q
سوق النفط لا تزال تعاني شحا في المعروض على الرغم من ضعف توقعات الطلب العالمي مع تزايد مخاوف الركود، الصين ستكون محور التركيز الأساسي في الربع الأول من العام المقبل. وذكر معظم المحللين أن الطلب على النفط سيرتفع بشكل كبير في النصف الثاني من عام 2023، مدفوعا بتخفيف...

أمضت العقود الآجلة للنفط الخام معظم عام 2022 على ارتفاع، وسط نمو في الطلب على الوقود مع تزايد حركة السفر، بالتزامن مع تراجع الإمدادات على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا وتخفيضات مجموعة أوبك+ للإنتاج.

وصعدت العقود الآجلة لخام برنت فوق مستوى 139 دولارا للبرميل في مارس آذار بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ثم ارتفعت مرة أخرى في وقت لاحق بينما كافح المشترون لتجاوز تداعيات إغلاق المصافي على مدى عامين خلال الجائحة.

ومع اقتراب العام من نهايته، تخلت العقود الآجلة لكل من الخام الأمريكي وبرنت عن مكاسب العام جميعها. وفيما يلي استعراض للأسباب:

تراجع الطلب على الوقود

الصين هي أكبر مستورد للخام في العالم وثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط بعد الولايات المتحدة. وأدى التدخل الحكومي الصارم لاحتواء تفشي فيروس كورونا خلال عام 2022 إلى هبوط حاد في الإنتاج الصناعي والاقتصادي فضلا عن الطلب على السفر. ووفقا لتقديرات المحللين فقد أدت الإجراءات التي اتخذتها الصين إلى خفض الطلب على النفط بما يتراوح بين 30 و40 بالمئة في البلاد.

كما لم تشهد بدايات فصل الشتاء في أوروبا انخفاضا حادا في درجات الحرارة، مما حدّ من الطلب على أنواع الوقود المختلفة، بما في ذلك نواتج التقطير مثل زيت التدفئة المستخدم في توليد الطاقة وتدفئة المنازل.

وانخفض النشاط الاقتصادي بشكل عام حول العالم، لا سيما في الصين وأيضا في الولايات المتحدة.

ارتفاع الفائدة والدولار

لمحاربة ارتفاع التضخم، اتخذت بنوك مركزية حول العالم سلسلة قرارات برفع أسعار الفائدة لتهدئة الاقتصاد وسوق العمل.

وأدت زيادات أسعار الفائدة إلى صعود قيمة الدولار، الأمر الذي ضغط على أسعار النفط، إذ أن ارتفاع الدولار يجعل السلعة المقومة به أكثر تكلفة لحائزي العملات الأخرى.

تجاوز مخاوف التوريد

أثارت مجموعة أوبك+، التي تضم منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء من خارجها من بينهم روسيا، غضب الولايات المتحدة ودول غربية أخرى في أكتوبر تشرين الأول عندما اتفقت على خفض الإنتاج المستهدف بمليوني برميل يوميا، تعادل اثنين في المئة من الطلب العالمي، اعتبارا من نوفمبر تشرين الثاني وحتى نهاية 2023.

وشددت أوبك+ على أن قرارها بخفض الإنتاج سببه التوقعات الاقتصادية الضعيفة، إلا أن الخطوة لم تدعم الأسعار، إذ أن نحو نصف الخفض الخاص بأوبك هو على الورق فقط بالنظر إلى أن المنظمة دأبت في الفترة الماضية على إنتاج أقل من الكمية المستهدفة.

وفي الوقت نفسه، ارتفع الإنتاج في الولايات المتحدة. وينمو الإنتاج المحلي ببطء لكنه وصل في الآونة الأخيرة إلى 12.2 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى منذ الموجة الأولى من جائحة كورونا في مارس آذار من عام 2020.

ومن بين الأسباب التي قادت لارتفاع الأسعار المخاوف من أن تؤثر سلسلة العقوبات التي فرضتها الدول الأوروبية والولايات المتحدة على روسيا على إمداداتها. ورغم أن إنتاج روسيا قد تراجع بالفعل، فإنه لم يحدث بالسرعة التي كانت متوقعة.

وفرضت دول مجموعة السبع وأستراليا هذا الأسبوع سقفا عند 60 دولارا للبرميل من الخام الروسي المنقول بحرا لتقويض قدرة روسيا على تمويل حربها في أوكرانيا.

غير أن النفط الروسي يجري بالفعل تداوله بخصم عن هذا السعر، مما يعني أنه من المستبعد أن تؤدي هذه الخطوة إلى اضطرابات في الأسواق.

وضع المضاربين

قامت صناديق التحوط ومديرو الاستثمارات بتكوين مراكز قوية في عقود النفط الخام في أعقاب غزو موسكو، لكنهم تخارجوا بسرعة من السوق، مما أزال بعض العوامل المسببة لارتفاع أسعار النفط.

وتظهر بيانات أمريكية أن صافي المراكز الطويلة الأجل لصناديق التحوط في عقود خام برنت قرب أدنى مستوى خلال السنوات العشر الماضية، وأن نسبة المراكز الطويلة إلى القصيرة الأجل عند أدنى مستوياتها منذ نوفمبر تشرين الثاني 2020.

كيف انهت أسعار النفط عام 2022؟

تقلبت أسعار النفط بشدة في عام 2022، لكنها أنهت العام يوم الجمعة محققة مكاسب سنوية للعام الثاني على التوالي.

وارتفع خام برنت في آخر جلسات التداول للعام يوم الجمعة بنحو 2.45 دولار للبرميل، أي حوالي ثلاثة بالمئة، ليبلغ عند التسوية 85.91 دولار للبرميل.

وبلغ خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 80.26 دولار للبرميل عند التسوية بزيادة 1.86 دولار أي 2.4 بالمئة.

وبالنسبة للعام بأكمله ارتفع برنت حوالي عشرة بالمئة بعدما قفز 50 بالمئة في 2021. وارتفع الخام الأمريكي حوالي سبعة بالمئة في 2022 بعدما زاد 55 بالمئة العام الماضي.

ومن المتوقع أن يواصل المستثمرون الحذر في ظل زيادة أسعار الفائدة والركود المحتمل.

هل أسعار النفط عرضة للمزيد من الانخفاض؟

من المتوقع على نطاق واسع أن تتمسك مجموعة أوبك+ بأحدث أهدافها لخفض إنتاج النفط، لكن بعض المحللين يعتقدون أن أسعار الخام يمكن أن تنخفض إذا لم تتخذ المجموعة قرارا بإجراء مزيد من التخفيضات.

وقالت مصادر لرويترز إن أوبك+ ترغب الآن في تقييم تأثير الحد الأقصى الذي يلوح في الأفق لسعر النفط الروسي على السوق والحصول على صورة أوضح لتوقعات الطلب على النفط في الصين، أكبر مستورد للخام في العالم، التي يتوقع أن تخفف القيود الصارمة لمكافحة فيروس كورونا بعد احتجاجات غير مسبوقة.

ومع ذلك لا يستبعد بعض المحللين حدوث مفاجأة، ويحذرون من أنه مع زيادة العرض حاليا في السوق فإن أوبك+ تخاطر بتراجع سعر النفط إذا لم تخفض أهداف الإنتاج بشكل أكبر.

وقال ستيفن برينوك المحلل لدى بي.في.إم أويل "لا يمكن استبعاد مزيد من خفض الإنتاج... عدم القيام بذلك يخاطر بإثارة نوبة بيع أخرى"، دون أن يوضح المستوى المنخفض الذي يعتقد أنه من الممكن أن تصل إليه الأسعار.

وتراجعت أسعار خام برنت، الذي سجل أعلى مستوى في 14 عاما فوق 139 دولارا للبرميل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الى أدنى مستوى في عام بالقرب من 80 دولارا للبرميل.

كيف ستكون أسعار النفط في 2023؟

أظهر استطلاع لرويترز أن أسعار النفط تتجه لتحقيق مكاسب طفيفة في عام 2023 إذ أن الخلفية الاقتصادية العالمية القاتمة وتفشي كوفيد-19 في الصين يهددان نمو الطلب ويبددان تأثير نقص الإمدادات الناجم عن العقوبات على روسيا.

وتوقع استطلاع شمل 30 من الاقتصاديين والمحللين أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 89.37 دولار للبرميل في 2023، أي أقل بنحو 4.6 بالمئة عن متوسط استطلاع أجري في نوفمبر تشرين الثاني وتوقع سعرا عند 93.65 دولار للبرميل. وبلغ متوسط سعر الخام 99 دولارا للبرميل في 2022.

ومن المتوقع أن يصل متوسط سعر الخام الأمريكي إلى 84.84 دولار للبرميل في 2023 مقابل 87.80 دولار للبرميل في الشهر السابق.

وقال برادلي سوندرز الخبير الاقتصادي المساعد في كابيتال إيكونوميكس “نتوقع أن ينزلق العالم إلى ركود في أوائل عام 2023 مع ظهور تأثيرات التضخم المرتفع وزيادة أسعار الفائدة”.

ونزل خام برنت أكثر من 15 بالمئة منذ أوائل نوفمبر تشرين الثاني وجرى تداوله عند حوالي 84 دولارا للبرميل يوم الجمعة إذ أدى ارتفاع إصابات كوفيد-19 في الصين إلى تراجع توقعات نمو الطلب على النفط في أكبر مستورد للنفط الخام في العالم.

وقال إدوارد مويا كبير المحللين في أواندا إن “سوق النفط لا تزال تعاني شحا في المعروض على الرغم من ضعف توقعات الطلب العالمي مع تزايد مخاوف الركود“، مضيفا أن الصين ستكون محور التركيز الأساسي في الربع الأول من العام المقبل.

وذكر معظم المحللين أن الطلب على النفط سيرتفع بشكل كبير في النصف الثاني من عام 2023، مدفوعا بتخفيف قيود كوفيد-19 في الصين واعتماد البنوك المركزية نهجا أقل تشددا بشأن أسعار الفائدة.

وأظهر الاستطلاع أنه من المتوقع أن يكون تأثير العقوبات الغربية على النفط الروسي ضئيلا.

وقال محللون في بنك جولدمان ساكس في مذكرة “لا نتوقع أي تأثير لسقف السعر، الذي سيمنح قدرة على المساومة للمشترين من دول أخرى”.

وذكرت شركة كبلر للبيانات والتحليلات “في حالة حدوث انخفاض حاد في الصادرات الروسية (وهو ما لا نتوقع حدوثه)، فمن المرجح أن تكون أوبك+ مستعدة لزيادة الإنتاج لمنع الأسعار من الارتفاع الشديد”.

عودة برنت إلى 110 دولار

لكن بنك مورجان ستانلي توقع ارتفاع أسعار خام برنت إلى نحو 110 دولارات للبرميل بحلول منتصف عام 2023، مشيرا إلى تلقي الأسعار دعما من ارتفاع الطلب واستمرار شح المعروض من الخام.

وقال البنك الاستثماري في مذكرة “ما زلنا نتوقع ارتفاع أسعار النفط بدعم من تعافي الطلب (بعد تخفيف الصين قيود كورونا وتعافي قطاع الطيران) وسط نقص المعروض بسبب انخفاض مستويات الاستثمار والمخاطر التي تواجهها الإمدادات الروسية وانتهاء عمليات السحب من احتياطي البترول الاستراتيجي وتباطؤ (إنتاج) النفط الصخري الأمريكي”.

وقال البنك إن الرياح المعاكسة للاقتصاد الكلي ستدفع السوق إلى زيادة طفيفة في المعروض، ومن المرجح أن تبقي الأسعار مقيدة إلى حد ما بنطاق معين خلال الربع الأول.

لكن مارتين راتس محلل النفط في مورجان ستانلي يتوقع عودة السوق إلى التوازن في الربع الثاني وأن تشهد شحا أكبر في النصف الثاني من عام 2023.

وبالنسبة للغاز الأمريكي، يتوقع البنك أن يفوق العرض الجديد الطلب في العام المقبل، مما يؤدي إلى توازن أقل، ويشكل مخاطر سلبية على أسعار ما بعد الشتاء.

من جهتها قالت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إنها تتوقع نموا قويا للطلب العالمي على النفط في عام 2023 مع اتجاه صعودي محتمل للاقتصاد نتيجة تخفيف سياسة “صفر كوفيد” التي تبنتها الصين لمكافحة فيروس كورونا وأدت إلى انكماش استهلاك النفط هذا العام في البلاد لأول مرة منذ سنوات.

وقالت أوبك في تقرير شهري إن الطلب على النفط في 2023 سيرتفع 2.25 مليون برميل يوميا، أو نحو 2.3 بالمئة، بعد نمو 2.55 مليون برميل يوميا في 2022. ولم يتغير التوقعان عن الشهر الماضي.

وذكرت المنظمة في التقرير أنه “على الرغم من أن أوجه عدم اليقين الاقتصادي حول العالم مرتفعة وأن آفاق النمو في اقتصادات رئيسية لا تزال تميل للاتجاه النزولي، فإن هناك عوامل ظهرت أيضا تدعم الاتجاه الصعودي وربما تعادل التحديات الحالية والقادمة”.

وقال التقرير في قسم منفصل إن “حل الصراع الجيوسياسي في شرق أوروبا وتخفيف سياسة صفر-كوفيد في الصين من شأنه أن يوفر بعض الدعم الصعودي”.

وأضافت المنظمة أن متوسط الطلب الصيني، الذي أثرت عليه إجراءات الحد من تفشي فيروس كورونا، سيبلغ 14.79 مليون برميل يوميا في 2022، بانخفاض 180 ألف برميل يوميا عن 2021. وتظهر أرقام أوبك التي جاءت في النشرة الإحصائية السنوية ارتفاع الطلب الصيني في الفترة من 2017 إلى 2021.

ووفقا لإنرجي آسبكتس، فإن انكماش الطلب الصيني السنوي على البنزين والديزل ووقود الطائرات هو الأول منذ عام 2002.

ورفعت أوبك في التقرير توقعاتها للنمو الاقتصادي في 2022 إلى 2.8 بالمئة وتركت توقعاتها لعام 2023 دون تغيير عند 2.5 بالمئة. وإلى جانب تخفيف سياسات كوفيد في الصين، فقد أشار التقرير إلى عوامل صعودية أخرى من بينها ضعف أسعار السلع الأولية.

وقالت أوبك “فرص الصعود- أو على الأقل العوامل التي تحقق التوازن- ربما تأتي من نجاح مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي في قيادة سفينة الاقتصاد إلى بر الأمان في الولايات المتحدة إلى جانب استمرار تراجع أسعار السلع الأولية وتسوية التوترات في شرق أوروبا”.

اضف تعليق