الخطورة الأكثر من هذا ان بعض الاسر لا تخمن او تتصور النتائج المترتبة على مجتمع يسهم في تنشئة جيل غير متعلم، لا تربطه بالمجتمعات الأخرى سوى انسانيته، وبذلك يكون هنالك بون واسع في طريقة التفاعل والتناغم بين الأجيال اللاحقة، ومن المؤكد ان المسألة تتجه نحو التعقيد واتساع الفجوة المعرفية...
تناولت في مقالات سابقة بعض الظواهر المتعلقة بشريحة الأطفال، وكلما اتردد عن الخوض بمشكلة أخرى تخص الأطفال، تجبرني التقارير الدولية الصادمة التي تؤكد حجم الدمار الذي تتعرض له هذه الشريحة والتي تمثل طاقات وطنية ضائعة تخفق الحكومات في استثمارها.
حيث أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقاف (اليونيسكو) قدرت عدد الأطفال المحرومين من خدمات التعليم بأكثر من 250 مليون طفل حول العالم. وكانت «اليونيسكو»، قد أصدرت تقريرًا في عام 2020، أشار إلى أن أعداد الأطفال في منطقة الشرق الأوسط تصل إلى 15 مليون طفل، وقد يصل هذا العدد إلى 20 مليون طفل بحلول 2030.
مؤشرات التقرير الصادر عن اليونيسكو تفيد بأن الأطفال في البلدان العربية بضمنها العراق لا يتمتعون بمستوى جيد من التعليم، أي ان شريحة واسعة منهم لا يزالون يذهبون بمتاهات عمالة الأطفال واجبارهم من قبل الاهل على ترك مقاعد الدراسة وزجهم في سوق العمل الذي يد بمثابة الحوت يبتلعهم وهم بعمر الورد.
ربما من يقرأ هذا المقال يقول ان الكلام لا يعنيني، وان اطفالي يعيشون حالة جيدة على المستوى التعليمي والمعيشي، وليس من المهم ان أخذ هذا الكلام على مأخذ الجد، طالما اطفالي بخير، لكن حقيقية الامر ليس كذلك، الأطفال ربما اهم شريحة من شرائح المجتمع ويأتي الاهتمام بهم ضمن أولويات الحكومات والمجتمعات معا.
فالتقصير معهم في جانب معين ينعكس بصورة سلبية على المجتمع برمته، فمن يتخلف عن المقاعد الدراسية في ضل تحول العالم الى أصغر من قرية كونية والانفتاح المعرفي الحاصل في الوقت الراهن، يتحول الى شر متنقل يلقي بضلاله أينما وجد البيئة او الظرف المناسب.
فتخيل ان ينشأ جيلا لا يعرف القراءة والكتابة، كيف يمكن ان يتعامل مع القضايا الحساسة والموضوعات المثيرة للجدل؟
ما هي اللغة التي يمكن ان تتحدث بها مع شخص لا يجيد كتابة اسمه بدون أخطاء، فهل يمكن ان تعتبر مثل هذا النموذج فردا صالحا ومنتجا في المستقبل، وهو بهذا المستوى من التأهيل العلمي؟
الإشكالية هنا ان الذين لا يعرفون القراءة والكتابة هم شباب المستقبل وهم آباء وأمهات أجيال قادمة، ويبدو الوضع مخيفًا أن يولد طفل، في زمن ثورة المعلومات، والذكاء الاصطناعي، والهاتف الذكي، ويكون في حضن أسرة جاهلة لا تقرأ ولا تكتب!
تعلُّم القراءة والكتابة، لم يكن في يوم من الأيام ترفا او امرا غير ضروريا، فالقراءة والكتابة هما في صلب تعلم الحياة، وقدرة الإنسان على التواصل مع الآخر أينما كان. وعليه فإن تصور شخص لا يُفرق بين رقم اثنين وحرف الدال سوى ان الأول فتحته الى اليمين والثاني الى اليسار يبدو أمرا في غاية التعقيد، وينذر بالخطر الشديد.
والخطورة الأكثر من هذا ان بعض الاسر لا تخمن او تتصور النتائج المترتبة على مجتمع يسهم في تنشئة جيل غير متعلم، لا تربطه بالمجتمعات الأخرى سوى انسانيته، وبذلك يكون هنالك بون واسع في طريقة التفاعل والتناغم بين الأجيال اللاحقة، ومن المؤكد ان المسألة تتجه نحو التعقيد واتساع الفجوة المعرفية.
القراءة والكتابة شأن إنساني يجتمع البشر من حوله، ولذا فإن وجود ملايين لا يعرفون القراءة والكتابة، يعني وجود مجاميع بشرية كثيرة، من حولنا، لا تنتمي للعالم، ولا لتقدم العالم، ولا لقضايا المتعددة، وبالتالي فهي تعيش على حافة الجهل، كونها تتعامل بالغريزة وتغييب العقل، فكم ستكون الحياة جحيما بوجود هؤلاء الذين رمى بهم حظهم الأسود في منطقة تعيش بهذه الظروف المأزومة.
لنترك جميع النقاشات حاليا ونكتفي بمعرفة كيفية استثمار الطاقة الواعدة.
اضف تعليق