أصبحت الولايات المتحدة قاب قوسين أو أدنى من مرحلة ركود تضخمي، وتخفيض الفائدة حتى بمقدار 50 نقطة أساس قد لا ينقذ أميركا لاحقاً من الركود الاقتصادي، إذ استيقظ المتداولون اليوم على هبوط جماعي اكتست فيه أسواق المال باللون الأحمر حاصدة خسائر بالمليارات للقطاعات كافة، باستثناء الملاذات...
التاريخ يعيد نفسه.. أثبتت هذه العبارة صحتها خلال تعاملات يوم الاثنين عندما افتتحت أسواق الأسهم العالمية على انخفاضات حادة هي الأكبر منذ يوم الاثنين الأسود عام 1987، ما يسلط الضوء على عدد المرات التي شهدنا فيها انخفاضات حادة في وول ستريت.
جاء هذا التراجع في أعقاب تسجيل مؤشرات وول ستريت مستويات قياسية منذ بداية عام 2024 بدعم من طفرة في أسهم التكنولوجيا، وهو سيناريو تكرر أكثر من مرة على مر التاريخ، عندما تقفز السوق إلى مستويات قياسية ثم تشهد انهياراً حاداً.
كما أسهمت أرباح شركات التكنولوجيا المخيبة للآمال بمزيد من الخسائر، وسط قلق المستثمرين بشأن ارتفاع تقييم الأسهم، ما دفعهم إلى عمليات بيع هزت أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم.
وقد أصبحت الولايات المتحدة قاب قوسين أو أدنى من مرحلة ركود تضخمي، وتخفيض الفائدة حتى بمقدار 50 نقطة أساس قد لا ينقذ أميركا لاحقاً من الركود الاقتصادي، إذ استيقظ المتداولون اليوم على هبوط جماعي اكتست فيه أسواق المال باللون الأحمر حاصدة خسائر بالمليارات للقطاعات كافة، باستثناء الملاذات الآمنة وأهمها الذهب، الذي افتتح الاثنين على قفزة تجاوزت 12 في المئة وسجّل مستوى قياسياً عند 2458 دولاراً للأونصة. فيما ارتفعت عملات الملاذ الآمن مثل الين والفرنك السويسري، فيما شهدت العملات المشفرة التي تعتبر أكثر الأصول مخاطرة أسوأ يوم لها منذ 2021، بخسارة تجاوزت 370 مليار دولار في يوم واحد.
واتهم المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس بالتسبب في انهيار سوق الأسهم الأميركية، وما تشهده البورصات من انخفاض على مستوى العالم.
وقال ترامب في منشور له على منصة Truth Social للتواصل الاجتماعي: «أسواق الأسهم تنهار.. قلت لكم من قبل! كامالا لا تفهم شيئاً، وبايدن يغط في نوم عميق، والقيادة الأميركية غير الكفؤة هي المسؤولة عن كل شيء».
وانخفضت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية في صباح تعاملات يوم الاثنين، بقيادة مؤشر ناسداك 100 الذي فقد أكثر من 1000 نقطة، وسط حالة عدم يقين ومخاوف بشأن الركود أدّت إلى عزوف المستثمرين عن المخاطرة وتوجّههم لأسواق الملاذات الآمنة.
وفي السوق اليابانية، انخفض مؤشر نيكاي الياباني بنسبة مذهلة تجاوزت 12 في المئة، ليصل إلى أدنى مستوياته منذ ثمانية أشهر، مسجلاً أكبر خسارة له في ثلاث جلسات منذ الأزمة المالية عام 2011.
ومع انخفاض سوق الأسهم، تراجعت كذلك العملات المشفرة، وانخفضت عملة البيتكوين بأكثر من 15 في المئة، في حين أظهرت عملة الإيثريوم أكبر انخفاض لها منذ عام 2021.
وكان قد تسبب تقرير التوظيف المخيب للآمال يوم الجمعة الماضي في عمليات بيع جماعية في وول ستريت، إذ هبطت جميع مؤشرات الأسهم الرئيسية الثلاثة، ما أثار مخاوف متزايدة من ركود اقتصادي محتمل.
وأغلق مؤشر داو جونز منخفضاً 612 نقطة أو 1.5 في المئة في حين انخفض مؤشر ناسداك المركب الذي تغلب عليه أسهم التكنولوجيا بنسبة 2.4 في المئة، وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.8 في المئة.
جاء التقرير ليظهر تباطؤاً غير متوقع في نمو الوظائف، حيث أضاف الاقتصاد الأميركي 114 ألف وظيفة فقط في يوليو، وهو ما جاء دون توقعات الاقتصاديين الذين قدروا العدد بـ175 ألف وظيفة، كما ارتفع معدل البطالة إلى 4.3 في المئة، وهو أعلى مستوى له منذ أكتوبر 2021.
وكان دونالد ترامب، قد تعهد في يوليو الماضي، بإجراء تغييرات فورية في سياسته إذا هزم المرشحة المحتملة للحزب الديمقراطي كامالا هاريس في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.
وقال مرشح الحزب الجمهوري في مؤتمر بيتكوين 2024 أمام حشد من مستخدمي العملات المشفرة: «في اللحظة التي أقسم فيها اليمين، سيتوقف الاضطهاد، وينتهي استخدام الأسلحة ضد صناعتكم»، وأضاف «سأعين رئيساً جديداً للجنة الأوراق المالية والبورصات يؤمن بأن أميركا يجب أن تبني المستقبل، وليس عرقلة المستقبل».
مخاوف من ركود الاقتصاد الأميركي
وعلّق ستيفن إينيس، المحلل في شركة إدارة الأصول SPI Asset Management، بأن هذا التراجع “سببه تقرير الوظائف الأميركي الذي نُشر الجمعة وانعكس في انخفاض عوائد الأسهم والسندات” في بورصة وول ستريت في نيويورك.
ارتفع معدل البطالة الأميركي في تموز/يوليو إلى 4,3% مقابل 4,1% كانت متوقعة. وهو أعلى معدل بطالة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2021.
على الإثر، انخفضت عوائد السندات على نحو ملحوظ وهو ما أشار إلى أن الاحتياطي الفيدرالي (المصرف المركزي الأميركي) يمكن أن يلجأ إلى خفض أسعار الفائدة على نحو أكبر مما كان متوقعا.
وقال إينيس إنه في حال “خفض الاحتياطي الفيدرالي في أيلول سبتمبر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس”، بدلاً من 25 نقطة توقعها السوق، “فستكون هذه طريقته للاقرار” بأنه استغرق وقتاً طويلاً قبل تليين سياسته النقدية.
الى ذلك، رأى محللو دويتشه بنك ان حجم توقعات السوق بشأن عدد مرات تخفيض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي “على مدى الإثني عشر شهرًا المقبلة، لا يُرى عادة إلا خلال فترات الركود”.
وفي سوق السندات، واصلت أسعار الفائدة الأميركية التي تتحرك في الاتجاه المعاكس لأسعار السندات تراجعها، لتصل إلى 3,76% في الساعة 07,25 ت غ، مقارنة مع 3,79% الجمعة للسندات التي يبلغ أجلها عشر سنوات، وهو ما يظهر اهتمام المستثمرين بالتوجه إلى أصول توفر مزيدًا من الأمان مقارنة بالأسهم التي تعتبر أصولاً محفوفة بالمخاطر.
في أسواق الأسهم الآسيوية، كان انخفاض المؤشرات أكثر وضوحاً الإثنين، لا سيما في طوكيو التي تراجع مؤشرها الرئيسي، نيكاي، بنسبة 12,4%، بمقدار 4400 نقطة مسجلاً أسوأ انخفاض تاريخي له منذ انهيار سوق الأسهم في تشرين الأول/أكتوبر 1987. وهبط مؤشر توبكس الأوسع نطاقا بنسبة 12,23%.
وانخفضت بورصتا تايوان بأكثر من 8%، وسيول بأكثر من 9%.
وتراجعت أسواق الأسهم الصينية على نحو أكثر اعتدالا، فانخفض مؤشر هونغ كونغ هانغ سنغ 2,13% في التعاملات الأخيرة. وانخفض مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 1,54% ومؤشر شنتشن بنسبة 1,85%.
وقال ديلين وو، الخبير الاستراتيجي لدى مؤسسة Pepperstone “يبدو أن السبب المباشر للابتعاد عن المخاطرة هو الارتفاع غير المتوقع في أسعار الفائدة” الذي أعلنه بنك اليابان الأربعاء.
وأدى هذا التشدد النقدي بعد سنوات من أسعار الفائدة السلبية، إلى جانب تباطؤ النشاط الاقتصادي الأميركي، إلى تسريع ارتفاع الين بشكل ملحوظ، مدعومًا أيضًا بتدخلات البنك المركزي الياباني في سوق الصرف الأجنبية.
إلا أن حركة سعر الصرف هذه تعتبر سلبية بالنسبة للشركات اليابانية المصدرة التي استفادت من انخفاض العملة اليابانية.
وانخفض الدولار 2,17% إلى 143,35 يناً، وتراجع اليورو 1,99% إلى 156,72 يناً.
وانخفضت عملة البتكوين بنسبة 11,70% إلى 52217 دولارًا.
وتعرضت أسهم البنوك بشكل خاص لضغوط كبيرة.
وفي اليابان انخفض سهم مجموعة ميتسوبيشي يو إف جيه المالية بنسبة 13,5%، ومجموعة سوميتومو ميتسوي المالية بنسبة 14,6%، وميزوهو بنسبة 12,8%، ونومورا بنسبة 18,59%.
وفي أوروبا، تراجع بنك يونكريديت بنسبة 6,54%، وإنتيسا سان باولو في ميلانو بنسبة 5,57%، ودويتشه بنك في فرانكفورت بنسبة 5,12%، وسوسيتيه جنرال في باريس بنسبة 5,05%، وباركليز في لندن بنسبة 5,08%.
كما انخفضت أسهم قطاع التكنولوجيا أيضًا على نحو ملحوظ.
ففي أمستردام، تراجع سهم ASML بنسبة 4,46% وسهم BE Semiconductor Industries بنسبة 5,17%.
وفي فرانكفورت، انخفض سهم إنفينيون Infineon بنسبة 2,34%. وفي باريس، انخفض سهم STMicroelectronics بنسبة 5,10% وCapgemini بنسبة 2,93%.
بدوره قال أوستان جولسبي رئيس بنك الاحتياطي الاتحادي في شيكاجو يوم الاثنين إن الاقتصاد الأمريكي ليس في حالة ركود على ما يبدو على الرغم من بيانات التوظيف التي جاءت أضعف من المتوقع يوم الجمعة.
وأضاف جولسبي في مقابلة مع قناة (سي.إن.بي.سي) أن مسؤولي مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) عليهم أن يستوعبوا مع ذلك التغيرات التي طرأت على السوق لتجنب الإفراط في تقييد أسعار الفائدة.
وجاءت تصريحات جولسبي في ظل موجة بيع في أسواق الأسهم العالمية تسارعت وتيرتها يوم الاثنين في أعقاب تقرير مخيب للآمال بشأن التوظيف في الولايات المتحدة يوم الجمعة وقرار مجلس الاحتياطي الاتحادي الأسبوع الماضي بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير.
ومع ذلك، أشار مسؤولون في مجلس الاحتياطي الاتحادي إلى أنهم قد يخفضون أسعار الفائدة في اجتماعهم المقبل في سبتمبر أيلول.
شركات التكنولوجيا السبع تخسر تريليون دولار من قيمتها
هذا وتصدرت شركتا أبل وإنفيديا موجة بيع لأسهم قطاع التكنولوجيا يوم الاثنين مع مخاوف ركود في الولايات المتحدة وقرار شركة بيركشاير هاثاواي بخفض حصتها في أبل المصنعة لهواتف آيفون مما أدى إلى عرقلة مسيرة صعود استمرت شهورا في القطاع.
وتراجعت الأسهم عالية الأداء لشركات ألفابت المطورة لخدمات جوجل وأمازون وميتا بلاتفورمز ومايكروسوفت وتسلا 12.2 بالمئة في تداولات ما قبل افتتاح السوق.
ومن المتوقع أن تبدد خسائر أسهم الشركات السبع الكبرى ما يقرب من تريليون دولار من القيمة السوقية المجمعة للشركات.
وواصلت العقود الآجلة للنفط خسائرها في جلسة متقلبة يوم الاثنين إذ تغلبت المخاوف من ركود في الولايات المتحدة على القلق من أن يؤثر تصاعد التوتر في الشرق الأوسط على الإمدادات من أكبر منطقة لإنتاج النفط في العالم.
كما تراجعت أسواق آسيا مع تخلي المستثمرين عن الأصول التي تنطوي على مخاطر بسبب القلق من ركود في الولايات المتحدة واعتقادهم بأن خفض أسعار الفائدة سريعا سيكون ضروريا لإنقاذ النمو.
وبحلول الساعة 1128 بتوقيت جرينتش، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت 1.07 دولار، بما يعادل 1.4 بالمئة، إلى 75.74 دولار للبرميل، وهو غير بعيد عن أدنى مستوى له منذ يناير كانون الثاني.
ونزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 1.18، أو 1.6 بالمئة، إلى 72.34 دولار للبرميل.
وقال وارن باترسون المحلل لدى آي.إن.جي في مذكرة إن المخاوف من ركود في الولايات المتحدة والتي أثارها تقرير ضعيف عن الوظائف في يوليو تموز صدر يوم الجمعة تُفاقم القلق الذي يسيطر على سوق النفط منذ فترة بشأن الطلب الصيني.
ويؤثر انخفاض استهلاك الديزل في الصين، أكبر مساهم في نمو الطلب على النفط في العالم، على أسعار النفط.
وذكر محللون أن النفط تعرض لضغوط أيضا بعدما أبقت أوبك+ على خطتها للتخلص التدريجي من تخفيضات إنتاج طوعية اعتبارا من أكتوبر تشرين الأول، مما يعني زيادة الإمدادات في وقت لاحق من العام.
وأظهر مسح لرويترز يوم الجمعة أن إنتاج أوبك النفطي ارتفع في يوليو تموز رغم تخفيضات الإنتاج التي تنفذها المجموعة.
وتلقت الأسعار دعما من المخاوف الجيوسياسية، وسط استمرار القتال في غزة يوم الأحد، بعد يوم من انتهاء مفاوضات في القاهرة دون نتيجة.
وتترقب إسرائيل والولايات المتحدة تصعيدا خطيرا في المنطقة بعد أن توعدت إيران وحزب الله وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) المتحالفتان معها بالرد على اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس وفؤاد شكر القائد العسكري الكبير في حزب الله الأسبوع الماضي.
انخفاض العملات المشفرة
وانخفضت بتكوين وإيثر يوم الاثنين إلى أدنى مستوياتها في عدة أشهر مع تنامي المخاوف من ركود محتمل في الولايات المتحدة في أعقاب بيانات ضعيفة تعصف بالأسواق المالية وتدفع إلى الإسراع في التخلص من الأصول عالية المخاطر.
وتراجعت العملات المشفرة شأنها شأن أصول أخرى بما في ذلك الأسهم العالمية في وقت يخشى فيه المستثمرون من احتمال حدوث ركود في الولايات المتحدة فضلا عن تزايد المخاوف الجيوسياسية.
وخسرت بتكوين أكثر من ثلث قيمتها منذ أن بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق في مارس آذار. كما أدى ارتباطها المتزايد بالأسهم إلى تقويض سمعتها كأصل آمن.
وانخفضت بتكوين 12 بالمئة إلى 52054 دولارا، وتتجه لتسجيل أكبر انخفاض لها في يوم واحد منذ نوفمبر تشرين الثاني 2022.
وانخفضت إيثر 21 بالمئة إلى أدنى مستوى لها منذ يناير كانون الثاني.
يوم الاثنين الأسود تاريخيا
وشهدت الأسواق المالية انهياراً حاداً يوم الاثنين الأسود، 28 أكتوبر 1929، إذ انخفض مؤشر داو جونز بنحو 13 بالمئة، ثم في اليوم التالي، الثلاثاء الأسود، انخفضت السوق بنسبة 12 في المئة، وبحلول منتصف نوفمبر، كان مؤشر داو جونز قد فقد ما يقرب من نصف قيمته.
وقبل الاثنين الأسود صعدت أسواق الأسهم الأميركية بقيادة مؤشر داو جونز الذي ارتفع بواقع ستة أضعاف من 36 نقطة بين أغسطس 1921 إلى 381 نقطة في وسبتمبر 1929، ثم بدأ الانخفاض يوم الجمعة السوداء 28 أكتوبر 1929.
وفي حين أدى انهيار عام 1929 إلى تقليص النشاط الاقتصادي لفترة من الوقت، إلا أن تأثيره تلاشى في غضون بضعة أشهر، وبحلول خريف عام 1930 بدا الانتعاش الاقتصادي وشيكاً.
ولكن بعد ذلك، أدت المشكلات في جزء آخر من النظام المالي إلى تحويل ما كان يمكن أن يكون ركوداً قصيراً إلى أطول وأعمق كساد في الولايات المتحدة، وهو ما يعرف بالكساد العظيم الذي استمر حتى عام 1941.
الاثنين الأسود في 1987
تكشفت الأزمة المالية في 19 أكتوبر 1987، وهو اليوم المعروف باسم «الاثنين الأسود»، عندما انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 22.6 في المئة في جلسة تداول واحدة، وهي أكبر خسارة في سوق الأسهم في يوم واحد في التاريخ، وبأكبر انخفاض منذ الكساد الكبير.
أدى يوم الاثنين الأسود إلى عدد من الإصلاحات الجديرة بالملاحظة، بما في ذلك وضع البورصات قانوناً لإيقاف التداول مؤقتاً في حالة حدوث عمليات بيع سريعة في السوق.
وسبق الانهيار في سوق الأسهم ارتفاع سريع خلال النصف الأول من عام 1987، وبحلول أواخر أغسطس، ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 44 في المئة في غضون سبعة أشهر، ما أثار المخاوف من حدوث فقاعة في وول ستريت.
وفي منتصف أكتوبر، بدأت التقارير الإخبارية في تقويض ثقة المستثمرين، إذ كشفت الحكومة الفيدرالية عن عجز تجاري أكبر من المتوقع وانخفضت قيمة الدولار، وبدأت الأسواق في الانهيار بشكل يومي منذ 14 أكتوبر استعداداً للاثنين الأسود.
وبحلول نهاية يوم التداول في 16 أكتوبر، والذي كان يوم جمعة، كان مؤشر داو جونز الصناعي قد خسر 4.6 في المئة، ولم تقدم استراحة التداول في عطلة نهاية الأسبوع سوى مهلة قصيرة؛ إذ هدد وزير الخزانة جيمس بيكر يوم السبت 17 أكتوبر علانية بخفض قيمة الدولار من أجل تضييق العجز التجاري المتزايد في البلاد ما دفع الأسواق للافتتاح يوم الاثنين يوم 19 أكتوبر 1987 على هبوط حاد.
انهيار الاثنين الأسود عام 2008
في يوم الاثنين 29 سبتمبر 2008، بعد فشل الكونغرس في تمرير خطة إنقاذ البنوك بقيمة 700 مليار دولار في أعقاب انفجار الفقاعة العقارية والأزمة المالية التي اجتاحت النظام المصرفي، هبط مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 777.68 نقطة، وكانت هذه هي أكبر خسارة في يوم واحد في تاريخه في ذلك الوقت.
كما انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 7 في المئة، وهي خسارة أكبر من هبوط بلغ 684.81 نقطة في 17 سبتمبر 2001 (أول يوم تداول بعد حادثة 11 سبتمبر)، وتراجع مؤشر ناسداك 9.1 في المئة، وهي أكبر خسارة له في يوم واحد منذ ثماني سنوات.
جاء هذا الانخفاض الكبير في أعقاب إفلاس شركة الوساطة المالية في وول ستريت ليمان براذرز، وبنك التوفير والقروض واشنطن ميوتشوال، بالإضافة إلى إعلان بنك الاحتياطي الفيدرالي أنه سيقدم خطة إنقاذ بقيمة 85 مليار دولار لشركة التأمين أمريكان إنترناشيونال جروب المعروفة باسم إيه آي جي، في محاولة لمنع إفلاسها.
في نهاية المطاف، أقر الكونغرس مشروع قانون الإنقاذ، مع توقيع بوش على قانون الاستقرار الاقتصادي الطارئ لعام 2008، وظل انخفاض مؤشر داو جونز أكبر خسارة في يوم واحد من حيث النقاط حتى عام 2020.
جائحة كورونا.. الاثنين الأسود في 2020
شهدت الأسواق أحد أكثر الانهيارات الفريدة في سوق الأسهم خلال مارس 2020، عندما أدرك المستثمرون خطورة جائحة كورونا والتأثير الذي يمكن أن تحدثه على الاقتصاد العالمي.
وفي يوم الاثنين 16 مارس 2020، انخفض مؤشر داو جونز بما يقرب من 3000 نقطة، أو نحو 13 في المئة، في أكبر انخفاض له على الإطلاق من حيث النقاط، وأكبر انخفاض بالنسبة المئوية في يوم واحد منذ انهيار عام 1987.
كما هبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 34 في المئة بحلول 23 مارس متخلياً عن أعلى مستوياته على الإطلاق آنذاك التي حققها في 19 فبراير 2020، وهو أحد أكبر الانخفاضات في التاريخ.
ولكن مع تدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الأميركية لدعم الاقتصاد وتعزيز الدعم لأولئك الأكثر تأثراً بالجائحة، بدأت السوق في التعافي، وبحلول أغسطس، وصلت السوق إلى مستويات مرتفعة جديدة واستمرت في الارتفاع خلال معظم عام 2021، وحققت مستويات قياسية جديدة في الأعوام التالية.
“قاعدة ساهم” تثير خشية الأسواق
تشهد البورصات العالمية تراجعا حادا منذ الأسبوع الماضي، بعدما أدى تقرير الوظائف الأميركي المخيب للآمال إلى تفعيل “قاعدة ساهم”، وهو مؤشر موثوق عادة للركود الاقتصادي.
أنشئت “قاعدة ساهم” على يد كلوديا ساهم، الخبيرة الاقتصادية السابقة في الاحتياطي الفدرالي الأميركي والبيت الأبيض.
تنص هذه القاعدة على أن الاقتصاد الأميركي يدخل في حالة ركود عندما يكون متوسط معدل البطالة لمدة ثلاثة أشهر أعلى بمقدار 0,5% (50 نقطة أساس) أو أكثر من أدنى مستوى له في الأشهر الاثني عشر السابقة.
هذا المؤشر “التجريبي البحت” والذي يفتقر إلى “أساس نظري”، كما يذكّر رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة “لومبارد أودييه آي إم” فلوريان إيلبو، بلغ 0,53% في تموز/يوليو 2024.
يوضح الخبير أنه منذ نشر تقرير البطالة الأميركية الجمعة والتي ارتفعت أكثر من المتوقع إلى 4,3%، وهو أعلى معدل للبطالة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2021، فإن الأسواق “تستنتج بوضوح أننا سنشهد ركودا” وتغرق في المنطقة الحمراء.
رغم هذه الأرقام، فإن كلوديا ساهم نفسها تشكك في انطباق مؤشرها هذه المرة، وقالت في مقابلة مع مجلة فورتشن الأميركية نشرت الجمعة “لا أعتقد أننا حاليا في حالة ركود”.
وأضافت “لا ينبغي لأحد أن يشعر بالذعر الآن، حتى لو بدا الأمر كذلك للبعض”، لأن هناك مؤشرات رئيسية للاقتصاد “لا تزال تبدو جيدة للغاية”.
وأشارت ساهم إلى أن دخل الأسر مستمر في النمو، في حين يظل الاستهلاك واستثمار الشركات مرنين.
وتابعت “هذه المرة قد تكون مختلفة حقا”.
لفتت مجموعة الأبحاث “كابيتال إيكونوميكس” إلى أن ارتفاع معدل البطالة كان حتى الآن مدفوعا بزيادة القوى العاملة وليس انخفاض التوظيف.
وقال نيل شيرينغ، كبير خبراء الاقتصاد في المجموعة، في مذكرة “هذا يمثل فرقا بالنسبة الى الدورات السابقة”، مضيفا أنه “من المرجح أن يكون إعصار بيريل قد ساهم في ضعف أرقام الرواتب في تموز/يوليو”.
سعى رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جيروم باول أيضا إلى طمأنة المستثمرين، قائلا في مؤتمر صحافي الأربعاء إن قاعدة ساهم هي “انتظام إحصائي” و”ليست قاعدة اقتصادية تؤكد أن شيئا ما سيحدث”.
قرر الاحتياطي الفدرالي الأربعاء إبقاء أسعار الفائدة عند أعلى مستوى لها منذ 20 عاما، بينما أشار إلى احتمال خفضها في أيلول/سبتمبر.
زادت المخاوف من الركود الضغوط على الاحتياطي الفدرالي لخفض أسعار الفائدة أكثر من المتوقع، أو حتى قبل اجتماعه المقبل.
وأدلى جيروم باول بتصريحاته قبل نشر أرقام البطالة.
يرى فلوريان إيلبو أنه “من الواضح أن هذا أمر سيثير قلق الاحتياطي الفدرالي”.
يضيف الخبير الاقتصادي “هل من الممكن أن يقوم الاحتياطي الفدرالي بخفض أسعار الفائدة بشكل غير مبرمج؟ في الوقت الحالي، من غير المرجح أن يحدث ذلك”.
ويتوقع بعض المحللين أن يخفض الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة بمقدار 0,5% في أيلول/سبتمبر، أي بمقدار أعلى من التوقعات السابقة (0,25%).
يقدّر إيلبو أن الاحتياطي الفدرالي قد يقوم بمثل هذا الخفض “لإبطاء التراجع في الأسواق، إذا استمر بالفعل حتى ذلك الحين”.
وقال دويتشه بنك إن الأسواق باتت تتوقع خفضا إجماليا بمقدار نقطتين مئويتين على مدى الأشهر الاثني عشر المقبلة، “وهو ما لم نشهده من قبل إلا في حالة الركود”.
لكن شيرينغ، الخبير الاقتصادي في كابيتال إيكونوميكس، توقع أن يقر الاحتياطي الفدرالي خفضا بنسبة 0,25% في كل من اجتماعاته الثلاثة المتبقية هذا العام.
اضف تعليق