q
لا يقل وقعا سيئا على نفوس العراقيين من بقية المصائب اليومية التي يسمعونها سماعهم خبر خروج العراق من تصنيف منتدى دافوس وفق تقييمه الأخير الذي أصدره أواخر نيسان المنصرم، اذ اثار هذا النبأ غضب الطبقة الاكاديمية كونه جاء مخالف لأمنياتها وطموحها التي تريد النهوض بالواقع التعليمي وازدهاره بدلا من...

لا يقل وقعا سيئا على نفوس العراقيين من بقية المصائب اليومية التي يسمعونها سماعهم خبر خروج العراق من تصنيف منتدى دافوس وفق تقييمه الأخير الذي أصدره أواخر نيسان المنصرم، اذ اثار هذا النبأ غضب الطبقة الاكاديمية كونه جاء مخالف لأمنياتها وطموحها التي تريد النهوض بالواقع التعليمي وازدهاره بدلا من تراجعه وتخلفه.

يحرص مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي في دافوس على إصدار ترتيب عالمي للدول سنويا حسب تطور جودة التعليم لديها، ويعتمد التقرير على 12 معيارا هي:

1 . المؤسسات والابتكار 2. بيئة الاقتصاد الكلي 3. التعليم الجامعي 4. التدريب 5. الصحة 6. التعليم الأساسي 7. كفاءة أسواق السلع 8. كفاءة سوق العمل 9. تطوير سوق المال 10. الجاهزية التكنولوجية 11. حجم السوق 12. تطوير الأعمال والابتكار.

كان العراق ولغاية تغيير النظام من البلدان التي يقصدها اغلب الطلبة العرب لنيل الشهادة الجامعية والعليا من احدى جامعاته، لما يتمتع به نظامه التعليمي من رصانة كبيرة، ومواكب للمتغيرات التي تطرأ في الحقول العلمية، اذ ينقل لنا الأكبر منا سننا بأن لديهم صدقات من طلبة يمنيين وفلسطينيين وغيرهم من البلدان العربية.

وبذلك كان العراق حاضنة من الحواضن العلمية، وبلد جاذب للكفاءات المتمكنة من إدارة المؤسسات الاكاديمية والعلمية، ففي التسعينيات من القرن المنصرم استثمرت اغلب الجامعات العربية الأستاذ العراقي وجعلته ضمن طواقمها التعليمية، وكذلك الحال بالنسبة للمدارس في دول كثيرة عربية، استعانت بالمعرفة التربوية التي يمتلكها المدرس في العراق.

هذه المؤشرات جميعها تدلل على ان العراق كان بلد ذو مكانة علمية يشهد لها القاصي والداني، لكن ثمة عوامل تكالبت عليه وجعلته يتراوح في مكانه لسنين، ولم تكتفي بالوقوف في مكان ما، بل عملت على ارجاعه مراتب متعددة وصولا الى النتيجة غير المرضية والحال المُزري الذي يعشيه الجانب التعليمي، وآخرها تكرار خروجه من تصنيف الدول العربية الذي كان يتقدمه لعقود خلت، وقد وصفت جهات مختصة هذا الخروج بالانتكاسة الكبيرة للبلاد والخيبة التي تتحمل السلطات تبعاتها.

تشخيصا لما يمر فيه التعليم في العراق نقول ان الجوانب العلمية في بلاد العلم والمعرفة باتت تحتل المرتبة الأخيرة في قائمة الاهتمام الحكومي، والشواهد على ذلك كثيرة، فما معنى ان تدمج دوام ثلاث مدارس في مدرسة واحدة؟، اذ يتقاسم الثلاث الوقت بما لا يزيد عن الساعتين ونصف وفي بعض الأحيان يتجاوز ذلك قليلا.

بمثل هذه الظروف كيف يتمكن الأستاذ من إعطاء المادة العلمية وشرحها تفصيليا الى الطلبة، ما دام الوقت يداهمه والصف مكتظ بأكثر من أربعين طالبا!!، ناهيك عن الأساليب البدائية المتبعة في التعليم، مع إهمال واضح من قبل الوزارة والحكومة بصورة عامة الى اتخاذ موقف جاد ومسؤول حيال السياسات والخطط والبرامج للمؤسسات التربوية والتعليمية في العراق.

التراجع الذي أصاب التعليم في العراق يعود في بعض الأحيان الى تهالك المناهج الدراسية، وعدم تحديثها بما يتلاءم وروح العصر، فمن الممكن ان تجد بعض الموضوعات، كان آباءنا يدرسونها عندما كانوا في المراحل الابتدائية والمتوسطة، وبالتأكيد عدم التجديد هذا يؤدي الى تخلف في البيئة التعليمية وعدم رقيها بأي شكل من الاشكال.

هذا على مستوى التعليم الابتدائي والمتوسط، اما لو انتقلنا الى المستوى الجامعي، فربما نحتاج الى كراسات لكتابة ما نرصده من إخفاقات، على الرغم من وجود جيوش جرارة من الأساتذة الحاملين لشهادة الماجستير والدكتوراه بشتى الاختصاصات، لكنهم عاجزين عن تقديم حلول قادرة على تخطي الازمة وعبور المرحلة الحرجة وذلك لسببين:

السبب الأول: هو عدم تمتعهم بخزين علمي ومعرفي يمكنهم من إيجاد الحلول للمشكلات التي تعصف بالبيئة الاكاديمية، وتجدهم يجلبون أكثر الحلول بساطة، لا تتعدى الحلول المرحلية وليس الجذرية لمشاكل تزداد تعقيدا يوما بعد آخر.

والسبب الثاني: هو التخلي الحكومي عن دعم القطاع الأكاديمي، فنجد الأبنية في طريقها الى التهالك، بينما، كان يفترض ان تقوم بتجديد البنايات وتطويرها، الى جانب تزويدها بالأجهزة والمعدات اللازمة لتوفير بيئة تمكن الطلبة من الابداع والتمييز بمختلف المجالات.

تعليق خجول

عقلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بعد ان تناقلت الوكالات الإخبارية الخبر المشؤوم، وعمد الافراد الى تناوله بصورة مكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قالت: إنه "توضيحا لمساحة التصورات المجزوءة التي يرددها غير المختصين بشأن جودة التعليم في العراق، فإن جهاز الاشراف والتقويم العلمي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يؤكد أن مؤشر التنافسية العالمية (GCI) الذي يصدره منتدى دافوس مختص بقياس المؤشرات الاقتصادية وإيضاح قدرة الدول على توفير مستويات الرخاء لمواطنيها ويعتمد على مدى إنتاجية البلدان في استخدام مواردها المتاحة لتشخيص التنافسية العالمية عبر مجموعة المؤسسات والسياسات والعوامل التي تحدد المستويات الحالية والمتوسطة الأجل للازدهار الاقتصادي".

لو قبلنا بدفاع الوزارة عن نفسها، بأن المؤشر لا يتعلق بجودة التعليم بل يختص بدور الجامعات في تحقيق التنمية الاقتصادية، وهنا نحاول معرفة الخطط التي قدمتها المؤسسة الأكاديمية العراقية لإنعاش القطاع الاقتصادي المتردي في عموم البلاد، فلا توجد خطة يمكن الاعتماد عليها، لجعله اقتصاد متعدد المصادر غير احادي.

والبحوث المقدمة لا تتعدى الادراج، تأكلها الاتربة مهما حملته من خطط واستراتيجيات نافعة للبلد، ومحققة للطموحات التي يرجوها الحريصون على هذا البلد من الضياع.

بعض الحلول وليس جميعها:

من بين الحلول التي بدورها تعيد الامجاد للعملية التعليمية في البلاد والدخول بأغلب التصنيفات العربية والعالمية.

1. إعادة هيكلة المناهج التعليمية وعمل اختزال واسع للصبغة القديمة وإحلالها بأخرى تتميز بالحداثوية وروح والعصر.

2. كذلك تأسيس جامعات حديثة تضم بنى تحتية متطورة توفر متطلبات المجتمع الأكاديمي والتعليمي الرصين.

3. عقد اتفاقيات ومذكرات تفاهم علمية بين الجامعات المحلية والعالمية الأكثر تقدما في مجالاتها المختلفة، من اجل تبادل الخبرات العلمية وتلاقح الأفكار بما يخدم هذا القطاع العلمي والحيوي في البلاد.

4. إدخال الطواقم الاكاديمية دورات وورش عمل للنهوض بمستواهم العلمي، والذي سينعكس بصورة إيجابية على مستوى الطلبة.

5. إجبارهم على تقديم بحوث علمية ليس الهدف منها الترقية فحسب، وبالتالي تكون عملية إسقاط فرض، بل مطالبتهم بالاطلاع على المصادر الأجنبية وتضمينها بحوثهم المقدمة.

6. إطلاق مجلات علمية محكمة في اغلب الجامعات، والسماح للأستاذة النشر فيها وفق شروط وضوابط صارمة لا يتعداها من البحوث الا من يحمل من الرصانة والأدوات البحثية قدرا كبيرا.

اضف تعليق