في سابقة خطيرة يتخذ أحد الوزراء المعنيين بإدارة العملية التربوية في البلاد، قرارا عجيباً يكافئ به الغشاشين من الطلبة في الامتحانات النهائية للسنة الدراسية المنصرمة، هذا القرار الخطير يُسمَح بموجبه للطلبة الذين فشلوا بالامتحانات بسبب ضبطهم في حالات غش من قبل المدرسين والمعلمين المراقبين لهم...

يقول أحد أمثالنا الشعبية المعروفة (الذي يعيش بالحيلة يموت بالفقر)، والحيلة هي الخداع الذي هو أحد أنواع الغش، لذلك أينما يوجد الغش يوجد الفقر وعدم الانتظام، ويوجد الظلم وعدم الإنصاف لأن الغشاش سوف يأخذ بطريقة أو أخرى فرصة غيره، ولعل واقعنا العراقي مليء بالأمثلة والشواهد التي تثبت بأن الأشخاص الغشاشين استولوا على فرص ووظائف غيرهم عبر التزوير أو الغش في الاختبارات التنافسية، مع الإستقواء بجهة قوية سياسية أو اجتماعية أو مافيوية، أما كيف ينتشر الغش في المجتمع وما هي الأسباب المساعدة عليه فهي كثيرة وبعضها معروف للجميع وثمة أساليب قد تكون خفية أيضا.

إن الكبير هو النموذج للصغير، فالأب نموذج الابن، والأم نموذج البنت، والمدير نموذج موظفيه، الحكومة أيضا نموذج لشعبها!!، فماذا يمكن أن يحدث حينما تكون كل أو بعض هذه النماذج أو غيرها مصابة بالوهن وضعف القيم والثوابت وغير مستوفية للجودة؟، وماذا يحدث لو فتح الطفل عينيه واستكمل وعيه في عائلة يعتمد فيها الأب في تحصيل رزقه على الغش، وتحصل الأم على مكتسباتها بأساليب غير شريفة، أليس الأب هو نموذج لابنهِ فماذا يتوقع الأب من هذا الابن حين يستولي على حقوق غيره بالغش؟، هل يظن أن الابن سوف يكون بمعزل عن تأثير أساليب أبيه؟، والأم كذلك، هل تتوقع أن ابنتها لا تتأثر بأسلوبها الغشاش في التعامل مع الأخريات، إن الابن والبنت سوف يكونان نسخة طبق الأصل من الأب والأم وسوف يكون الغش طريقهما في الحياة، وهكذا سوف يجني الأب والأم على أطفالهما بأساليبهما، ويصح العكس تماما.

الغش مسموح

الوضع نفسه يجري في المدرسة، فالمعلم نموج لطلابه وأي إساءة وخلل في السلوك والأفكار سوف تنتقل سريعا إلى الطلاب، وهذا الأمر يشبه القانون الذي يشمل الجميع من دون استثناء، حتى الحكومات ما هي إلا نماذج لشعوبها، فماذا تعتقد أو تظن الحكومة التي تعتمد الغش والخداع مع الشعب وأما عيونه، هل تتوقع أن الشعب سينتمي إلى الملائكة بالسلوك وهو يرى مسؤوليه من الحكوميين يغشون ويحتالون ويخادعون ويسرقون، بالطبع إن الحكومة التي تغش في سلوكها سوف تصنع شعبا غشّاشا، يسعى كي ينال كل ما يحتاج بالغش والاحتيال وليس وفق قوانين الحق والعدالة وتكافؤ الفرص.

وفي سابقة خطيرة يتخذ أحد الوزراء المعنيين بإدارة العملية التربوية في البلاد، قرارا عجيباً يكافئ به الغشاشين من الطلبة في الامتحانات النهائية للسنة الدراسية المنصرمة، هذا القرار الخطير يُسمَح بموجبه للطلبة الذين فشلوا بالامتحانات بسبب ضبطهم في حالات غش من قبل المدرسين والمعلمين المراقبين لهم، حيث أصدرت وزارة التربية قرارا يسمح لمن رسبوا بسبب الغش بأداء الامتحانات مرة أخرى في دور آخر، وقد جاء هذا القرار الصادم بمثابة منح مكافأة تشجيعية لكل من اعتمد الغش في أداء الامتحان وهي حالة غريبة لم يسبق للعراق أن مرَّ بها ولا لسواه من الدول والشعوب.

ولا نغالي ولا نخطئ لو أننا قلنا بالحرف الواحد، طالما أن الطبقة السياسية ومنها (الحكومة) تغش نفسها وشعبها، وطالما أنها الجهة المعنوية القانونية (الكبيرة) لشعبها، فماذا يمكن أن يكون الشعب الذي ينظر لقادته وساسته ومسؤوليه بأنهم نماذج يقتدي بها ويحذو حذوها؟، أمر طبيعي أن ينتشر الغش بين الطلبة وغيرهم ويتربع على قمة العرش!، والأسباب باتت معروفة للجميع، فهناك أسلوب بات مهيمنا على الفكر والسلوك المجتمعي، إذ أصبح هدف الإنسان تحقيق ما يرغب به حتى لو كان الغش سبيله إلى ذلك مع وجود الاستثناءات، ولكن يمكننا القول أن أسلوب الغش والتزوير للحصول على منصب أو وظيفة أصبح أمرا معتادا، ولا أدل من ذلك كشف العديد ممن رشحوا لانتخابات مجلس النواب بشهادات مزورة.

لا تدسّوا رؤوسَكم في الرمال

وفي إعلان رسمي من الجهة الرسمية المختصة ثبت أن هناك ما يفوق ألف و500 وثيقة دراسية مزورة من أجل الحصول على وظيفة حكومية، وإذا توغلنا في أساليب التعاملات المختلفة كالبيع والشراء وغيرها من التعاملات، فإننا سوف نكتشف العجيب والغريب في هذا الجانب، حتى البقالين الصغار لديهم ألف طريقة وطريقة في غش الناس ليس بالكيل والمكيال فقط وإنما في نوع المادة التي يبيعونها، حيث يعرض لك البقال نوعية جيدة ويبيع لك أخرى رديئة لا تكتشفها إلا في مطبخ البيت، وهذا يعني أننا نقف اليوم إزاء ظاهرة عامة اسمها الغش في العراق وفحواها اعتماد الأساليب غير الشريفة في تحقيق الأهداف بمختلف أنوعها وأشكالها.

هل نحن نبالغ في هذا الأمر؟، قد يعترض أحدهم أو يرى بأننا نعطي لهذا الموضوع أكثر من حجمه، لكننا نقول أن نظرة استبيان متفحصة للواقع الخفي والظاهر، سوف يجعل الأمور واضحة للجميع، ولا نريد أن نكون مثل (النعام) الذي يدس رأسه في الرمال تفاديا للخطر، لذا ينبغي أن نواجه هذا الخطر الذي يحيق بنا بما يتساوى وحجم الأذى والخطورة التي يمكن أن يلحقها بنا كعراقيين، لذا نحن جميعا وأولنا الحكومة والطبقة السياسية والمؤسسات الدينية والنخب كافة وعامة الشعب مطالبون بالوقوف بقوة بوجه هذه الظاهرة التي لا يمكن السكوت عليها، بل يجب على الجميع البحث عن السبل الرادعة والمحجِّمة لها، ونضع هنا بعض المقترحات في هذا الإطار منها:

- وضع التشريعات والقوانين الرادعة للغش في كل مرافق ودوائر الدولة.

- عدم تبرير الغش واختلاق الحجج لمرتكبيه.

- إن هذا النوع من التبرير سوف يقلب الخطأ إلى صحيح، والحرام إلى حلال.

- السماح بالغش ومكافأة مرتكبيه يخالف نص الحديث جاء الشريف: (من غشّنا ليس منا) وهذا يدل على أن الغش مرفوض جملة وتفصيلا.

- إطلاق حملات إعلامية منهجية لتوضيح خطر الغش على الجميع.

- إطلاق حملات توعية في المدارس والجامعات والدوائر الرسمية تبيّن الخطر الذي يمكن أن يتسبب به الغش للفرد والمجتمع.

- إطلاق حملة دينية منبرية وسواها مضادة لظاهرة الغش من أجل القضاء عليها و الحد من تأثيراتها.

- تنقية الدوائر والمؤسسات والأجهزة الحكومية من (الغش)، لأن وجودها في هذه المؤسسات يبرر وجودها في المجتمع! ويصح العكس.

- التأكيد على دور الأسرة الحاسم في تقديم التربية الصحيحة القادرة على حماية الفرد (الأطفال والشباب)، من هذا الداء المجتمعي الخطير.

الباب: تعليم، رئيسي.

الوسم: العراق، الغش، التربية والتعليم، الإعلام، الحكومة.

 

مكافأة تشجيعية لمن يغش!

 

علي حسين عبيد

 

الاقتباس: في سابقة خطيرة يتخذ أحد الوزراء المعنيين بإدارة العملية التربوية في البلاد، قرارا عجيباً يكافئ به الغشاشين من الطلبة في الامتحانات النهائية للسنة الدراسية المنصرمة، هذا القرار الخطير يُسمَح بموجبه للطلبة الذين فشلوا بالامتحانات بسبب ضبطهم في حالات غش من قبل المدرسين والمعلمين المراقبين لهم...

 

يقول أحد أمثالنا الشعبية المعروفة (الذي يعيش بالحيلة يموت بالفقر)، والحيلة هي الخداع الذي هو أحد أنواع الغش، لذلك أينما يوجد الغش يوجد الفقر وعدم الانتظام، ويوجد الظلم وعدم الإنصاف لأن الغشاش سوف يأخذ بطريقة أو أخرى فرصة غيره، ولعل واقعنا العراقي مليء بالأمثلة والشواهد التي تثبت بأن الأشخاص الغشاشين استولوا على فرص ووظائف غيرهم عبر التزوير أو الغش في الاختبارات التنافسية، مع الإستقواء بجهة قوية سياسية أو اجتماعية أو مافيوية، أما كيف ينتشر الغش في المجتمع وما هي الأسباب المساعدة عليه فهي كثيرة وبعضها معروف للجميع وثمة أساليب قد تكون خفية أيضا. 

إن الكبير هو النموذج للصغير، فالأب نموذج الابن، والأم نموذج البنت، والمدير نموذج موظفيه، الحكومة أيضا نموذج لشعبها!!، فماذا يمكن أن يحدث حينما تكون كل أو بعض هذه النماذج أو غيرها مصابة بالوهن وضعف القيم والثوابت وغير مستوفية للجودة؟، وماذا يحدث لو فتح الطفل عينيه واستكمل وعيه في عائلة يعتمد فيها الأب في تحصيل رزقه على الغش، وتحصل الأم على مكتسباتها بأساليب غير شريفة، أليس الأب هو نموذج لابنهِ فماذا يتوقع الأب من هذا الابن حين يستولي على حقوق غيره بالغش؟، هل يظن أن الابن سوف يكون بمعزل عن تأثير أساليب أبيه؟، والأم كذلك، هل تتوقع أن ابنتها لا تتأثر بأسلوبها الغشاش في التعامل مع الأخريات، إن الابن والبنت سوف يكونان نسخة طبق الأصل من الأب والأم وسوف يكون الغش طريقهما في الحياة، وهكذا سوف يجني الأب والأم على أطفالهما بأساليبهما، ويصح العكس تماما.

الغش مسموح

الوضع نفسه يجري في المدرسة، فالمعلم نموج لطلابه وأي إساءة وخلل في السلوك والأفكار سوف تنتقل سريعا إلى الطلاب، وهذا الأمر يشبه القانون الذي يشمل الجميع من دون استثناء، حتى الحكومات ما هي إلا نماذج لشعوبها، فماذا تعتقد أو تظن الحكومة التي تعتمد الغش والخداع مع الشعب وأما عيونه، هل تتوقع أن الشعب سينتمي إلى الملائكة بالسلوك وهو يرى مسؤوليه من الحكوميين يغشون ويحتالون ويخادعون ويسرقون، بالطبع إن الحكومة التي تغش في سلوكها سوف تصنع شعبا غشّاشا، يسعى كي ينال كل ما يحتاج بالغش والاحتيال وليس وفق قوانين الحق والعدالة وتكافؤ الفرص.

وفي سابقة خطيرة يتخذ أحد الوزراء المعنيين بإدارة العملية التربوية في البلاد، قرارا عجيباً يكافئ به الغشاشين من الطلبة في الامتحانات النهائية للسنة الدراسية المنصرمة، هذا القرار الخطير يُسمَح بموجبه للطلبة الذين فشلوا بالامتحانات بسبب ضبطهم في حالات غش من قبل المدرسين والمعلمين المراقبين لهم، حيث أصدرت وزارة التربية قرارا يسمح لمن رسبوا بسبب الغش بأداء الامتحانات مرة أخرى في دور آخر، وقد جاء هذا القرار الصادم بمثابة منح مكافأة تشجيعية لكل من اعتمد الغش في أداء الامتحان وهي حالة غريبة لم يسبق للعراق أن مرَّ بها ولا لسواه من الدول والشعوب.

ولا نغالي ولا نخطئ لو أننا قلنا بالحرف الواحد، طالما أن الطبقة السياسية ومنها (الحكومة) تغش نفسها وشعبها، وطالما أنها الجهة المعنوية القانونية (الكبيرة) لشعبها، فماذا يمكن أن يكون الشعب الذي ينظر لقادته وساسته ومسؤوليه بأنهم نماذج يقتدي بها ويحذو حذوها؟، أمر طبيعي أن ينتشر الغش بين الطلبة وغيرهم ويتربع على قمة العرش!، والأسباب باتت معروفة للجميع، فهناك أسلوب بات مهيمنا على الفكر والسلوك المجتمعي، إذ أصبح هدف الإنسان تحقيق ما يرغب به حتى لو كان الغش سبيله إلى ذلك مع وجود الاستثناءات، ولكن يمكننا القول أن أسلوب الغش والتزوير للحصول على منصب أو وظيفة أصبح أمرا معتادا، ولا أدل من ذلك كشف العديد ممن رشحوا لانتخابات مجلس النواب بشهادات مزورة.

لا تدسّوا رؤوسَكم في الرمال

وفي إعلان رسمي من الجهة الرسمية المختصة ثبت أن هناك ما يفوق ألف و500 وثيقة دراسية مزورة من أجل الحصول على وظيفة حكومية، وإذا توغلنا في أساليب التعاملات المختلفة كالبيع والشراء وغيرها من التعاملات، فإننا سوف نكتشف العجيب والغريب في هذا الجانب، حتى البقالين الصغار لديهم ألف طريقة وطريقة في غش الناس ليس بالكيل والمكيال فقط وإنما في نوع المادة التي يبيعونها، حيث يعرض لك البقال نوعية جيدة ويبيع لك أخرى رديئة لا تكتشفها إلا في مطبخ البيت، وهذا يعني أننا نقف اليوم إزاء ظاهرة عامة اسمها الغش في العراق وفحواها اعتماد الأساليب غير الشريفة في تحقيق الأهداف بمختلف أنوعها وأشكالها.

هل نحن نبالغ في هذا الأمر؟، قد يعترض أحدهم أو يرى بأننا نعطي لهذا الموضوع أكثر من حجمه، لكننا نقول أن نظرة استبيان متفحصة للواقع الخفي والظاهر، سوف يجعل الأمور واضحة للجميع، ولا نريد أن نكون مثل (النعام) الذي يدس رأسه في الرمال تفاديا للخطر، لذا ينبغي أن نواجه هذا الخطر الذي يحيق بنا بما يتساوى وحجم الأذى والخطورة التي يمكن أن يلحقها بنا كعراقيين، لذا نحن جميعا وأولنا الحكومة والطبقة السياسية والمؤسسات الدينية والنخب كافة وعامة الشعب مطالبون بالوقوف بقوة بوجه هذه الظاهرة التي لا يمكن السكوت عليها، بل يجب على الجميع البحث عن السبل الرادعة والمحجِّمة لها، ونضع هنا بعض المقترحات في هذا الإطار منها:

-         وضع التشريعات والقوانين الرادعة للغش في كل مرافق ودوائر الدولة.

-         عدم تبرير الغش واختلاق الحجج لمرتكبيه.

-         إن هذا النوع من التبرير سوف يقلب الخطأ إلى صحيح، والحرام إلى حلال.

-         السماح بالغش ومكافأة مرتكبيه يخالف نص الحديث جاء الشريف: (من غشّنا ليس منا) وهذا يدل على أن الغش مرفوض جملة وتفصيلا.

-         إطلاق حملات إعلامية منهجية لتوضيح خطر الغش على الجميع.

-         إطلاق حملات توعية في المدارس والجامعات والدوائر الرسمية تبيّن الخطر الذي يمكن أن يتسبب به الغش للفرد والمجتمع.

-         إطلاق حملة دينية منبرية وسواها مضادة لظاهرة الغش من أجل القضاء عليها و الحد من تأثيراتها.

-         تنقية الدوائر والمؤسسات والأجهزة الحكومية من (الغش)، لأن وجودها في هذه المؤسسات يبرر وجودها في المجتمع! ويصح العكس.

-         التأكيد على دور الأسرة الحاسم في تقديم التربية الصحيحة القادرة على حماية الفرد (الأطفال والشباب)، من هذا الداء المجتمعي الخطير.

اضف تعليق