اقام مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في مدينة كربلاء المقدسة حلقته النقاشية الشهرية حول واقع القطاع الزراعي في العراق، والتي كانت تحت عنوان "تخلف القطاع الزراعي وفقدان الأمن الغذائي في العراق" ادار الحلقة وقدمها الدكتور خالد عليوي العرداوي مدير المركز الذي افتتح الحلقة النقاشية بالترحيب بالحضور، وتطرق إلى أهمية توصيف القطاع بصورة كاملة ووضع الحلول اللازمة له من خلال هذه الحلقة، بعد ذلك فسح المجال لباحثين أكاديميين لتقديم ورقتين بحثيتين حول الموضوع: الأولى للدكتور مهدي سهر الجبوري رئيس قسم الاقتصاد في كلية الإدارة والاقتصاد/جامعة كربلاء، والثانية للدكتور علاء الحسيني المعاون الإداري لعميد كلية القانون من الجامعة ذاتها.
الورقة البحثية الأولى: -
عد الدكتور مهدي سهر الجبوري في ورقته التي حملت عنوان (مشاكل القطاع الزراعي في العراق: كربلاء انموذجا) القطاع الزراعي من القطاعات التي تساهم بشكل أساس ورئيسي في توفير الأمن الغذائي للبلد وكذلك توفير فرص عمل للكثير من القوى العاملة وأيضا مواد أولية للصناعات المختلفة، وذكر الفرق بين الإنتاج في الأراضي الزراعي في شمال البلد ووسطه وجنوبه وأكد إن هنالك اختلاف في غلة إنتاج الدونم الواحد لهذه المناطق المختلفة والتي هي داخل البلد الواحد وحدد أسبابها بعدد من العوامل منها نوعية التربة وأساليب الزراعة والطرق المستخدمة في كل واحدة منها، وفي ما يخص المحاصيل الإستراتيجية والأخرى الخضرية اليومية غير الاستراتيجية، ذكر الباحث إن بعض مناطق العراق تعارف أهلها على زراعة المحاصيل الاستراتيجية كالحبوب والذرة وغيرها من المحاصيل وهذه غالبا ما تنتشر في المناطق الشمالية والشمالية الغربية أما المناطق الوسطى والجنوبية فغالبا ما تنتشر فيها زراعة المحاصيل الخضرية من الفواكه وغيرها وخاصة مدينة كربلاء، وتعرض إلى موضوع المرشات الزراعية التي تستخدم في بعض المناطق الشمالية وعدها خطوة مهمة في أساليب الزراعة الحديثة، وأشار إلى عدد من المعوقات تقف في تطوير القطاع الزراعي في العراقي منها: عدم وجود الدعم الحكومي الكافي للفلاحين لغرض نقلهم من الأساليب الزراعية القديمة إلى الحديثة ومنها استخدام المرشات، وكذلك عدم توفير الدعم المالي الكافي لهم، وعدم وجود مخازن للمنتوجات الزراعية في بعض المناطق، واغراق السوق من خلال وجود المحاصيل المستوردة ما يؤثر على المنتج المحلي، ومشكلة تكاليف الوقود وعدم وجود طاقة كهربائية كافية للفلاحين، وذكر بعض النسب التي تبين نسبة الأراضي المزروعة في مدينة كربلاء كنموذج: 5%من الأراضي مزروعة بمحصول القمح و32% بالنخيل و10% فواكه وخضروات، وأشار إلى النخيل ومعاناة انتاجه بسبب التجريف لبعض البساتين وتحويلها إلى أراضي سكنية وبالتالي خروجها من الإنتاج وذكر أيضا لحوم الدواجن والأبقار وأنها غير كافية لسد الاستهلاك المحلي وطرح كذلك مبادرة تأسيس شركة لتسويق التمور، واقامة محمية زراعية طبيعية في المحافظة، وركز على مشكلة الإغراق من قبل الدول الجوار للسوق الحلية في المنتجات الزراعية كمشكلة وطنية تحتاج الى تدخل حكومي صارم لعلاجها.
الورقة البحثية الثانية: -
تطرق الدكتور علاء الحسيني في ورقته البحثية التي حملت عنوان "الأساس القانوني للحكومات المحلية في المشاريع الاستثمارية"، إلى الأساس القانوني للاستثمار في القطاعات المختلفة والتي تنطلق من الدستور الذي هو أسمى القوانين ومن ثم القوانين الأدنى منه، وأشار إلى الزراعة التي لم يكن لها اي اهتمام في هذه التشريعات، وعرج على الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية التي لم تشر إلى السياسة الزراعية والصناعية، وتناول في ورقته البحثية الاختصاصات الحصرية للحكومات المحلية في المحافظات غير المنتظمة بإقليم فذكر إن الدستور في كثير من مواده أشار إلى قطاعات كثيرة مثل النفط والغاز وكذلك التراث والأبنية وغيرها الا انه لم يشر إلى الزراعة والصناعة في مواده وفقراته، فالقطاع الزراعي بقي رهن الحكومات الاتحادية في وزارتي الزراعة والصناعة، وأشار إلى إن الوسيلة الأجدى للنهوض بالواقع الزراعي والصناعي في العراق هي الأساس القانوني وعلى رأسه قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 وكذلك الحد من الاستيراد، والحد من بعض السلع الزراعية المستوردة وذلك من خلال تطبيق قانون التعرفة الكمركية.
وفيما يخص الحكومات المحلية والية نهوضها بالقطاع الزراعي وتأسيسها لمشاريع زراعية تنهض بواقع القطاع الزراعي اشار الباحث الى إن هذا الجانب لابد وان يتم فيه الرجوع إلى سلسلة من القوانين التي تبدأ بقوانين المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 وتنتهي بكثير من القوانين الأخرى، فقانون الاستثمار يمكن أن يسعف القطاع الزراعي رقم 13 لسنة 2006 فعند صدور هذا القانون كان يحضر استثمار الأراضي سواء كان سكني او استثماري ثم تم تعديل هذا القانون عام 2010 بقانون أخر يسمح من جديد باستثمار الأراضي لغرض سكني وليس إلى زراعي، ووفقا لقانون الاستثمار هذا فان في كل محافظة هيئة للاستثمار، ورئيس مجلس للاستثمار تعيينه من صلاحيات مجلس المحافظة وبذلك المجلس له السلطة على هيئة الاستثمار، فمجلس المحافظة وفقا لقانون المحافظات رقم 21 المعدل يستطيع أن يعد الموازنة الخاصة بكل المحافظة وبذلك تستطيع اللجنة الزراعية في المحافظة اقتراح استثمار مشاريع زراعية في المحافظة، فضلا عن مجموعة أخرى من القوانين ذات العلاقة والتي تدعم توجه مجالس المحافظات نحو انشاء مشاريع استثمارية ممولة من قبلها في حال رغبتها بذلك، مما يسهم في تعضيد إيرادات المحافظات ويطور البنية الاستثمارية فيها.
المداخلات:-
الأستاذ جبار محسن جعاز عضو مجلس محافظة كربلاء ورئيس لجنة الزراعة والموارد المائية في المجلس ذكر في مداخلته إن وزارة الزراعة هي أسوء وزارة في هذه الدورة وذكر عدم وجود قانون يخدم الفلاح والزراعة، وأشار إلى إن وزارة الزراعة بحثية إرشادية وليست صاحبة مشاريع استثمارية على المدى البعيد، منوها الى أنه في بداية الدورة لمجلس المحافظة لم تكن هنالك رؤية لإقامة مشاريع استثمارية كبيرة في الزراعة، وأشار الى ضرورة العمل بآلية وقف الاستيراد للمحاصيل من الخارج وقت الذروة للمنتوج المحلي الذي تعمل به مختلف دول العالم وهو وقف الاستيراد لغرض تصريف المنتج المحلي والحفاظ عليه ودعمه، وذكر إن صفة كربلاء هي محاصيل خضرية ونخيل وهذا يعني عدم وجود دعم من الدولة لهذه المحاصيل كون الدعم يقدم للمحاصيل الاستراتيجية كالحبوب فمشكلة تحسين التسويق ومشكلة الاستيراد من أهم مشاكل الزراعة في المحافظة وفي العراق.
الأستاذ جاسم الشمري رئيس مركز الدراسات والبحوث في محافظة كربلاء وباحث في مركز الفرات ذكر في مداخلته إن الخلل في تطبيق القانون فيما يخص الواقع الزراعي وخاصة ان هناك الكثير من المخالفات في الواقع الزراعي، وتطرق إلى ضرورة وجود وعي قانوني في الضبط القضائي للمخالفات التي تحصل في الواقع الزراعي ومنها مخالفات الري والذبح العشوائي للحيوانات، وفيما يخص استثمار الأراضي الزراعية أشار إلى وجود نصوص قانونية كثيرة تدعم الاستثمار الزراعي.
الدكتور فارس النصراوي طبيب بيطري وتدريسي في جامعة كربلاء أشار في مداخلته إلى إن مشاكل الزراعة في العراق عبارة عن سلسلة من المشاكل فيها حلقات كثيرة لا تعد ولا تحصى وأشار إلى ضرورة تفعيل قانون الاستثمار الذي مر 12 عام على الحديث عنه بدون نتائج ملموسة، ودعا إلى اعادة النظر بتأجير الأراضي الزراعية كونها مستأجرة من أشخاص لكنهم غير مستثمرين لها وبالتالي يعاني بعض المستثمرين الحقيقيين من ندرة الأراضي التي بالإمكان الاستثمار فيها، وأشار إلى أهمية الاقتداء بقانون الإصلاح الزراعي الذي طبق في مصر وكذلك نوه إلى الطرق البدائية التي يستخدمها العراق في الإرشاد الزراعي.
الأستاذ باسم عبد الحسين محسن ماجستير تربة ومياه تطرق في مداخلته إلى المحاصيل الاستراتيجية في كربلاء وان هنالك برنامج في الحكومة المحلية لمحافظة كربلاء لدعم هذه المحاصيل كالحبوب وذكر برنامج الري الحديث الذي تحاول الحكومة المحلية تعميمه على المزارعين وأشار الى نوعية المياه في بعض المناطق الصحراوي التي تؤثر في الانتاج.
الأستاذ إسلام جاسم محمد ماجستير تغذية أبقار أشار في مداخلته إلى مشاكل الثروة الحيوانية، ومنها تحمل حيوانات العراق كالأبقار والجاموس وغيرها للأمراض لكنها في الإنتاجية ضعيفة وذكر أن عملية تحسينها بسيطة من خلال الأعلاف الجيدة وضرورة توفيرها من قبل الجهات المعنية بالزراعة وذكر أنها ممكن إن تكون من الأراضي الزراعية وليس بالضرورة إن تكون مستوردة، فضلا على التهجين الجيني الجيد، وأقترح في نهاية حديثه تأسيس مركز بحوث متخصص في القطاع الزراعي.
الأستاذ ضرار علي حسين مهندس زراعي تطرق في مداخلته الى ضرورة توفير الرزنامة الزراعية التي تعمل بها بعض الدول كالأردن وإمكانية العمل بها في العراق؛ كونها تحدد المطلوب إنتاجه من الفلاح في محصول معين وبالتالي تتكفل الدولة بتحمل تكاليف دعمه وتصديره أيضا، كذلك تطرق إلى موضوع الطاقة البديلة وإمكانية استخدامها في الزراعة.
الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام ذكر الحاضرين في مداخلته بدخول العراق إلى عمق الأزمة المالية وإمكانية تحولها في جانب منها إلى أزمة غذائية يترتب عليها فقدان الأمن الغذائي، وتطرق إلى بعض الدراسات التي تقول إن احد أسباب الأزمة في سوريا هو فقدان المزارعين القدرة على الزراعة وبالتالي فقدان الأمن الغذائي في هذ البلد، وأشار الى ان الأمن الغذائي في العراق لا يكمن في الاستيراد فقط وإنما في كيفية بناء بنية تحتية في الارتقاء الذاتي للزراعة، وأشار إلى إن العراق هو بلد زراعي وليس نفطي. وتطرق إلى الكارثة البيئية التي تتجلى صورها في استيراد بعض من البذور واللحوم وغيرها غير الصالحة للاستخدام.
سماحة الشيخ جلال معاش ممثل المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي في أوروبا وتركيا كان من بين الحاضرين في الحلقة، ونقل الى كادر مركز الفرات والى الحضور تحيات المرجع الشيرازي وتمنياته لهم بالنجاح، ودعاءه لأهل العراق بالنصر على الإرهاب والفساد بكل صوره، وأشار الى أن المرجعية الشيرازية ممثلة بالمجدد الراحل السيد محمد الشيرازي، والمرجع الحالي السيد صادق الشيرازي دام ظله، حريصة أشد الحرص على تطوير الواقع الزراعي في بلاد المسلمين انطلاقا من نصوص الشريعة الإسلامية الحاضة على ذلك، كقاعدة أن الأرض لله ولمن عمرها؛ لأن تطوير الزراعة كفيل بتطوير الانسان المسلم وتوفير كفايته من الغذاء، وعبر في نهاية مداخلته عن رغبته بتوزيع الكتب المرجعية ذات العلاقة بالقطاع الزراعي على المختصين وذوي العلاقة؛ لتكون دليلا لهم يمكن الاستفادة منها في وضع الخطط الزراعية وتنفيذها.
وبعد انتهاء المداخلات من قبل الحضور شكر الدكتور خالد العرداوي الحضور من باحثين ومختصين في الشأن الزراعي على ما طرحوه من أفكار وأراء وحلول قيمة للنهوض بالواقع الزراعي في العراق، ومعبرا عن استعداد مركز الفرات ليكون جهة استشارية بحثية لصانع القرار العراقي على المستوى الاتحادي وعلى المستوى المحلي سواء في القطاع الزراعي أم في غيره من القطاعات بشرط توفر الرغبة والجدية منه في وضع المشاريع والاستمرار بالعمل على تنفيذها، حتى لا تكون اشكال التعاون بين المركز وصانع القرار كحال سابقاتها تبدأ كومضة لا تلبث أن تزول في منتصف الطريق ؛ بسبب تراجع المسؤول عن التزاماته في العمل الى النهاية، مبينا أن الوقت يتطلب التعاون بين الجميع من أجل بناء العراق، والنهوض بمشاريع التنمية على أسس علمية صحيحة في محافظة كربلاء المقدسة.
اضف تعليق