تواجه صناعة النيكل تحديات وعقبات قد تدفع بها إلى حافة الانهيار، في ظل تراجع كبير في الأسعار، مع تهديد بإغلاق العديد من المناجم لمواجهة الخسائر المستمرة، وبعد أن كان النيكل نقطة مضيئة، ساءت الأمور كثيرًا نظرًا إلى أن سوقه دخلت حالة من الفوضى، بعد تدفق الإمدادات الجديدة من إندونيسيا...
تواجه صناعة النيكل تحديات وعقبات قد تدفع بها إلى حافة الانهيار، في ظل تراجع كبير في الأسعار، مع تهديد بإغلاق العديد من المناجم لمواجهة الخسائر المستمرة، وبعد أن كان النيكل نقطة مضيئة، ساءت الأمور كثيرًا نظرًا إلى أن سوقه دخلت حالة من الفوضى، بعد تدفق الإمدادات الجديدة من إندونيسيا، نتيجة للاستثمارات الصينية الضخمة والاختراقات التكنولوجية الكبرى.
ومع تعرض المناجم في جميع أنحاء العالم لخطر الإغلاق، تدرس بعض الشركات مستقبل الصناعة، ويطالب البعض الآخر بعمليات إنقاذ حكومية أو الإفلاس، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة، وترك حجم الانهيار البعض في الصناعة يتساءلون عما إذا كان هناك مستقبل لمعظم مناجم النيكل خارج إندونيسيا، كما أنه يزيد من المخاوف بين صناع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا بشأن سيطرة الصين على السلع الأساسية، إذ تقود شركاتها معظم الإنتاج الإندونيسي.
صناعة النيكل ومراحل الانهيار
قبل 18 شهرًا، أبرمت مجموعة بي إتش بي الأسترالية (BHP)، وسط ضجة كبيرة، صفقة مع شركة تيسلا (Tesla) لتزويدها بالمكون الأساسي للسيارات الكهربائية، وكانت على وشك التنافس مع الملياردير الأسترالي أندرو فورست للسيطرة على أحد أكثر المناجم الواعدة في العالم.
وقد خصصت إدارة الشركة المعدن بوصفه ركيزة أساسية للنمو، وسلعة تواجه المستقبل من شأنها أن تساعد في تعويض خروجها من الوقود الأحفوري، وتسمح لها بالاستفادة من الطلب الجديد المدفوع بالسباق العالمي لإزالة الكربون، وفق ما نقلته وكالة بلومبرغ.
ويُعد المعدن -الذي يُستعمل تقليديًا في صناعة الفولاذ المقاوم للصدأ- عنصرًا حاسمًا في بطاريات السيارات الكهربائية، وكان من المتوقع أن يستمر نقص العرض لسنوات مقبلة، واغتنمت شركات التعدين فرصة عظيمة لتقديم أوراق اعتمادها الخضراء.
تقليديًا، جرى تقسيم النيكل إلى فئتين: درجة منخفضة لصنع الفولاذ المقاوم للصدأ ودرجة عالية للبطاريات، وأدى التوسع الإندونيسي الضخم في الإنتاج منخفض الجودة إلى فائض، لكن ابتكارات المعالجة سمحت بتحسين هذه الوفرة إلى منتج عالي الجودة يصل إلى سوق البطاريات.
ونتيجةً لذلك، انهارت أسعار المعدن بأكثر من 40% مقارنةً بالعام الماضي (2023)، ما زاد من العقبات في السوق المتذبذبة أيضًا بسبب ضعف الطلب والمخاوف المستمرة بشأن الاقتصاد الصيني، ويقدر محللو مجموعة ماكواري (Macquarie) أن أكثر من 60% من الصناعة العالمية يخسر الأموال بالأسعار الحالية.
خطر وشيك.. إغلاق المناجم
يقول رئيس إستراتيجية السلع في شركة ليبروم كابيتال (Liberum Capital) توم برايس: "بعد مشاهدة المد يتجه نحو عالم النيكل لأكثر من عام -مع انخفاض سعر المعدن إلى النصف- أصبح لدينا الآن بعض الأصول عالية التكلفة معرضة للخطر".
وأضاف أن المناجم الموجودة في غرب أستراليا وإقليم كاليدونيا الجديدة الفرنسي من المرجح أن تكون الأكثر عرضة للخطر.
وفي كاليدونيا الجديدة -التي كان يُنظر إليها ذات يوم على أنها مستقبل إنتاج النيكل- اضطرت الحكومة الفرنسية إلى التدخل للحفاظ على تشغيل المناجم والمصانع التي تُعد ضرورية لاقتصاد الإقليم.
واجتمع المسؤولون مع المساهمين الرئيسين في 3 محطات معالجة للتوصل إلى اتفاق إنقاذ، دون تحقيق أي تقدم حتى الآن، وكان الوضع قاتمًا بالقدر نفسه في أستراليا، إذ تدرس شركة بي إتش بي الآن مستقبل منجمها الرئيس نيكل ويست في أستراليا، وفق ما رصدته منصة الطاقة.
كما تعمل شركة بانوراميك ريسورسيز (Panoramic Resources Ltd) على تعليق عمل منجم رئيس بعد دخولها الإدارة التطوعية في أواخر العام الماضي (2023)، عندما فشلت في العثور على مشترٍ أو شريك، وسيُغلق موقع تابع لشركة إيغو (IGO Ltd)، وكذلك بعض المواقع التي تديرها شركة ويلو ميتالز (Wyloo Metals Pty Ltd) التابعة لرجل الأعمال أندرو فورست وشركة فيرست كوانتوم مينيرالز (First Quantum Minerals Ltd).
ويلجأ المنتجون في غرب أستراليا -أيضًا- إلى المسؤولين طلبًا للمساعدة، وفي اجتماع الأزمة في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، طلب عمال المناجم من الحكومة الفيدرالية تقديم إعفاءات ضريبية للمعالجة النهائية.
هل تواصل أسعار النيكل انخفاضها؟
على الرغم من بدء تراجع الإنتاج، فمن غير المرجح أن يقدم ذلك دعمًا وشيكًا لأسعار النيكل، وفقًا لما ذكره المحلل في بلومبرغ نيو إنرجي فايننس (Bloomberg NEF) آلان راي ريستورو، وقال: "من المتوقع أن يستمر تدفق الإمدادات من إندونيسيا في ممارسة الضغط النزولي على الأسعار في عام 2024"، لأن الإنتاج الإندونيسي -الذي يمثل بالفعل نصف الإمدادات العالمية- قد يكون أكثر مقاومة لتخفيضات الإنتاج، وبرزت إندونيسيا بوصفها مركزًا عالميًا للنيكل، بعد استثمار مليارات الدولارات في مصانع تستفيد من العمالة الرخيصة والطاقة الرخيصة والمواد الخام المتاحة بسهولة.
ومع ذلك، فإن التوسع السريع في البلاد أثار انتقادات، إذ يأتي جزء كبير من إنتاجها من الكهرباء التي تعمل بالفحم، ما يمنحها انبعاثات أعلى لكل طن من المنتجين المنافسين، كما يؤدي توسعها السريع إلى تآكل الغابات المطيرة.
وبدلاً من ذلك، أعلن منتجون مثل بي إتش بي، أن المشترين الذين يدفعون علاوة مقابل ما يسمى النيكل الأخضر من شأنه أن يساعد في رفع الأسعار، لكن حتى الآن لم يكن هناك سوى القليل من الأدلة على ذلك، واعترفت الشركة في أواخر العام الماضي (2023)، بأن شركات صناعة السيارات ما تزال سعيدة بشراء النيكل الإندونيسي.
رياح معاكسة
أدى تدفق الإمدادات الجديدة من إندونيسيا في العامين الماضيين إلى تجاوز الطلب في وقت تتعرض فيه أسواق المعادن لضغوط من الاقتصاد العالمي المتعثر.
بالنسبة إلى النيكل، يُعد ضعف نمو الطلب من قطاع السيارات الكهربائية أيضًا بمثابة رياح معاكسة، وقد جرى تداول الأسعار مؤخرًا بالقرب من 16 ألف دولار للطن، بالقرب من أدنى مستوى لها منذ عام 2021.
ويتوقع بنك سيتي غروب (Citi Group) أن ينخفض سعر النيكل إلى 15.5 ألف دولار للطن خلال الأشهر الـ3 المقبلة، وخفّض البنك مؤخرًا توقعاته لمتوسط الأسعار في هذا الربع إلى 16 ألف دولار للطن، من 18 ألف دولار للطن، وفق ما رصدته منصة الطاقة، نقلًا عن وكالة بلومبرغ.
ومن المؤكد أن إندونيسيا تعاني من مشكلاتها الخاصة، إذ أدى حادث وقع في ديسمبر/كانون الأول 2023 وأسفر عن مقتل 21 شخصًا، إلى إطلاق دعوات في البلاد إلى تشديد الرقابة على صناعة النيكل قبل الانتخابات الرئاسية المقررة الشهر المقبل.
وانتقد أحد المرشحين الـ3 لمنصب نائب الرئيس كيفية إدارة الحكومة الحالية للقطاع خلال مناظرة متلفزة، وقال المحلل الرئيس للمعادن الأساسية في مجموعة سي آر يو (CRU) نيخيل شاه: "ما يزال هناك الكثير من الإمدادات تأتي من إندونيسيا، وسنحتاج إلى انخفاض أسعار النيكل لتقييد نمو العرض في إندونيسيا"، وتعكس مشكلات النيكل ديناميكيات أسواق مواد البطاريات الأخرى، التي شهدت انخفاض الأسعار بعد النمو القوي المفاجئ في العرض، كما تأثر الطلب على النيكل والكوبالت، إذ يعتمد صانعو السيارات الكهربائية أنواعًا من البطاريات التي لا تستعمل أيًا منهما.
اضف تعليق