فالدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم كما يقول الامام علي (عليه السلام)، فالعلم أصل كل خير، والجهل أصل كل شر، وكفى العلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه، وقانون تقييم الشهادات أصله شر، وصنّاعه أشرار، لأنه يقتل الرصانة العلمية في التعليم، ويسمح للجهلاء أن يكونوا أسيادا للوطن...
خبر مفزع ومحزن وكارثي، ان بقتل التعليم بآخر رصاصة من قادة الجهل، وان تنتهي آخر لعبة لمحو العراق بهذه الطريقة الممنهجة، فما عاد المال يكفي (كروش) النخب السياسية، ولا السلطة تملي عيونهم، ولا خزائن العراق التي سرقوها بالسحت الحرام تطفئ نواقصهم الكثيرة، ما عاد لديهم ألا البحث عن امتياز جديد، وصفقة للمباهاة، فالعّقد تتضخم عندهم مثل المريض المصاب بتضخم البروستات، فلا المال والسلطة تشبع غرائزهم المريضة وتخلصهم من عقدّة الدونية المستفحّلة، ألا الحصول على الشهادة العليا ولقب الدكتوراه!
حقا الوطن في خطر حقيقي، خطره في قانون معادلة الشهادات والدرجات العليا الذي مررّه مجلس النواب قبل ايام، وهو قانون يمنح شهادة الموت للتعليم والرصانة العلمية، ويغادر إلى عالم الاخوانيات والجهل لتوزيع الشهادات العلمية إلى الأميين والفاسدين وأهل النخب الجاهلة، سنقرأ الفاتحة على التعليم المريض المتبقي، ونودعه بلا رحمة، فما عاد لدينا عزيز قوم، ألا هؤلاء الجهلة الذين أسسوا لنا جهالة في العلم والحياة، وخربوا لنا جمال الوطن والقه بتهديم كيان التعليم العالي.
الأخطر اليوم، أن يتحول تقييم الشهادة ومعادلتها إلى إجراءات روتينية، كأن الشهادة أصبحت طبخة فول مدمس، فلا يهم مصدرها ومنشؤها وهويتها الوطنية، فالقيمة العلمية للشهادة ومحتوى الشهادة المراد معادلتها في ضوء القانون المثير للجدل هي إجراءات روتينية كما جاء في القانون، والعاقل يفهم سر هذا الروتين، ومايخبئه من أسرار، فأنت الى أية طائفة تنتمي، واي حزب ولاؤك، وكم من المال تدفع؟!
أقرأوا الفاتحة على التعليم، فالقانون الجديد سيعيدنا إلى عصور الجاهلية الآولى، سندرس أصول الدين من باب تعليم الغش، وستذهب حكمة لقمان ووصاياه من تعليمنا إلى قبور مجلس النواب، وستذهب حكمته الأبدية: يابني جالس العلماء وزاحمهم بركبتك، فما عاد في هذا القانون علماء ولاركب!
فالدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم كما يقول الامام علي (عليه السلام)، فالعلم أصل كل خير، والجهل أصل كل شر، وكفى العلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه، وقانون تقييم الشهادات أصله شر، وصنّاعه أشرار، لأنه يقتل الرصانة العلمية في التعليم، ويسمح للجهلاء أن يكونوا أسيادا للوطن!
أقرأوا ديباجة القانون، سترون العجب العجاب في شهر رجب، وستجدون كلاما معسولا مدافا بالسم الزعاف، ومصطلحات جميلة وأنيقة، وعشرات المصطلحات الكبيرة كالمتفوقين والمبدعين والمبتكرين، وكلها محشوة بكلمات رنانة ، الرصانة العلمية وتشجيع البحث العلمي والمعايير الموضوعية، ومع ذلك لا تجد فيها علما مفيدا، وبابا لدخول بوابة العصر الجديد، بل ستجد مصادرة للحقوق العلمية لوزارة التعليم العالي، وإبعادها عن اتخاذ القرار، وكأنها ضيعة من ضيعات مجلس النواب، مثلما سيكون هذا القانون خادما لمصالح طبقة النواب وأصحاب الوظائف الخاصة لنيل الشهادات العليا بدون الحاجة إلى تفرغ، ودون التدرج التعليمي المتعارف عليه دوليا، بل هناك خدمات وتسهيلات لا مكانة لها في الأنظمة التعليمية المتقدمة، كإلغاء متطلب وجود أطروحة أو بحث في شهادة الدكتوراه لأجل معادلتها، واستثناء فئات كثيرة من أسس تقييم وتعادل الشهادات، ومنح صلاحية تقييم ومعادلة الشهادات إلى جهات لا علاقة لها بالتعليم العالي والجامعات، والأخطر هو منح الألقاب العلمية الجامعية الخاصة بالتدريسيين في الجامعات لعموم الموظفين من قبل مؤسسات لا علاقة لها بالجامعات.
باختصار شديد، القانون لصالح النائب الذي يحمل الشهادة المتوسطة أو الثانوية، ولخريجي الكليات والمعاهد الدينية التي لا أصول لها علميا، ولصاحب المال القادر على الدفع نقدا من المال السحت الحرام، وللأحزاب التي تعاني فقر الشهادات لاستثمارها في الانتخابات، وللجامعات التي تخرج طلابها وهم في بيوتهم نائمين، والمعوق العلمي الفاشل من اجل الحصول على اللقب العلمي، والقصة لا تنتهي إلا برؤية عراق مدمّر!
أقرأوا الفاتحة على التعليم، فهناك كارثة تعليمية ستحل على بلادنا، تضاف إلى الكوارث المتوالية في مختلف الميادين، ستتّفجر أزمات وأزمات، بعضها في الداخل، حيث ازدهار بيع بورصات الشهادات العليا، وتداولها بين الأميين، وفي الخارج ازمة الاعتراف العالمي بالشهادات العراقية، وجعلها موضع سخرية العالم!
أعترف أن هذا القانون سيدخل العراق في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بوصفه البلد الذي يتفوق فيه أعداد حاملي الشهادات العليا على أعداد الأميين، وأعداد الأميين من حملة الدكتوراه صنف العلامة المقلّدة على الدكتوراه من صنف العلامة الأصلية!
سينفجر العالم بالضحك والبكاء علينا في الوقت ذاته...
اضف تعليق