إنسانيات - تعليم

محنة سكوباس

ان سكوباس ليست معيارا لجودة البحث العراقي، بدلالة ان الكثير من بحوثنا المنشورة فيها ليست بالمستوى المطلوب ولا قيمة علمية حقيقية لها، متسائلين: ما هي مظاهر انعكاس هذه البحوث على واقعنا، بمعنى ما هي المشكلات التي أسهمت في حلها ؟، فضلا عن تأكيدهم ان النشر في المجلات العالمية أضعف من امكانيات مجلاتنا المحلية...

يسعدنا أن تحتل بلادنا مكانة عالمية يُشار لها من المنظمات الدولية المعنية بتقييم مستوى ارتقاء البلدان، ونفخر بالعمل المخلص والنوايا الصادقة لتعزيز سمعتنا بين الشعوب، فبلادنا التي تحمل العظيم من ارث البشرية تستحق أن تتقدم الصفوف، كل ذلك جميل ومهم، لكن لابد أن نحسب الأمور بدقة متناهية، أن نعقد مقارنة بين ما ننفقه من أموال وما نبذله من جهد وبين الجدوى المتحققة للعمل، ولا سيما الجدوى المادية، فعالم اليوم تحركه القيم المادية أكثر مما تحركه القيم المعنوية.

هذا بالضبط ما شغلني من مدة، وتحديدا عندما أكدت وزارة التعليم العالي على ضرورة النشر في المجلات ذات معامل التأثير المصنفة ضمن قاعدة بيانات (سكوباس)، لكن لم تتح الفرصة لمناقشة هذا الموضوع والكتابة عنه حتى كلفني مجموعة من الأساتذة بتناوله ضمن عمودي المتواضع، بوصفي صحفيا مهمته عكس معاناتهم، فالنشر في هذه المجلات يكاد أن يكون قسريا بعد الاجراءات التي اتخذتها الوزارة، والتأكيدات الجامعية المتواصلة بهذا الخصوص والتي يتعذر على الأساتذة عدم الامتثال لها.

ولكي تكون لعموم القراء فكرة عن النشر في هذه المجلات لابد من ايضاح بعض الامور منها: ان النشر في هذه المجلات يتم لقاء اموال ضخمة تصل أجور نشر البحث فيها الى ما يقرب من (1600) دولار، والذي لا ينشر بحثا في سكوباس يكون تقييمه السنوي من (70 بالمئة) وليس من (100 بالمئة) كما هو السياق السابق، كما اشترطت على طلاب الدراسات العليا النشر في سكوباس، كما ان الاستاذ الذي يروم الترقية العلمية يكفيه نشر ثلاثة بحوث ضمن سكوباس ليحصل على النقاط المطلوبة في جداول الترقية، وهذه البحوث غير خاضعة للتقييم من الخبراء، وتكون درجة تقييمها (أصيلا)، وبعكسه فان المطلوب منه لجمع النقاط اللازمة انجاز (12) بحثا لمرتبة الاستاذية اذا كان النشر محليا، و(6) بحوث اذا كان النشر عالميا خارج مجلات سكوباس، مع خضوع هذه البحوث للتقييم. 

كما ان انجاز هذا العدد يقتضي زمنا طويلا، ربما أكثر من ضعف المدة التي يتطلبها انجاز ثلاثة بحوث للترقية فيما اذا كان النشر في سكوباس، فضلا عن ان كثرتها تجعل عدم حصول بعضها على التقييم المطلوب احتمالا واردا، اضافة الى ان النشر المحلي لهذا العدد وهو اجراء مطلوب لأغراض الترقية يكلف مبالغ مقاربة لأجور النشر في سكوباس، ما وضع الأساتذة في نفق لا خلاص لهم منه الا من مخرج سكوباس، والسؤال المهم: كم من الأموال ننفق سنويا على النشر في سكوباس، بمعنى آخر ما حجم العملة الصعبة التي تذهب الى خارج البلاد، وما هي الجدوى الملموسة؟

وبهذا الشأن يشير بعض الأساتذة الى ان العملية باتت ذات طابع تجاري، وان هناك مكاتب متخصصة تقوم بمجمل العملية من الألف الى الياء مقابل أجور ضخمة، وان البحوث التي لا تمر من خلالها تتعرض لتأخير في النشر يمتد لشهور عدة، بينما لا تطول أسابيع اذا كان من خلالها.

ويؤكد بعض الأساتذة الأكفاء ان سكوباس ليست معيارا لجودة البحث العراقي، بدلالة ان الكثير من بحوثنا المنشورة فيها ليست بالمستوى المطلوب ولا قيمة علمية حقيقية لها، متسائلين: ما هي مظاهر انعكاس هذه البحوث على واقعنا، بمعنى ما هي المشكلات التي أسهمت في حلها ؟، فضلا عن تأكيدهم ان النشر في المجلات العالمية أضعف من امكانيات مجلاتنا المحلية التي يفترض ترصينها وتمكينها بدعمها ماديا ومعنويا.

وبدورنا نشاركهم السؤال: اذا كان النشر في سكوباس مهما بالنسبة للوزارة، فلماذا يُحمّل الأساتذة تبعاته المالية المرهقة لكواهلهم والمؤثرة على رزق عوائلهم، لماذا لا تتحمل الدولة هذه التبعات دعما لسمعتنا الدولية.

وأختم بالتمنى على الوزارة اعادة دراسة هذا الموضوع من وجوهه المختلفة، مع قناعتي ان دخول العالمية لا يتحقق الا من نافذة ترصين المنجز المحلي، أي مخرجاتنا الطلابية ووسائل نشرنا العلمية، والابتعاد عما هو دعائي الذي لن نجني منه سوى الوهم.

اضف تعليق