بعيدا عن تصريحات الوزير جل ما يتطلبه التعليم العالي في العراق هو اكتساب معارف متخصصة تساعد مخرجات الجامعات على المنافسة والتأثير في سوق العمل المحلي والعالمي، وما سبق ليس هدف مرحلي بل هو مشوار طويل الاجل يشتمل على محطات تكمل بعضها البعض وصولا الى التنمية المستدامة وليس الآنية...
من تصريحات الوزير تعليم ان التعليم العالي ليس بحالة جيدة، وان الوزارة كغيرها من الوزارات تعيش حالة من الفوضى في القرارات، فالتحركات الأخيرة بين الجامعات العراقية والاعلان عن استحداث كليات ومراكز بحثية تؤكد ان الهدف الأساس من إطلاقها هو الغرض السياسي.
في كل جولة او زيارة لوزير التعليم العالي الدكتور نعيم العبودي يعلن عن الشروع بمشروع بحثي او أكاديمي جديد، وآخر هذه التصريحات جاءت لبرنامج المقاربة الذي يعرض على قناة دجلة الفضائية، بين فيه نية الوزارة استحداث كلية المتميزين ضمن جامعة بغداد بعد التصويت عليها.
مشروع الكلية وبحسب الوزير سيكون النواة لكلية المتميزين التي من المؤمل ان تشتمل على تخصص الذكاء الاصطناعي والقانون والإدارة والاقتصاد وغيرها من الاختصاصات التي يشترط قبول الطلبة فيها ممن لديهم معدل (90) فما فوق.
لو أردنا اخضاع قرار الوزير الى ابسط إجراءات تحليل المضمون، نتوصل الى انه اتُخذ على وجه السرعة، لم يأتي بعد دراسة مستفيضة ومعرفة الجدوى من فتح هذه الكلية، في الوق الذي تعاني اغلب الجامعات العراقية الى ابنية نظرا لازدياد اعداد الطلبة والحاجة الفعلية لإضافة بعض التخصصات العلمية.
التخصصات التي ذكرت من قبل الوزير يوجد نظيرها في جميع الجامعات الحكومية الأخرى، ما عدى تخصص الذكاء الاصطناعي الذي أصبح من ضروريات المرحلة، في ظل ما يشهده العالم اليوم من ملاحقة آنية للابتكارات العلمية والبحثية، وغير ذلك لا توجد ضرورة او حاجة لمثل هذه التخصصات.
نعرف ان الهدف من هذا كله هو سعي الوزير الضمني الى تجويد العملية التعليمية والنهوض بمستوى مؤسساتنا الاكاديمية، لكن التجويد ورفع المستوى لا يكون بهذه الكيفية، فكل افتتاح او إضافة علمية يجب ان تكون وفق رؤية استراتيجية وطموح كبير قائم على جملة من المقومات.
قبل التصريح الأخير للدكتور العبودي لم نسمع بانه تم وضع حجر أساس لاستحداث كلية المتميزين، او اكتمال احدى البنايات المخصصة لتشكيلات الوزارة، في حين يشكل الاستحداث السريع تحديا آخر من التحديات التي تواجه التعليم العالي في البلاد، وان استحسن البعض هذه الإجراءات الوقتية، لكن ستظهر عواقبها فيما بعد.
الى جانب قرار الاستحداث هنالك العديد من القرارات غير المدروسة، فمثلا قرار أسس الترقيات العلمية الأخير الذي اُشرت عليه الكثير من المؤشرات، فضلا عن الغاء الدور العلمي الذي تؤديه المجلات العلمية المحلية، وعند هذه النقطة التقت معظم الانتقادات المقدمة من قبل الباحثين.
معالي الوزير، التعليم العالي يمثل احدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، بل يمثل قاعدة أساسية من قواعد النهوض بالمجتمعات، لذا يتطلب جهود كبيرة وخطوات متسلسلة للوصول الى الخطوة الأخيرة وهي افتتاح الكلية بتخصص معين او استحداث دراسة ما.
أولى هذه الخطوات تأهيل ملاكات تدريسية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، وقد يكون التركيز بهذه النقطة على التدريسيين من الشباب المواكبين والمطلعين على الطفرات التكنولوجية، ذلك بحكم استخدامهم لمثل هذه التقنيات ضمن حياتهم اليومية.
تعليمنا العالي اليوم يحتاج الى تعزيز مكانته ليكون مساهما فعليا لإعداد الكوادر الوطنية المتمكنة من مواجهة التحديات الحالية لتحقيق التقدم والارتقاء بواقع المجتمع الأكاديمي من الناحية الفكرية والعلمية، ما يمنحه فرصاً أكبر للتفوق في مساراتهم المهنية والحياتية.
بعيدا عن تصريحات الوزير جل ما يتطلبه التعليم العالي في العراق هو اكتساب معارف متخصصة تساعد مخرجات الجامعات على المنافسة والتأثير في سوق العمل المحلي والعالمي، وما سبق ليس هدف مرحلي بل هو مشوار طويل الاجل يشتمل على محطات تكمل بعضها البعض وصولا الى التنمية المستدامة وليس الآنية.
اضف تعليق