ان الأجواء النفسية المتوترة في البيت والأوامر الصارمة والالحاح الزائد لا تساعد على الحفظ، فيما الأجواء النفسية المريحة تثير انفعالات المودّة والحب والتعاطف، وحين تظهر هذه الانفعالات على الوجوه فأنها تنشّط الذاكرة على الحفظ والاستيعاب، وعلى الأزواج عقد (هدنة) بعدم اثارة المشاحانات خلال الامتحانات...
في مواسم امتحانات نهاية العام تدخل الأسرة العراقية الكريمة بحالة انذار. فالأمهات يحرصن على توفير أجواء مريحة لابنائهن وما يحتاجون اليه من طعام وشراب، والآباء يحرصون على شراء ما يحتاجه ابناؤهم وتأمين ايصالهم الى مراكزهم الامتحانية. والمفرح ان الدافعية نحو العلم ازدادت كثيرا" لدى الطلبة بعد ان صارت الوظيفة مجزيه مقارنة بسنوات الحصار حين كان راتب المعلمة لا يساوي ثمن شراء حذاء لها.
ان الامتحانات تجلب للاسرة ضغوطا" نفسية لا يجيد بعض الآباء والأمهات اسلوب التعامل معها . فالأب من النوع المتسلط يعمد الى استخدام التخويف وعبارات التهديد( اكسّر راسك اذا ما تنجح.. ) دون ان يدرك ان هذا الاسلوب قد يقود الى النتيجة التي يحّذر منها،لأن الشعور بالخوف يشوش فكر الطالب ويضعف قدرته على الحفظ والاستيعاب في اثناء القراءة،ويربكه ساعة الامتحان حين يواجه سؤالا" صعبا"،فينشغل فكره فيما سيحصل له من أبيه..يؤكد قولنا هذا ان الدراسات تشير الى ان التحصيل الدراسي لأبناء الآباء المتسلطين أقل بكثير مقارنة بابناء الآباء الديمقراطيين.
بالمقابل هنالك امهات يردن من بناتهن ان يكن متفوقات،لغايتين: التباهي،وضمان الدخول في كلية محترمة ( الطب،طب الاسنان،الصيدلة..) فيعمدن الى المبالغة بخدمتهن في فترة الامتحانات ( لا تشتغلين يمّه..اريدك تطلعين اولى وتبيضين وجهي..) دون ان يدركن ان الطلبة عموما" يتفاوتون في قدراتهم العقلية،وان جهاز الذاكرة وآلياته القائمة على ( ترميز المعلومه، وخزنها،واسترجاعها) يختلف من طالب لآخر.
ان النجاح الأمثل في الامتحان هو ان يستثمر الطالب (الطالبة) اقصى قدراته في التحضير له، وليس شرطا" ان يكون متفوقا" على اقرانه،أو محققا" لطموحات والديه التي تفوق قدراته العقلية. وللأسف ان بعض الآباء يضغط بشدة على ابنائه معتقدا ان القراءة الكثيرة والمتواصلة تضمن النجاح،وآخرين يضغط عليهم باتجاه التفوق لضمان القبول في كليات طبية او هندسية،وصنف ثالث يشيع في البيت اجواء الخوف والتهديد و(ياويلك مني من ترسب!).
ولهولاء نسدي نصائح علمية،ان التزموا بها اراحوا انفسهم وضمنوا لابنائهم النجاح الذي يستحقونه.
الأولى: ان الامتحانات لدينا تقيس ما حفظه الطالب من معلومات. وان الذاكرة هي الجهاز المسؤول عن حفظ المادة الدراسية وخزنها. وكما ان لكل عضو في الجسم قدرة معينة لا يتجاوزها،فأن الذاكرة لها زمن محدد للحفظ والخزن هو ساعة بعدها “تقفل”. وعليه امنحوا طلبتكم فرصة عشر دقائق للراحة بين ساعات المذاكرة لتستوعب وتخزن اكبر كمية من المعلومات.
الثانية: ان النسيان هو اخطر ما يخشاه الطالب في اثناء الامتحان. ولا يعني النسيان فقدان المعلومة،بل يعني عدم قدرة جهاز البحث على العثور عنها في مخازن الذاكرة. ولمعالجة ذلك – وهذه نصيحة مشتركة للطلبة وآبائهم – تجنب قراءة مادتين معا في ليلة واحدة (كيمياء وفيزياء مثلا،او تاريخ وجغرافيا،...). ووضع جدول اسبوعي للمذاكرة بدءا بالمواد السهلة. وليس من الصحيح البدء بالمواد الصعبة،كما هو معتاد لدى الطلبة،لانها تتعب الذاكرة،ولا يبقى مزاج لقراءة المواد السهلة ولا يعطى حقها في الاستذكار..مع ان الرهان يكون عليها في رفع المعدل العام.
الثالثة: ان الخوف يربك تفكير الطالب اثناء مذاكرته لدروسه ويشوش عملية استرجاع ما حفظه، لأن دماغه يفتح القناة الخاصة بمصدر التهديد ويغلق القناة الخاصة بالبحث عن المعلومة،فينشغل ،وهو يمتحن،في التفكير بما سيترتب على التهديد (وشراح ايصير من ارسب..وشراح يخلصني من ابوي...).
الرابعة: ان الطلبة يختلفون في قدراتهم العقلية،فلا تضعوا اهدافا لهم اعلى منها،كأن تطلب من ابنك الحصول على معدل اكثر من (90%) ليدخل كلية الطب بينما قدرته العقلية دون ذلك. نعم تستطيعون رفع هذا المستوى بالتعزيز المادي والمعنوي،ولكن لا تحملّوهم ما يفوق قدراتهم العقلية.وارضوا عن من بذل جهده حتى لو حصل على معدل اقل مما تتمنون.وابتعدوا عن المقارنة كقولــه لابنه:( ابن فلان الفقر احسن منك واني كلشي موفر لك ومخيب ظني؟).
والخامسة: ان الأجواء النفسية المتوترة في البيت والأوامر الصارمة والالحاح الزائد لا تساعد على الحفظ، فيما الأجواء النفسية المريحة تثير انفعالات المودّة والحب والتعاطف، وحين تظهر هذه الانفعالات على الوجوه فانها تنشّط الذاكرة على الحفظ والاستيعاب، وعلى الأزواج عقد (هدنة) بعدم اثارة المشاحانات خلال الامتحانات.. وعسى ان تأتي هذه الهدنة بسلام دائم عليهم..فيشكرون الامتحانات على هذه النعمة!.
اضف تعليق