أثبتت نتائج الدراسات العلمية لدى الدول المتقدمة بأن ما وصلت إليه هذه الدول من تقدم وتطور لم يكن لمجرد توفر السيولة المادية والخامات الطبيعية فحسب، بل كان ذلك نتيجة لاهتمام الجامعات بتوفير القوى العاملة المؤهلة التي تحتاجها مؤسسات التنمية الاقتصادية، خاصة المصانع والشركات ومؤسسات التقنية...

أثبتت نتائج الدراسات العلمية لدى الدول المتقدمة بأن ما وصلت إليه هذه الدول من تقدم وتطور لم يكن لمجرد توفر السيولة المادية والخامات الطبيعية فحسب، بل كان ذلك نتيجة لاهتمام الجامعات بتوفير القوى العاملة المؤهلة التي تحتاجها مؤسسات التنمية الاقتصادية، خاصة المصانع والشركات ومؤسسات التقنية الحديثة المختلفة.

وإن من ضمن أهم متطلبات المجتمع في عصرنا الراهن الذي يشهد تحولات عميقة للغاية، هو التركيز على مجالات البحث العلمي، والوصول إلى مراتب عاليـة في ابتكار التقانات المتقدمة والتقدم التقني والتكنولوجي، ولا يتم ذلك إلا بتفعيل رسالة الجامعات في تنشيط حركة البحث العلمي على كافة المستويات، وربط البحث العلمي في الدراسات العليا بقضايا التنمية وفتح قنوات التعاون والتنسيق والاتصال بين الجامعات العربية وقطاعـات التنمية المختلفة.

إن جامعاتنا العربية اليوم بحاجة ضرورية إلى تخطيط وتنظيم علمي مقنن لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتكون أسوة بالجامعات في الدول المتقدمة تقنياً، فالملاحظ حالياً عند تصنيف الدول من حيث التقدم في مجال البحث العلمي نجـد أن الجامعات في الدول العربية يأتي تصنيفها في مراتب متأخرة من حيث مجالات تطوير المعرفة والاستفادة من مخرجات البحث العلمي، ذلك أن من ضمن أسباب هذا التأخر عدم توظيف رسالة الجامعات البحثية توظيفاً فاعلاً إيجابياً، فالجامعات هي المكان الأمثل للأبحاث الأكاديمية والتطبيقية الجادة التي يقوم بها المتخصصون في المجالات العلمية المختلفة.

والبحث العلمي الفاعل من ضمن رسالة الجامعات الأساسية، وليس هناك مكان آخر أنسب من الجامعات يمكن أن تتوافـق فيه جهود البحث الأساسي والتطبيقي وذلك من منطلق أن المعلومات العلمية التي تقوم عليها مختبرات البحوث التطبيقية من الممكن أن تقدم خدمات اقتصادية شاملة للمجتمع.

وبالرغم من الاقبال الكثيف على الدراسات العليا من قبل الطلبة، إلا أن البحوث التي لا تتعدى أدراج المكتبات والرفوف تعتبر بحوث عاجزة، وهذا يتطلب منا جميعا معالجة ذلك حتى لا نكون أمة لا تستطيع أن تستفيد مما لديها من إمكانات مادية وبشرية ويصبح مستقبلها غير واضح ومخرجاتها غير مقبولة وعلماؤها غير مرتبطين بهموم مجتمعها بالتالي نحن في حاجة ماسة وملحة لإعادة النظر في كافة العناصر المكونة للعملية البحثية داخل الجامعات العربية وهي المنهج، وعضو هيئة التدريس، والطالب، ومدخلات ومخرجات عملية البحث.

وعلى الرغم من قناعة الجامعات العربية والمؤسسات العلمية الفاعلة بأهمية نتائج البحث العلمي المنجز في مراكز البحث أو المختبرات الجامعية ودور ذلك في الابتكارات التقانية، إلا أنه لا توجد استراتيجية فاعلة للبحث العلمي أو سياسية بحثية لربط جهود الجامعات في مجال البحث العلمي بالمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية.

فالملاحظ من خلال تطور النمو الصناعي في الدول العربية أن هذه الدول لا تزال تستورد التقنية من الدول المتقدمة صناعياً، إضافة إلى أن البحوث العلمية في مجال التنمية تتسم بالتقليد والمحاكاة دون اللجوء إلى الابداع والابتكار، مما أدى إلى عزل نشاطات الجامعات العربية البحثية عن نشاطات القطاعات المختلفة، كما أن ضعف القدرات والبنى التحتية الداخلية في الدول العربية يحول دون تبني الأنماط التي ابتكرتها الدول المتقدمة صناعياً، الأمر الذي يجعل البحث العلمي لا يواكب احتياجات ومتطلبات القطاعات الصناعية.

وإن نظرة فاحصة ومعمقة إلى إجراءات تنظيم وتنفيذ البحث العلمي في الدراسات العليا نجـد أنه توجد بعض المعوقات التي تؤثر سلباً على مدى الاستفادة الجادة من الأبحاث العلمية في مجـالات التنمية، من ضمنها توجد معوقات في تنظيم الإشراف واختيار الموضوعات ومعوقات تنظيمية وفنية ومالية.

وعليه فإن قيادات الجامعة العربية في وقتنا الحاضر أصبحت مطالبة بمواجهة عدد كبير من المتطلبات والمتغيرات أهمها: الحاجة إلى أعداد كبيرة من المتخصصين في مختلف أنواع التقنية المتقدمة في الصناعة والزراعة والتجارة، حيث إن التقـدم التقني الهائل الذي تشهده المجتمعات المتقدمة يحتم علينا أن نساير ونواكب هذا التقدم حتى لا نتخلف عن الركب العالمي، كما أننا في حاجة ضرورية إلى توجيه النشاط البحثي والعلمي نحو المجـالات التطبيقية، وذلك من منطلق أن التنميـة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي يعتمدان على نتائج تلك البحوث العلمية، كما يتحتم إلى مساهمة فاعلة من قبل الجامعات بصورة أكثر فعالية في تلبية متطلبات التنمية.

* خبير في البحث العلمي والدراسات العليا

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق