ستلقي المخاوف الأوروبية من فقدان إمدادات الغاز الروسي في أزمة اوكرانيا بظلالها على لقاء أمير قطر مع الرئيس الأميركي لكن خبراء يرون أن الدولة الخليجية لا تملك "عصا سحرية"، وقد تقدم الإمارة الثرية بعض المساعدة بينما تسعى للحصول على موطىء قدم أكبر في اوروبا وتسجيل نقاط دبلوماسية ثمنية...
ستلقي المخاوف الأوروبية من فقدان إمدادات الغاز الروسي في أزمة اوكرانيا بظلالها على لقاء أمير قطر مع الرئيس الأميركي لكن خبراء يرون أن الدولة الخليجية لا تملك "عصا سحرية"، وقد تقدم الإمارة الثرية بعض المساعدة بينما تسعى للحصول على موطىء قدم أكبر في اوروبا وتسجيل نقاط دبلوماسية ثمنية لتصبح الحليف الرئيسي لواشنطن في الخليج، وقال البيت الأبيض إن اللقاء المقرر عقده بين الشيخ تميم والرئيس الأميركي جو بايدن في 31 من كانون الثاني/يناير، سيتناول الأمن في منطقة الشرق الأوسط و"تأمين استقرار الإمدادات العالمية للطاقة". بحسب فرانس برس.
ويتهم الغرب موسكو بالتحضير لشن هجوم على أوكرانيا المجاورة ويهددها بعقوبات غير مسبوقة إذا غزت هذا البلد. وقالت واشنطن بصورة خاصة إن خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" بين روسيا وألمانيا الذي أنجز لكنه لم يبدأ تشغيله، لن يباشر العمل في حال شن هجوم عسكري روسي، غير أن الأميركيين والأوروبيين يخشون أن يرد الكرملين بخفض إمدادات المحروقات لأوروبا، وهي إمدادات حيوية للعديد من البلدان.
ويستورد الاتحاد الأوروبي نحو أربعين بالمئة من احتياجاته على صعيد موارد الطاقة من روسيا، وتعمل واشنطن مع حلفائها على البحث في الأسواق العالمية عن مصادر بديلة، وقال مسؤول قطري لوكالة فرانس برس قبل الاجتماع إن "المحادثات جارية" حول تحويل شحنات للغاز الطبيعي المسال من الأسواق الآسيوية الرئيسية إلى أوروبا في حال قطع الكرملين الإمدادات عن أوروبا، ولن تكون هذه أول مرة تقوم فيها قطر أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، بمساعدة دولة صديقة.
وقامت الدوحة بإرسال إمدادات إلى اليابان بعد تسونامي عام 2011 وشحنات خاصة إلى بريطانيا في تشرين الاول/اكتوبر عندما عانت من نقص مفاجىء في الإمدادات، ولكن مع ارتباط قطر بعقود طويلة الامد مع زبائن كبار في كوريا الجنوبية واليابان والصين، فإنه ليس بإمكانها القيام بالكثير لاستبدال إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية، وكان وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد بن شريده الكعبي أكد في تشرين الأول/اكتوبر الماضي أن بلاده بلغت "الحد الأقصى" فيما يتعلق بإمدادات الغاز، عندما بدأ نقص الغاز في أوروبا.
أسعار اعلى
يرى بيل فارين- برايس المدير في شركة الأبحاث "إنفيروس" أن "قطر لا تملك عصا سحرية لحل النقص في الغاز الاوروبي"، ويوضح فارين-برايس أن الدوحة "لا تملك أي طاقة فائضة لتوريد غاز مسال طبيعي إضافي. إنها ليست مثل السعودية التي تحتفظ بقدرة فائضة من النفط"، وقد تقوم قطر التي تجري أيضا محادثات مع الاتحاد الاوروبي وبريطانيا بإعادة توجيه بعض الشحنات، وأكد فارين-برايس أن "أي نقص في الغاز الأوروبي سيمتد وسيكون له تأثير على سوق الغاز الطبيعي المسال الآسيوي أيضا".
وسيتعين على المستهلكين الاوروبيين- الذين يواجهون بالفعل ارتفاعا قياسيا في أسعار الغاز قياسية - دفع تكلفة أعلى، مشيرا أن "الأمر قد يشكل تحديا كبيرا من ناحية السعر"، ويقول الأستاذ المساعد في معهد "كينغز كولدج" اندرياس كريغ إن قطر ستعطي الأولوية للأعمال قبل السياسة في أي قرار قد تتخذه لمساعدة اوروبا.
وقامت الإمارة الخليجية بالفعل بالإعلان عن رفع طاقة إنتاج الغاز المسال بشكل كبير ، من 77 مليون طن سنويا، إلى 126 مليون طن بحلول العام 2027. وتبحث عن أسواق للغاز الإضافي، ويوضح كريغ أن أوروبا قد تصبح هدفا أساسيا لأي بادرة تقوم بها قطر. وكان إطلاق تحقيق للاتحاد الأوروبي في عام 2018 بشأن احتكار للغاز أثار غضب الدوحة، وتابع "هذا قد يعني تسجيل بعض النقاط في اوروبا (...) والبدء بمفاوضات لعقود طويلة الأمد"، وقد يؤدي لعب دور رئيسي في أي خطة طارئة للغاز بتعزيز موقف قطر أمام الولايات المتحدة، وأوضح كريغ أن قطر ترغب "في دفع نفسها لتصبح في موقع أهم حليف استراتيجي للولايات المتحدة في الخليج".
عراقيل قد تحول دون وصول الغاز القطري إلى أوروبا
نشرت التايمز تقريرا لريتشارد سبنسر مراسل شؤون الشرق الأوسط، بعنوان "إمدادات الغاز من الخليج، قد تصل لكن بعد عراقيل"، يقول سبنسر إن قطر تمتلك أكبر حقل غاز طبيعي في العالم، ورغم ذلك لا يمكنها تلبية احتياجات العالم كله في نفس الوقت، خاصة في ظل تطلع أوروبا بأسرها إلى الدولة الخليجية كمصدر بديل للغاز الروسي.
ويشير سبنسر إلى أن اللقاء بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وأمير قطر وحاكمها المطلق الأمير تميم في البيت الأبيض، سيشهد مطالبة بايدن لتميم بشكل صريح أن يوفر الغاز لأوروبا في حال قطعت روسيا إمدادات الغاز، مضيفا أن أورسولا فون دير لين، رئيسة المفوضية الأوروبية، قدمت الطلب نفسه للأمير القطري، قبل أيام خلال مكالمة هاتفية، ويوضح المراسل أن قطر، التي تستضيف مقر القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، لا تمانع في تلبية الطلب الأوروبي، لكنها أكدت أن ذلك لن يكون سهلا، وأنها ستكون بحاجة لمساعدة أوروبا والولايات المتحدة لتنفيذ ذلك.
وينقل سبنسر عن مصدر مطلع، دون ذكر اسمه، قوله "قطر ترغب في المساعدة". لكن المصدر نفسه يؤكد أنها وعلى عكس بعض التقارير، لم تقدم أي وعود، وربما تكون المساعدة مشروطة، قائلا "على المدى القريب، سيعتمد الأمر على رغبة عملائها في تحويل شحناتهم"، ويعرج سبنسر على أن صادرات الغاز عالميا تأتي في شكلين فقط، الأول عبر أنابيب الغاز، مثلما تفعل روسيا، والثاني عبر شاحنات ضخمة من الغاز المسال، وهو ما تفعله قطر، لكن المشكلة أن أغلب الدول الأوروبية مجهزة لاستقبال النوع الأول عبر أنابيب الغاز بينما النوع الثاني بحاجة لمنشآت خاصة لإعادة تحويل الغاز، من الحالة السائلة إلى الغازية، قبل استخدامه، وينقل سبنسر عن روبين ميلز، المدير التنفيذي لشركة قمر للطاقة، وهي شركة استشارات في الخليج، قوله إن "كل منشآت تسييل الغاز في العالم تقريبا، تعمل بأقصى طاقة ممكنة، لذلك لا يوجد ما يمكن فعله".
ويوضح المراسل أن هذا هو السبب الذي يجعل قطر تقول إنها لو كان باستطاعتها المساعدة، فستكون بحاجة لدعم لإقناع عملائها الآسيويين، وهم أكبر عملائها على الإطلاق، مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وهما حليفتان للغرب، وقد يقبلان بتقديم المساعدة، علاوة على الصين، التي قد توافق أيضا لكن بمقابل مناسب.
ويوضح سبنسر نقطة أخرى وهي أن الدول الأوروبية اعتادت شراء الغاز في صفقات قصيرة المدى للاستفادة من الأسعار المتدنية، عكس الدول الآسيوية التي ترتبط بعقود مع قطر تمتد لفترات تتراوح بين 20 و25 سنة، وهو الأسلوب الذي تحبه قطر، ولطالما أرادت من الدول الأوروبية أن تتبناه، خاصة وأنها تعمل على مضاعفة كمية إنتاجها من الغاز بحلول عام 2027.
اضف تعليق