إن الطباعة الثلاثية الأبعاد لديها القدرة على تعطيل عمليات التصنيع التقليدية وسلاسل التوريد، وانها ستكون ثوريّة بالطريقة نفسها التي كان بها الكمبيوتر الشخصي ثورياً في الثمانينيات، عندما مكّن الأفراد من القيام بما كان يتطلب سابقاً سكرتيراً بدوام كامل: كتابة خطاب، أو موازنة دفتر شيكات، أو إنشاء جدول بيانات...
الطباعة الثلاثية الأبعاد والمعروفة أيضاً باسم التصنيع الإضافي (Additive Manufacturing)، لديها القدرة على إحداث ثورة في عالم التصنيع. تخيّل مصنعاً لا يتوقف فيه الإنتاج أبداً، حيث يتم استبدال العمّال بنقرة زر واحدة، وتنخفض التكاليف إلى جزء صغير مما كانت عليه في السابق. هذا هو المستقبل الذي تعد به الطباعة الثلاثية الأبعاد.
الطباعة الثلاثية الأبعاد تقوم على بناء الأشياء طبقة بطبقة. هي تتيح إنشاء أشكال هندسية معقّدة، وتصميمات خاصة في وقت أسرع، وبكلفة أقلّ، مقارنة بأساليب التصنيع التقليدية. بواسطتها يكون الإنتاج عند الطلب، ما يخفّض الحاجة إلى مخزون كبير ومساحات تخزينية. ليست هناك حاجة إلى أدوات، أو قوالب باهظة الثمن، بل سيتم إنتاج أجزاء للاستخدام النهائي مباشرة بالكمية اللازمة فقط، ما يلغي الحاجة إلى خطوط التجميع، ويقلّل من أكلاف العمالة ويزيد الكفاءة. وهذا ليس كل شيء، فالطباعة الثلاثية الأبعاد لديها أيضاً القدرة على تغيير طريقة تسليم المنتجات، من خلال عدم تركّز الإنتاج في بلد واحد.
أدرك العديد من الاقتصاديين، إمكانات الطباعة الثلاثية الأبعاد كتقنية ثورية. ففي مقال نُشر عام 2014 في «The Harvard Business Review»، قال الخبير الاقتصادي والمستشار الإداري، كلايتون كريستنسن، إن الطباعة الثلاثية الأبعاد لديها القدرة على تعطيل عمليات التصنيع التقليدية وسلاسل التوريد. وذكر أن «الطباعة الثلاثية الأبعاد ستكون ثوريّة بالطريقة نفسها التي كان بها الكمبيوتر الشخصي ثورياً في الثمانينيات، عندما مكّن الأفراد من القيام بما كان يتطلب سابقاً سكرتيراً بدوام كامل: كتابة خطاب، أو موازنة دفتر شيكات، أو إنشاء جدول بيانات. وفي مقال نشرته مجلة «فوربس» عام 2015، قال الاقتصادي جيريمي ريفكين، إن الطباعة الثلاثية الأبعاد يمكن أن تؤدي إلى «إزالة الطابع المادي» للتصنيع وظهور «المشاعات التعاونية». أي يمكنها أن تسمح للشركات بتقليل اعتمادها على طرق التصنيع وسلاسل التوريد التقليدية، والتركيز بدلاً من ذلك على إنشاء مخططات رقمية يمكن مشاركتها وطباعتها عند الطلب. وهذا يعني، أن عملية تصنيع أي شيء، ستنتقل من مهمة تتركز عند أصحاب الرساميل الذين لديهم المال والمعدات والعلاقات، لتصبح متوفّرة لأي إنسان قادر على شراء طابعة ثلاثية الأبعاد. المستهلك سيشتري رسوم مخطّطات المنتجات بدلاً من ابتياعها كمنتج نهائي، ثم يصنعها في منزله. أي أن مركز الثقل في التصنيع، سينزاح من القدرة على إنتاج شيء، إلى القدرة على رسم مخطّط لإنتاجه بواسطة الطباعة الثلاثية الأبعاد.
يمكن لكل صناعة تقريباً استخدام الطابعات الثلاثية الأبعاد. تُستخدم الآن لإنشاء أجزاء اصطناعية للجسم. بحسب «marketdataforecast»، يُقدر حجم سوق الطباعة الثلاثية الأبعاد للرعاية الصحية العالمية بقيمة 1.1 مليار دولار في عام 2022، ويتوقع نموه ليصل إلى 2.6 مليار دولار بحلول عام 2027. وبحسب «grandviewresearch»، بلغت قيمة سوق الأطراف الاصطناعية المطبوعة الثلاثية الأبعاد العالمية 1.3 مليار دولار في عام 2022، ويتوقع أن تنمو سنوياً بنسبة 7.7% من عام 2023 إلى عام 2030. كذلك يتوقع أن تتغلب الأطراف الاصطناعية المطبوعة بشكل ثلاثي الأبعاد على أوجه القصور في المنتجات التقليدية.
هناك العديد من الصناعات التي يمكنها استخدام الطابعات الثلاثية الأبعاد لتحسين كفاءتها وإنتاجيتها. بعض هذه الصناعات تشمل: التصنيع، الإعمار، الهندسة، التعليم والطعام (يمكن استخدام طابعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء أي نوع من الأطعمة تقريباً. وهذا يشمل الشوكولاتة والبيتزا). بلغ حجم سوق الطباعة الثلاثية الأبعاد للأغذية العالمية 226.2 مليون دولار في عام 2021، ويُقدّر أن يصل إلى 15.1 مليار دولار بحلول عام 2031 بحسب «alliedmarketresearch». وبالنسبة إلى قطاع البناء، بلغت قيمة السوق 3 ملايين دولار أميركي في عام 2019، ويتوقع أن تصل إلى 1.5 مليار دولار بحلول عام 2024، بمعدل نمو 245.9% من عام 2019 إلى عام 2024 وفقاً لـ«marketsandmarkets».
أبرز شركات الإنشاء عالمياً: «COBOD International» الدنمارك، «WASP» إيطاليا، «APIS Cor» الولايات المتحدة، «XtreeE» فرنسا، «Yingchuang Building Technique» شنغهاي و«WinSun» شنغهاي. تمت طباعة «مكتب المستقبل» في دبي باستخدام تقنية «WinSun»، فتتم طباعة الأرضية والجدران والسقف جميعاً على طبقة جانبية تلو أخرى ثم تتم إمالتها رأسياً. تم إنشاء وإنجاز المكتب الذي تبلغ مساحته 250 متراً مربعاً في غضون 17 يوماً بكلفة 140 ألف دولار. وبحسب الشركة، الكلفة كانت أقل بأكثر من 50% مقارنة بطريقة البناء التقليدية ذات الحجم المماثل.
الطباعة الثلاثية الأبعاد إحدى التقنيات التي تم التلميح إليها تحديداً في خطط الصين الخمسية، إذ تعتبر الدولة براعة تكنولوجيا التصنيع المتقدمة مفتاحاً لمستقبلها. الأمر ليس مرتبطاً فقط بصنع كوب شاي أو واقي صدمات للهاتف، يمكن لنا تخيل آلاف الطابعات تنتج طائرات دون طيار أو صواريخ. وهنا، يتغير المشهد كلياً. عملياً، تسمح هذه التقنية بجعل التصنيع عملية غير محصورة بدولة أو منطقة جغرافية واحدة، كل ما يتطلبه الأمر هو جلب المخطط الخاص بمنتجٍ ما وتأمين المواد التي تحتاج إليها الطابعة لتصنعه.
خريطة عمل أساسية
لطباعة أيّ شيء ثلاثي الأبعاد، نحتاج إلى ما يلي:
- طابعة ثلاثية الأبعاد: أي القطعة الرئيسية من المعدات المستخدمة لإنشاء منتجات. وهناك العديد من الأنواع المتوافرة في السوق، بدءاً من النماذج التي تُستخدم مع الحواسيب المنزلية، إلى الآلات الصناعية.
- برنامج تصميم ثلاثي الأبعاد: يجب تصميم المنتج باستخدام برنامج خاص. هناك برامج عدّة متاحة لهذا الغرض، بدءاً من البرامج البسيطة السهلة الاستخدام إلى البرامج الاحترافية الأكثر تعقيداً.
- مواد الطباعة الثلاثية الأبعاد: تستخدم هذه الطابعات مجموعة متنوعة من المواد لإنشاء أشياء، بما في ذلك البلاستيك والمعادن والسيراميك وحتى الخلايا والأنسجة. ويعتمد نوع المادة المستخدمة على الطابعة والخصائص المرغوبة للمنتج النهائي.
- جهاز كمبيوتر: يتم توصيل معظم الطابعات الثلاثية الأبعاد بجهاز كمبيوتر يتم استخدامه لإرسال ملف التصميم إلى الطابعة والتحكم في عملية الطباعة.
- الوقت: يعتمد الوقت الذي تستغرقه الطباعة الثلاثية الأبعاد لمنتج ما، على حجمه وتعقيده، بالإضافة إلى نوع الطابعة الثلاثية الأبعاد المستخدمة. يمكن طباعة العناصر الأصغر والأبسط بسرعة نسبياً، بينما قد تستغرق طباعة المنتجات الأكبر والأكثر تعقيداً عدة ساعات أو حتى عدة أيام. بشكل عام، يمكن طباعة أي شيء باستخدام الطابعة المناسبة ووقت كافٍ. بعض الأشياء الأساسية التي يمكن صنعها هي أشياء بلاستيكية صغيرة مثل المزهريات أو الأدوات، بينما تتطلب العناصر الأكثر تعقيداً مثل القطع المعدنية أو النماذج المعمارية الكاملة الحجم تقنية أكثر تقدماً للطباعة، ولكنها بالتأكيد ممكنة.
اضف تعليق