الجيل الحالي من الطلاب مهدد الآن بخسارة 17 تريليون دولار في إيرادات أفراده مدى حياتهم، أو حوالي 14 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للعالم، حسب القيمة الحالية للدولار، وذلك نتيجة لإغلاقات المدارس الناشئة عن جائحة كوفيد.. خسارة التعليم التي يعاني منها العديد من الأطفال هي أمر غير مقبول أخلاقياً...
الجيل الحالي من الطلاب مهدد الآن بخسارة 17 تريليون دولار في إيرادات أفراده مدى حياتهم، أو حوالي 14 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للعالم، حسب القيمة الحالية للدولار، وذلك نتيجة لإغلاقات المدارس الناشئة عن جائحة كوفيد-19، حسب تقرير جديد صدر عن البنك الدولي واليونسكو واليونيسف. وتكشف هذه التوقعات الجديدة عن أن التأثير أكثر شدة مما كان يُعتقد سابقاً، ويتجاوز كثيراً التقديرات التي صدرت في عام 2020 وتبلغ 10 تريليونات دولار.
إضافة إلى ذلك، يُظهر تقرير "حالة أزمة التعليم العالمية: مسار نحو التعافي" أن نسبة الأطفال الذين يعيشون في فقر تعليمي في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل — وكانت تبلغ 53 بالمئة قبل الجائحة — قد تصل إلى 70 بالمئة بسبب إغلاق المدارس لفترات طويلة وعدم فاعلية التعلّم عن بُعد في ضمان الاستمرار الكامل للتعليم إثناء إغلاق المدارس.
وقال خيمي سافيدرا، المدير العالمي للتعليم في البنك الدولي، "لقد أوقَفَتْ أزمة كوفيد-19 الأنظمة التعليمية في جميع أنحاء العالم. والآن، وبعد مرور 21 شهراً، ما زالت المدارس مغلقة لملايين الأطفال، وثمة أطفال آخرون قد لا يعودون إلى المدارس أبداً. إن خسارة التعليم التي يعاني منها العديد من الأطفال هي أمر غير مقبول أخلاقياً. وقد يؤدي الازدياد المحتمل في الفقر التعليمي إلى تأثيرات مدمرة على الإنتاجية والدخل والعافية في المستقبل لهذا الجيل من الأطفال والشباب، ولأسرهم، ولاقتصادات العالم".
لقد بدأتْ تظهر بيانات تؤكد على ما خَرجتْ به عمليات المحاكاة التي قدّرت بأن إغلاقات المدارس ستؤدي إلى خسائر كبيرة في التعلّم. فعلى سبيل المثال، تُظهر التقديرات الإقليمية من البرازيل، وباكستان، وريف الهند، وجنوب أفريقيا، والمكسيك، وأماكن أخرى حدوث خسارة كبيرة في تعلّم مادتي الحساب والقراءة. ويُظهر التحليل أن خسارة التعليم تتناسب، عموماً، مع مدة إغلاق المدارس. مع ذلك، فقد برز تباين كبير؛ بين البلدان، وحسب المواد الدراسية، وحسب الوضع الاجتماعي‑الاقتصادي للطلاب، والجنس، والمرحلة التعليمية. فعلى سبيل المثال، تُظهر النتائج من ولايات المكسيك خسارة كبيرة في التعليم في مادتي القراءة والرياضيات للطلاب بسن 10–15 سنة. وكانت خسارة التعليم المقدرة أكبر في الرياضيات عنها في القراءة، وأثرت تأثيراً غير متناسب على الطلاب الأصغر سناً والطلاب من الأوساط المنخفضة الدخل والبنات.
وفيما عدا بضعة استثناءات، تتماشى التوجهات العامة التي تبرز من الأدلة من جميع أنحاء العالم مع النتائج التي ظهرت في المكسيك، وتشير إلى أن الأزمة قد فاقمت انعدام المساواة في التعليم:
كانت الأرجحية أقل بأن يتمكن الأطفال من الأسر المعيشية المنخفضة الدخل، والأطفال ذوو الإعاقة، والبنات، من الوصول إلى التعلّم عن بُعد مقارنة بأقرانهم. وكان ذلك غالباً بسبب نقص الوسائل التكنولوجية والتيار الكهربائي والربط بشبكة الإنترنت والافتقار إلى الأجهزة الرقمية، إضافة إلى التمييز والأعراف الجنسانية.
تقل إمكانية الوصول إلى التعلّم عن بُعد للطلاب الأصغر سناً، كما أنهم تأثروا أكثر بخسارة التعليم مقارنة مع الطلاب الأكبر سناً، خصوصاً بين الأطفال في عمر ما قبل المدرسة خلال المراحل الحاسمة للتعلّم والنماء.
وقع التأثير الضار على خسارة التعليم على نحو غير متناسب على الفئات الأشد ضعفاً وعرضة للتهميش. وكانت خسارة التعليم أكبر بين الطلاب المنحدرين من أوضاع اجتماعية-اقتصادية أدنى في بلدان من قبيل غانا، والمكسيك، وباكستان.
تشير الأدلة الأولية إلى حدوث خسارة أكبر بين البنات، إذا يخسرن بسرعة الحماية التي توفرها المدارس والتعليم لعافيتهن وفرصهن في الحياة.
وقال روبرت جينكنز، مدير التعليم في اليونيسف، "لقد أغلقَتْ جائحة كوفيد-19 المدارس في جميع أنحاء العالم، وعندما بلغت ذروتها عطّلت التعليم لـ 1.6 بليون طالب، وفاقمت الفجوة بين الجنسين. وفي بعض البلدان، بدأنا نشهد خسائر أكبر في التعليم بين البنات وزيادة في خطر تعرضهن لعمالة الأطفال، والعنف الجنساني، والزواج المبكر، والحمل. ومن أجل وقف الضرر لهذا الجيل، يجب أن نعيد فتح المدارس وأن نبقيها مفتوحة، وأن نقوم بأنشطة توعية للمطالبة بعودة المتعلمين إلى مدارسهم، وتعجيل تعافي التعليم".
ويؤكد التقرير أن أقل من 3 بالمئة من حُزم الحوافز الاقتصادية التي وفرتها الحكومات خُصِّصت للتعليم لغاية الآن. وسيتطلب الأمر تمويلاً أكثر بكثير لتحقيق التعافي الفوري للتعلّم. كما يشير التقرير إلى أنه بينما وفرت جميع البلدان تقريباً فرصاً للتعلّم عن بُعد للطلاب، إلا أن جودة هذه المبادرات ونطاق وصولها ظل متفاوتاً — ففي معظم الحالات، وفّرت في أحسن الظروف بديلاً جزئياً عن التدريس الوجاهي. ويعيش أكثر من 200 مليون طالب في بلدان منخفضة الدخل وبلدان متوسطة الدخل من الشريحة الدنيا لم تكن مستعدة لنشر التعلّم عن بُعد أثناء الإغلاق الطارئ للمدارس.
يجب أن تظل إعادة فتح المدارس أولوية مهمة وملحّة عالمياً لوقف الخسائر في التعليم والتعويض عنها. ويجب على البلدان أن تضع برامج لتعافي التعلّم بهدف ضمان حصول طلاب هذا الجيل على الكفاءات نفسها على الأقل التي حصل عليها الجيل السابق. ويجب أن تغطي البرامج ثلاثة خطوط عمل لتعافي التعلّم: 1) تعزيز المناهج؛ 2) تمديد وقت التدريس؛ 3) تحسين فاعلية التعلّم.
وفيما يتعلق بفاعلية التعلّم، بوسع أساليب من قبيل التدريس الذي يستهدف فئات محددة من الطلاب أن يساعد في تعافي التعليم، مما يعني أن يكيّف المدرسون تدريسهم مع مستوى التعلّم للطلاب، بدلاً من الانطلاق من نقطة بداية مفترضة أو حسب توقعات المنهاج. وسيتطلب التدريس المستهدف التصدي لأزمة بيانات التعلّم من خلال تقييم مستويات تعلّم الطلاب، كما يستلزم توفير دعم إضافي للمعلمين ليكونوا مزودين بما يكفي للتدريس على المستوى الموجود بين الطلاب، وهذا أمر حاسم الأهمية لمنع تراكم خسارة التعليم حالما يعود الأطفال إلى المدارس.
وقالت ستيفانيا جيانيني، مساعدة المدير العالم لليونسكو لشؤون التعليم، "نحن ملتزمون بدعم الحكومات بصفة عامة في استجابتها لكوفيد من خلال خطة التعافي التي أُطلقت في وقت سابق من هذا العام. وثمة أمور كثيرة يمكن القيام بها، بقيادة من الحكومات ودعم من المجتمع الدولي، لجعل النظم أكثر مساواة وكفاءة وقدرة على الصمود، وللاستفادة من الدروس المستمدة على امتداد الجائحة، وزيادة الاستثمار. ولكن لتحقيق ذلك، يجب أن نجعل الأطفال والشباب أولوية حقيقية في وسط جميع المتطلبات الأخرى التي تفرضها الاستجابة للجائحة. فمستقبلهم — ومستقبلنا الجماعي — يعتمد على ذلك".
تداعيات حادة على نواتج التعلّم
لقد تسببت جائحة كورونا كوفيد-19 في اضطراب العملية التعليمية على مستوى العالم على نحو لم يسبق له مثيل، وكانت لذلك تداعيات حادة على نواتج التعلّم. إذ َأدت هذه الأزمة إلى توقف الأنظمة التعليمية في أنحاء العالم، وأثرت إغلاقات المدارس على أكثر من مليار طالب. وبالرغم من أن كل بلد تقريبا أتاح فرصا للتعلم عن بعد للطالب، كان هناك تفاوتاً كبيراً في جودة هذه المبادرات ونطاق تغطيتها، وكانت على أحسن تقدير بدائل جزئية للتعلّم المباشر داخل الفصل الدراسي. والآن، بعد مضي 21 شهرا، لا تزال المدارس مغلقةً بالنسبة لملايين الأطفال والشباب، وملايين آخرون معرضون لخطر ألا يعودوا أبدا إلى التعليم. وتُصور الشواهد المتزايدة على آثار إغلاقات المدارس على تعلّم الأطفال واقعاً مروعاً.
فخسائر التعلم كبيرة ومتفاوتة: ُتظهِر تقييمات لعملية التعلم في الآونة الأخيرة أن الأطفال في بلدان كثيرة فقدوا معظم أو كل التعلم الأكاديمي الذي كانوا سيكتسبونه في الأوضاع الطبيعية في المدرسة، وأكثر من تضرروا في هذا الشأن هم الأطفال الأصغر سنا والأكثر تهميشا وحرمانا.
وقد تفاقمت أزمة التعلم العالمية بأكثر مما كان يخشَى سابقاً: فهذا الجيل من الطالب معرضٌ الآن لخطر فقدان ما قيمته 17 تريليون دولار من دخولهم مدى الحياة بالقيمة الحالية بسبب إغلاقات المدارس، وهو ما يفوق بمراحل التقدير السابق في 2020 البالغ 10 تريليونات دولار. وفي البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، قد تزداد نسبة الأطفال الذين يعانون فقر التعلم -التي كانت بالفعل أكثر من50 % قبل الجائحة- بما يصل إلى 14 نقطة مئوية.
وقد فاقمت الأزمة أوجه عدم المساواة في التعليم، حيث استمرت عملية الإغلاق الكلي والجزئي للمدارس في شتى أرجاء العالم في المتوسط لمدة 224 يوماً. ولكن إغلاقات المدارس في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، استمرت في الغالب مدة أطول بالمقارنة بالبلدان مرتفعة الدخل، وكانت الاستجابة في العادة أقل فعالية. وتلقَّى المِّعلمون في الكثير من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل دعما محدودا لتطويرهم المهني من أجل الانتقال إلى التعلم عن بعد، الأمر الذي جعلهم غير مستعدين للتفاعل مع المتعلمين ومِّقدمي الرعاية وأولياء الأمور. وفي المنزل، تفاوتت قدرة الأسر على مجابهة الصدمة بحسب مستوى الدخل. فأطفال الأسرة المحرومة يقل احتمال استفادتهم من التعلم عن بعد بالمقارنة بنظرائهم، وذلك في الغالب بسبب نقص إمدادات الكهرباء، ووسائل الربط من خلال شبكة الإنترنت، ودعم ُمِّقدمي الرعاية وأولياء الأمور. وعانى الطالب الأصغر سنا والطالب ذوو الإعاقة إلى حد كبير من الإهمال في استجابات البلدان على صعيد السياسات، إذ إن ترتيبات التعلم عن بعد نادرا ما تم تصميمها على نحو يلبي احتياجاتهم الإنمائية. وواجهت الفتيات حواجز ومعوقات متفاقمة تحول دون تعلمهن في ظل إغلاقات المدارس، إذ حدت الأعراف الاجتماعية، وقلة المهارات الرقمية، ونقص الأجهزة الإلكترونية من قدرتهن على مواصلة التعلم.
لقد تعرض التقدم المُحرَز لخدمة الأطفال والشباب في مجالات أخرى للتوقف أو الانتكاسة. فالمدارسُ تقدم في الأحوال الطبيعية خدمات حيوية تتجاوز التعلم، وتتيح مساحات آمنة للحماية. وأثناء إغلاقات المدارس، تعرضت صحة الأطفال وسلامتهم للخطر مع ازدياد العنف الأسري وتشغيل الأطفال، وحُرم أكثر من 370 مليون طفل في أنحاء العالم من الحصول على الوجبات المدرسية أثناء إغلاقات المدارس، ففقدوا ما يعتبر لبعض الأطفال المصدر المنتظم الوحيد للغذاء والتغذية اليومية. ووصلت أزمة الصحة العقلية بين الشباب إلى مستويات غير مسبوقة.
اضطرت أزمة جائحة كورونا الأوساط التعليمية على الصعيد العالمي إلى استخلاص بعض الدروس المهمة، لكنها سلطت الضوء أيضا على أن إحداث التحول والابتكار أمر ممكن. فعلى الرغم من مواطن النقص والقصور في مبادرات التعلم عن بعد، فإنها انطوت على بعض النقاط المضيئة والابتكارات. وينطوي التعليم عن بعد والهجين الذي أصبح ضرورة حينما تفشت الجائحة على إمكانية إحداث تحول في مستقبل التعلم لو تم تدعيم الأنظمة، وتحسَّنت سبل الاستفادة من التكنولوجيا لتكملة المعلمين المهرة الذين يلقون دعما كبيرا.
ومن الضروري إعطاء الأولوية القصوى لإعادة فتح المدارس. فتكلفة إبقاء المدارس مغلقةً باهظة، وتُنذِر بعرقلة تقدم جيلٍ من الأطفال والشباب، وفي الوقت ذاته توسيع التفاوتات التي كانت قائمة قبل الجائحة. ولذلك يجب أن تكون إعادة فتح المدارس وإبقائها مفتوحة الأولوية القصوى للبلدان، إذ إن ثمة شواهد متزايدة تشير إلى أنه باتخاذ تدابير كافية يمكن تقليص المخاطر الصحية على الأطفال والعاملين في التعليم. وإعادة فتح المدارس هي أفضل تدبير منفرد يمكن للبلدان اتخاذه لعكس مسار خسائر التعلم.
ولمعالجة أزمة التعلم، يجب على البلدان أوالً معالجة أزمة بيانات التعلم عن طريق تقييم مستويات التحصيل الدراسي للطالب. ومع أنه تم الآن توثيق خسائر كبيرة في مهارات القراءة والحساب في عدة بلدان، فإن الشواهد بشأن خسائر التعلم ال تزال شحيحة، وتكشف عن تفاوتات بين البلدان والصفوف الدراسية والمواد الدراسية وخصائص الطالب. ومن الضروري أن يتاح لواضعي السياسات ومديري المدارس والمعلمين الوصول إلى بيانات التعلم التي تبين سياقها، وأن يتم تصنيف بيانات التعلم بحسب مختلف الفئات الفرعية للطالب حتى يمكنهم توجيه العملية التعليمية وتسريع وتيرة استرداد التعلم لدى الطالب.
وللحيلولة دون تراكم خسائر التعلم حالما يعود الأطفال إلى المدرسة، يجب أن تعتمد البلدان برامج لاستعادة التعلم تشتمل على إستراتيجيات تقوم على الشواهد. وتُظهِر الشواهد المستقاة من أزمات سابقة في التعليم أنه مالم تتخذ تدابير تصحيحية، فإن خسائر التعلم قد تزداد بعد عودة الأطفال إلى المدارس إذا لم يتم تعديل المناهج الدراسية وأساليب التدريس لتلبية احتياجات الطالب للتعلم. ويمكن الحيلولة دون تراكم خسائر التعلم باعتماد برامج لاستعادة التعلم تجمع مزيجاً من السياسات الملائمة للسياق من الأساليب الناجعة للنهوض بالتعلم الأساسي. وبالإضافة إلى استعادة ماُفِقد من التعلم، يمكن أن تساعد هذه التدابير على تحسين نواتج التعلم في الأمد الطويل عن طريق تحسين استجابة الأنظمة لاحتياجات التعلم لدى الطالب. ولكن يجب على البلدان الآن أن تعمل لتحقيق هذا من خلال الاستفادة من الفرص المتاحة لتحسين أنظمتها قبل أن تصبح خسائر التعلم دائمة.
وبالإضافة إلى معالجة خسائر التعلم، تتطلب إعادة البناء على نحو أفضل معالجة الخسائر الاجتماعية العاطفية لأطفال. فإغلاقات المدارس لم تتسبب في تعطيل العملية التعليمية فحسب، بل أثرت أيضا على تقديم الخدمات الأساسية، بما في ذلك التغذية المدرسية والحماية والدعم النفسي الاجتماعي، مما أثر على رفاه الأطفال وصحتهم العقلية بوجه عام. ويأتي على رأس الأولويات إعادة فتح المدارس ودعمها في تقديم خدمات شاملة تعزز الرفاهة والدعم النفسي الاجتماعي. لكن ذلك لن يحدث إلا إذا تم تجهيز المعلمين وتدريبهم على نحو كاف لدعم الاحتياجات الكلية للأطفال. ويجب دعم جميع المعلمين وإعدادهم للتعليم التعويضي، والصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي، والتعلم عن بعد.
إن إعادة البناء على نحو أفضل تقتضي أن تقوم البلدان بقياس مدى فعالية استجابتها على صعيد السياسات في تقليص خسائر فقد التعلم وتحليل آثارها على الإنصاف، ثم استخدام ما تعلمته لمواصلة التحسين. ومن الضروري تحسين الأنظمة لإنتاج بيانات موثوق بها في الوقت المناسب من أجل تقييم استجابات السياسات واستخلاص الدروس المستفادة لتطبيقها في أزمة التعليم التالية. ويلزم إجراء مزيد من البحوث بشأن أفضل السبل لتنفيذ السياسات والبرامج إلى جانب السبل المنهجية لدمج توليد الشواهد في استجابات السياسات من البداية. ويجب على الأوساط التعليمية على الصعيد العالمي مساندة هذه الجهود عن طريق تقوية التعاون وتبادل المعارف.
إن لدى البلدان فرصة سانحة لتسريع وتيرة التعلم، وزيادة كفاءة المدارس وجعلها أكثر إنصافا وقدرةً على الصمود عن طريق البناء على الاستثمارات التي تمت والدروس التي استُخلصت خلال الأزمة. وحان الوقت الآن للانتقال من الأزمة إلى التعافي، وبعد التعافي إلى أنظمة التعليم التحويلية القادرة على الصمود التي توفر حقاً التعلم والرفاهة لكل الأطفال والشباب.
ومن أجل إقامة أنظمة تعليم أكثر قدرة على الصمود على المدى البعيد، يجب أن تدرس البلدان:
الاستثمار في البيئة التمكينية لإطلاق إمكانات فرص التعلّم الرقمي لجميع الطلاب.
تعزيز دور الوالدين والأسر والمجتمعات المحلية في تعلّم الأطفال.
ضمان توفير الدعم للمعلمين وإمكانية حصولهم على فرص التطوير المهني العالية الجودة.
زيادة حصة التعليم في مخصصات الميزانية الوطنية لحزم التحفيز الاقتصادي.
الجائحة تكشف عن أوجه ضعف
ووفقا لتقرير جديد صدر سابقا عن صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) فإن ما لا يقل عن 200 مليون طالب مدرسة يعيشون في بلدان ما زالت غير مستعدة لاستخدام التعلم عن بُعد في حالات إغلاق المدارس المستقبلية الطارئة.
ويعيش هؤلاء الطلاب في 31 بلدا من البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل التي تظل غير مستعدة لاستخدام التعلّم عن بُعد في حالات إغلاق المدارس المستقبلية الطارئة.
وحوالي نصف هذه البلدان (14 دولة) ظلت مغلقة تماما أو جزئيا على امتداد نصف فترة جائحة كـوفيد-19 على الأقل، مما أدى إلى عدم توفر أي شكل من أشكال التعليم لحوالي 102 مليون طالب.
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، هنرييتا فور: "حتى في وسط حالة طارئة جارية، نحن نعلم أن ثمة حالة طارئة أخرى قادمة، بيد أننا لا نحقق تقدما كافيا لضمان ألا يجبر الطلاب على مغادرة مدارسهم في المرة المقبلة، وضمان توفير خيارات أفضل لهم."
من أبرز نتائج التقرير، هو أنه من بين البلدان الـ 67 التي جرى تقييمها، ثمة 31 بلدا غير مستعد لتوفير التعلم عن بُعد لجميع المستويات التعليمية، وكان الطلاب في منطقة غرب ووسط أفريقيا هم الأشد تأثرا؛ وثمة 17 بلدا حقق مستوى متوسطا من الاستعداد؛ و19 بلدا حقق مستوى فوق متوسط من الاستعداد.
وأدت جائحة كوفيد-19 إلى تعطيل التعليم لما يقدر بنحو 1.2 مليار طفل، مما أجبر المدارس في جميع أنحاء العالم على إيجاد طرق جديدة لتعليم الأطفال.
وكانت مرحلة التعليم قبل الابتدائي هي المرحلة الأكثر تعرّضا للإهمال، وثمة بلدان عديدة لم تسن سياسات بهذا الشأن أثناء إغلاقات المدارس الناشئة عن كوفيد-19، مما جعل أصغر المتعلمين يتخلفون عن الركب في السنوات الأكثر أهمية لنموهم.
ومن بين البلدان التي توجد فيها حاجة ماسة لتحسين قطاع التعليم كل من إثيوبيا وبنن وبوروندي وتوغو وكوت ديفوار والكونغو ومدغشقر وملاوي والنيجر.
تعطيلات كبيرة
يعرض التقرير محدودية التعلم عن بعد، وانعدام المساواة في إمكانية الوصول إليه، ويحذّر من أنه من المرجح أن يزداد الوضع سوءا أكثر كثيرا مما تشير إليه البيانات الحالية.
إذ يقيس مؤشر الاستعداد للتعلم عن بُعد مدى استعداد البلدان لتقديم التعلم استجابة إلى أي تعطيلات للتعليم الذي يتم وجها لوجه، والذي يغطي زهاء 90 في المائة من الطلاب في البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل من الشريحة الدنيا. ويركز التحليل على ثلاثة مجالات: توافر المواد في المنزل ومستوى التحصيل العلمي للوالدين؛ سن سياسات بخصوص التعلم عن بعد وتدريب المعلمين؛ واستعداد قطاع التعليم في فترات الطوارئ.
فأثناء الجائحة، كان تأثير نقص الاستعداد لتقديم التعلّم عن بُعد كبيرا بصفة خاصة على الطلاب الذي يعيشون في بلدان ظلت مدارسها مغلقة كليا أو جزئيا لمدة لا تقل عن نصف مدة الأشهر الـ 19 الماضية، مثل الكونغو ومدغشقر.
وقالت السيدة هنرييتا فور: "بينما شهدت الأشهر الـ 19 الماضية تعطيلات عديدة، فقد أبرزت هذه الفترة ملامح ما يمكن أن يحدث أثناء الجائحة وبعدها. لقد عملنا بدأب، بالتعاون مع الوالدين، للاستفادة من قوة التكنولوجيا وتوفير فرص تعليم للأطفال واليافعين في كل مكان."
لا بديل عن الحضور إلى المدرسة
يؤكد التقرير على ألا بديل عن التعلم وجها لوجه. مع ذلك، يمكن للمدارس القادرة على الصمود والتي تمتلك أنظمة قوية للتعلم عن بُعد، لا سيّما التعلّم الرقمي، أن توفر درجة من التعليم أثناء إغلاقات المدارس في أوقات الطوارئ. علاوة على ذلك، يمكن لهذه الأنظمة أن تدعم الطلاب لاستدراك ما خسروه من تعليم حالما تعيد المدارس فتح أبوابها.
وتعمل اليونيسف مع شركاء القطاعين العام والخاص، عبر مبادرة "رؤية جديدة للتعليم" لتزويد الأطفال واليافعين بإمكانية متساوية في الحصول على التعليم الرقمي الجديد، بهدف تزويد 3.5 مليار طالب بحلول عالمية للتعليم الرقمي عند بلوغ عام 2030.
ولتحقيق هذا الهدف، تشير اليونيسف إلى ما يُسمّى بـ "جواز سفر التعلّم" وهي منصة تعلم عالمية تم تطويرها بالتعاون مع شركة مايكروسوفت وتدعم 1.6 مليون متعلما أثناء إغلاق المدارس.
وقد تعززت مبادرة "رؤية جديدة للتعليم" بمبادرة "غيغا" GIGA وهي مبادرة عالمية لليونيسف والاتحاد الدولي للاتصالات تهدف لربط كل مدرسة والمجتمع المحلي المحيط بشبكة الإنترنت.
وبحسب اليونيسف، حتى الأسبوع الحالي، تمكنت مبادرة "غيغا" من وضع خريطة لمليون مدرسة في 41 بلدا وربطت أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة تتوزع على أربع قارات، مما عاد بالفائدة على 700 ألف متعلم.
اضف تعليق