في ظل اقتصاد عالمي ضعيف وازمات مالية مستمرة، باتت الكثير من دول العالم تعول على السياحة كمصدر مهم للدخل الاقتصادي، إذ يحظى قطاع السياحة في عالم اليوم بأَهمية خاصة من لدن البلدان التي لا تمتلك ثورات طبيعية كالنفط.
لذا اهتمت معظم هذه البلدان النامية باستثمار السياحة وحاولت تطويرها خصوصا بعد الازمة المالية الاخيرة لضمان النمو الاقتصادي بالتنمية السياحية، وقد ساهمت عدة عوامل في التطور الكبير لمجال السياحة خلال العقود الأخيرة.
ففي الآونة الاخيرة جعلت التحولات الاقتصادية والسياسية والامنية التي يشهدها العالم في المرحلة الراهنة، من السياحة رافدا استثماريا لانعاش الاقتصاد والتخلص من الأزمات، لكن في بعض البلدان كتونس عانت الامرين من تدهور السياحة بسبب الهجوم الارهابي على مدنية سياحية، وتكبدت خسائر كبيرة نتيجة هذا الهجوم، إذ قال بعض المسؤولين إن عدد السياح الأجانب انخفض بحوالي مليون سائح في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام ليصل إلى نحو أربعة ملايين بسبب هجمات ارهابية هذا العام، مما قد يزيد مصاعب الاقتصاد العليل أصلا.
من جهتهم رأى بعض خبراء الصناعة إن السائحين الغربيين الذين سينأون بأنفسهم عن تونس لأسباب أمنية ربما لا يكونون على استعداد للسفر الي دول مثل تركيا المتاخمة لسوريا التي تعصف بها الحرب أو مصر التي تشهد اضطرابات اجتماعية وسياسية في السنوات القليلة الماضية.
على عكس ذلك انتعشت السياحية في معظم البلدان الاوربية وخاصة اسبانيا التي اعتمد على الموارد السياحية كأنشطة اقتصادية مهمة خاصة خلال العام الحالي، فيما تعد فرنسا منذ سنوات عدة، البلد الذي يستقبل أكبر عدد من السياح الأجانب (84,7 مليونا في 2013)، لكنها تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث العائدات السياحية بعد الولايات المتحدة وإسبانيا.
ويرى بعض المحللين انه من المتوقع أن تعزز فرنسا مكانتها الرائدة كأول وجهة سياحية عالمية مع أكثر من 85 مليون زائر أجنبي تستقبلهم هذا العام، في الوقت الذي باتت فهي مدن اسيا الأكثر جذبا للسياحة بالعالم.
إذ يرى معظم المراقبين ان مدن آسيا أكثر استقبالا للزوار مثل بانكوك وسنغافورة، لكنها تواجه خطر تراجع أعداد الزائرين وكذلك عائدات السياحة وذلك بسبب عدم تنوع الزائرين وكذلك تزايد الاعتماد على السياحة الصينية.
الى ذلك قال خبراء في شؤون السياحية إن المدن الأقل تنوعا في مصادر السياحة الوافدة عليها ان تعمل بجد على جذب السائحين من وجهات مختلفة من خلال حملات دعاية أو تقديم حزمة واسعة من عوامل الجذب لاستمالة الزبائن الدوليين.
وعليه أصبح قطاع السياحة من أهم الصناعات العالمية الذي ينشط الاستثمارات الاقتصادية بتوفير فرص عمل مناسبة، لذا فأنها باتت هدفا رئيسيا للمعظم البلدان في الوقت الحاضر والمستقبل ايضا، من اجل انتعاش التنمية والتخلص من الأزمات.
تونس
في يونيو حزيران الماضي هاجم مسلح سياحا مستلقين على شاطئ بمنتجع سوسة السياحي وقتل 38 من بينهم 30 بريطانيا في أسوأ هجوم في تاريخ البلاد. وقبل ذلك بثلاثة أشهر قتل مسلحان 21 سائحا أجنبيا عندما هاجما حافلة سياح بمتحف باردو بالعاصمة تونس. وتبنى تنظيم داعش الهجومين. بحسب رويترز.
ونقلت وكالة تونس افريقيا للأنباء الرسمية عن وزيرة السياحة سلمى اللومي قولها إن عدد السياح تراجع إلى حوالي أربعة ملايين سائح منذ بداية العام وحتى شهر سبتمبر مقارنة بخمسة ملايين أجنبي زاروا تونس في نفس الفترة من العام الماضي.
واضافت الوزيرة أن السياح الغربيين تراجع عددهم بحوالي 50 بالمئة بسبب الهجمات. ومنعت عدة دول غربية مواطينها من السفر الى تونس قائلة ان هناك امكانية شن مزيد من الهجمات، وفي تونس أغلقت بعض الفنادق أبوابها بينما تعاني صناعة السياحة أوقاتا صعبة، لكن وزيرة السياحة التي أقرت بان الوضع صعب قالت إنه يتعين استغلال هذا الوقت لبدء اصلاحات في القطاع من بينها تحسين جودة الخدمات وتنويع المنتجات السياحية، وخفضت تونس توقعاتها للنمو الاقتصادي هذا العام الى 0.5 بالمئة بسبب الهجمات من نحو 3 بالمئة كانت متوقعة قبل ذلك.
اسبانيا
من جهته قال مكتب احصاء الزائرين والحركة عبر الحدود (فرونتور) في اسبانيا إن عدد السياح الزائرين للبلد سجل رقما قياسيا في الأشهر الثمانية الأولى من 2015 في ظل مخاوف أمنية تكتنف الشرق الأوسط وشمال افريقيا دفعت هواة الاجازات خاصة في بريطانيا وفرنسا إلى شواطىء اسبانيا، وقالت (فرونتور) إن عدد السياح الزائرين بلغ 47.2 مليون في تلك الفترة بنسبة زيادة 4.1 بالمئة. بحسب رويترز.
وقصد عدد قليل من السائحين تونس منذ بداية العام وحتى أغسطس اب بعد تعرضها لهجومين شنهما متشددون إسلاميون في الأشهر القليلة الماضية خلفا عشرات القتلى من الزائرين الأجانب.
فقد قفز عدد السائحين الذين يزورون أسبانيا 6.3 بالمئة في يوليو تموز مقارنة بالعام السابق لتصل إلى مستوى ارتفاع قياسي بفضل ضعف اليورو والمخاوف الأمنية التي تشوب المنتجعات المنافسة التي تجذب السائحين، وقالت فرونتور وهي هيئة تابعة لوزارة الصناعة إن عدد الزائرين الوافدين بلغ 8.8 مليون في يوليو تموز ليصل اجمالي عدد الزائرين في الأشهر السبعة الأولى من العام لنحو 38 مليون شخص. بحسب رويترز.
وارتفع عدد الزائرين حتى هذا الوقت من العام بنسبة 4.7 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي في دفعة قوية بطريق تعافي اقتصاد البلاد. وتشكل السياحة نحو 11 بالمئة من ناتج الاقتصاد القومي.
ورحبت جماعات السياحة بهذه الدفعة للصناعة خاصة في بلد لا يزال مثقل بنسبة بطالة 22.4 بالمئة، لكن يبقى على اسبانيا ان تتحول عن الاعتماد على باقات العطلات الشاطئية الرخيصة من أجل جذب الزائرين في إطار سعيها لتعزيز متوسط إنفاق السائحين، وقالت فرونتور إن أعداد السائحين الوافدين من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والصين واليابان تزايدت أيضا، وقال رئيس الوزراء ماريانو راخوي في وقت سابق من هذا الشهر إن من المتوقع أن يزور البلاد عدد قياسي من السائحين هذا العام يصل إلى 68 مليون شخص.
فرنسا
فيما تتوقع فرنسا تسجيل رقم قياسي جديد في عدد السياح الذين زاروها في 2015، مع عدد قد يفوق 85 مليون سائح أجنبي، حسب ما أعلن وزير الخارجية المكلف بشؤون السياحة لوران فابيوس، وقال لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي المكلف شؤون السياحة خلال مؤتمر صحافي "نقترب من تحقيق رقم قياسي جديد في مجال السياحة في العام 2015"، وأضاف "نأمل أن نتخطى الخمسة وثمانين مليونا" في عدد الزوار، مشيرا إلى أهمية تحقيق عائدات سياحية تتناسب مع هذا الحجم من الزوار خصوصا أن فرنسا "ليست في المرتبة الأولى" على هذا الصعيد، وصرح الوزير "لا بد من أن يبقى السياح مدة أطول في فرنسا ولا بد من تنويع المواقع". بحسب فرانس برس.
وقد سجل ارتفاع في عدد الوافدين من جنوب آسيا (+23 %) والهند (+26 %) والشرق الأوسط (+ 20 %)، منذ كانون الثاني/يناير، وارتفع عدد الزوار الصينيين في باريس وضواحيها بنسبة 48,9 %. أما السياح الروس واليابانيون، فقد تراجع عددهم بسبب الوضع الاقتصادي في روسيا واليابان.
واشنطن دي سي
على صعيد مختلف قالت منظمة السياحة في العاصمة الامريكية ان منطقة كولومبيا استقبلت العام الماضي عددا قياسيا من الزائرين بلغ 20.2 مليون بفضل قفزة قدرها 16 بالمئة في اعداد السائحين الأجانب.
واضافت ديستنيشن دي سي قائلة في بيان إن إنفاق السياح بلغ 6.8 مليار دولار في 2014 بزيادة قدرها 1.9 بالمئة عن عام 2013 مع تدفق الزائرين على المتاحف والنصب التذكارية والمواقع التاريخية ومهرجانات واحتفالات متنوعة في المدينة. بحسب رويترز.
وقالت المنظمة إن عدد السائحين الأجانب الذين زاروا العاصمة الأمريكية في 2014 سجل أكبر زيادة سنوية في خمسة اعوام، والدول الخمس الرئيسية التي جاء منها السياح الأجانب كانت الصين وبريطانيا والمانيا وفرنسا واستراليا، وقالت متحدثة باسم ديستنيشن دي سي إن واشنطن جاءت ضمن "فئة العشر مدن الأولى" بين المقاصد السياحية في الولايات المتحدة، وشهدت واشنطن زيادة قدرها 8 بالمئة في حصة السوق الامريكي من الزائرين الاجانب في 2014 مع قيام 5.4 بالمئة منهم بزيارة المدينة.
توقعات بنمو السياحة في العالم رغم الاضطرابات
الى ذلك قال المجلس العالمي للسفر والسياحة (دبليو تي تي سي) انه يتوقع ان يشهد قطاع السياحة نموا اسرع من نمو الاقتصاد العالمي في2015 ليحقق زيادة بنسبة 3,7 بالمئة رغم الاضطرابات التي تؤثر على القطاع.
واكد رئيس المجلس ديفيد سكوسيل "حتى نهاية 2015 ينتظر ان يسهم قطاع السفر والسياحة بما قيمته 7800 مليار دولار اي 10 بالمئة من الناتج الاجمالي العالمي وسيمثل 284 مليون فرص عمل اي 9,5 بالمئة من اجمالي فرص العمل".
ويعقد المجلس الذي يمثل مئة شركة ضمنها ابرز شركات السفر والسياحة في العالم مؤتمره السنوي بمدريد ويستمر عشرة ايام، وفي آخر تقرير له لشهر آذار/مارس توقع المجلس ان يحقق القطاع نموا بنسبة 3,7 بالمئة في 2015 بعد 3,5 بالمئة في 2014.
وبحسب آخر تقديرات صندوق النقد الدولي التي نشرت الثلاثاء يتوقع ان يشهد الاقتصادي العالمي نموا بنسبة 3,5 بالمئة في 2015، وبحسب المنظمة العالمية للسياحة وهي وكالة تابعة للامم المتحدة مقرها مدريد، فان عدد المسافرين في العالم زاد في 2014 بنسبة 4,7 بالمئة عند 1,1 مليار مسافر. بحسب فرانس برس.
وتوقعت ان تشهد سنة 2015 نموا في عدد المسافرين بما بين 3 و4 بالمئة، وانفق المسافرون في 2014 مبلغا قياسيا بلغ 1245 مليار دولار بزيادة 48 مليار عن 2013، بسب ارقام المنظمة العالمية، وكانت اوروبا المنطقة اكثر استفادة من هذه المبالغ في 2014 ب 509 مليارات دولار (41 بالمئة) ثم منطقة آسيا والمحيط الهادئ ب 377 مليار دولار فالولايات المتحدة ب 274 مليار دولار، وكانت عائدات السياحة اقل تواضعا بكثير في الشرق الاوسط حيث بلغت 49 مليار دولار ثم افريقيا ب 36 مليار دولار، ويبقى الصينيون هم السياح الاكثر انفاقا (165 مليار دولار) يليهم الاميركيون (112 مليار دولار).
اضف تعليق