثافة انبعاثات الكربون، بشرط توقيع الشركة المنتجة اتفاقيات شراء الكهرباء طويلة الأجل مع مزوّدي الكهرباء المتجددة في منطقتها.
شرط المفوضية
استنادًا إلى هذه القواعد، أصبحت الشركات المنتجة للهيدروجين الأصفر أو الأخضر ملزَمة باستعمال الطاقة المتجددة المثبتة حديثًا بصورة مباشرة، أو توقيع اتفاقيات تضمن شراء الكهرباء النظيفة لدعم مشروعات الطاقة المتجددة محليًا.
في الوقت نفسه، تمنع القواعد منتجي الهيدروجين من امتصاص الطاقة الكهربائية المتجددة الحالية، عبر اشتراط أن تكون استفادتهم من مشروعات أحدث، وتخشى المفوضية الأوروبية من اضطرار دول الاتحاد إلى زيادة توليد الكهرباء من مصادر الوقود الأحفوري لتلبية الطلب الكلي في حالة السماح لصناعة الهيدروجين بالاعتماد على الإنتاج الحالي من مشروعات الطاقة المتجددة.
الاعتراض خلال شهرين
ما زال أمام دول الاتحاد الأوروبي فرصة للاعتراض على قواعد المفوضية الأوروبية بشأن إنتاج الهيدروجين الأصفر، في غضون شهرين، أو ستدخل حيز التنفيذ إذا لم تجد من يعارضها، وأدى الخلاف بين الدول الأعضاء حول الهيدروجين النووي إلى تأجيل المفاوضات بشأن أهداف الاتحاد الأوروبي حول الطاقة المتجددة، والتي من المقرر استئنافها يوم الثلاثاء 14 فبراير/شباط (2023).
وتدور مفاوضات حول أجل زمني طموح لزيادة مشروعات الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، إذ تؤيد ألمانيا والدنمارك وإسبانيا مقترحًا للبرلمان الأوروبي بإلزام الدول الأعضاء بالوصول إلى نسبة 45% من إنتاج الكهرباء عبر المصادر النظيفة بحلول عام 2030.
طموحات أقل لشرق أوروبا
تؤيد المجر ورومانيا هدفًا أقلّ طموحًا بنسبة 5% عن الذي تطمح إليه ألمانيا وكبريات الدول الأوروبية، لأسباب تتعلق باختلاف الظروف الاقتصادية لبلدان أوروبا الشرقية عن غيرها في الغرب الأوروبي.
واستحوذ قطاع الطاقة المتجددة على 22% من إنتاج الكهرباء على مستوى أوروبا خلال عام 2022، يليها قطاعا الطاقة الكهرومائية والنووية بنسبة 32%، وفقًا لبيانات مركز إمبر المتخصص في تحليل بيانات الطاقة.
كما أسهم الغاز بنسبة 20%، بينما لم تزد نسبة مساهمة الفحم عن 16%، خلافًا للتوقعات التي كانت ترجح زيادة نسبته في مزيج الطاقة الأوروبية بنسبة أكبر، خلال عام 2022، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
فرنسا المستفيد الأكبر
من المتوقع أن تشهد فرنسا أكبر عمليات إنتاج الهيدروجين الأصفر في حالة مرور القواعد الجديدة إلى حيز التنفيذ، بالإضافة إلى استفادة دول أوروبية أخرى، مثل السويد وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا وسويسرا والتشيك، بدرجات متفاوتة .
كما يُتوقع أن تُسلَّط الأضواء العالمية على هذا النوع من الهيدروجين الذي يحظى باهتمام أقلّ مقارنة بالهيدروجين الأخضر المستحوذ على أغلب الأضواء منذ سنوات، لكن هذا النوع من الهيدروجين لن يجد انتشارًا إلّا في عدد قليل من دول العالم التي تعتمد على المفاعلات النووية في توليد الكهرباء منذ عقود.
أكبر 17 دولة نووية
يرجع تاريخ إنشاء أول مفاعل نووي لتوليد الكهرباء إلى عام 1954، وارتفع عددها حول العالم تدريجيًا ليصل إلى 438 مفاعلًا حتى عام 2022، وفقًا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، وتتصدر الولايات المتحدة قائمة أكبر 17 دولة في العالم من حيث استعمال المفاعلات النووية في توليد الطاقة الكهربائية، إذ يبلغ ما تمتلكه 100 مفاعل.
بينما تأتي فرنسا في المركز الثاني عالميًا بـ57 مفاعلًا، في مقابل ألمانيا التي لا تستحوذ في هذا القطاع إلّا على 9 مفاعلات نووية، وتأتي الصين في المركز الثالث بعدد 55 مفاعلًا، تليها روسيا بعدد 37 مفاعلًا، ثم اليابان في المركز الـ5 عالميًا بـ33 مفاعلًا، ثم كوريا الجنوبية بعدد 25 مفاعلًا.
بينما تأتي الهند في المركز الـ7 بعدد 22 مفاعلًا، تليها كندا بعدد 19 مفاعلًا، ثم أوكرانيا بعدد 15 مفاعلًا، أمّا بريطانيا فلديها 9 مفاعلات فقط، في حين تمتلك إسبانيا 8 مفاعلات، أمّا السويد فلديها 10 مفاعلات، إضافة إلى 7 مفاعلات في بلجيكا، و5 في جمهورية التشيك، و5 في سويسرا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
الدول العربية ستتأخر
من المتوقع أن تستفيد هذه الدول -خلال سنوات قليلة- من مشروعات الهيدروجين الأصفر بدرجات متفاوتة، بينما سيظل هذا النوع من الهيدروجين ضعيف الانتشار في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط لسنوات أطول، لضعف الاعتماد على الطاقة النووية في المنطقة منذ عقود.
فما زالت خطط دول الشرق الأوسط والمنطقة العربية متأخرة في اللحاق بقطاع الطاقة النووية السلمية عالميًا، باستثناء تركيا والإمارات اللتين بدأتا خططًا تنفيذية لإنشاء مفاعلات نووية سلمية، بينما تنفّذ إيران مشروعات محلّ جدل في الاستعمال المدني والعسكري، كما شرعت مصر والسعودية والأردن بخطط مماثلة، لكنها متأخرة قليًلا، بينما ما تزال مقترحات المشروعات المماثلة في المغرب والجزائر قيد التطوير.
بالإضافة إلى ذلك، تواصل دول مثل تونس وليبيا وسوريا وقطر والسودان إجراء مناقشات حول تبنّي مشروعات الطاقة النووية من عدمها، أمّا الكويت، فلا يبدو الخيار مطروحًا في خطتها للطاقة، الوقت الحالي، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
اضف تعليق