غياب الرؤية الاقتصادية للموازنة العامة، إذ ان الرؤية الاقتصادية لأي موازنة لكي تكون واعدة يجب أن تستهدف تنويع الاقتصاد العراقي والمشكلة ان هذه موازنة ليست سنوية بل لثلاثة سنوات خلت من هذه الخطوة، لذلك نلاحظ تركيز في هذه الموازنة على الايرادات النفطية وتركيز ايضاً على قطاعات محددة...
عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية ملتقاه الشهري في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وذلك تحت عنوان "ملاحظات على مشروع الموازنة الثلاثية 2023، 2024، 2025 " في يوم السبت الموافق 13/ 5/ 2023 الساعة الرابعة والنصف عصرا.
حيث ابتدأ الملتقى اعماله بعرض الباحث في المركز الدكتور حيدر حسين آل طعمة ورقته على مسامع الحضور وبعد الانتهاء فتح باب المداخلات من خلال طرح سؤالين حول الموضوع.
الورقة البحثية
حظي مشروع الموازنة بجدل كبير على مستوى الاعلام والخبراء والمختصين، لما تضمنه هذا المشروع من تفاصيل كثيرة، ومفاجئات لم تكُن متوقعة على مستوى الاصلاح والتنمية وإعادة تخصيص الموارد وفق ما جاء به البرنامج الحكومي للحكومة الحالية (حكومة السيد السوداني).
حقيقة لم تكُن هذه الموازنة مليئة بالأعباء المالية على مستوى رفع سقف الديون وانما كان فيها الكثير من المشاكل على مستوى اعداد الموازنة ولذلك كانت مضخمة ليس على مستوى البنود والحسابات وانما على مستوى المواد، اذ ذكرت الكثير من التفاصيل التي ينبغي ألا تحشر في الموازنة في الوقت الذي ينبغي ان تقتصر الاخيرة على الامور المالية.
أمر جديد في هذه الموازنة وهو ممارسة وزارة المالية عملها في الموازنة، أي ما ترغب الوزارة القيام به يُحشر على شكل بنود في الموازنة، في حين الكثير من هذه البنود هي من مهام وزارة المالية ولا داعي لتُحشر في الموازنة.
ايضاً فيما يخص مشروع صندوق العراق السيادي، مشروع بهذا الحجم لا يُمكن أن يُزج في قانون موازنة سنوية (قانون مؤقت)؛ وانما يخصص له مشروع قانون يُرسل إلى البرلمان ويُناقش بشكل مُفصّل لما لهذا القانون من خطورة سواء على مستوى التشكيل أو على مستوى الادارة!
ملاحظات عامة
الملاحظة الاولى: غياب الرؤية الاقتصادية للموازنة العامة، إذ ان الرؤية الاقتصادية لأي موازنة لكي تكون واعدة يجب أن تستهدف تنويع الاقتصاد العراقي والمشكلة ان هذه موازنة ليست سنوية بل لثلاثة سنوات خلت من هذه الخطوة، لذلك نلاحظ تركيز في هذه الموازنة على الايرادات النفطية وتركيز ايضاً على قطاعات محددة.
وتجب الاشارة بهذا الصدد إلى مسألة توقيت اثارة التنويع الاقتصادي، حيث يتم في العادة اثارة موضوع التنويع الاقتصادي عند انخفاض الايرادات النفطية التي لا يمكن معها العمل على تفعيله بشكل حقيقي، في الوقت الذي يُفترض ان يتم طرح هذه الموضوع مع الوفرة المالية التي يُمكن معها تفعيل التنويع الاقتصادي بشكل حقيقي لان التنويع الاقتصادي ليست أمنية بل جهود تحتاج لتمويل كبير.
الملاحظة الثانية: إطلاق يد الحكومة في الاقتراض، وايضاً لثلاثة سنوات مما سترتب عليها اعباء مالية اخرى وهذا يرتبط بدخول العراق بحلقة العجز/ الدين، إذ ان ديون العراق الحالية (الداخلية والخارجية) تبلغ 95 تريليون دينار وعند إضافة ديون العجز في هذه السنة وموازنة السنتين 2024 و2025، ستتضاعف الديون بشكل أكبر وهذا سيؤثر سلباً على النفقات الاستثمارية، لانه سيتم التضحية بها لأجل الايفاء بأقساط الديون وخدمتها.
الملاحظة الثالثة: لا تنسجم حصة الايرادات النفطية المتأتية من اقليم كردستان العراق مع قرار المحكمة الاتحادية الاخير الصادر في 15/ 2/ 2022 القاضي باعتبار النفط مورد اتحادي يخضع للحكومة الاتحادية من كافة النواحي: الادارة والانتاج والتصدير والايراد، بمعنى ان الاتفاق (بين الحكومة والاقليم) على هذه الحصة من الايرادات النفطية في الموازنة لا ينسجم مع قرار المحكمة الاتحادية العليا.
الملاحظة الرابعة: خروج الموازنة عن مبدأ السنوية، يسبب كثيرا من المشاكل، لان كثير من المؤشرات تحسب سنوياً، كذلك ان من قواعد الموازنة التي لا يمكن المساس بها هو قاعدة سنوية الموازنة حتى تسهل السيطرة عليها. ولكن نلاحظ ان الموازنة سنوية الا أنها تُقر بشكل متأخر وصل الى الشهر السادس (يعني نصف سنوية) ومع ذلك لا سيطرة عليها فكيف إذا كانت لثلاثة سنوات؟! صحيح ان كل موازنة ستكون بسنتها لكن هذه الموازنة لا تشجع ان تكون موازنة لسنوات لاحقة.
الملاحظة الخامسة: الموازنة لا تنسجم مع البرنامج الحكومي، حيث اشار الاخير لمسألة اعادة هيكلية الموازنة العامة وادارة المال العام لتقليل الانفاق الاستهلاكي وتعظيم الايرادات لكن هذه الموازنة جاءت خارج هذه النطاق بل وهناك تضخم في النفقات الاستهلاكية وزيادة العجز! ايضاً مسألة ضغط الدين العام حيث يصل الدين العام بحدود 50% وهذا لا ينسجم مع البرنامج الحكومي!
على الرغم من هذه الملاحظات التي توضح الإطار العام للموازنة، إلا ان الناس كانت متشوقة لإقرار موازنة 2023 في ظل الحكومة الجديدة نظراً لتوقف مصالحهم عليها من جانب، وعدم وجود موازنة في العام السابق(2022). لكن في الحقيقة انها (الموازنة) لا تتسق مع البرنامج الحكومي للحكومة الجديدة ومساعيها لإحداث اصلاح حقيقي.
وتجب الاشارة إلى التوقعات بشأن الموازنة، حيث توقع الخبراء في عام 2022 ان موازنة عام 2023 ستحقق ولأول مرة فائض مالي على اعتبار ان العجوزات تتراوح سنوياً من 20 الى 25 تريليون دينار، وعند انتهاء عام 2022 تحقق فائض مدور قيمته 22 تريليون دينار، فكان من المتوقع ان هذا الفائض المدور سيسد عجز الموازنة لكن المُفاجئ ان هذا الفائض تلاشى، بل وأصبح هناك عجز بضعفين عن الفائض المدور!
جدير بالذكر، ان اعداد الموازنة في العراق لازال يتم من الاسفل إلى الاعلى في حين المطلوب العمل بالاتجاه المعاكس أي ان يتم اعدادها من الأعلى الى الأسفل، لان الاسلوب الاول يسهم في تضخيم الانفاق وهذا ما لا ينسجم مع الاصلاح خصوصاً في بلد كالعراق يعاني من عدم استقرار المصادر المالية.
نظرة سريعة الى الحسابات الفعلية لعام 2021 و2022
قدرت موازنة عام 2021 بمبلغ 130 تريليون دينار، بحدود 30 تريليون دينار نفقات استثمارية وصرف منها 16 تريليون دينار فقط، بل وحتى النفقات الجارية لا تنفذ بالكامل، فهذه الموازنة (موازنة 2021) تُعد تجربة حديثة ولم يتم استيعابها فكيف نأتي بموازنة تقدر ب 199 تريليون دينار؟!
ان أحد الاسباب وراء سوء الاعداد هو غياب الحسابات الختامية، لان الاخيرة تعطي المخطِط للموازنة صورة واضحة عما هو مطلوب ليتم علاجه في الموازنة القادمة، فغياب الحسابات الختامية يعني صعوبة بل وسوء اعداد الموازنة بالشكل السليم.
الملاحظات التفصيلية
النفقات العامة
-بلغ الانفاق العام 130 تريليون دينار في موازنة 2021 في حين بلغ 199 تريليون دينار في موازنة 2023، يعني نسبة الزيادة 53% في حين البلدان الطموحة لزيادة انفاقها لا يزداد انفاقها أكثر من 5% وفي العادة يزداد على مستوى النفقات الاستثمارية.
-استحواذ النفقات الجارية على الجزء الاكبر من الانفاق العام، حيث كانت النفقات الجارية بحدود 100 تريليون دينار سنة 2021 وأصبحت 149 تريليون ونصف التريليون سنة 2023، أي ازدادت بقرابة 50 تريليون يعني نسبة الزيادة 50% تقريباً في النفقات الجارية. علماً ان 31% من هذه الزيادة هي تعويضات الموظفين، بمعنى حصول زيادة تقدر بـ 14 تريليون دينار.
-تضخم الانفاق سيلقي بظلاله على السعر المناسب لسعر برميل النفط في الموازنة، إذ كان السعر المناسب في موازنة 2019 و2021 هو 70 دولار لكن في ضوء تضخم الانفاق في موازنة 2023 سيجعل سعر 70 دولار لا يكفي سوى للنفقات الجارية، لان مبلغ الاخيرة قرابة 150 تريليون دينار وان ايرادات النفط 117 تريليون دينار على السبعين دولار بمعنى ان الموازنة تتطلب الاقتراض لتغطية النفقات الجارية!!
وفي هذا السياق، ان الايرادات النفطية مضخمة لان العراق لم يُصدّر 3.5 مليون برميل خصوصاً في مرحلة انقطاع نفط الاقليم وحتى لو استأنف التصدير فان خمسة أشهر قد مضت من السنة، بل وان تكاليف الانتاج مرتفعة مما يحتم على العراق دفع مبالغ اضافية وهذا ما يقلل من الإيرادات المتوقعة.
الإيرادات العامة
-بلغت الايرادات العامة 101 تريليون دينار في موازنة 2021 وبلغت 143 تريليون دينار في موازنة 2023، إذن زيادتها كانت بنسبة 33%.
-بلغت الايرادات النفطية 81 تريليون دينار وتم رصد 117 تريليون دينار وهذا التقدير مُبالغ فيه لتقليل العجز الحقيقي، فلو تم اعتماد السعر 70 دولار وهو ايضاً مبالغ فيه، والسعر التحفظي هو 50 الى 55 دولار للبرميل الواحد، فكيف تم اعتماد سعر 70 دولار والسعر الحالي هو 74 دولار؟! مع العلم ان العراق يبيع في العادة بأقل من سعر برنت بـ 7 او 8 دولار للبرميل الواحد.
كميات الانتاج
في 1 ايار دخل العراق في خفض ثاني للإنتاج النفطي وهذا لا يعني ان حصة العراق ستقل ولا ينتج 3.5 مليون برميل لكن على الأقل في حال عرقلة تصدير الاقليم ستكون الموازنة في مأزق مالي لانه الصادرات ستكون 3.100 مليون برميل في حين الخطة المرسومة هي 3.5 مليون برميل يومياً والفرق جداً كبير.
مفارقة الايرادات غير النفطية
في موازنة 2021 كانت الايرادات غير النفطية 20 تريليون لكنها بلغت 17 تريليون في موازنة 2023، علماً ان الاول كان مبالغ فيه بشكل كبير لان العراق حقق ايرادات غير نفطية 7 تريليون دينار فقط في نهاية عام 2022 فكيف سيحقق 17 تريليون في عام 2023؟! هذا المبلغ ضخم جداً، بمعنى ان المبلغ المُبالغ فيه سيُضاف ايضاً للعجز، مما يعني ان الايرادات النفطية وغير النفطية لا تتجاوز 100 تريليون دينار، ورقم الايرادات المُثبت في الموازنة 134 تريليون يُمكن ان تكون الـ 34 تريليون دينار هو عجز اضافي.
العجز المخطط
العجز المخطط في موازنة 2021 كان 28 تريليون دينار في حين بلغ 64 تريليون في موازنة 2023 والذي يمكن أن يساوي إجمالي عدّة موازنات لدول المنطقة.
هذا العجز سيتم تمويل جزء منه من البنك المركزي العراقي، مما يعني ضخ عملة جديدة في الاقتصاد وزيادة الطلب على الدولار ومن ثم ارتفاع اسعاره مقابل انخفاض قيمة الدينار العراقي وزيادة التضخم.
قبل اقرار الموازنة واطلاقها نلاحظ ان مبيعات البنك المركزي من الدولار لا تكفي لتلبية الطلب عليه فكيف الحال إذا تم إطلاق الموازنة التي سيترتب عليها مزيد من الدنانير الباحثة عن الدولار؟!
الاسئلة النقاشية:
ما هي مخاطر تضخيم موازنة 2023 على الاقتصاد والاستدامة المالية؟
ما هي المقترحات المطلوبة لتصويب مشروع موازنة 2023
المداخلات
الدكتور رياض المسعودي/ عضو في البرلمان العراقي السابق:
"المطبخ التشريعي في العراق مطبخ سياسي ولا يمُت للمهنية لا من قريب ولا من بعيد، لذلك في أغلب الاحيان لا توجد تشريعات تلامس المواضيع المهمة، حيث فشل المجلس في تشريع الموازنة لثلاثة سنوات 2014 و2020 و2022 وذلك لاعتبارات بسيطة علماً ان هذا القانون قانون سنوي ولا يمكن تأخيره.
ان موازنة عام 2023 خالفت موضوعياً وشكلياً قانون الادارة المالية رقم 6 لسنة 2019 الذي بيّن ان العجز ينبغي ان لا يتجاوز 3% وهذه مخالفة شكليّة.
المخالفة الشكليّة الاخرى، ووفقاً للقانون أعلاه، ان التشريع يفترض ان يكون في شهر اكتوبر تشرين الأول لكن واقعاً الموازنة وصلت للشهر الرابع ولم تُقر بعد!
من الاشكاليات التي تسجل على الموازنات في العراق انها موازنات رقمية وليست موازنات مشاريع بمعنى لا توجد مشاريع في الموازنة حتى تنفق الحكومة عليها.
كما تفتقر الموازنة للإيرادات غير النفطية وان الايرادات غير النفطية ينبغي ان تكون ناجمة عن القطاعات الانتاجية وليس عن جيوب الفقراء من خلال فرض الضرائب عليهم.
اضافة إلى ذلك، تم حساب تصدير النفط في الموازنة على 365 يوم بينما هو يُحسب على 330 يوم، والفرق بينهما 35 يوم تُضرب في 3.5 مليون برميل وتُضرب ايضاً في 70 دولار، وتكون النتيجة قرابة 16 تريليون دينار موجودة في الموازنة وهي وهمية لا وجود لها لان تصدير النفط لم يُحسب على 365 يوم وانما 330 يوم!
الجانب الاخر، الذي يعود للنفقات الحاكمة ففي العادة يتم تضخيمها بشكل كبير، فالنفقات الحاكمة تتطلب 10 تريليون فما الداعي بتضخيمها بأربعة اضعاف وأكثر لان تضخيمها يعطي صورة مشوه عن الموازنة.
وفقاً لقانون الادارة المالية تُعد الموازنة الاولى وجوبية فيما تعد موازنة 2024 و2025 هي موازنة ارشادية فهل من المعقول الاسترشاد بأعمى؟!
ان اعداد الموازنة لثلاثة سنوات كانت بقصد سياسي، حيث تم سحب 19 مليار دولار أول 6 أشهر، وان مجموع الانفاقات لمدة ثلاثة سنوات ستجعل الرصيد صفر مع موازنة 2025 لان الانتخابات ستجري عام 2025 وتصفير الرصيد يعني تُعقيد المشهد أمام الحكومة المُقبلة وسيصبح اقتصاد البلد كما كان عام 2003.
وتجب الاشارة لمسألة تكاليف الشركات النفطية حيث تدفع الحكومة عبر الموازنة العامة من 12 الى 15 تريليون نفقات خدمة وكان يُفترض ان هذه المبالغ تدفع لشركات وطنية بدلاً من دفعها للشركات الاجنبية وهذا الحال مشابه لشركات هاتف النقال حيث يفتقد العراق لشركات هاتف نقال وطنية مع العلم البرلمان أقر رسمياً بوجوب تأسيس شركة وطنية لكن السلطة التنفيذية لم تلتفت لهذا الأمر! ولم تؤسس شركة وطنية!
هناك الكثير من الملاحظات على الموازنة لكن اقتصر على هذه الملاحظات ومن الضروري الذهاب نحو تشريع قانون موازنة مشاريع وليس موازنة ارقام، واعتماد سعر 55 دولار في الموازنة بدلاً من 70 دولار باعتباره أكثر واقعياً وتحوطاً".
الدكتور خالد العرداوي/ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
"ان جزء كبيرا مما يحصل في هذه الموازنة ربما هو محاولة تحالف الحكومة الحالية، لاسيما الشيعي قطع الطريق على التيار الصدري حتى لا يكون له تأثير في الشارع، أي هي محاولة لكسب الشارع بأكبر قدر ممكن، من خلال توفير الامتيازات للناس (تعيين، رواتب، قطع اراضي) ليتحول من يتمتع بهذه الامتيازات الى مجرد ارقام في العملية الانتخابية القادمة سواء انتخابات مجالس المحافظات أو الانتخابات القادمة.
للأسف ان صانع القرار لم يدرك ان اتباع هذه الاستراتيجية هي على حساب مصلحته على الامد البعيد ومصلحة الوطن، إذ لاحظنا التعيينات الانتخابية بعد 2003 كيف تسببت لنا بنكبة داعش عام 2014، لان التعيينات الانتخابية معناها وجود فضائيين في مؤسسات الدولة، وتعني ايضاً ترهل في مؤسسات الدولة، وتقديم الولاء على الكفاءة، وهذا ما جعل عددا محدودا (400 شخص) من شذاذ الافاق ينجحون في اسقاط اربعة فرق ومعها مؤسسات الدولة ليحتلوا ثلث العراق، لأنهم لم يواجهوا دولة مؤسسات قوية، بل دولة تعيينات انتخابية وهذه استراتيجية فاشلة من المفيد عدم تكرارها.
من جانب آخر هناك مافيا فساد قوية تضع هامشا مضللا بين الحاجة الفعلية للاقتصاد العراقي وبين المشاكل الاخرى كالعجز والتضخم بالأرقام لكي تكون المحصلة لصالحهم، بمعنى انها تذهب لجيوب الفاسدين، واحد الاسباب وراء غياب الحسابات الختامية هو الفساد.
أما بالنسبة للمخاطر المتوقعة اقتصاديا فاعتقد انها ستكون مؤلمة في المستقبل المنظور أي ما بعد عام 2025، وان ما يسهم في بقاء الحكومة الحالية والحكومات القادمة هو السعر المرتفع لبرميل النفط، ومتى ما انهار هذا السعر سينهار كل شيء في العراق ويفتح صندوق باندورا ليضع العراق وشعبه في المجهول.
أما المقترحات فهي أننا نحتاج الى كفاءة المسؤول الحكومي ونزاهته ليضع رؤية منطقية وقابلة للتحقيق لبناء دولة المؤسسات، تنطوي على رؤية اقتصادية هادفة وموازنة واقعية تعالج المشاكل وتحقق الاهداف المالية".
الشيخ مرتضى معاش، باحث في الفكر الإسلامي المعاصر:
"هذه الموازنة هي شعبوية لشراء اصوات الناس وشراء سكوتهم خصوصا بعد احتجاجات تشرين والصراعات السياسية التي حصلت في العام الماضي، فهي موازنة شعبوية لضمان الاصوات والحصص في السلطة. وهي استهلاكية حيث تشجع الناس على ثقافة الاستهلاك بشكل كبير جداً، إذ نلاحظ نمو ثقافة الاستهلاك في الشارع العراقي نتيجة لهكذا نوع من الموازنات، كونها لا تشجع الانتاج بل على الاستهلاك الذي يعني زيادة الطلب وارتفاع الاسعار(التضخم).
ولأجل معالجة التضخم قد تضطر الحكومة لاستخدام ادوات خطيرة كما حصل في الغرب حين لجأوا لرفع سعر الفائدة لأجل كبح التضخم والدخول في سنوات عجاف لان رفع سعر الفائدة يعني ارتفاع تكلفة الاقتراض وتقليل الارباح وتباطؤ النشاط الاقتصادي.
وهي غير تحوطية حيث لا تأخذ الموازنة بالاعتبار عنصر عدم اليقين بالمستقبل وبالخصوص مخاطر انخفاض اسعار النفط، وكذلك اندلاع الصراعات السياسية في المنطقة او انغلاق منافذ التصدير او اندلاع حرب اهلية او اعمال عنف او احتجاجات، او التدخلات الخارجية، وكلها قد تؤدي لقطع مصادر التصدير. لذا هي موازنة افلاس، تشبه الانسان الذي يمتلك رأس مال كبير ولا يمتلك خبرة في التجارة ويغامر بقوة برأس ماله في التجارة بالنتيجة سيخسر ويفلس، هكذا حال الموازنة فالذي لا ينظر لمخاطر المستقبل ويفتقد للخبرة سيفلس كما هو حال بعض البنوك الغربية التي اعلنت افلاسها بسبب عدم النظر لمخاطر المستقبل والاستثمار في السندات بعيدة المدى.
من جانب آخر تدمر الموازنة القطاع العام، بحكم تضخمه بفعل السياسات غير السليمة التي ادت الى نفخ القطاع العام الذي أصبح قطاع غير منتج مع زيادة مشاكله وترهله وفساده. وفي نفس الوقت تساعد على تحجيم القطاع الخاص، حيث يؤدي تضخم الموازنة الى تحجيم القطاع الخاص بشكل أكبر وعدم نمو القطاع الانتاجي بنمو القطاع الخاص الاستهلاكي المحض الذي يستنزف ولا ينتج موارد حيث معتمد على الاستيراد الخارجي. وهذا الوضع سيؤثر مستقبلاً بشكل كبير على الطبقة الوسطى والفقيرة.
أما المقترحات لتصويب الموازنة فهي: الانتقال من الاستهلاك الى الاستثمار والخروج من الحالة العدمية الى التطلع للمستقبل والابتعاد من الحاضر المحض الى المستقبل الحاضر، ويكون الانتقال من خلال التركيز على البنية التحتية وخصوصاً النقل والماء والكهرباء ورأس المال البشري والتي إذا توفرت ستشجع القطاع الخاص الانتاجي وخصوصاً القطاع السياحي الذي فيه القدرة على تأمين التنويع الاقتصادي الجيد من خلال البنى التحتية الجيدة.
كذلك نحتاج الى التركيز على الصناعة النفطية لإنتاج المزيد من المشتقات النفطية خصوصاً وان العراق يمتلك فائضا نفطيا كبيرا، يمكن أن تلبي احتياجات الشرق الاوسط من المنتوجات النفطية وهذا سينعكس على تعزيز حجم الايرادات المالية مقارنةً بتصدير النفط الخام فقط.
وأيضا نحتاج الى تطوير المهارات من التعليم الجيد، اذ لازال العراق يعاني من ضعف راس المال البشري، ففي الوقت الذي يمتلك قوى عاملة كبيرة إلا انه يعاني من البطالة وذلك لان هذه القوى العاملة غير ماهرة وذلك بسبب وجود المال السائب القائم على الرصد والتوزيع والاستهلاك بعيداً عن تطوير المهارات لدى القوى العاملة، لذلك نحتاج لتوظيف الاموال بالاتجاه الذي يؤدي الى تطوير المهارات من أجل المستقبل".
الدكتور محمد مسلم الحسيني، باحث علمي واستاذ جامعي في بروكسل:
"بادئ ذي بدء لابد من تعريف مصطلح "مشروع الموازنة المالية السنوي للدولة" للقارئ الكريم وتحديد اهداف هذا المشروع وتحديد مستلزمات نجاحه، حيث يمكن اختصار ذلك بما يلي:
"مشروع الموازنة المالية العامة للبلاد هو وثيقة معتمدة لخطة عمل تحقق متطلبات وطموحات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والمالية المبنية على قيم رقمية مالية واقعية في الإنفاق الحكومي والايرادات والوفر المالي وعجزه لسنة مالية واحدة أو لعدد محدد من السنين.
هدف خطة الموازنة هو جلب الرفاه للمجتمع من خلال رفع مستواه المعاشي والخدمي وتلبية متطلبات السلامة له على أسس توفير الأمن الداخلي والخارجي وبناء مستقبله الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي.
النجاح في تحقيق هذه المهمة هو مرآة عاكسة للوجه السياسي لتلك الدولة وللحنكة المرتبطة بالإخلاص والكفاءة والواقعية العلمية والتطبيقية المناطة بها لتحقيق هذه المهمة".
من خلال قراءة تفاصيل مشروع الموازنة الإتحادية العامة لسنة 2023 المقرر من قبل مجلس الوزراء العراقي بتاريخ 13/03/2023 تستوقفنا الأمور الرئيسية التالية:
أولا/ يعتبر النفط المصدر الأساسي لصادرات العراق حيث تشكل وارداته ما يقارب التسعين بالمئة من إجمالي واردات العراق المالية أو يزيد على ذلك في بعض الإحصاءات، وهذا يقلل كثيرا من شأن الواردات الأخرى سواء أكانت نتاجات زراعية أو صناعية أو قطاع سياحي أو غيرها. الإعتماد شبه الكلي على واردات النفط المالية حصرا هو أمر خطير على مستقبل الإقتصاد العراقي حتى على المدى المنظور.
ثانيا: في هذه الموازنة تم تحديد سعر البرميل الواحد من النفط بمبلغ قدره "70" دولار وكمية النفط المصدر بما يقارب ثلاثة ملايين ونصف برميل يومياً. هذا التقدير الرقمي يحمل تفاؤل كبير ومبالغ فيه ويخلو من مستلزمات التحفظ والحذر، لأن العالم اليوم يعيش في ظروف استثنائية املتها أزمات الحرب الروسية الأوكرانية والصراع السياسي والاقتصادي الشرقي الغربي واضطرابات اقتصاديات العالم التي تهدد سوق المال وترفع رايات الكساد المالي والإقتصادي. إضافة إلى أزمة البنوك الأمريكية وافلاسها وتلكؤ الحكومة الأمريكية في رفع سقف ديونها مما يهدد بعدم الوفاء في سداد المستحقات ومن ثم حدوث أزمة مالية عالمية.
وفوق هذا وذاك فالغرب يبحث عن بدائل للنفط من خلال وسائل الطاقة النظيفة، كل هذه الأمور وغيرها لا تجعل المرء يطمئن للأسعار المرتفعة للنفط عالمياً إذ أن هبوط الأسعار إحتمال وارد جدا في زحمة هذه الظروف العالمية المزدحمة بالتناقضات والمفاجئات.
وضع مشروع موازنة مالية لمدى بعيد على أسس وارقام مالية مبالغ فيها وغير مضمونة لأسعار النفط يعتبر مغامرة خطرة قد تولج البلاد في ازمة مالية وتغرقه بالديون نتيجة عدم التوازن بين تكاليف الإنفاق ومقادير الوارد المالي!.
المبالغة في رفع السعر المتوقع للبترول وبناء مشروع الموازنة طبقا له يعني رفع سقف الانفاق الحكومي وهذا ربما يرضي الأحزاب السياسية المتحركة في دائرة الحكم كي يتم الإنفاق حسب هواها واراداتها من جهة، وربما يرضي المجتمع الذي قد يعيش ليومه مرفها بأحلام وردية دون تأمين رفاه واحلام قابل الايام من جهة اخرى!
ثالثاً: مشروع الموازنة المطروح يطرح أرقام لإيرادات مالية ونفقات تشغيلية وغيرها ولكن لا يكترث كثيرا بسداد الديون الداخلية والخارجية ومعالجة العجز المالي ولا يستغل الظروف المؤاتية كما ينبغي بسبب ارتفاع أسعار النفط، واستثمار ذلك في إصلاح البنية التحتية للبلد وتنشيط وخلق النتاجات الصناعية والزراعية والثروة الحيوانية المهملة وتوسيع القطاع السياحي وغيره من أجل خلق موارد إضافية بديلة وعدم الاعتماد الكلي على واردات النفط المهددة آنيا ومستقبلاً.
التخطيط لميزانية البلد غير المستند على إخطار محسوبة ومبني على تصورات خالية من التحفظ والحذر وغير مكترثة في بناء المستقبل وإصلاح أخطاء الماضي، يعتبر حالة تخدير موضعي لألم وتخطيط هش تحفه المشكلات والمحن لأنه يروج لإنفاق مالي غير متوازن مع الموجودات والايرادات الحقيقية. وهذا قد يؤدي إلى انزلاق البلاد في مديونية إضافية تعويضية لفشل سياسة مالية غير مدروسة".
الدكتور قحطان حسين طاهر/ تدريسي في جامعة بابل:
"هناك مسألة جديرة بالاهتمام والملاحظة وهي مسألة التخصيصات حسب الموازنات، حيث نلاحظ ان وزارتي الدفاع والأمن دائماً ما يحصلان على نسبة كبيرة جداً من التخصيصات، وهما وزارتين استهلاكيتين؛ لكن في واقع الأمر ان هذه التخصيصات لم تنعكس على ارض الواقع بشكل حقيقي، حيث لازالت النزاعات العشائرية لها دورها السلبي الفاعل، كذلك لم يتوفر الأمن للشركات الاستثمارية الاجنبية، لذلك كان بالإمكان زيادة التخصيصات لوزارات أخرى كوزارة التعليم العالي. ووضع هيئة مختصة تأخذ على عاتقها تحديد الاولويات القطاعية التي يفترض العمل على تنشيطها وتفعيلها لأجل الاسراع في تحقيق التنمية الاقتصادية ومغادرة الاعتماد على النفط.
نقطة اخرى مهمة وهي السياسة الاقتصادية في اقليم كردستان العراق، حيث توجد سياسة اقتصادية في الاقليم مستقلة عن السياسة الاقتصادية في العراق، ولا بأس بهذا الاستقلال لكن بشرط ان لا تكون على حساب السياسة الاقتصادية الاتحادية، وفي الواقع هناك تقاطعات كثيرة بهذا الصدد منها ما بتعلق بالتجارة والسلع والرسوم وغيرها، وهذا يتطلب دراسة لطبيعة العلاقة وتحديد المهام ورسم الحدود الفاصلة بينهما بشكل دقيق لمنع التأثير السلبي على بعضهما البعض الاخر.
كذلك مسألة الفساد، حيث نلاحظ عدم تحرك الادعاء العام وهيئة النزاهة والجهات الرقابية على المشاريع التي تكون فيها ابعاد الفساد وحجمه واضح، هذا ما يؤثر على الايرادات والنفقات العامة بشكل سلبي، مما يتطلب اعادة النظر بمحاربة ومكافحة الفساد بشكل حقيقي بعيداً عن الاستعراض الاعلامي وحسب.
الخطر الاخر الذي يواجه الاقتصاد العراقي هو الاستمرار في الاستدانة وزيادة الاعباء المالية، إذ ان اي دولة تستدين بشكل مستمر لا يمكن ان تكون قادرة على النهضة وتحقيق التنمية المنشودة، حيث ان الاستدانة والدين هما قتل لكل بادرة خير في المستقبل نحو اقتصاد التطور والرفاه".
الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:
"هناك ثلاثة أطرف تهتم بموضوع الموازنة هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والشعب، وكلٌ يهتم بها حسب ارتباطه بها، لكن عموماً وفي العادة ان بعض الحكومات العراقية تستلم المالية العامة في وضع جيد وتسلمها خاوية، والحكومات التي تأتي بعدها تعمل على تحسين اداء المالية العامة ولكنها تعمل على تفريغها لأغراض سياسية، ونرجو ان لا يتكرر الامر مع هذه الحكومة.
اما المقترحات فالمفروض العمل على تعزيز الايرادات غير النفطية وبالخصوص قطاعيّ الزراعة والصناعة، والاول مرتبط بمشكلة المياه والمكننة والاسمدة وغيرها مما يتطلب برنامج خاص بها. والثاني يتطلب توفر بنية تحتية وأهمها الكهرباء.
السيد حيدر الجراح/ باحث في مركز الامام الشيرازي للبحوث:
"هل الحديث في الموازنة هو حديث في السياسة أم حديث في الاقتصاد؟
ويتفرع من هذا السؤال سؤال آخر، هل ثمة سياسة في العراق فكراً وممارسة أم نتكلم عن سلطة ونفوذ وخدمة لهما؟
ان الاجابة على هذين السؤالين تقود لعدم الاستغراب مما يحدث فالبدايات تقود للنهايات التي وصلنا إليها".
السيد محمد علاء الصافي/ باحث في مركز الامام الشيرازي للبحوث والدراسات:
"في الدول المتقدمة نلاحظ ان النظام الاقتصادي هو الذي يصنع ويتحكم بالمشهد السياسي لكن في الدول المتخلفة يحدث العكس حيث السياسة هي التي تتحكم بالمشهد الاقتصادي لذلك تكون في العادة دول مستبدة دول دكتاتورية من بينها بلداننا.
حيث تعمل الانظمة الدكتاتورية على خلق طبقات معينة تحيط بها تتمتع بامتيازاتها وباقي الطبقات تخضع لرغبات سلطة الحكومة والطبقة الموالية لها، كذلك الامر بالنسبة للديمقراطيات الحديثة في بلداننا لكن ما حصل هو توسع بشكل أكبر مما سبق، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال نسبة المشاركة في الانتخابات حيث في الغالب لم تعبر عن الشعب بأكمله لأنها متواضعة مما يعني هناك علاقة زبائنية بين السلطة والطبقة الموالية لها.
الاحزاب السياسية الهادفة في البلدان الديمقراطية في العادة تعمل على إبراز المنجزات والمشاريع عند البدء بالحملات الانتخابية لان لديها منجزات ومشاريع على ارض الواقع لكن ماذا تقدم الطبقات الحاكمة في العراق؟!".
السيد حامد الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
"في العادة الموازنة تمثل القطاع العام أو الواجهة للقطاع العام، والقطاع الخاص يمثل أفراد او شركات تمارس النشاط الاقتصادي داخل الاقتصاد، ودور الدولة في الاقتصاد هل هو تدخلي أم اشرافي؟
ترتبط الموازنة بدور الدولة في الاقتصاد فكلما كان دور الدولة كبيرا في الاقتصاد يكون حجم الموازنة كبيرا ايضاً والعكس صحيح، أي كلما كان دور الدولة في الاقتصاد أقل يكون حجم الموازنة أصغر، بمعنى هناك علاقة طردية بين دور الدولة والموازنة في الاقتصاد
وبما ان الموازنة تمثل القطاع العام أو الواجهة للقطاع العام، إذن القطاع الخاص يسير بشكل عكسي للموازنة، بمعنى كلما تتضخم الموازنة سينخفض دور القطاع الخاص وكلما تتقلص الموازنة يزداد دور القطاع الخاص في الاقتصاد.
اتجه العراق عام 2003 نحو اقتصاد السوق دستورياً، بمعنى ان دور الدولة سيكون اقل مما يترتب عليه انخفاض حجم الموازنة في الاقتصاد وفي المقابل ان دور القطاع الخاص سيكون أكبر لتلبية متطلبات الاقتصاد.
لكن في حقيقة الأمر لم يكُن بهذه السهولة بل واجه مزيدا من التعقيد والتعثر ولازال، حيث نلاحظ وعلى الرغم من تراجع النشاط الاقتصادي للدولة إلا ان حجم الموازنة اخذ يرتفع بشكل مستمر منذ عام 2003 حتى بلغ أكبر موازنة في تأريخه وهي موازنة 2023.
كما ان القطاع الخاص لم يأخذ الدور المطلوب منه انسجاماً مع التوجه الجديد، بل لازال متواضعا ويسير وفقاً لرحمة الدولة وشراكها الادارية المعقدة الصلبة وأصبح دوره هامشياً أي يعتاش على إنفاق الدولة للإيرادات النفطية في الاقتصاد العراقي.
كل ما سبق هو نتيجة لغياب الرؤية الاقتصادية للحكومات المتعاقبة في كيفية تسيير الاقتصاد وفق النظام المطلوب.
ما مطلوب هو وجود رؤية اقتصادية من شأنها دفع الاقتصاد ليعمل بشكل تلقائي وفق نظام معين واضح المعالم والحدود، وهذا يتحقق من خلال قيام الدولة بأنفاق الايرادات النفطية نحو البنية التحتية لان القطاع الخاص لا يعمل بدون بنية تحتية ويترك النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص وتهتم الدولة بالقواعد التي تكفل سير الاقتصاد بشكل سليم دون معوقات".
السيد عدنان الصالحي/ مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث:
"الموازنة نقطة في الاقتصاد العراقي إذ لدينا ملفات متراكمة لا يمكن حلها، فقطاع الطاقة قطاع منهار تماماً وهو القطاع والشريان الرئيسي الذي يغذي الصناعة والزراعة والتجارة، هذا القطاع وغيره لا يمكن ان يعتمد في بناءه على الموازنة بعد ان أصبح البون شاسعاً بين الاستهلاك والانتاج.
غيرها من الملفات لا يمكن ان تنهض بغير قطاع الطاقة والكهرباء، إذن نحن دولة نتراجع الى الخلف أو نسير بشكل بطيء جداً.
بالنتيجة نحتاج لقرار جريء من كتل سياسية لا تفكر بالانتخابات لتبني دولة جديدة بعيداً عن رضا الشعب أو عدمه لان ارادة الشعب تختلف عن ارادة بناء الدولة احيانا.
قطاع الطاقة والكهرباء يمثل الشريان الرئيس لتشغيل اغلب المعامل والشركات إذا ما توفر القرار السياسي لها، فكربلاء على سبيل المثال تحولت من 20 ألف دونم إلى 140 ألف دونم تزرع القمح واصبحت من المحافظات المنتجة بفضل توفر المرشات المحورية التي تعتمد على الكهرباء.
فكيف يمكن تطوير هذا القطاع (الطاقة والكهرباء) بعيداً عن الموازنة لان المبالغ المخصصة للكهرباء لا تغطي سوى نسبة متواضعة جداً في ملف الكهرباء خصوصاً وأنها تشمل ثلاثة مراحل وهي انتاج ونقل وتوزيع.
إذن علينا ان نلجأ لاتخاذ قرار بخصوص هوية الاقتصاد العراقي هل هو اشتراكي ام رأسمالي؟ وكل قرار يتم على ضوئه بناء اليات عمل، كأن يتم خصخصة الكهرباء او اللجوء لعقود خدمة او شراكة وصولاً الى الإنتاج الكافي وبعدها نلجأ للتأميم، بالنتيجة يجب ان نفكر بطريقة لنلحق بالركب حتى على أقل تقدير ننجز ملف من الملفات ونعمل على ملفات أخرى وهكذا يتم تنشيط قطاعات الاقتصاد".
اضف تعليق