في ظل الانتكاسة المالية التي يمر بها العراق وانخفاض عائدات النفط على اعتباره المورد الاساسي والحقيقي للموازنة الاتحادية قدم مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية ورقة تحت عنوان: (موازنة العراق لعام 2017... قراءة تحليلية نقدية) للباحث في المركز حامد عبد الحسين خضير الجبوري الحاصل على شهادة الماجستير في الاقتصاد، وذلك في ملتقى النبأ الأسبوعي بحضور عدد من الأكاديميين والاقتصاديين والباحثين والمهتمين بالشأن العراقي.
حيث قدم الاستاذ حامد عبد الحسين خضير شرحا وافيا عن الاقتصاد العراقي كونه يعتمد على النفط بشكل كبير جدا، ومن المعروف ايضا ان القطاع النفطي يعد من الصناعات كثيفة رأس المال، وبالتالي فان زيادة الاعتماد على النفط تؤدي الى مزيد من المشاكل التي تواجه الاقتصاد الكلي وتقع المشكلة الاجتماعية المتمثلة بالبطالة على رأس تلك المشاكل بالإضافة الى التضخم وعجز ميزان المدفوعات وانخفاض النمو الاقتصادي وتظهر هذه المشاكل نتيجة لسوء توظيف الايرادات النفطية بما يحقق التنويع الاقتصادي المتمثل بتفعيل القطاعات الانتاجية مثل القطاع الصناعي التحويلي والزراعي والسياحي وغيرها".
واضاف الباحث "من اجل بناء الوعاء الضريبي الذي يزيد من فاعلية تنويع الايرادات العامة فان احد الوسائل اللازمة لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية هي خطة الموازنة العامة بشقيها الجاري والاستثماري انفاقا وايرادا وبالتأكيد ان مدى قدرة الموازنة على مواجهة تلك المشاكل يعود لفلسفة الدولة بالتدخل من عدمه فاذا كانت الدولة تتبنى مبادئ النظام الرأسمالي فان الدولة تقتصر على الوظائف التقليدية المتمثلة بالدفاع الخارجي والامن الداخلي وتحقيق العدالة ما بين المواطنين وتكون الموازنة اقل فاعلية في مواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية واذا كانت تتبنى مبادئ النظام الاشتراكي فالموازنة تكون اكثر مواجهة لتلك المشاكل". و"ان اعتماد العراق على النفط يمكن ملاحظته من خلال نسبة الايرادات النفطية من الايرادات العامة التي لم تنخفض عن (97%) كمعدل للمدة (2005)-(2013)، لكن سرعان ما انخفضت الى (62،83%) والى (40،85%) من اجمالي الايرادات العامة في عامي (2015)-(2016) والسبب هو انخفاض اسعار النفط العالمية هذا ما تسبب في خسارة موازنة هذين العامين وعلى اساس (56) دولار للبرميل الواحد وبطاقة تصديرية قدرها (3،300) مليون برميل يوميا لعام (2015) و(45) دولار للبرميل الواحد وطاقة تصديرية تقدر(3،600) مليون برميل في عام(2016)".
كما تطرق الباحث الى "ان الايرادات النفطية لا تكفي وحدها لتغطية النفقات العامة فحسب بل المشكلة تتمثل في استنزاف الثروة الوطنية الموجودة في باطن الارض التي كانت من المفروض ان تتحول الى ثروة وطنية على سطح الارض تتمثل بالمشاريع الانتاجية سواء كانت صناعية أم زراعية أم بنى تحتية أم غيرها لتحقيق التنويع الاقتصادي والابتعاد على المخاطر الملازمة للاعتماد على النفط نتيجة ارتباط تحديد اسعاره بالأسواق النفطية العالمية". وبحسب رأيه " لابد ان نتجه لزراعة النفط في إطار سيادة النفط لتحقيق ما كان يدر من عملات اجنبية بعد انتهاء عصر النفط، ان استنزاف الثروة الوطنية في العراق يتم من خارج المالية العامة ولسوء استخراج الثروة النفطية الذي يؤثر على الثروة الوطنية او سوء الاتفاق مع الشركات المنتجة للنفط هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى يتم من داخل نطاق المالية العامة كسوء توظيف الايرادات العامة بالشكل الامثل الذي يضمن العدالة ما بين الاجيال الحالية والمستقبلية باعتبارها ثروة وطنية عامة... لذلك الاستنزاف يتجلى في النفقات الجارية عند مقارنتها بالنفقات الاستثمارية التي ينبغي ان تكون مساوية للنفقات الجارية على اقل تقدير اذ شكلت النفقات الجارية اكثر من (85%) من اجمالي النفقات العامة كمعدل للمدة (2005) (2013) لكن انخفضت هذه النسبة الى (50،65%) في العام (2015) وهذا الانخفاض يعطي انطباع ايجابي على تحسن الاقتصاد العراقي الا ان هذا التحسن لم يكن بشكل حقيقي وبالمقابل ان النفقات الاستثمارية التي تعتبر مفتاح التنمية الاقتصادية وخصوصا في البلدان النفطية وان اغلب الاموال التي تمول النفقات العامة هي ثروة نفطية فضلا عن انها ناضبة وغير مستقرة في اسعارها وهي لجميع الاجيال ورغم كل هذا فهي لم تشكل الا (15%) من مجمل النفقات العامة كمعدل(2013)".
واشار الباحث "اما في (2015) فقد شكلت (43،34%) من اجمالي النفقات العامة وهذا ما يبعث الامل على الاتجاه الصحيح للاقتصاد العراقي الا انها لم تستمر بالارتفاع بل انخفضت الى (31،24%) من اجمالي النفقات في العام (2016) ومع هذا الانخفاض الا انها افضل من النسبة السابقة (15%) هذا الارتفاع يعود الى انخفاض حجم النفقات الجارية لتقليل حجم العجز المتوقع والذي يبلغ في العام الجاري (2016) الى (20،5) مليار دولار اما موازنة عام (2017) وهي مدخل الحديث التي تبلغ اكثر من (100) ترليون دينار فقد تم اعتمادها على اساس (35) دولار للبرميل الواحد وهو اقل عشرة دولارات للسعر الذي تم اعتماده في موازنة (2016) البالغ (45) دولار للبرميل الواحد وبطاقة تصديرية تبلغ (880،3) مليون برميل يوميا وهي اكثر من الطاقة التصديرية للعام الحالي".
وختم الباحث قائلا: " ومن المتوقع ان يصل حجم العجز فيها الى (30%) من حجم الموازنة وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط من ناحية وزيادة النفقات العسكرية ومخصصات النازحين من ناحية اخرى هذا يعني ان الثروة النفطية بداءة تقل قيمها في الموازنة العراقية وليس انتفاء الفائض الذي كانت تحققه الثروة النفطية قبل (2013) فحسب بل اصبحت الموازنة تعاني من عجز كبير مما يلزم الاتجاه اما نحو زيادة الاقتراض سواء من الداخل ام من الخارج لتغطية هذا العجز والاسوأ من هذا الاقتراض هو سوء توظيف المبالغ المقترضة الذي يجعل الاقتصاد العراقي يعاني من مشكلة المديونية واما الاتجاه الثاني فلابد من تنويع الاقتصاد العراقي الذي يلزم بتخفيض نسبة الايرادات الاخرى كالضرائب والرسوم والايرادات الرأسمالي والايرادات التحويلية وارباح القطاع العام" .
وبعد الانتهاء من عرض الورقة تم فتح باب النقاش والمداخلات أمام الحاضرين من الباحثين والمتخصصين الأكاديميين ليقدموا مجموعة تساؤلات وإشكاليات تخص ذات الموضوع الذي تناولته الورقة وكما يلي:
السؤال الاول: ما هي انعكاسات اعتماد سعر (35) دور للبرميل الواحد لموازنة عام (2017) على الاقتصاد العراقي؟
الاستاذ حمد جاسم التدريسي في جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات يعتقد بانها خطوة جيدة ومدروسة في اعتماد سعر برميل منخفض، ففي حال ارتفاع سعر النفط سيعزز من واقع الميزانية كذلك الدولة ستلجئ لعدة وسائل في سد عجز الميزانية بالاقتراض وكذلك الالتجاء الى خفض رواتب الموظفين لكنه تساءل في حال حصول وفرة مالية كيف ستتصرف الدولة؟
الاستاذ حيدر الجراح مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث من جانبه طرح الملحوظة التالية: ان النظام الاشتراكي قد يحقق المساواة الا انه لا يحقق العدالة وذلك لوجود طبقة متنفذة من الحزب الحاكم تهيمن على كل شيء. سؤال افتراضي آخر الدول التي تحررت من الاتحاد السوفيتي ماذا سيكون شكل النظام الاقتصادي لتلك الدولة؟
الاستاذ جواد العطار القيادي في المجلس السياسي للعمل العراقي وعضو سابق في البرلمان العراقي اشاد بمسعى خفض سعر البرميل تحسبا لأي انخفاض يطرأ على اسعار النفط العالمية مستقبلا لذلك جاءت الموازنة بهذا السقف المنخفض لسعر برميل النفط الذي تم اعتماده في الميزانية. أضف الى ذلك اقتصاد العراق غير واضح الملامح هل هو اشتراكي ام رأسمالي ام مختلط؟ ملاحظة ثالثة لا توجد مركزية في ادارة البرنامج الاقتصادي، ففي السابق اي في العهد الملكي كان هناك مجلس الاعمار (70%) من الاموال تذهب لهذا المجلس وتناقصت شيئا فشيئا حتى جاء حكم البعث في (68) فحذف لجنة الاعمار. اعتقد بضرورة العودة الى مركزية البرنامج الشيء الاخر المهم ان نحث الجمهور العراقي على الانتاج.
الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء-كلية القانون قال: ان الموازنة ومن الناحية الدستورية المادة (62) ألزمت مجلس النواب بالمصادقة على الموازنة التي تعدها الحكومة ويصادق على الحسابات الختامية لكن اليوم المتتبع يجد قبل اسبوع تقريبا صادق مجلس النواب العراقي على الحساب الختامي لعام (2007)، فكيف يكون ذلك رغم ذلك البعد الزمني من تاريخ اليوم وذلك التاريخ؟
ويضيف الحسيني، وهنا حتما تكاسل من قبل البرلمان عن مطالبة الحكومة بتقديم حساباتها الختامية لسنوات اخرى، الاشكالية الثانية ان المادة (10) من الدستور وضعت على كاهل الحكومة الاتحادية ما يسمى الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية ومنها على سبيل الفرض رسم السياسة المالية ووضع الموازنة العامة للبلد اي ان الحكومة هي الشخص الوحيد المخول بوضع الموازنة.
ويكمل الحسيني مجلس النواب من حقه في المادة (62) ان يناقل لكن لا يستطيع ان يزيد بسقف النفقات فقط يستطيع ان يخفض اجمالي النفقات، الى جانب ذلك ان سعر الموازنة هو سعر عادل أخذ بنظر الاعتبار الترهل الحاصل في اسعار النفط العالمية، فالحكومة ارادت من خلال ذلك ان تكون اكثر واقعية منذ عام (2015)، والاشياء التي تبشر بخير هي ثلاثة حصة الموازنة الاستثمارية بدأت بالنمو وهذا مؤشر جيد، الامر الاخر المعقولية في سعر النفط على امل استثمار القطاعات الاخرى السياحة وهو لا يحتاج الا الى قانون بسيط، الامر الثالث لأول مرة مجلس النواب يقرأ الموازنة في الشهر السابع وكانت في السنوات السابق تأتي في وقت متأخر.
الأستاذ علي الطالقاني مدير مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام سجل اعتراضه على أصل الارقام الواردة في الورقة بخصوص سعر البرميل وحجم الايرادات وان من اهم الاسباب التي ادت الى تزايد العجز في السنة الحالية أي (2016) هي عدم انجاز الميزانية وتأخرها لعام (2015)، ايضا لدينا جولات التراخيص النفطية التي تمت في زمن الشهرستاني جاءت على عجالة وكانت سببا لتدهور الاقتصاد العراقي وحتى القطاع النفطي، النقطة الاخرى تأخير اقرار الموازنة وذلك من جراء الخلافات مع حكومة اقليم كردستان. ويكمل الطالقاني الورقة ايضا لم تعرج على قضية الاشكاليات الموجودة مع الشركات الاستثمارية التي تطالب بتعويضات كبيرة وكبيرة جدا، اما منظمة اوبك الان دورها ضعيف في تحديد السياسية النفطية، كذلك فك ارتباط المحافظات والاقليم عن حكومة المركز باتفاقات معينة من اجل حل المشاكل التي يمر بها البلد. اعتقد ايضا ان الازمات التي يتعرض لها العراق ربما تجعل منه أكثر قوة لإيجاد منافذ للاقتصاد اضافية بعيدا عن القطاع النفطي بالاعتماد على القطاعات الاخرى مما يحتاج الى سلسلة طويلة من الاجراءات غير الاعتيادية.
السؤال الثاني: هل تتوقع الاقتصاد العراقي سيتجه الى تحقيق التنويع الاقتصادي في ظل انخفاض اسعار النفط الحالية ام سيعود لوضعه السابق قبل انخفاض اسعار النفط وما هو الحلول الممكنة؟
الاستاذ حمد جاسم الكل لم يتعرض الى حقيقة العقد المبرم مع الشركات الاجنبية وما يأخذه من سعر البرميل وهو يصل الى (15) دولار عن كل برميل.
الاستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية يعتقد بان الاقتصاد العراقي اقتصاد غير سليم وسقيم منذ ثمانينات القرن الماضي فقط في فترة السبعينات كان الاقتصاد جيدا بعد ذلك خرج العراق من حرب الخليج بمديونية تصل الى (30) مليار دولار من ثمة جاء الحصار الاقتصادي في التسعينيات الى ان انهارت الدولة بشكل كامل في عام (2003) بعد هذا التاريخ لم تكن هناك رؤية اقتصادية واضحة وليس هناك من معالجات اقتصادية واضحة. يضيف الصالحي وظلت الامور سائرة بهذا الاتجاه الى ان وصلنا الى ما عليه الحال اليوم من انهيار في اسعار النفط أضف الى ذلك الفساد الذي استشرى بجسد الدولة العراقية ولم يعد لهذا الجسد من علاج.
الحاج جواد العطار قال: سيستمر الاعتماد على النفط لفترة طويلة سيما وان الاعتماد على غير النفط يحتاج لمدد زمنية ليست بالقصيرة، وان من اهم الخطوات العملية والاساسية الان ان نعيد الثقة للفرد العراقي بمؤسسات الدولة، النقطة الاخرى وجود مركزية في ادارة الملف الاقتصادي وتعظيم الموارد الاخرى خصوصا على مستوى تجريف الاراضي الزراعية ووقف الهجرة من القرى الى المدن هذا ما يتعلق بالقطاع الزراعي والامر ينسحب على باقي القطاعات الاخرى.
الدكتور علاء الحسيني قال: ان المعوقات تبدأ من الفساد وتنتهي عند الفساد ففي موازنة (2015) اورد المشرع العراقي نصا اجاز للوزراء فرض رسوما جديدة هذا النص بما هو اسيء استخدامه كثيرا تحت غطاء تعظيم موارد الدولة فالمواطن البسيط واثناء مراجعته الدوائر الصحية مثلا يعاني كثيرا من سداد فواتير علاجه بأسعار مرتفعة، فالالتفاتة التشريعية يجب ان لا تكون على حساب المواطن والموظف بل على حساب القطاعات كالقطاع الخاص والمختلط والعام الذي يجب عليه ان ينهض ببعض الأشياء، والامر ربما هنا مرهون بالقرار السياسي، وهنا بطبيعة الحال المشرع العراقي هو شريك في ازمتنا وشريك في انحدار الصناعة العراقية فبدل ان يبحث عن اسباب خسارة تلك شركاته العامة يستغني عن امهر العاملين بإحالتهم على التقاعد.
اضف تعليق