q
يصعب على القطاع الحكومي توفير الدرجات الوظيفية لجميع الخريجين لاسيما من اصحاب الشهادات العليا، ولكي تخرج الحكومة من هذا المأزق، عليها سن القوانين التي تحكم القطاع الخاص، وبذلك تكون قد وفرت على نفسها الكثير من الوقت والجهد، فهي لم تقوم ببناء تلك المؤسسات ولم تتحمل تكلفة خدماتها المختلفة...

جلست في أحد المقاهي ذات مساء سمعت شابان يتبادلان أطراف الحديث عن الأحداث اليومية، وبضمنها اعتصام حملة الشهادات العليا المفتوح الذي يحدث حاليا في منطقة العلاوي ببغداد، استشعرت من نبرة كلامهما مدى المظلومية التي لحقت بهذه الشريحة التي تعد من الشرائح المهمة والمثقفة في البلاد، وعرفت فيما بعد انهما يحملان شهادات عليا في اختصاصات علمية وانسانية ايضا.

بعد ذلك أخذت الأسئلة تتزاحم في مخليتي، لماذا هؤلاء أكملوا دراستهم الجامعية؟، ولماذا واصلوا مشوارهم العلمي للحصول على الدرجات العليا؟، أليس من اجل تحسين الواقع العلمي والنهوض بالحقل التعليمي الذي يعتبر من اساسيات التقدم والازدهار اذ ما أراد ذلك بلد من البلدان.

قبل سنوات من الآن كان حلم بعض الطلبة إكمال مسيرتهم الأكاديمية، لكن وبعد هذه الصدمة تحولت خارطة الأحلام، واجريت عليها الكثير من التعديلات، اذ أصبح محورها هو الحصول على درجة وظيفية بالمؤسسات الحكومية، كجزء من تعويض التعب على مدار الرحلة العلمية الطويلة والمحفوفة بالمصاعب.

فما يمرون به حملة الشهادات هو اجحاف وعدم أنصاف من قبل أطراف عدة، جعلهم يتحملون المخاطر وينظمون وقفات ويطلقون الأصوات المناشدة بأحقاق الحق وتعويض تعب السنين، فمن هذه الجهات المضطهدة هي الجامعات الأهلية التي تتعامل مع الأساتذة بصورة عامة بأسلوب خال من اللياقة والاحترام للمكانة العلمية، اذ انهم لم يعطوا الأكاديمي ما يستحقه من الناحية المادية والمعنوية.

والذي سمح لهم بهذه المعاملة هو الافتقار لبيئة تشريعية قادرة على حفظ حقوق هؤلاء، وأجبار الجامعات الأهلية على معاملتهم بالشكل الأمثل الذي يجعلهم قانعين بما لديهم، وفرحين بعملهم الذي يشعرهم بأهميتهم في الأوساط المجتمعية والأكاديمية معا.

ان ما يثير مخاوف الشريحة الأكاديمية هو غياب القوانين التي تساوي العاملين في القطاع الأهلي مع الحكومي، وتقليل الفوارق المتعلقة بالامتيازات وضمان الديمومة في العمل التدريسي، كون الأغلبية تعيش حالة عدم الاستقرار خوفا من مزاجية المستثمر او رئيس الجامعة الذين لا يبالون بأنهاء الخدمات في اي لحظة ولاتفه الاسباب.

اذا وفرنا هذه المساحة الأمينة للأساتذة العاملين في القطاع الأهلي نجعل الأمان يخيم بين تلك الأوساط، ومن ثم تعطيهم الدافع لتقديم افضل ما لديهم من طرق وأساليب لايصال المعلومة وإعطاء المادة العلمية حقها، بينما قد يكون من عوامل عدم التطور والنهوض العلمي المطلوب لإنعاش الجوانب المعرفية في المجتمع هو اهمال ايجاد البيئة المناسبة.

يصعب على القطاع الحكومي توفير الدرجات الوظيفية لجميع الخريجين لاسيما من اصحاب الشهادات العليا، ولكي تخرج الحكومة من هذا المأزق، عليها سن القوانين التي تحكم القطاع الخاص، وبذلك تكون قد وفرت على نفسها الكثير من الوقت والجهد، فهي لم تقوم ببناء تلك المؤسسات ولم تتحمل تكلفة خدماتها المختلفة، وحينها تكون قد ضربت عصفورين بحجر، اذ انها اعطت الصبغة الرسمية للعاملين بالقطاع الخاص من جهة، وهدأت الشارع المنتفض ضدها بحثا عن التعيين من جهة اخرى.

ففي حال لم تلتفت الحكومة الى هذه الجزئية المهمة في الوقت الحالي، فأنها ستُجبر عليها في قادم الأيام، لكن قد تكون المشكلة تفاقمت وخرجت عن السيطرة، ذلك بسبب ان الإعداد تأخذ بالتصاعد يوما بعد آخر، ولا توجد خطة قادرة على استيعاب تلك المخرجات وبجميع المجالات.

اضف تعليق